; logged out
الرئيسية / التمرد الحوثي وقضايا الأمن والاستقرار في المنطقة

التمرد الحوثي وقضايا الأمن والاستقرار في المنطقة

الثلاثاء، 01 كانون1/ديسمبر 2009

على الرغم من تعدد المواجهات بين النظام اليمني والحوثيين خلال السنوات الأخيرة، إلا أن المواجهة بينهما هذه المرة تُعد الأكثر خطورة بحكم اتساع منطقة العمليات العسكرية، وزيادة درجة حدتها، ودخول المملكة العربية السعودية كطرف فيها دفاعاً عن حدودها وأمن وسلامة مواطنيها وسيادتها ومصالحها الوطنية. ولذلك بات القضاء على التمرد الحوثي قضية مصيرية بالنسبة للنظام اليمني، لا سيما أن قيادة التمرد تسعى إلى توسيع دائرة الصراع العسكري وتحويل الأزمة من أزمة يمنية داخلية إلى صراع إقليمي، مما سيعطي المبرر لإيران بالتدخل لدعم الحوثيين بحجة (تدخل الآخرين). لذا فإن انتهاكات الميليشيات الحوثية للحدود السعودية لم تكن مجرد خطأ أو تحرك غير محسوب العواقب.

ولا شك في أن طول فترة المواجهة العسكرية بين النظام اليمني والتمرد الحوثي إنما يؤكد حجم الخطر والتهديد الذي يمثله هذا التمرد، حيث بدا واضحاً أن النظام اليمني يعاني صعوبات حقيقية في القضاء على هذا التمرد بالسرعة المطلوبة، خاصة أنه منذ عام  2004 وحتى اليوم شهدت ساحة الصراع خمس مواجهات عسكرية بين الطرفين لم يتم حسم أي منها بالوسائل العسكرية. واليوم نشهد المواجهة السادسة والموقف العسكري لا يزال غير واضح تماماً حتى الآن، والمواجهات العسكرية لا تزال مستمرة بضراوة وفي أكثر من منطقة.

لقد حظي النظام اليمني في مواجهته للتمرد الحوثي بدعم وتأييد من قبل دول مجلس التعاون الخليجي وغيرها من الدول العربية، وذلك انطلاقاً من القناعة الكاملة بأن الأمن والاستقرار في اليمن يمثلان عنصرين مهمين لتعزيز الأمن والاستقرار في منطقة الخليج والجزيرة العربية، بل تعزيز الأمن القومي العربي بصفة عامة. فالموقع الجغرافي للدولة اليمنية على خليج عدن ومضيق باب المندب والبحر الأحمر يمنحها أهمية استراتيجية بالغة الأهمية. وبالتالي فاستمرار التمرد الداخلي لفترة طويلة قد يفتح الباب لتدخل أطراف خارجية، وقد يؤدي إلى استنزاف الدولة اليمنية بحيث تضعف أجهزتها ومؤسساتها، وتفقد قدرتها على السيطرة على أراضيها وحدودها، مما يجعلها تتحول في نهاية المطاف إلى بؤرة لتصدير التطرف والعنف والإرهاب إلى خارج حدود اليمن. وهذا هو درس التاريخ، فعندما تنهار الدولة أو تضعف سلطتها على إقليمها تصبح السيطرة بيد الميليشيات المسلحة وعصابات القرصنة والجريمة المنظمة.

ومما يزيد من خطورة الوضع أن الدولة اليمنية تواجه في الوقت ذاته تحديات أمنية متعددة المصادر، يشكل التمرد الحوثي واحداً منها. كما أن تنظيم القاعدة له وجوده في اليمن، ومن أراضيها يستهدف كافة الدول الخليجية وخاصة المملكة العربية السعودية، ناهيك عن تصاعد الحركات الانفصالية في جنوب البلاد والتي باتت تهدد وحدة وسلامة أراضي الدولة، فضلاً عن انتشار السلاح على نطاق واسع في البلاد. ونظراً لكل ذلك فإن انهيار الوضع في اليمن، بسبب أي من العوامل المذكورة أعلاه، ستكون له تبعات خطيرة على مجمل الأمن القومي العربي.

ولكن إذا كان مطلوباً من الدول العربية دعم ومساندة النظام اليمني من أجل وضع حد للتمرد الحوثي، والحيلولة دون وقوع الدولة اليمنية فريسة لحرب أهلية ممتدة قد تفضي إلى (صوملتها) إذا جاز التعبير، وبخاصة في ظل تعدد مصادر الخطر والتهديد القائمة والمحتملة على نحو ما سبق ذكره، فإنه يتعين على النظام اليمني اتخاذ مبادرات جادة من أجل إعادة ترتيب البيت اليمني من الداخل، وذلك على أسس جديدة تكرس الوحدة الوطنية للبلاد، ولن يكون هذا إلا من خلال تعزيز عملية التحول الديمقراطي في البلاد، وتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المتوازنة، ومعالجة مشكلات وهواجس المحافظات الجنوبية، ووضع حد لفوضى انتشار السلاح، وإجراء التعديلات والإصلاحات الدستورية والقانونية والمؤسسية التي توفر بيئة ملائمة لجذب الاستثمارات الخارجية وتحقيق التنمية الاقتصادية.

كما أنه من المهم أن يقوم اليمن والمملكة العربية السعودية، بصفتهما ضحايا التمرد الحوثي، بحشد الدعم الخليجي والعربي والإقليمي والدولي، والعمل على صياغة موقف موحد وواضح تجاه تهديدات التمرد الحوثي للأمن والاستقرار الإقليمي، وتأكيد شرعية موقف الحكومة اليمنية وحقها في التعامل بحزم مع حركة التمرد الحوثي وتقديم الدعم العلني لها من أجل مساعدتها على القضاء على هذا التمرد. وفي الوقت عينه يتعين تطوير موقف خليجي وعربي واضح تجاه محاولات إيران الرامية إلى زعزعة استقرار وأمن دول المنطقة. فالصراع في اليمن هو صراع داخلي، وليس من حق أي طرف خارجي استغلاله أو توظيفه لحساب مصالحه الخاصة. كما أن قيام المملكة العربية السعودية بالتصدي للحوثيين هو حق مشروع لها، لأنهم انتهكوا حدودها وسيادتها، وبالتالي فمن حقها، بل من واجبها صيانة سيادتها وحماية مواطنيها وأمنها الوطني.

والخلاصة، أن الدولة اليمنية تواجه في الوقت الراهن تحديات خطيرة في مقدمتها التمرد الحوثي. ومن المهم مواصلة وتفعيل الدعم العربي لها حتى تتمكن من القضاء على هذا التمرد، لأن استمراره قد يدفع البلاد إلى حرب أهلية طاحنة تحولها في نهاية المطاف إلى صومال أو أفغانستان أخرى، وعندئذ سوف تصبح مصدراً لتهديد الأمن والاستقرار على الصعيدين الخليجي والعربي. 

مقالات لنفس الكاتب