; logged out
الرئيسية / الهند ومجلس التعاون الخليجي ونظام الطاقة العالمي: استكشاف علاقات الاعتماد المتبادل وآفاق التعاون

الهند ومجلس التعاون الخليجي ونظام الطاقة العالمي: استكشاف علاقات الاعتماد المتبادل وآفاق التعاون

الأربعاء، 01 تموز/يوليو 2009

تأليف: د. سمير رنجان برادان

الناشر: المؤسسة الأكاديمية - 2008

إعداد: ستوتي باتنَغار

باحث مستقل

 على ضوء الطلب المتزايد على الطاقة وتقلبات أسعار النفط والجهود المنسّقة التي تبذلها الدول لإدارة احتياجاتها النفطية بما يتفق مع السيناريو العالمي المتغير، اكتست البحوث التي تدرس نظام الطاقة العالمي الدائم التطور بالغ الأهميّة. ويتمثل أحد هذه البحوث بكتاب الدكتور سمير رنجان برادان (الهند ومجلس التعاون الخليجي ونظام الطاقة العالمي: استكشاف علاقات الاعتماد المتبادل وآفاق التعاون)، الذي نحن بصدد قراءته. ففي هذا العمل، يقدّم الدكتور برادان، وهو اقتصادي متمرّس يركّز جلّ اهتمامه على قضايا أمن الطاقة ونظام الطاقة الهندي وعلاقته بدول مجلس التعاون الخليجي، تحليلاً منهجياً للمحاور الرئيسية لهذا النقاش. إذ يتناول بالرصد والتحليل الشامل نظام النفط والغاز العالمي والأنماط المتغيرة للصناعة النفطية على مرّ السنين، بالإضافة إلى الاتجاه الحالي لأمن الطاقة العالمي. لكنّ هذا الكتاب يركّز في المقام الأول على أنماط علاقات الاعتماد المتبادل الناشئة في قطاع الطاقة. وعلى خلفية بروز الاقتصادات الآسيوية الصاعدة كأكبر مستوردي النفط في العالم ودور دول الخليج في توفير احتياجاتها النفطية، يرصد هذا التحليل خصائص تجارة النفط بين الهند ومجلس التعاون الخليجي ليُبرز أن الاعتماد المتبادل والنشاط التجاري بين الجانبين في تزايد مستمر. وكما أشار المؤلف، فإن الهدف الرئيسي لهذا الكتاب هو دراسة نمط علاقات الاعتماد المتبادل الناشئة بين الدول المستوردة والمصدّرة للنفط. وبصورة أكثر تحديداً، يسبر الكتاب أنماط علاقات الاعتماد المتبادل الناشئة بين الهند ودول مجلس التعاون الخليجي وما تمخّض عنها من اتجاهات في علاقات الطاقة القائمة بين الجانبين، كما يرصد انعكاسات هذه الاتجاهات على العلاقات الخليجية ـ الهندية ويُبرز مدلولاتها الإقليمية.

وعلاوة على ذلك، يعرض الكتاب أيضاً لمجمل التغييرات والتحوّلات الهيكلية التي طرأت على نظام النفط العالمي والتي تُعيد، في الواقع، صياغة أنماط تجارة النفط وتسعيره.. إلخ. وفي معرض إبراز السمات الرئيسية للاتجاه الحالي، يوضح المؤلف أن أسعار النفط لم تَعُد تُحدَّد من جانب الدول المصدّرة وحدها، وإنما أصبحت تخضع لعوامل عديدة ولتوجهات مختلف أطراف السوق. ويرى المؤلف أن الاتجاه الحالي يدفع إلى التركيز على أنماط تجارة النفط، بدلاً من التركيز التقليدي على أوبك ومنافسيها. كما يشير إلى حقيقة أن مركز الطلب على النفط انتقل من الأطلسي إلى آسيا ـ الهند والصين، بوجه خاص. فهناك الآن ما يُعرف باسم (منطقة الطلب) على النفط التي تتكوّن من أكبر الاقتصادات الآسيوية: اليابان والصين والهند وكوريا الجنوبية ورابطة دول جنوب شرق آسيا؛ و(حزام موارد النفط) الذي يتكوّن من سيبيريا وروسيا وآسيا الوسطى وإيران ودول الخليج العربية. وخلافاً للعقود الماضية، أصبح مستوردو النفط أقل تأثراً بتقلبات أسعاره المستمرة ومستويات إمداداته المتغيّرة، لأن الطلب المتزايد على النفط دفع المستوردين إلى تقليص اعتمادهم على عدد محدود من المصدرين وإلى اكتشاف واستكشاف المزيد من مصادر الطاقة البديلة، لا سيما الغاز الطبيعي. ومع ذلك، لا يزال الطلب على النفط والغاز كبيراً، ولا تزال أيضاً الدول التي تمتلك احتياطيات استراتيجية من هذين الموردين تتمتع بنفوذ واسع. لكن كما أشار المؤلف، فإن (الاعتماد المتبادل بين المصدّرين والمستوردين يمثّل العامل الرئيسي الذي سيحّدد طبيعة أنماط التجارة العالمية للنفط والغاز خلال السنوات المقبلة).

ويشتمل الكتاب على ستة فصول تغطّي موضوعات عديدة مثل تحوّلات نظام النفط والغاز العالمي والأنماط المتغيرة لتجارة الطاقة العالمية، ونمط الاعتماد المتبادل الناشئ بين الهند ومجلس التعاون الخليجي في مجال الطاقة، وقضايا أمن الطاقة ونقاط ضعفه؛ ومعضلة الاعتماد المتبادل والمنافسة في آسيا وانعكاساتها على استراتيجية الهند في منطقة الخليج.

لقد نشأ نظام النفط والغاز العالمي مع اكتشاف النفط في أوائل القرن العشرين. وهناك أربع حقب واضحة في تاريخ النفط العالمي تُبرز الأنماط المتغيرة لتجارة هذه السلعة:

* الحقبة الأولى: من عام 1901 إلى 1950، وهي حقبة الامتيازات النفطية الأولى التي من خلالها اخترقت شركات النفط العالمية (أو الأخوات السبع أو الشركات الاحتكارية) منطقة الشرق الأوسط ومناطق أخرى غنية بالنفط، لأن هذه الامتيازات منحتها الحقوق الحصريّة للتنقيب عن النفط الخامّ وتطويره وإنتاجه. وفي تلك الحقبة، اتسمت سوق النفط العالمية بالاستقرار نتيجةً لسيطرة الشركات الاحتكارية عليها. وكان الحصول على النفط يتم، بالدرجة الأولى، من خلال هذه الشركات التي سُمّيَت (شركات النفط العالمية).

* الحقبة الثانية: من عام 1950 إلى 1970، وخلالها شهدت صناعة النفط العالمية تحوّلاً عميقاً إثر تأسيس منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك)، الذي مثّل خطوة كبيرة نحو السيادة السياسية والاقتصادية للدول المصدّرة للنفط على ثرواتها النفطية وزيادة نصيبها من عائدات النفط، الذي كانت تستخرجه الشركات الأجنبية من أراضيها وتُصدّره إلى الخارج. كما شهدت هذا الحقبة ولادة (أسواق التبادل الفوري) المغاير للعقود الآجلة التي ظهرت في وقت سابق. وامتازت هذه الحقبة بما سماه المؤلف نوعاً من (قوميّة الموارد) والاستياء من (الإمبريالية الجديدة).

* الحقبة الثالثة: من عام 1970 إلى الثمانينات، وشهدت تحوّل صناعة النفط في الشرق الأوسط إلى كيان رأسمالي حقيقي متكامل مع السوق العالمية. وخلال تلك الحقبة، كانت قيَم السوق وأسعار النفط والإيجارات تُحدَّد في المحافل الدولية لا الإقليمية. وتمثّل أبرز أحداث تلك الحقبة بأزمة النفط العالمية التي بدأت في عام 1973، بعدما قلّصت أوبك إنتاجها بشكل حاد، مما انعكس سلباً على تجارة النفط العالمية. وحينذاك، تجلى أيضاً دور النفط كسلاح سياسي. لكن أثناء أزمة النفط التي بدأت في عام 1973 وانتهت في 1974، تأسست الوكالة الدولية للطاقة بغرض تنسيق الإجراءات التي يتعيّن اتخاذها لإدارة حالات النقص الطارئ في إمدادات النفط.

* الحقبة الرابعة: وهي حقبة ما بعد عام 1980، واتسمت بسيطرة الأسواق وتحريرها. وفي هذه الحقبة، فقدت شركات النفط العالمية امتيازاتها (الاحتكارية)، كما تراجع الطلب على نفط أوبك، وانخفضت معدلات الإنتاج النفطي السعودي، وقُلّصت حصة المملكة من إجمالي إنتاج (أوبك). إلى ذلك، تعاظمت قدرات شركات النفط الوطنية التي بدأت تدخل في شراكات مع كبرى شركات النفط العالمية، فيما تزايد إنتاج المناطق ذات تكلفة الإنتاج المرتفعة وتراجع إنتاج المناطق ذات تكلفة الإنتاج المنخفضة نتيجةً للأفضليات التقنية، التي كانت تتمتع بها المناطق الأولى على الثانية، وهو ما انعكس سلباً على الدول ذات تكلفة الإنتاج النفطي المنخفضة، مثل المملكة العربية السعودية.

وتُمثّل حقبة سيطرة الأسواق والتغييرات التي أحدثتها في نظام النفط العالمي أحد المحاور الرئيسية لهذا الكتاب. ذلك لأن نظام النفط الحالي نظام متحوّل يمتاز بمزيد من التشديد على حرية الأسواق وبتحوُّل نموذج أطراف السوق. فهناك الآن تناقص في طلب الشمال المتطور على النفط وتزايد في طلب منطقة آسيا والمحيط الهادئ عليه.

ويركّز الكتاب أيضاً على الموقع الاستراتيجي لدول آسيا، عموماً، والهند، خصوصاً، على خريطة الطاقة العالمية. فقد أدّى النمو الاقتصادي الذي سجّلته الهند خلال التسعينات إلى ارتفاع معدّلات استهلاكها للطاقة وتنامي طلبها على النفط، وتعاظم اعتمادها عليه. كما أُكملت عملية تحرير صناعة النفط الهندية في عام 2002، ورُفع العديد من القيود التي كانت تفرضها الحكومة الهندية على الاستثمارات الأجنبية المباشرة في قطاع النفط الوطني. وعلى صعيد الإمدادات، تراجعت واردات الأسواق الغربية من نفط الخليج، كما انخفضت عائدات دول الخليج من صادراتها النفطية. لكن بفضل احتياطياتها النفطية الهائلة وقدرتها على إنتاج النفط بتكلفة منخفضة، ظلت اقتصادات دول الخليج مستقرّة نسبياً وسوف تستعيد موقعها كدول رئيسية مصدّرة للنفط.

واتخذت دول مجلس التعاون الخليجي مؤخراً إجراءات عديدة للتغلب على التحديات التي واجهتها خلال العقد الأخير، جرّاء تقلبات أسعار النفط وانخفاض عائداتها النفطيّة. ومن التغييرات التي شهدتها دول المجلس: تشجيع الاستثمارات الأجنبية المباشرة واستكشاف مواردها من الغاز الطبيعي وتعزيز قواعد اقتصاداتها الوطنية وتنويع صادراتها. وهناك أيضاً نمط آخر من الاعتماد المتبادل بين الطاقة والمعرفة؛ إذ تساهم أعداد متزايدة من الجامعات ومراكز المعرفة الهندية في قطاع التعليم الخليجي.

ويقدّم الكتاب دراسة مستفيضة لقضايا أمن الطاقة وأنماط التبادل التجاري بين مجلس التعاون الخليجي والهند، كما يلقي الضوء على الاستراتيجية الهندية لاستبدال الواردات بمنتجات محلية. ورغم الإجراءات التي اتخذتها الهند لتنويع مصادر وارداتها من النفط والغاز، إلا أن الاتجاهات الاستهلاكية الحالية تشير بقوّة إلى أن الهند ستواصل اعتمادها الكبير على نفط وغاز الخليج. وقد تنشأ منافسة شديدة بين الهند وبعض الدول الآسيوية الأخرى، مثل الصين واليابان ورابطة دول جنوب شرق آسيا، للاستئثار بصادرات النفط الخليجية. وعلى ضوء هذا الاحتمال، يشدد المؤلف على التعاون بدلاً من التنافس ـ ويُبرز الحاجة لوضع ميثاق آسيوي للطاقة على غرار الميثاق الذي يعزز التعاون في مجال الطاقة بين إحدى وخمسين دولة، من أوروبا وآسيا الوسطى. ومن شأن ميثاق الطاقة الآسيوي المقترح أن يسهّل عبور الغاز عبر دول ثالثة وأن يفتح الباب أمام تجارة الغاز الدولية في آسيا، وأن يساعد أيضاً في حلّ أزمات إمدادات النفط من خلال الإدارة المشتركة للمخزونات الاستراتيجية، فضلاً عن تسهيل تبادل المعلومات المتعلّقة بأسعار الأسهم والأنظمة الضريبية والإجراءات المقترَحة لترشيد الاستهلاك النفطي.. إلخ. ودعماً لفكرة الحوار بين الدول المصدّرة والمستوردة للنفط التي طرحتها أوبك، ينبغي على ميثاق الطاقة الآسيوي أن يشمل دول مجلس التعاون الخليجي أيضاً.

وفي الحقيقة، يمتاز هذا الكتاب بقيمة فريدة لأنه يلقي الضوء على الديناميات الرئيسية للنقاش الحالي حول تجارة النفط والغاز العالمية. ومن خلال عرض وتحليل كمّ هائل من الحقائق والبيانات يقدّم الكتاب نظرة شاملة ومتعمّقة توسّع مدارك القارئ المتخصص والعادي، على حدٍّ سواء. كما يوضح المؤلّف استراتيجية الطاقة الهندية بوساطة مجموعة واسعة من الخرائط التي اشتملت أيضاً على خرائط لمختلف خطوط الأنابيب القائمة والتي لا تزال قيد التنفيذ، بالإضافة إلى الخطوط المستقبلية التي تمّ التخطيط لها. ويمتاز الكتاب أيضاً بلغته الواضحة وباستخدام مصطلحات صناعة النفط المتداولة عالمياً، الأمر الذي يمكّن القارئ من فهم عدد من الظواهر الاقتصادية المعقّدة بسهولة ويسر. كما اشتمل الكتاب على توصيات حاسمة بالنسبة لمستقبل هذه الصناعة. ومع أن المؤلف أظهر براعة فائقة في تحليل قضايا الشراكة الهندية ـ الخليجية، إلا أنه كان من المفيد أن يلقي مزيداً من الضوء على مشروعات خطوط الأنابيب التي تحرص الهند على إنجازها وتشغيلها. ونظراً إلى طبيعة التطورات الأخيرة في مجال التعاون النووي السلمي بين الهند والولايات المتحدة، كان من المهم أيضاً أن يحلل المؤلف انعكاسات مثل هذه التطورات على مستقبل اعتماد الهند على نفط الخليج. 

مقالات لنفس الكاتب