; logged out
الرئيسية / قمة الكويت: تحديات وإنجازات

قمة الكويت: تحديات وإنجازات

الجمعة، 01 كانون2/يناير 2010

جاءت القمة الخليجية التي عقدت في الكويت منتصف الشهر الماضي في ظل ظروف إقليمية ودولية بالغة الحساسية والتعقيد، فالمواجهة المسلحة التي تجري بين النظام اليمني والتمرد الحوثي لا تزال فصولها تتواصل. وقد اضطرت المملكة العربية السعودية إلى التصدي للمتسللين الحوثيين دفاعاً عن حدودها وأراضيها وسيادتها. كما أن أحداث العنف والإرهاب عادت لتتصاعد من جديد في العراق، مما يؤكد أن الأوضاع الأمنية والسياسية في بلاد الرافدين لا تزال هشةً وعرضةً لكثير من المخاطر والتهديدات.

إضافة إلى ما سبق، فإن الجهود الرامية إلى تسوية أزمة الملف النووي الإيراني بشكل سلمي انتهت إلى طريق شبه مسدود بسبب تعنت النظام الإيراني، وتجاهله للقرارات الدولية ذات الصلة، وعدم تجاوبه مع المبادرات الرامية إلى معالجة الأزمة بشكل سلمي. لذا فقد بات هذا الملف مفتوحاً على كل الاحتمالات. ناهيك عن المستجدات على صعيد ملف تسوية الصراع العربي-الإسرائيلي في ظل استمرار حالة التعنت والمراوغات من قبل الحكومة الإسرائيلية الحالية من ناحية، واستمرار حالة التمزق والانقسام على الساحة الفلسطينية من ناحية أخرى. وهناك كذلك التطورات الحادة والمتسارعة في كل من السودان وأفغانستان وباكستان، فضلاً عن استمرار الأزمة المالية العالمية التي تلقي بتأثيراتها على دول مجلس التعاون الخليجي بدرجات متفاوتة وأشكال مختلفة.

ولذلك لم يكن مستغرباً أن تتصدى قمة الكويت لكل هذه الملفات الساخنة، وأن تخرج بجملة من النتائج والقرارات المهمة التي ترتقي إلى مستوى هذه الأحداث والتحديات، وعلى رأس تلك القرارات الدعم التام والمطلق لحق المملكة العربية السعودية في الدفاع عن أراضيها وأمن مواطنيها، والدعم الكامل أيضاً لوحدة اليمن واستقراره، والاتفاق على إنشاء قوة مشتركة للتدخل السريع للتعامل مع المخاطر والتهديدات الأمنية في ضوء ما تتعرض له الحدود السعودية من تجاوزات واعتداء ات من قبل المتسللين الحوثيين.

ومن هذا المنطلق يمكن القول إن تعدد وتداخل الأزمات والتحديات الإقليمية والدولية التي تؤثر بدرجات متفاوتة في دول المجلس، إنما يؤكدان على ضرورة وأهمية الحفاظ على هذا المجلس ككيان مؤسسي يجمع الدول الأعضاء وتفعيل وتطوير دوره، بحيث يصبح أكثر فاعلية وتأثيراً في التعامل مع المستجدات على الصعيدين الإقليمي والدولي. فعالم اليوم هو عالم الكتل والتجمعات الكبيرة باعتبار أن أية دولة، مهما كانت إمكاناتها، لن تكون قادرة على مواجهة التحديات الراهنة بمفردها.

وبعيداً عن الانتقادات التي يوجهها البعض إلى مجلس التعاون عبر مسيرته الطويلة، وبعضها مشروع ويجب أن يكون محل اعتبار، إلا أن ذلك لا ينفي أن المجلس حقق إنجازات مهمة خلال العقود الماضية، قد تكون هذه الإنجازات دون مستوى طموح شعوب الدول الأعضاء، إلا أنه لا يمكن تجاهلها أو إنكارها. فالمجلس حافظ على استمراريته في وقت اتجهت فيه مجالس عربية مماثلة إلى التفكك أو الجمود والتعثر. كما أن هناك الكثير من الاتفاقيات والاستراتيجيات والخطط التي وقعتها دول المجلس، والتي تمثل أطراً لتعزيز وترسيخ التعاون والتنسيق بين هذه الدول في المجالات العسكرية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية وغيرها. وبالتالي يمكن الانطلاق من هذه الاتفاقيات والبناء عليها للدفع بمسيرة التعاون بين دول المجلس إلى آفاق جديدة، لا سيما في ظل كثرة التحديات والاستحقاقات الراهنة على نحو ما سبق ذكره.

إن ترسيخ التعاون والتنسيق بين الدول الأعضاء، وتنفيذ الاتفاقيات والاستراتيجيات الموقعة فيما بينها هما اللذان سيعززان من مكانة المجلس ودوره على الصعيدين الإقليمي والعالمي، خاصة أن المشكلات والتحديات التي تواجهها منطقة الخليج سوف تكون لها انعكاساتها على قضايا الأمن والاستقرار في كافة دول المنطقة بما فيها دول المجلس. ولذلك فإن دول المجلس يجب أن تكون معنية أكثر من غيرها بثلاث أزمات كبرى في منطقة الخليج والجزيرة العربية هي المسألة العراقية وأزمة الملف النووي الإيراني والأزمة اليمنية. ويتعين عليها أن تطور من سياساتها وأدواتها للتعامل مع هذه الأزمات على نحو يؤدي إلى تحجيم آثارها السلبية المحتملة على دول المجلس من ناحية، ويساعد على التوصل إلى حلول سلمية لها من ناحية أخرى، حيث إن الأزمات الثلاث باتت تشكل مجالات لتدخلات قوى إقليمية (غير عربية) ودولية، لكل منها أجندته وحساباته ومصالحه. ولذلك، فمن المهم أن يكون هناك دور مؤثر للمجلس بهذا الخصوص، وقد لمسنا خلال قمة الكويت تفهماً وإدراكاً واضحين من قبل قادة دول مجلس التعاون لأهمية هذه القضايا.

ونظراً لأن الأزمة المالية العالمية لم تنته بعد، حيث لا تزال تداعياتها وتوابعها تتوالى، فإن دول المجلس أحوج ما تكون إلى تعزيز التعاون الاقتصادي فيما بينها واستكمال خطوات السوق الخليجية المشتركة والعملة الخليجية الموحدة، فذلك هو الذي سوف يعزز من مقدرتها على تحجيم انعكاسات الأزمة على اقتصاداتها ومجتمعاتها، بحيث تعبرها بأقل الخسائر. وهذا ما كان بادياً أيضاً في نقاشات قمة الكويت، حيث كان التركيز منصباً على ضرورة تجاوز هذه الأزمة واتخاذ التدابير الكفيلة بالخروج منها بأقل الخسائر الممكنة، والتأكيد على متانة الاقتصادات الخليجية ومقدرتها على تجاوز هذه الأزمة.

كما شهدت القمة إنشاء مجلس نقدي خليجي ووضع جدول زمني للعملة الموحدة، وكذلك دشّن قادة دول المجلس أيضاً مشروع الربط الكهربائي الخليجي، الذي يهدف إلى توفير خدمات نقل الكهرباء بشكل موثوق ومستدام.

وفي ضوء ما سبق، فإن تفعيل دور المجلس إنما يتطلب تصفية أي هواجس أو خلافات بين بعض الدول الأعضاء بطريقة مؤسسية، باعتبار أن هذه الخلافات تؤثر بالسلب في فاعلية المجلس ودوره، بل في صورته لدى مواطني الدول الأعضاء وغيرهم. فالخلافات شيء طبيعي وتحدث في كافة التجمعات المماثلة، لكن يجب أن تُحل في إطار المجلس وضمن هياكله ومؤسساته. وفي هذا السياق فإنه يتعين التركيز على المصالح المشتركة للدول الأعضاء، وحصر الخلافات في حدودها الطبيعية، لا سيما أن هناك قوى تسعى إلى استغلال هذه الخلافات من أجل تخريب مسيرة المجلس. فقضايا الأمن والاستقرار والتنمية المستدامة والتحديث الاجتماعي والسياسي هي قضايا وهموم مشتركة لكافة الدول الأعضاء. وقد لاحظنا أن هذا الجانب لم يكن غائباً أيضاً في مجريات قمة الكويت، حيث كانت الألفة والتوافق السمة السائدة لمجريات جلسات ونقاشات القمة، وقد تم تجاوز المطب الوحيد حول منصب الأمين العام القادم للمجلس باتفاق جميع الأطراف على مرشح مملكة البحرين الذي سيبدأ بمباشرة أعماله في عام 2011م.

ومن المهم في هذا المقام التأكيد على أن جانباً مهماً من مصداقية المجلس ودوره إنما يتوقف على مدى التزام الدول الأعضاء بتنفيذ السياسات والقرارات التي تقرها القمم الخليجية وغيرها من أجهزة المجلس. فهناك الكثير من الاتفاقيات والخطط والاستراتيجيات الموقّعة من قبل الدول الأعضاء. والمطلوب هو تفعيل عملية تنفيذها بحيث يلامس المجلس طموحات الشعوب الخليجية وتطلعاتها.

كما أن هناك حاجة إلى تحديث وتطوير أجهزة المجلس ومؤسساته بحيث تصبح أكثر فاعلية وكفاءة في تنفيذ المهام المنوطة بها، ويمكن الاستفادة من تجارب التجمعات والتكتلات المماثلة بهذا الخصوص.

ونظراً للدور المهم الذي تنهض به مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني من جمعيات واتحادات وأندية وغيرها على الصعد الوطنية، فإنه من المهم إفساح المجال أمامها لتعزز من جهود التعاون والتنسيق بين الدول الأعضاء على المستويات غير الحكومية. فالعمل الأهلي يجب أن يكمّل العمل الحكومي، ويعزز مساراته لا سيما أن إنجاز تقدم حقيقي بشأن قضايا التنمية والتعليم وتمكين المرأة إنما يتطلب تضافر جهود المنظمات الحكومية وغير الحكومية.

وختاماً يمكن القول إن قمة الكويت كانت ناجحة إلى حد كبير، واستطاعت أن تتعاطى بفاعلية وإيجابية مع التحديات الراهنة، وأن تخرج بنتائج وقرارات مهمة لا يمكن إغفالها أو التقليل من شأنها لتلبي بذلك الحد الأدنى من مطالب الشعوب الخليجية التي تطمح دائماً إلى المزيد انطلاقاً من قناعتها وإيمانها الراسخ بقدرة قادة دول المجلس على الوصول ببلدانهم ومجلسهم إلى أرفع مستويات التعاون والتقدم.

مقالات لنفس الكاتب