; logged out
الرئيسية / روسيا شريك هام للسعودية في نقل التكنولوجيا وتوطين التقنيات العسكرية

العدد 134

روسيا شريك هام للسعودية في نقل التكنولوجيا وتوطين التقنيات العسكرية

الثلاثاء، 05 شباط/فبراير 2019

كان لزيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لروسيا في أكتوبر 2017م، أكبر الأثر في دفع العلاقات الروسية ـ الخليجية لمستويات غير مسبوقة من التعاون والتنسيق بين الجانبين خلال عام 2018م، وهو ما بدا واضحًا خلال لقاء الرئيس بوتين وولى العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، على هامش فعاليات كأس العالم لكرة القدم في يونيو ثم على هامش قمة العشرين في نوفمبر، ومصافحتهما الشهيرة التي تصدرت وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية. وكذلك في زيارة ولى عهد أبو ظبي، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، لروسيا في يونيو، والتي تم خلالها توقيع إعلان الشراكة الاستراتيجية بين البلدين. وهناك مجموعة من العوامل والمؤشرات التي تدفع باتجاه مزيد من التطور في العلاقات الروسية الخليجية.

أولها، الرغبة المشتركة في تطوير التعاون بين الجانبين في ضوء المصالح المتبادلة للطرفين، فمن ناحية، تبدي روسيا اهتمامًا ملحوظًا بتطوير شراكات جادة ومستقرة مع دول الخليج، وصياغة تفاهمات استراتيجية حول القضايا محل الاهتمام المشترك، على النحو الذي يسهم بفاعلية في القضاء على الإرهاب وتعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي، ومن ناحية أخرى تبدو روسيا شريكًا جادًا وواعدًا بالنسبة لدول الخليج في تحقيق الطفرة التقنية التي تأملها في مختلف المجالات.

في هذا الإطار، تعتبر الشراكة الروسية الخليجية في سوق الطاقة حجر زاوية لدعم اقتصاد الجانبين. وقد عكس اجتماع "أوبك +" الأخير يوم 6 ديسمبر الماضي مدى حيوية هذه الشراكة بالنسبة لروسيا والخليج، فرغم الضغوط الأمريكية ومطالبة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دول أوبك بخفض أسعار النفط من خلال الامتناع عن خفض الإنتاج، فإن المملكة العربية السعودية وروسيا توصلتا إلى اتفاق لخفض إنتاج النفط بمقدار 1.2 مليون برميل يوميًا، على مدار 6 أشهر، بدءًا من يناير 2019م، من أجل دعم أسعار النفط التي تراجعت أكثر من الثلث في الربع الأخير من العام الماضي.

في هذا السياق تعتبر مؤشرات انخفاض أسعار النفط خلال العام الجاري تحد هام سيفرض على الجانبين التنسيق لمواجهته. فعدد من المحللين يروا أن أسعار النفط بصدد انخفاض جديد، وخلافًا لما توقعه محللون كبار ومتعاملون كثيرون أن يسجل الخام 100 دولار للبرميل من جديد بنهاية 2018م، محت أسعار برنت كل مكاسب 2018م، لتهوي نحو 40% وتسجل حوالي 53 دولار للبرميل فيما أصبح أحد أشد تراجعات سوق النفط على مدى العقود الثلاثة الأخيرة. جاء ذلك بعد أن أعطت واشنطن على غير المتوقع استثناءات سخية من العقوبات لأكبر مشتري النفط الإيراني، ومع تأثر توقعات الطلب على الخام سلبًا بفعل بواعث القلق من تباطؤ الاقتصاد العالمي والحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، وزيادة الإنتاج الأمريكي من الزيت الصخري حيث لا تشارك الولايات المتحدة في أي مبادرات لتقييد الإنتاج بسبب قوانين مكافحة الاحتكار لديها وتشظي قطاعها النفطي.

يضاف إلى ما سبق الاستثمارات المشتركة الواعدة بين الطرفين وأبرزها صفقة الصندوق الروسي للاستثمارات المباشرة وصندوق الاستثمارات العامة السعودي الخاصة بشراء الجانب السعودي 30% في شركة "نوفوميت" الروسية التي تقوم بصناعة المعدات لقطاع النفط والغاز، لتصبح "نوفوميت" الشركة الروسية الأولى التي تورد المعدات لشركة "أرامكو" السعودية التي تعتبر أكبر الشركات النفطية في العالم وشريك هام جدًا لروسيا، وتتم دراسة عدة مشاريع لاستثمار "أرامكو" في روسيا منها مشروع "أركتيك أس بي جي 2" للغاز الطبيعي المسال، ومشاريع أخرى في مجال البتروكيماويات.

وقد شارك وزير الطاقة السعودي، خالد الفالح، في منتدى بطرسبرج الاقتصادي الدولي، في مايو الماضي، بصحبة وفد هو الأكبر في تاريخ المنتدى، حيث ضم أكثر من 150 مسؤولا ورجل أعمال، كما شارك في المنتدى كل من وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي، ورئيس الوزراء البحريني الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة. وقد أكد الأخير حرص بلاده على تسريع خطوات التعاون الاقتصادي والسياسي مع جمهورية روسيا الاتحادية. وأكد سفير البحرين لدى روسيا، أحمد الساعاتي، أن بلاده تريد أن تدعو الشركات الروسية للمشاركة في عمليات الاستكشاف والاستخراج وفي جميع عمليات صناعات النفط، لأن هذا سيكون منعطفًا في تاريخ الاقتصاد البحريني، في إطار التوجه القوي نحو صناعة النفط بإنشاء المصافي، ومن حيث معالجة النفط الخام واستخراج مشتقاته وكل الصناعات المرتبطة بذلك. وأن روسيا متقدمة جدًا في هذا المجال، وهناك اتصالات بحرينية مع العديد من الشركات الروسية مثل "غازبروم" و"تات نفط" و"روس نفط" و"لوك أويل".

وتأمل المنامة أن يكون هناك تعاون مع مختلف الشركات الروسية المعنية على غرار الاتفاق الذي تم التوقيع عليه قبل سنتين مع "غازبروم" والخاص باعتبار البحرين مركزًا لتوزيع الغاز الروسي في المنطقة، وقد انتهت البحرين من إنشاء المخازن والحاويات التي سوف تستقبل الغاز المسال. وهناك مشروع معروض من جانب وزارة التجارة والصناعة وبنك التجارة الخارجية وبعض الشركات المنتجة في روسيا بإنشاء مركز لتوزيع الحبوب الروسية إلى العالم العربي في البحرين، ومشروعات أخرى في مجال استيراد الأغذية من روسيا. في نفس السياق أبدى سفير الكويت لدى روسيا، في تصريح له يوم 25 ديسمبر، استعداد بلاده للاستثمار بـ "مئات المليارات من الدولارات" في روسيا، وأشار سيرجي تشيبوتاريوف، وزير شؤون شمال القوقاز أن المستثمرين العرب يبدون اهتمامًا كبيرًا بمنتدى القوقاز الاقتصادي الدولي الذي عُقد في نوفمبر.

كما انعقد في نوفمبر بموسكو المنتدى الاستثماري "أبو ظبي موسكو"، الذي شارك فيه 10 شركات حكومية و400 شركة خاصة من الجانبين، وجاء المنتدى في إطار فعاليات أسبوع الاستثمار الروسي الإماراتي، بهدف تطوير الشراكة الاقتصادية والعلاقات الاستثمارية بين البلدين، واستغلال الآفاق الواسعة لتطوير العلاقات بين موسكو وأبو ظبي في الكثير من المجالات، منها الغذائيات والسلع والخدمات والسياحة. وقد نجح البلدان في إطلاق مجموعة من الاستثمارات المشتركة من أبرزها الاستثمار المشترك بين الصندوق الروسي للاستثمارات المباشرة وشركة مبادلة الإماراتية في حوالي 40 صفقة مشتركة في روسيا بقيمة تتجاوز 2 مليار دولار أبرزها في مطار بولكوفو بمدينة بطرسبورج الروسية،إلى جانب الاستثمارات في مجال البتروكيماويات، والمشاريع بمشاركة شركة موانئ أبو ظبي، والمشاريع الاستثمارية في الأقاليم الروسية، ومنها استثمارات في جمهورية الشيشان الروسية. إضافة لذلك تعتزم الإمارات الانضمام إلى شراكة تنتج روسيا في إطارها سيارات فارهة من طراز "أوروس"، وهي العلامة التجارية لسيارات "كورتيج" التي صنعت إحداها للرئيس بوتين خصيصًا. ودعا وزير التنمية الاقتصادية الروسي مكسيم أوريشكين رجال الأعمال الإماراتيين للتعاون مع بلاده في إنشاء المنطقة الصناعية الروسية في مصر والمشروعات الاقتصادية التي تنفذها في دول عربية وإفريقية أخرى.

 

وإذا كان مجال الطاقة والاستثمارات المشتركة يمثل العمود الفقري للشراكة الاقتصادية والتقنية بين روسيا ودول الخليج، فإن مجال السياحة يعد من مجالات التعاون الواعدة بين الجانبين، باعتبار روسيا أحد أكبر الأسواق العالمية المصدرة للسياحة، وهناك آفاق رحبة لجذب السياحة الروسية للأسواق الخليجية، وفي هذا الإطار، أصدرت الإمارات قرارًا بتبسيط نظام التأشيرات للروس بمنحهم التأشيرة لدى وصولهم، الأمر الذى أسهم في تضاعف تدفقات السياحة الروسية إلى الإمارات، وجعل من الأخيرة وجهة سياحية مفضلة للروس، ومع زيادة الخطوط الجوية ووصولها إلى المدن الروسية الأخرى يتوقع زيادة كبيرة في حجم الوجود السياحي الروسي في الإمارات.

كذلك، أكدت وزارة السياحة العمانية في 22 سبتمبر أن جذب السائحين من روسيا الاتحادية يمثل واحدة من أهم أولويات السلطنة في المجال السياحي، وأن الاهتمام بالسوق السياحي الروسي يعد من أهداف الوزارة منذ فترة طويلة، ولهذا فإنها حريصة على المشاركة في المعارض السياحية الروسية المتخصصة كمعرض "Leisure" والمشاركة المقترنة بالفعاليات والأسابيع والمعارض الثقافية والإعلامية التي تقيمها مختلف الجهات الحكومية العمانية في روسيا. وقد عقدت ورشة عمل ترويجية للمقومات السياحية والعروض والمنشآت الفندقية بالسلطنة في موسكو في سبتمبر بمشاركة مسؤولين من وزارة السياحة العمانية وشركة الطيران العمانية ومسؤولين عن 15 منشأة سياحية من السلطنة، وأكثر من 200 شركة روسية متخصصة في السياحة والسفر بمنطقة الشرق الأوسط، بهدف التعريف بالمنتج السياحي العماني والعروض المقدمة من 16 منشأة فندقية"، وذلك تزامنًا مع اقتراب تدشين رحلات الطيران العماني اليومية المباشرة بين مسقط وموسكو في أكتوبر، والتسهيلات المتاحة لحصول السائح الروسي على تأشيرة زيارة السلطنة، إضافة إلى فتح قنوات تواصل مباشرة بين السلطنة والسوق السياحية الروسية من خلال اللقاء المباشر مع منظمي الرحلات السياحية والشركات المتخصصة في سوق الشرق الأوسط.

ولا شك إن تدفقات السياحة الروسية لدول الخليج على هذا النحو المأمول ستنقل العلاقات الروسية الخليجية إلى مستويات أكثر عمقًا وأوسع نطاقًا من الطابع الرسمي الضيق الذي غلب عليها لعقود، وستسمع بتفاعل ثقافي وإنساني بين الشعوب سيكون له بالغ الأثر في دعم الشراكة بين الجانبين على مختلف المستويات وإيجاد حاضنة شعبية وإنسانية تغذي هذه الشراكة وتقويها.

 

ومن الشراكات الروسية الخليجية الواعدة أيضًا تلك في مجال الفضاء، وقد أكد رئيس إدارة التعاون الدولي في شركة "روس كوسموس" الحكومية الروسية، ديميتري لوسكوتوف، على أن هناك آفاق رحبة للتعاون خاصة مع المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين، وأن الشركة تبحث إمكانية تدريب رواد الفضاء من السعودية والبحرين لإطلاقهم لاحقًا إلى المحطة الفضائية الدولية أسوة بما تم الاتفاق عليه مع الإمارات. وسيقوم مركز "جاجارين" الروسي لإعداد رواد الفضاء بتدريب رائدي فضاء من الإمارات، وذلك وفق الاتفاقية الموقعة بين البلدين في الأول من أكتوبر، ومن المقرر أن يقوم أحدهما برحلة إلى المحطة الفضائية الدولية عام 2019م، من ناحية أخرى وافق مجلس الوزراء السعودي، في 11 سبتمبر الماضي، على اتفاقية تعاون مع روسيا في مجال استكشاف الفضاء الخارجي واستخدامه في الأغراض السلمية، ويتضمن ذلك مشاريع مشتركة في مجال الاستشعار عن بعد ورصد الأرض باستخدام الأقمار الصناعية العاملة في مجال الاستشعار الراداري والحراري للأرض عن بعد، وخدمات تطوير وتصنيع ووضع المركبات الفضائية المدارية، والاتصالات والملاحة والأرصاد الجوية ورسم الخرائط، وإنشاء بنية تحتية أرضية ملائمة، وغيرها من المهام التي تخدم الأهداف العلمية والتنموية للمملكة.

 

يتزامن هذا مع فرص هامة لتنمية التعاون العسكري التقني بين الجانبين، وقد أشار ألكسندر ميخييف المدير العام لشركة "روسوبورون إكسبورت" الروسية المسؤولة عن مبيعات السلاح، إلى أن دول الخليج العربية تبدي اهتمامًا كبيرًا بالمعدات والأسلحة الروسية الحديثة، وأن طلبها على السلاح الروسي مستمر، ويتضمن ذلك منظومات الدفاع الجوي والطائرات الحربية والمروحيات والدرونات وغيرها. وأن من أكثر ما يثير اهتمام دول الخليج المقاتلة "سوخوي-35" العالية المناورة، والمقاتلة " ميغ -29 م / م 2" وطائرة التدريب القتالية "ياك-130"، إضافة إلى المروحيات القتالية "مي-28 ن إي" ومروحية الاستطلاع القتالية "كا-52" ومروحية النقل المقاتلة "مي-35 م"، ومنظومات الدفاع الجوي "إس400" والمجمعات الصاروخية المضادة للطائرات من طراز "بوك"، "تور"، ومجمعات "بانتسر-1" المدفعية الصاروخية والصواريخ المضادة للطائرات المحمولة على الكتف "فيربا".

وقد تم توقيع مذكرة نوايا بين روسيا والإمارات حول شراء الأخيرة مقاتلات "سو-35" الروسية الملقبة بـ "وحش" سلاح الجو الروسي. وأشار مساعد وزير الدفاع السعودي، محمد بن عبد الله العايش، في 21 أغسطس الماضي، أن المملكة العربية السعودية مهتمة بتطوير العلاقات مع روسيا خاصة في المجال العسكري، تنفيذًا لأوامر الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وولي العهد محمد بن سلمان. وأكد العايش أن لدى روسيا والسعودية نهج مماثل في مكافحة الإرهاب الدولي، وأنه في ظل الظروف الراهنة، تظهر تهديدات جديدة من مجموعات إرهابية مختلفة يمكن أن تتمركز على أراضي عدة دول في آن واحد، ويتطلب مكافحة هذه الفصائل، التي تمارس أعمالاً حربية، جهودًا كبيرة ونهجًا جديدًا للقوات المسلحة للقضاء على هذا الشر.

وعقب توليه منصبه أعلن وزير الحرس الوطني السعودي الجديد الأمير عبد الله بن بندر ابن عبد العزيز أنه سيتم تنويع التسليح من الخارج بحيث لا يقتصر على دول معينة بل يشمل دولا عديدة وبما يحقق مصالح المملكة.وأكد أنه سيعمل على الإفادة من الهيأة العامة للصناعات العسكرية والشركة السعودية للصناعات العسكرية وغيرها من الشركات السعودية لتسليح الحرس الوطني من المحتوى المحلي وبما لا يقل عن 50%، تحقيقًا لرؤية المملكة 2030. وفى هذا السياق تبرز روسيا كشريك هام في مثل هذا الخط ليس فقط كمصدر للسلاح، وإنما كشريك في نقل التكنولوجيا وتوطين التقنيات العسكرية اللازمة لتطوير الإنتاج الوطني من الأسلحة في المملكة العربية السعودية، وذلك إسوة بشراكات روسية هامة مع دول أخرى منها الهند على سبيل المثال وغيرها.

ومن أبعاد التعاون العسكري الروسي الخليجي الهامة أيضًا تحديث الأسلحة الروسية التي بحوزة دول الخليج، ومن ذلك تحديث عربات القتال المدرعة من طراز "بي.إم.بي - 3" التي تستخدمها القوات المسلحة الإماراتية، وقد أشار نائب مدير شركة "روس أوبورون اكسبورت" الروسية، إيجور سيفاستيانوف، إلى الانتهاء من تنفيذ عقد تحديث حوالي 135 عربة قتال مدرعة من إجمالى700 عربة مدرعة بالجيش الإماراتي، وإنه جاري بحث تحديث دفعة جديدة منها.

 

ثانيًا، نجاح الطرفين في بلورة تفاهم استراتيجي وتراجع التباعد بينهما حول القضايا الإقليمية. فقد ساهمت الزيارة التاريخية التي قام بها الملك سلمان بن عبد العزيز لموسكو وزيارات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى موسكو في تقريب المواقف ووجهات النظر بين الجانبين حول القضايا الإقليمية، والتأسيس لشراكة استراتيجية خليجية روسية لمواجهة التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية التي تواجه دول المنطقة في ظل تدهور الأوضاع في سوريا واليمن وليبيا والعراق، فضلاً عن تنامي خطر الإرهاب وانخفاض أسعار النفط.

في هذا السياق أيضًا، وخلال زيارته لموسكو في يونيو، وقع الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، والرئيس فلاديمير بوتين، إعلان الشراكة الاستراتيجية بين البلدين. وينص الإعلان على تطوير شراكة استراتيجية للعلاقات القائمة بين الإمارات وروسيا تشمل المجالات السياسية والأمنية والتجارية والاقتصادية والثقافية إضافة إلى المجالات الإنسانية والعلمية والتكنولوجية والسياحية. ويتضمن ذلك أيضًا إجراء المشاورات بشكل منتظم بين وزيري خارجية البلدين بهدف تعزيز الحوار والتنسيق المشترك بينهما حول القضايا الثنائية والإقليمية والدولية ذات الاهتمام من الجانبين.

وقد أكد الشيخ محمد بن زايد على كون "روسيا دولة كبرى لها دورها المهم والمحوري في تحقيق الأمن والاستقرار على المستويين الإقليمي والعالمي، وإن استمرار التنسيق والتشاور معها بشأن قضايا المنطقة أمر ضروري لضمان تحقيق الأمن والاستقرار المنشود". وأن "هناك العديد من المصالح المشتركة التي تربط بين الإمارات وروسيا، ويأتي على رأسها موقف البلدين الثابت والحاسم بشأن مواجهة ظاهرة الإرهاب والتطرف، باعتبارها تشكل تهديدًا عالميًا يستهدف الكل دون استثناء، يتطلب مزيدًا من التنسيق والتعاون الدولي والإقليمي لمواجهته".

ولقد اسهمت كل هذه التطورات في تراجع التباعد بين الطرفين حول عدد من القضايا الإقليمية وأهمها الأزمة السورية التي طالما كانت حجر عثرة تعرقل التفاهم والتعاون بينهما، بل وأدت إلى تراجع واضح في العلاقات الروسية الخليجية بعد الانطلاقة التي شهدتها في أعقاب زيارات الرئيس بوتين لدول الخليج أواخر العقد الماضي. فقد قامت الإمارات بإعادة فتح سفارتها لدى دمشق، يوم 27 ديسمبر الماضي، وأكد وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، أن الخطوة جاءت بهدف تفعيل الدور العربي بسوريا لمواجهة التغول الإيراني التركي فيها، موضحًا أن "الإمارات تسعى اليوم عبر حضورها في دمشق إلى تفعيل هذا الدور وأن تكون الخيارات العربية حاضرة وأن تساهم إيجابًا تجاه إنهاء ملف الحرب وتعزيز فرص السلام والاستقرار للشعب السوري". وكانت دول الخليج قد قامت عام 2012م، باستدعاء سفرائها من سوريا، وطلبت من جميع سفراء سوريا مغادرة أراضيها "بشكل فوري"، إثر احتدام المعارك وتفاقم الأزمة السورية.

كما أعلنت البحرين، يوم 28 ديسمبر الماضي أيضًا، استمرار عمل سفارتها لدى سوريا، وأن الرحلات الجوية بين البلدين قائمة دون انقطاع، وأكدت حرص مملكة البحرين على استمرار العلاقات مع سوريا، وأهمية تعزيز الدور العربي وتفعيله، من أجل الحفاظ على استقلال سوريا وسيادتها ووحدة أراضيها ومنع مخاطر التدخلات الإقليمية في شؤونها الداخلية، بما يعزز الأمن والاستقرار فيها ويحقق للشعب السوري طموحاته في السلام والتنمية والتقدم. وسيتيح ذلك تنسيق خليجي أوسع نطاقًا مع روسيا بالنظر للدور المحوري الذي تلعبه الأخيرة في الأزمة السورية على مستوى تسوية الأزمة من ناحية، وجهود إعادة الإعمار والدور الخليجي الهام في هذا الإطار من ناحية أخرى.

ثالثًا، احترام روسيا لشركائها وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لهم كتوجه عام، فخبرة الداخل الروسي تجعل روسيا متمسكة بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وأكثر حذرًا في هذا الخصوص. فقد عانت روسيا من التدخلات الغربية في شؤونها، على المستوى الداخلي وأيضًا في علاقاتها بدول الاتحاد السوفيتي السابق التي تعتبر مجالها الحيوي وصمام أمنها القومي، ومن ثم فهي تؤكد أن تطورات الداخل هي شأن يخص الدول المعنية وحدها ولا يحق لأي دولة أن تنصب نفسها وصيًا على غيرها، ولا يحق لأدى دولة أن تفرض عقوبات أحادية الجانب على غيرها، وأن الأمم المتحدة تظل هي صاحبة الاختصاص في هذا الشأن. وكذلك الحال فيما يتعلق بالخلافات الإقليمية، التي عادة ما تتخذ موسكو موقفًا يدعم الاحتواء والحلول التوافقية عبر الحوار والمفاوضات المباشرة بين الأطراف المعنية، وهو الموقف الذي برز بوضوح من أزمة الرباعي العربي (السعودية، مصر، الإمارات، البحرين) وقطر حيث أكدت روسيا على كونها أزمة خليجية ويتعين تسويتها في إطار البيت الخليجي. الأمر الذي يكسبها احترام وثقة الشركاء، ويمكن من بناء شراكات "مستقرة" معها، لا تتأثر بأي تطورات داخلية، ولا تختلط فيها الأوراق، ولا توظف فيها المصالح كأدوات ضغط لخدمة أهداف أحد الأطراف على حساب الطرف الآخر واستقراره.

إن العوامل الثلاثة السابقة تمثل بعض أبرز المؤشرات التي تدعم اتجاه العلاقات الروسية الخليجية نحو مستويات أعلى من الشراكة الاستراتيجية متعددة الأبعاد، والتي تتقدم نحو المستقبل بقدمين راسختين هما المصالح، والثقة والاحترام المتبادل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* أستاذ العلاقات الدولية، ومديرة وحدة الدراسات الروسية بجامعة القاهرة.

مجلة آراء حول الخليج