; logged out
الرئيسية / نمو السكان: التحدي الحاسم في القرن الحادي والعشرين

العدد 93

نمو السكان: التحدي الحاسم في القرن الحادي والعشرين

الجمعة، 01 حزيران/يونيو 2012

سيواجه العالم خلال القرن الحالي تداعيات الانفجار السكاني الأكبر في تاريخ البشريّة.تخيّل أنّ عدد سكان العالم ازداد خلال أربعين سنة بملياريّ إنسان يحتاجون إلى الغذاء والماء والمأوى في ظلّ ضغوط التحوّل المناخي على هذه الاحتياجات الأساسية للإنسان. وما لم تُتّخذ الإجراءات اللازمة الآن، ستواجه مليارات البشر في شتى أنحاء العالم الجوع والعطش وظروفاً قاسية ونزاعات من جرّاء الجفاف ونقص الأغذية وتدهور البنى التحتية للمدن والهجرة ونضوب الموارد الطبيعية. حينئذٍ، سيكافح العالم جاهداً لرفع الإنتاج الزراعي لكي يلبي الطلب المتزايد على الأغذية.

فالنمو المتوقّع في هذا الطلب مذهل. وبالتالي، سيزداد عدد الذين يحتاجون إلى الغذاء كما أنّ تنوّع الأذواق سيعني:

  • ضرورة مضاعفة الإنتاج الزراعي في أربعة عقود
  • ونمو استهلاك المياه بنسبة 30% بحلول عام 2030
  • وثلاثة مليارات إنسان إضافيين يبحثون عن مساكن في المدن في منتصف القرن.

يُضاف إلى هذا كلّه تزايد الطلب على الطاقة لدعم النمو الاقتصادي في الدول الصناعية العريقة والناشئة والمستقبلية، على حدّ سواء، ما سيُضاعف الطلب على الطاقة بحلول عام 2050، الأمر الذي سيُمثّل تحدياً كبيراً لجميع حكومات ومجتمعات العالم.

لكنّ الخبر السار حمله تقرير للمؤسسة البريطانية للمهندسين الميكانيكيين صدر مؤخراً تحت عنوان "السكان: كوكب واحد وكثير من البشر؟". وهو يؤكّد على أنّ التحديات المتوقّعة يمكن قهرها بواسطة التقنيات الهندسية المعروفة والممارسات المستدامة. وبالنتيجة، خلص هذا التقرير إلى أنه لا داعي لتأجيل التحرّك العالمي في انتظار اكتشافٍ تقني مهم أو اختراقٍ ما في وسائل الحدّ من النمو السكاني.

وخلص التقرير أيضاً إلى أنّنا أمام فرصة فريدة بفضل توافر التقنيات النظيفة والمعرفة اللازمة لتمكين الاقتصادات الناشئة من "تفادي" الانبعاثات الكربونية الضخمة، التي تطبع المرحلة المبكّرة للتصنيع. وهذا مهم للغاية لأنّ أكبر الانبعاثات الكربونية المتوقعة ستولّدها الاقتصادات الناشئة التي ستُسجّل أكبر زيادات في السكان.

من المتوقع أنْ يزداد عدد سكان العالم ليصل إلى تسعة مليارات نسمة بعد أربعين سنة

سيتشكّل نظام عالمي جديد عندما تظهر دول غنية بمصادر الطاقة الجديدة القابلة للاستخدام بيسر

الانفجار السكاني في إفريقيا قد يؤدي إطلاق كمية إضافية من الانبعاثات الكربونية

إجمالاً، من المتوقع أنْ يزداد عدد سكان العالم خلال العقود القادمة ليصل إلى تسعة مليارات نسمة بعد أربعين سنة (بالمقارنة مع 6.9 مليار نسمة حالياً)، ثمّ سيبلغ ذروته وقدرها 9.5 مليار نسمة في عام 2075. لكنّ هذه الأرقام الكليّة لا تعكس الإتجاهات السكانية الإقليمية خلال العقود القادمة، الأمر الذي يُحتم علينا اقتراح ثلاث فئات ستغطي خصائص معظم دول العالم.

1) ستمتاز الاقتصادات الصناعية العريقة، إلى حدّ كبير، بثبات أو انخفاض عدد سكانها . على سبيل المثال، يُتوقع أنْ ينخفض عدد سكان الاتحاد الأوروبي بنسبة 20% بحلول عام 2100. وسيكون للإنخفاض المصاحب في عدد الشباب انعكاسات سلبية واضحة على الخدمات الاجتماعية والرعاية الصحية وتركيبة القوة العاملة. لكنّ النزاعات الناجمة عن الانفجار السكاني وآثار التحول المناخي خارج الاقتصادات الناضجة ستنعكس سلباً عليها أيضاً، وذلك من خلال سلاسل إمدادات المنتجات الزراعية الخامّ والمصنّعة المتنافَس عليها.

2) ستشهد الاقتصادات الناشئة التي تمتاز حالياً بمستويات عالية من التصنيع انخفاضاً في معدلات النمو السكاني كلما ازدادت وفرة المعروض المحلي من السلع الغذائية . على سبيل المثال، في آسيا التي تضمّ اليوم نصف سكان العالم، يُتوقّع أنْ يزداد عدد سكانها بنسبة 25% فقط ليبلغ الذروة في عام 2065، ليعود إلى الانخفاض على نحو مماثل لبعض الاقتصادات الصناعية العريقة. وبالرغم من معدلات النمو السكاني المعتدلة في آسيا، إلا أنّ الازدياد المستمر في عدد سكانها والمصحوب بمعدلات عالية لنمو دخل وثروة الفرد، قد تؤدّي إلى توتّرات جيو ـ سياسية بين بعض الدول الآسيوية بسبب النزاعات على الموارد الطبيعية، مثل مصادر المياه المشتركة والمواد الأولية اللازمة للصناعة.

3) أما الاقتصادات النامية حديثاً والمتخلّفة حالياً والتي بدأت التصنيع، فإنها تُمثل الفئة الثالثة . وتمتاز هذه الاقتصاد بنمو سكاني متسارع سيُساهم في معظم الزيادة الكليّة في سكان العالم حتى عام 2075. وتتصدّر قارة  إفريقيا هذه الفئة لأنّ عدد سكان العديد من دولها مرشّح للإرتفاع إلى 200% أو 300% بحلول عام 2050. وسيولّد هذا النمو ضغوطاً متصاعدة على الإنتاج المحلي المتزايد للأغذية وعلى مصادر المياه وإمدادات الطاقة. وإذا أضفنا إلى هذه الضغوط التوتّرات الاجتماعية والسياسية الناجمة عن التوسّع العمراني الذي سيخرج عن السيطرة والنمو الدراماتيكي للأحياء الفقيرة والنزاعات المحلية والعابرة للحدود، فإنّ النتائج المحتملة ستتمثل بزعزعة استقرار الممرات البحرية للتجارة العالمية وهجرة أعداد كبيرة من سكان مناطق النزاعات إلى مناطق أكثر استقراراً، مثل أوروبا.

وقد تنشأ توتّرات جيو ـ سياسية بين دول هذه الفئات الثلاث نتيجةً للتنافس على الوقود الأحفوري (الفحم الحجري والنفط والغاز) ومصادر الطاقة التي تحتوي على نسب منخفضة من مادّة الكربون. إذ يحتاج التصنيع إلى الحصول على كميات وفيرة من الطاقة بأسعار معقولة للتخلّص من الفقر وتحقيق التنمية الاقتصادية وبناء مجتمع ما بعد التصنيع.

لقد علّمنا التاريخ مراراً وتكراراً أنّه من دون هذه الطاقة ستتعرض المجتمعات إلى الانهيار في آخر المطاف، لأنّ التعقيدات الإضافية ستؤدي إلى تدني عوائد الإستثمارات. وسيتشكّل نظام عالمي جديد عندما تظهر دول غنية بمصادر الطاقة الجديدة القابلة للاستخدام بيسر، مثل الطاقة الشمسية في شمال إفريقيا وفي دول أخرى سيطرت على إمدادات الطاقة في القرن العشرين وكافحت من أجل الحفاظ على الثروة والنفوذ.

لقد تجلى لنا أنّ الاقتصادات الناشئة شديدة الحرص على تحقيق النجاح. وإذا بدأت هذه الدول بإطلاق الغازات الدفيئة على نحو مماثل للدول الصناعية المتقدمة في الماضي؛ أي بمستويات عالية وغير مقبولة، فإنّ النتيجة ستكون مزعجةً لنا جميعاً.

على سبيل المثال، بالرغم من التصنيع والنمو الاقتصادي ظلّ متوسّط الانبعاثات الكربونية للدول الافريقية في القرن الحادي والعشرين عند المستويات الحالية المعتدلة للدول الآسيوية. لكنّ الانفجار السكاني في إفريقيا قد يؤدي إطلاق كمية إضافية من الانبعاثات الكربونية تُقدّر بنحو تسعة آلاف مليار طن سنوياً. وتمثّل هذه الكمية وحدها ربع الحجم الكلي للإنبعاثات الكربونية العالمية الحالية. وفي عالم يكافح من أجل تقليص الانبعاثات الكربونية التي خلّفتها في الماضي البنى التحتية الصناعية البدائية، تُعدُّ النتيجة الآنفة الذكر تطوراً مأساوياً لا يمكن التساهل معه، خصوصاً أننا نمتلك اليوم ما يكفي من المعرفة والتقنيات لتفادي مثل هذه النتيجة.

ومن خلال تطبيق الحلول الهندسية المتاحة، مثل التقنية الحيوية والمكننة والأتمتة المتزايديْن وتقليص النفايات، وطرق التخزين والتوزيع المتقدمة وإدارة المياه بفاعلية كبيرة، يمكن تلبية الطلب العالمي المتوقع على الأغذية وأكثر.

كذلك الأمر، يُمكن تغطية الاستهلاك المستقبلي للمياه من خلال التقدّم القائم في إدارة المياه الجوفيّة وجمع وتخزين المياه السطحية وإعادة تدوير المياه وتحلية مياه البحر.

وفي البيئة الحضرية، يمكن النجاح في معالجة البنى التحتية الضعيفة عبر التخطيط المتكامل والنماذج المبتكرة للملكية الجماعية. ويعيش اليوم ثلث سكان مدن العالم في ظروف سيئة بسبب صعوبة أو عدم الحصول على مياه نظيفة أو على الكهربائية أو بسبب عدم توافر شبكات للصرف الصحي.

وقد تلعب الحلول الهندسية دوراً مهماً في معالجة التهديد المتمثل بارتفاع منسوب البحار بالقرب من المدن. ويقع ثلاثة أرباع مدن العالم الكبيرة على السواحل كما يقع بعض أكبر مدن الدول النامية عند مصبّات بعض الأنهار (مثل بانكوك وشنغهاي)، حيث ستؤدي الانجرافات الطينية إلى تعقيد هذا التحدي. ونظراً إلى الفترات الزمنية الطويلة اللازمة لتنفيذ الاستراتيجيات ذات العلاقة، كبناء هياكل للوقاية من الفيضانات، فإنّ تقييم الارتفاعات المتوقّعة والحلول المحتملة يستلزم اهتماماً فورياً من جانب المدن الساحلية حول العالم.

سيلعب تمويل المقاربات الإبداعية دوراً مهماً ليس فقط في مجال المقاربات الهندسية المتعلقة بالمدن، لكنْ أيضاً في مجال تطبيق تقنيات الطاقة النظيفة على نطاق واسع، مثل الطاقتيْن الشمسية والريحية والمولدات الهيروليّة الصغيرة، بالإضافة إلى المحطات المزدوجة لتوليد الطاقة الحرارية والكهربائية وتوسيع استخدام الطاقة المستخرَجة من الكتل العضوية أو النفايات. ولتوفير كميات ضخمة من الطاقة والمياة وتشجيع تبنّي التقنيات المستدامة محلياً، لا بد من توفير آليات خلاقة، مثل القروض الإبداعية والتمويل المبتكر والقروض المعفية من الفوائد خلال المرحلة الانتقالية، بالإضافة إلى ابتكار نماذج جديدة للملكية الفردية والجماعية، مثل صناديق الاستثمار، وذلك بهدف تقليص استثمار رأس المال إلى أدنى مستوى ممكن.

من الصعب التنبّؤ بالتحولات المناخية التي ستشهدها جميع مناطق العالم لأنّ الارتفاع المحتمل في درجة حرارة الأرض مع نهاية القرن الحالي، يتراوح من ثلاث درجات مئوية إلى ستّ درجات مئويّة. لكنْ في بعض المناطق، خصوصاً في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، سيؤدي التحول المناخي إلى تعزيز قدرة الدول على معالجة النمو السكاني المحلي، وذلك من خلال زيادة الانتاج الزراعي أو الحصول على الطاقة بسهولة أكبر، مثلاً. أما في المناطق الأخرى، فإنّ أحوال الطقس القاسية وارتفاع درجة حرارة الأرض والأنماط الشاذة لهطول الأمطار، ستؤدي على الأرجح إلى الحدّ من قدرة الدول على التعامل مع النمو السكاني بفاعلية.

تبرهن الأدلة المتوافرة على أنّ الحلول الهندسية المستدامة تستهدف بالدرجة الأولى معالجة العديد من التحديات المحتملة التي قد تنجم عن النمو السكاني، بالإضافة إلى تخفيف آثار التحوّل المناخي.

وتشير التقديرات إلى إمكانية هجرة مليار نسمة بسبب التحول المناخي خلال السنوات الأربعين القادمة، التي ستشهد تصاعداً في الكوارث الطبيعية وحالات الجفاف وارتفاع منسوب البحار والنزاعات حول الموارد الطبيعية الآخذة في النضوب. لكنّ الهجرة الواسعة النطاق من مثل هذه المناطق ستفرض ضغوطاً إضافية كبيرة على مناطق العالم التي ستشهد تحوّلات مناخية معتدلة، ناهيك عن الهواجس الأمنية المرتبطة بالهجرة.

وتبرهن الأدلة المتوافرة على أنّ الحلول الهندسية المستدامة تستهدف بالدرجة الأولى معالجة العديد من التحديات المحتملة التي قد تنجم عن النمو السكاني، بالإضافة إلى تخفيف آثار التحوّل المناخي.

على سبيل المثال، يُعدُّ نشر تقنيات إدارة الطاقة، مثل الأجهزة والعدّادات الذكية، ورفع كفاءة استخدام الطاقة الكهربائية من خلال نشر المباني المعزولة حرارياً ورفع كفاءة استخدام الطاقة الحرارية، أمثلة واضحة على المبادرات الهندسية القادرة على تخفيف بعض آثار الحاجة إلى مصادر الطاقة المستدامة.

ولا بدّ من توافر الإرادة السياسية والاجتماعية لإصلاح مظاهر الخلل التي تعاني منها السوق مع توفير آليات تمويلية إبداعية، ونماذج مبتكرة للملكية الفردية والجماعية ونقل تقنيات الطاقة النظيفة وتبني أفضل الممارسة المعروفة، بالإضافة إلى توطين التقنيات المستوردة لضمان التقدم بخطى واثقة.

واقترح تقرير مؤسسة الهندسة الميكانيكية خمسة أهداف تنموية هندسية كخطوة أولى نحو تحقيق هذه الغاية. وتغطي هذه الأهداف الجوانب الرئيسية لقضايا الطاقة والمياه والغذاء والمدن والتمويل.

هذا، ودعا التقرير الحكومة البريطانية إلى تولي القيادة العالمية في مجال العمل الاحترافي لتحديد غايات ومعايير تطبيق هذه الأهداف التنموية الهندسية، وذلك للدفاع عنها في الأمم المتّحدة باعتبارها قاعدة متينة لتطوير إطار دولي يخلف برنامج الأهداف التنموية للألفية، عندما تنتهي مدّته في عام 2015.

وفي سياق دعم الأهداف التنموية الهندسية، أوصت المؤسسة أيضاً بتبنّي آلية لتدريب عدد من المهندسين وإرسالهم إلى الاقتصادات النامية لتقديم الخدمات الاستشارية هناك حول توطين التقنيات النظيفة والممارسات المستدامة. وفي الحقيقة، دعا التقرير أيضاً الهيئة البريطانية للتنمية الدولية إلى أخذ المبادرة لتطوير نموذج رائد للبعثات الهندسية، كجزء من برنامجها لدعم التنمية الدولية.

ويمكن تلخيص ما تقدم على النحو الآتي: نظراً إلى ارتفاع متوسط عمر الإنسان، أصبحنا نعيش فترات أطول في عالم مكتظ بالسكان ويتسم بالإعتماد المتبادل بين اقتصاداتة وبمحدوديّة موارده الطبيعية. لذا، فإنّ آثار النمو السكاني ستطال حياة كلّ شخص منا بدرجات متفاوتة ـ وبغضّ النظر عن مكان إقامته. إذاً، هذه الآثار ستعبر حدود دول العالم كافة. ولا أقصد، هنا، إظهار أي نوعٍ من الإيثار لأنّ المطلوب هو تطوير إطار سياسي فعّال وتمهيد السبيل للدفاع عن النّفس.

مجلة آراء حول الخليج