; logged out
الرئيسية / أوروبا والعالم العربي

أوروبا والعالم العربي

الجمعة، 01 أيار 2009

المؤلف: سمير أمين و علي الكنز

الناشر: London: Zed Books, 2005

إعداد: كليدا مولاج

باحثة في مركز الخليج للأبحاث

 يقيّم هذا الكتاب العلاقة الجديدة بين أوروبا والعالم العربي بإشارة خاصة إلى الحوار الأوروبي  المتوسطي الذي أطلقه الاتحاد الأوروبي في منتصف تسعينات القرن العشرين.

ويبدأ المؤلفان تحليلاتهما بالإشارة إلى أنه حتى اليوم لا تُوجد دولة ديمقراطية في العالم العربي. وبدلاً من ذلك، هناك دول أوتوقراطية خاضعة لحكم الفرد المطلق، وهي، على الرغم من ذلك، لا تفتقر إلى الشرعية في نظر المجتمعات التي تحكمها. وإلى حد كبير، فإن مثل هذه الشرعية تُوصَف بأنها نابعة من احترام التقاليد. وعلى عكس النهضة الأوروبية التي هي نتاج لتفاعلات اجتماعية داخلية وانفصال عن التقاليد السائدة، فإنَّ النهضة العربية التي حدثت خلال القرن التاسع عشر جاءت ردَّ فعل على صدمة خارجية.

وكان للحداثة الأوروبية تأثير غامض في العالم العربي من خلال الانجذاب (الإعجاب) والتنافر بسبب (الغطرسة الناجمة عن الفتوحات).

وفي تقييم تحليلي لعصر النهضة، يرى المؤلفان أن النهضة هنا لا تمثل الانفصالَ اللازمَ عن التقاليد الذي يحدِّد درجة الحداثة، والنهضة هنا لا تعترف بمعنى العلمانية، أي الفصل بين الدين والسياسة. علاوة على ذلك، فإن النهضة لا تدرك معنى الديمقراطية التي ينبغي فهمها بوصفها الحق في الانفصال عن التقاليد. إن النهضة لا تفهم أن الحداثة تعزز أيضاً تطلعات المرأة لنيل الحرية. وبناءً عليه،  فإن النهضة ليست التوقيتَ الذي شهد إعلان ظهور الحداثة في العالم العربي، وإنما هي الفترة التي شهدت إجهاض ميلاد الحداثة.

ويرى المؤلفان أن الخطاب الإسلامي المطروح بديلاً عن الحداثة الرأسمالية هو سياسي بطبيعته، وأن بشائر (النهضة الإسلامية) لا تهتم بنظريات اللاهوت. إن الإسلام في هذا الإطار هو الذي يُعرّف المجموعة التي ينتمي إليها الفرد بموجب الوراثة بدلاً من أن يأتي عن قناعة ذاتية قوية وحميمة، وهو بذلك مجرد تأكيد على(هُوية جماعية).

ولكن، كيف تختلف المجتمعات العربية المعاصرة عن تلك التي سبقتها بخمسين عاماً؟ يرى المؤلفان أن الفقر ينمو في هذه المجتمعات، وأن الأزمة الاجتماعية، المتجسدة في الاستقطاب الداخلي الناجم عن توسُّع الرأسمالية الذي يزداد حدة بفعل النزعة الليبرالية الحالية، نتج عنها استيعاب ثلث سكان المناطق الحضرية، لكن ضمن ما يُسمى الاقتصاد (غير الرسمي) فقط. وصاحبت ذلك زيادةٌ في معدلات الفقر التي تؤثر في أكثر من ثلث سكان المناطق الحضرية، هذا إذا استخدمنا المعايير التي ينتهجها البنك الدولي في هذا الخصوص.

ومع ذلك، فقد حدث تنوعٌ في المجتمعات العربية. ولا يمكن هنا إنكار الزيادة الكبيرة في عدد الروابط والتنظيمات المجتمعية التي ظهرت خلال السنوات العشرين الماضية في العالم العربي، على نحو ما جرى في مناطق أخرى. وتشير الإحصائيات إلى وجود أكثر من مائة ألف منظمة غير حكومية في العالم العربي تموِّلها مصادر دعم (خاصة) ذات منشأ محلي، إلى جانب المساعدات الخارجية الممنوحة من حكومات أجنبية أو مؤسسات دولية. وعلى عكس المفاهيم العامة السائدة عن هذه المنظمات، فإنها تمثل مجموعة من المؤسسات والأنشطة التي تتسِم بقدر محدود من الشفافية والخضوع للمساءلة والمحاسبة وقابلية الاختراق أو الدخول إليها، وهو يقل كثيراً عما هو متوافر في نظيراتها من مؤسسات القطاع العام. ويقول المؤلفان إن تصرُّفات المجتمع المدني في العالم العربي لا تتسِم بفاعلية أكبر ولا تُدار بصورة أفضل من مؤسسات القطاع العام.

وقبل نحو عشر سنوات، ساد جو عام من التفاؤل بأن معظم المجتمعات العربية المطلَّة على الساحل الجنوبي من البحر الأبيض المتوسط، سوف تشهد تحسناً كبيراً، وذلك بفضل المبادرة الجديدة التي أطلقها الاتحاد الأوروبي. إن الشراكة الأوروبية  المتوسطية، التي ظهرت خلال مؤتمر وزراء خارجية دول البحر الأبيض المتوسط الذي عقد في نوفمبر 1995 في لشبونة، يمكن عدُّها أهمَّ مبادرة تم تبنيها خلال العصر الحديث لتطوير علاقات مستديمة بين الدول الواقعة على ضفتي البحر الأبيض المتوسط. وتستهدِف هذه المبادرة إنشاءَ منطقة حرة، وهي منطقة التجارة الحرة لدول البحر الأبيض المتوسط، التي تشبه منطقة التجارة التي أُنشئت في أمريكا الشمالية، وتضم الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والمكسيك (نافتا NAFTA)، أو تلك التي أُنشئت في آسيا، وهي رابطة دول جنوب شرقي آسيا (آسيان ASEAN).

ويرى المؤلفان أن هذه المبادرة تأتي تعبيراً عن التفاعلات والانعكاسات الجديدة للعولمة، وأنها ليست إفرازاً لفكرة أصيلة، على الأقل من حيث أهدافها الاقتصادية، وهي لا تزيد كثيراً في ذلك على المبادرات الشبيهة الأخرى (مثل نافتا وآسيان). ويرى المؤلفان أيضاً أن الشراكة الأوروبية  المتوسطية تكشف عن التباسٍ تم إخفاؤه بذكاء في منطوقات هذا الخطاب، أن هذا المشروع يُعَد أساساً اتفاقية (دفاع)، ومصمَّم لحماية دول الاتحاد الأوروبي ضد أي (هَيَجان) اجتماعي أو سياسي أو ثقافي محتمل ينداح من الدول الواقعة على الجانب الجنوبي من البحر الأبيض المتوسط. لكن ما الأسباب التي تدعو إلى هذا الاعتقاد؟

يرى المؤلفان أن السياسات التي طرحها الاتحاد الأوروبي تمثل المصدر الذي نشأ منه مشروع الشراكة الأوروبية  المتوسطية، فقد كان الاتحاد الأوروبي هو الجهة التي وضعت التصوُّر وصاغت ونفذت المشروع. إضافة إلى ذلك، فإن الاتحاد الأوروبي هو الجهة التي تختار وتحدد الدول التي تُصنَّف ضمن إطار الشراكة الأوروبية  المتوسطية. فمن جهة، هناك كافة الدول الأوروبية التي يضمُّها الاتحاد الأوروبي، وبذلك فهي تُعَد وحدة جماعية ذات تنظيم موحد واستراتيجية مشتركة. ومن جهة أخرى، هناك دول البحر الأبيض المتوسط الجنوبية، والتي تفتقر إلى أي قوة مُوحِّدة، باستثناء وضعها الجغرافي المشترك، وبذلك فإن معايير ضم الدول إلى هذه الشراكة ليست متطابقة.

علاوة على ذلك، يُقِر المؤلفان بأن علاقة (الشراكة) التي يعرضها خطاب برشلونة بوصفها أعظمَ ابتكار من هذا النمط من التنظيم المؤسسي، تُعَد غير متكافئة وغير متماثلة. إن عدمَ التكافؤ في مستويات الإنتاج الوطني يُعدّ أكبر كثيراً مما هو عليه في أوضاع مشابهة أخرى، منها على سبيل المثال العلاقة بين الولايات المتحدة والمكسيك في إطار اتفاقية التجارة الحرة لدول أمريكا الشمالية (نافتا). كما أن الناتجَ المحلي الإجمالي لبلجيكا وحدها، التي تُعَد دولة صغيرة ضمن الاتحاد الأوروبي، يُقدَّر بنحو 230 مليار دولار، وهو أكبر من مجموع الناتج المحلي الإجمالي لكل الدول العربية التسع المصنفة ضمن دول حوض البحر الأبيض المتوسط. وبصفة عامة، فإن الفجوةَ في متوسط دخل الفرد تُراوح بين 1 و 10 في المائة إذا قابلنا مصر بالدنمارك مثلاً. ويجب ألاّ ننظر إلى هذه الفجوات في الدخل من منظار اقتصادي، وإنما من منطلق اجتماعي وثقافي أيضاً. إن معدَّل البطالة وسط السكان القادرين على العمل يصل إلى 30 في المائة في دول البحر الأبيض المتوسط الجنوبية، ويصل في حالات معينة (المغرب والجزائر) إلى نحو 40 في المائة.

كما أن مؤشر التنمية البشرية يضع دول الاتحاد الأوروبي في المرتبة الخامسة عشرة، بينما يضع دول جنوبي البحر الأبيض المتوسط في المرتبة الثامنة عشرة، وكان يمكن أن تحتلَّ مرتبة أدنى (الثالثة والعشرين) لو لم يتم إدراج إسرائيل ضمنها. وطبقاً لهذا المؤشر، فإن معدلات معرفة القراءة والكتابة بين البالغين في دول جنوبي البحر الأبيض المتوسط لا تزال في حدود 50 في المائة (15 في المائة للنساء)، بينما تمكنت دول الاتحاد الأوروبي من محو الأمية تقريباً.

ومن الناحية الاقتصادية، بلغ  حجم التجارة البينية بين دول منطقة جنوبي البحر الأبيض المتوسط خلال عام 1998، نحو 9.5 مليار دولار (أي 3 في المائة من المجموع الإجمالي)، لكنه سيكون في حدود 4.5 مليار دولار إذا استبعدنا إسرائيل وتركيا، وذلك مقابل نحو 113 مليار دولار للتجارة مع دول الاتحاد الأوروبي (حتى بعد استبعاد إسرائيل وتركيا). إن هذه السمة (الرأسية) للتجارة مع دول الاتحاد الأوروبي تضع دول جنوبي البحر الأبيض المتوسط في وضع اعتمادي إلى حد كبير مقابل دول الاتحاد الأوروبي، كما أنها تعزز روح التنافس المحموم بين هذه الدول في ما يتعلق بالسلع والخدمات التي تبيعها في الأسواق الأوروبية.

وتستورد دول جنوبي البحر الأبيض المتوسط المنتجات المصنعة التي تتسم بارتفاع القيمة المضافة (المكائن والمعدات، والسلع والأدوية وخدمات التقنية العالية)، وتصدِّر المنتجات الزراعية والمنسوجات بصورة رئيسية. إن هذا الوضع هو السبب في العجز التجاري الهيكلي مع الاتحاد الأوروبي، حيث يزدادُ هذا العجز بصورة مستمرة. وفي عام 1990، قامت دول الاتحاد الأوروبي باستيراد ما يعادل نحو 28 مليار يورو من دول جنوبي البحر الأبيض المتوسط، وبلغت صادراتها إليها نحو 37 مليار يورو. وفي عام 2000، استوردت دول الاتحاد الأوروبي 63 مليار يورو، بينما صدَّرت ما يعادل 85 مليار يورو. ويُعَد الاتحاد الأوروبي الدائن الرئيسي لدول جنوبي البحر الأبيض المتوسط، ونصف ديون هذه الدول لا تزال مستحقة لدول الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، لا يوجد أي شيء في (عملية برشلونة) يُلزم الدول الأوروبية بأي تعهد في هذا المجال.

إن الاعتماد الاقتصادي والمديونية الدولية يزيدان من حدة التأثيرات التي تلقيها الضغوط الديموغرافية القوية على سوق العمل. وخلال السنوات الأربعين الماضية، تضاعف عدد سكان دول جنوبي البحر الأبيض المتوسط بنحو 2.5 في المائة، ووصلت معدلات النمو السكاني إلى نحو 3 في المائة. وبناءً عليه، فإن لهذه الدول (فائضاً سكانياً) كبيراً، حيث إن نحو 35 في المائة من السكان هم من الفئة دون الخامسة عشرة من العمر، بينما تبلغ نسبة السكان الذين تزيد أعمارهم على ستين سنة، أقل من نحو 4 في المائة من إجمالي عدد السكان. وخلال فترة (السنوات الثلاثين المجيدة) (من منتصف الأربعينات إلى منتصف سبعينات القرن العشرين)، جذبت أوروبا هذا الكم الهائل من العمالة لكي تستكمل عملية الإعمار وتستعيد نموَّها الاقتصادي من جديد. وفي هذا الوضع الذي حقق مكاسب للطرفين، استفادت الدول الأوروبية من توافر العمالة الرخيصة والمسالمة نسبياً، بينما استفادت دول جنوبي البحر الأبيض المتوسط أيضاً من وجود سوق عمل يواجه ضغوطاً أقل، ويوفر لها موارد خارجية كبيرة نسبياً من تحويلات المهاجرين المالية. وعلى الرغم من ذلك، عند انتهاء (السنوات الثلاثين المجيدة)، وبعد ظهور أزمتها الاقتصادية، قررت أوروبا الحد من وتيرة حركة الهجرة، وهم اليوم يتحدثون عن إيقافها بالكامل، أو وضع سياسات (انتقائية) بدلاً من ذلك. إن السياسة الأوروبية  المتوسطية الجديدة تجعل من المستحيل على الطبقات الشعبية أن تهرُب من دائرة الفقر المدقع في المنطقة إلاّ عن طريق المحاولات الفردية فقط.

وفي الوقت الذي تشهد دول جنوبي البحر الأبيض المتوسط انفجاراً سكانياً، يسعى الاتحاد الأوروبي إلى إنشاءِ ترسانة كبيرة من الترتيبات الإدارية و(البوليسية) واللوائح الموجَّهة لضمان السيطرة الصارمة على الحدود المائية الأوروبية. علاوة على ذلك، يتمُّ نقل قضية الهجرة بصورة تدريجية إلى مجال الأمن الداخلي (الوطني) والإقليمي (الأوروبي). ومقارنةً بحالة علاقة المكسيك بالولايات المتحدة وكندا، فإن دول جنوبي البحر الأبيض المتوسط تضطلع بدور محدود نسبياً في الاقتصاد العام لدول الاتحاد الأوروبي. إذ إن الاتحاد الأوروبي يُعَد أكثر اهتماماً بالانخراط بشؤون وسط وشرقي أوروبا، وذلك بهدف تنفيذ استراتيجيته العالمية، والحفاظ على مكانته بوصفه مرتكزاً إقليمياً رئيسياً للعولمة. إن حجمَ الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تتدفَّق على هاتين المنطقتين المختلفتين، يُبيّن لنا بوضوح تفضيل المستثمرين الأوروبيين لأوروبا الوسطى والشرقية، وخاصة في ما يتعلق بصناعة النفط والغاز.

وبناءً عليه، يخلُص المؤلفان إلى القول إن الذين يتخيلون أن عملية برشلونة و(الإجماع) الذي استندت إليه يمثلان التزاماً بمنح الشركاء الجنوبيين أولويةً في المعاملة، هم في الواقع ضحايا لتفكيرهم الحالِم ليس إلاّ.

وأخيراً يُقدم هذا الكتاب تحليلاً جزئياً يحفز القارئ على ارتياد آفاق خارج نطاق المدارس الفكرية الرئيسية. وقد يَعُده المفكِّرون التقليديون تحدياً لهم، بينما قد يجده المفكِّرون غير التقليديين جذاباً لهم. أما الذين يعتقدون  انطلاقاً من عنوان الكتاب  أنهم سوف يعثرون ضمن صفحاته على تحليل كامل لأوضاع العرب الذين يعيشون في أوروبا، فإنهم سوف يُصابون بخيبة أمل، حيث إن قصة مسلمي أوروبا لا تزال تنتظر من يرويها.

 

مقالات لنفس الكاتب