; logged out
الرئيسية / (تغير المناخ والتنمية الاقتصادية) نموذج التكامل بين المناخ والاقتصاد في منطقة جنوب شرق آسيا

(تغير المناخ والتنمية الاقتصادية) نموذج التكامل بين المناخ والاقتصاد في منطقة جنوب شرق آسيا

الأربعاء، 01 نيسان/أبريل 2009

المؤلف: جيمي سندرسن و سرداد إم إن إسلام

الناشر: المملكة المتحدة- بلجريف مكميلان- 2007

 إعداد: غيثانجالي نتراج

خبير اقتصادي أول بالمجلس الوطني للأبحاث الاقتصادية التطبيقية

نيودلهي – الهند

 تمثل المشكلات البيئية والاجتماعية والاقتصادية المصاحبة لظاهرة تغير المناخ تحدياً كبيراً أمام دول العالم وبالأخص دول جنوب شرق آسيا التي شهدت نمواً سريعاً خلال العقود الأخيرة نتج عنه كثير من الفرص وانطوى في الوقت ذاته على تداعيات جمة كان أبرزها زيادة التصحر وارتفاع معدلات استهلاك الطاقة،حتى إن مستويات الانبعاثات في المنطقة تفوق المعدل العالمي.

ظهرت الآثار الناجمة عن تغير المناخ في مختلف نواحي الحياة ولا سيما القطاعين الاقتصادي والزراعي والطاقة والنقل والمواصلات، ولم تسلم خدمات البنية التحتية (شبكات إعداد ومعالجة المياه) ومستويات المعيشة من هذه الانعكاسات التي راحت تهدد أيضاً الأنظمة البيئية (مثل الغابات والأنهار والبحيرات).

وبات في حكم المؤكد أن هذه الظاهرة وما تفرزه من انعكاسات ستضع ضغوطاً كبيرة على الميزانيات العامة للدول وتؤدي إلى زيادة التكاليف المتعلقة بصيانة منشآت البنية التحتية، وربما تسهم في إهدار كثير من عائدات الضرائب، الأمر الذي قد يدفع المسؤولين إما إلى زيادة الضرائب أو تقليل مستوى الخدمات المقدمة للجمهور.

وعلى الرغم من أهمية النتائج غير المباشرة التي تصاحب ظاهرة تغير المناخ، إلا أنها لم تأخذ حقها من حيث الرصد والتحليل، وقد تتجلى هذه النتائج في ارتفاع أسعار المنتجات جراء زيادة أسعار المواد الخام وتكاليف الطاقة والنقل والمواصلات والتأمين والضرائب. ونظراً لارتفاع التكاليف اللازمة لإنشاء وإدارة الشركات، فقد تتراجع القدرة التنافسية لشركات القطاع الخاص وينسحب الكلام نفسه على بعض المناطق والقطاعات، الأمر الذي قد يؤثر سلباً في قطاع الوظائف والأمن الاقتصادي بصورة عامة.

وتشكل ظاهرة تغير المناخ تحدياً مهماً في مجال البيئة والتنمية الاقتصادية لما لها من مخاطر كبيرة على الدول والمناطق النامية،وتؤدي إلى إعاقة مسيرة التنمية المستدامة. ويهتم كتاب (تغير المناخ والتنمية الاقتصادية)بتسليط الضوء على منطقة جنوب شرق آسيا، ويبحث مدى تأثر المنطقة بهذه الظاهرة مع استشراف النتائج البيئية والاقتصادية المتوقعة والفرص التي تنطوي عليها هذه العوامل وسبل الحد من تلك المخاطر والتداعيات وكيفية التكيف معها. واستناداً إلى عدد من البيانات التي تتناول انعكاسات تلك الظاهرة على قطاعات مختلفة في المنطقة، نجد أن الكتاب يقدم إحصائية شاملة حول الآثار التي تتعرض لها دول جنوب شرق آسيا،وتتنبأ هذه الإحصائية باحتمال انخفاض الناتج الاقتصادي بنحو 5.3 في المائة بسبب الظروف البيئية المصاحبة لتغير المناخ، حيث أدى ارتفاع نسبة ثاني أوكسيد الكربون في طبقات الجو إلى زيادة المراحل الأولية التي تسبق عملية التصنيع.

وتم استخدام نموذج التكامل بين المناخ والاقتصاد الخاص في جنوب شرق آسيا بغرض رصد وتقييم هذه الآثار. ويقدم الكتاب، في ضوء النتائج التي توصل إليها النموذج، جملة من التوصيات تهدف إلى التخفيف من حدة هذه التداعيات خلال العقد التالي وتتلخص هذه التوصيات فيما يلي:

 1- إنشاء مشروعات تستخدم آليات التنمية النظيفة، وتسعى إلى تعزيز الاستثمارات الأجنبية المباشرة والفوائد المصاحبة لنقل التقنية الحديثة.

2- التركيز على الخيارات المتاحة في إطار سياسة المبادرة للقيام بما يلزم حتى في حالة غياب بعض المعطيات العلمية عبر ترشيد الطلب في القطاعات الاقتصادية المهمة مثل قطاع الطاقة وقطاع الحراجة. والواقع أن التوصيات الخاصة بسياسة التكيف والحد من المخاطر لم تكن مثار جدل، وبالتالي يجب أن تحظى بدعم من البحث العلمي في مجالين مهمين هما:

أولاً: الانعكاسات المصاحبة لظاهرة تغير المناخ على التنمية.

ثانياً: سبل التكيف مع ظاهرة تغير المناخ.

 ومن بين الأهداف الرئيسية التي يسعى إليها الكتاب تقديم إحصائية شاملة عن الانعكاسات الاقتصادية لتلك الظاهرة ومدى تأثيرها في منطقة جنوب شرق آسيا في ضوء تضاعف معدلات ثاني أوكسيد الكربون في طبقات الجو،كما يحاول الكتاب صياغة نموذج التكامل بين المناخ والاقتصاد بهدف تقديم نتائج فعالة تسهم في التعرف إلى انعكاسات هذه الظاهرة على المتغيرات الاقتصادية الرئيسية. ويناقش المؤلف سبل التكيف مع ظاهرة تغير المناخ حيث تناول (التكيف) كمفهوم علمي مع دمجه في نموذج التحكم الاقتصادي الفعال الوارد في هذا الكتاب.

وظهرت العديد من الآثار المصاحبة لظاهرة تغير المناخ في منطقة جنوب شرق آسيا، حيث تشير الإحصائيات إلى تراجع الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة جنوب شرق آسيا بنحو 1.13 في المائة بسبب ارتفاع منسوب مياه البحر وزيادة معدل الاحتباس الحراري بنحو 2.5 درجة مئوية.

ولم يسلم القطاع الزراعي في المنطقة من تلك الآثار، حيث أشارت الإحصائيات إلى وجود انعكاسات سلبية على سلم المعدل المقبول، وتراوحت السيناريوهات المتوقعة بين المتفائلة والمتشائمة،وتهدد هذه الظاهرة الأنظمة الساحلية والصحية والبيئية،وأدت إلى حدوث كوارث طبيعية مع تأثر القطاعات الأخرى غير القطاع الزراعي.

ويمكن التعرف إلى مدى تأثر هذه القطاعات من خلال رصد التقديرات والإحصائيات المتوقعة لتلك القطاعات، حيث تتراوح بين 2.6 في المائة بالنسبة للسيناريوهات المتفائلة و6.3 في المائة بالنسبة للسيناريوهات المتشائمة فيما ارتفع المعدل المقبول بنحو 5.3 في المائة.

ويناقش الكتاب سبل تطبيق نموذج التكامل بين المناخ والاقتصاد في منطقة جنوب شرق آسيا، وتتمثل أبرز النتائج التي خلص إليها في إمكان تعديل نموذج التكامل بين الاقتصاد والمناخ بحيث يتم تطبيقه على منطقة بعينها مثل منطقة جنوب شرق آسيا. ووقع الاختيار على هذا النموذج لأسباب عديدة منها سهولة استخدامه وإعطائه نتائج فعالة وجيدة، ويختلف نموذج التكامل بين الاقتصاد والمناخ الخاص بمنطقة جنوب شرق آسيا عن النموذج العام (نموذج التكامل بين الاقتصاد والمناخ) في أن كثيراً من المعايير التي يستخدمها النموذج الأول تقتصر على منطقة جنوب شرق آسيا مع فصل الانبعاثات عن نسبة الانبعاث العالمية.

ويناقش المؤلف سبل التكيف مع ظاهرة تغير المناخ علماً بأن مفهوم التكيف يأخذ أشكالاً وصوراً مختلفة ويحمل معانيٍ كثيرة حسب كل مجال، الأمر الذي قد يؤدي إلى حدوث لبس عند تطبيق هذا المفهوم على أحد المجالات الفكرية أو العلمية، وتجدر الإشارة إلى أن مفهوم التكيف ينقسم هنا إلى قسمين: التكيف المقصود والتكيف التلقائي.

إذ يستند التكيف المقصود إلى خطط مسبقة ويحدث على المستوى الجماعي فيما يأتي التكيف التلقائي بمثابة رد فعل ويحدث على المستوى الفردي فقط، ومن هنا يتبين أن مستوى التقدم التقني والتكيف التلقائييمكن أن يكونا عاملين أساسيين في دراسة ووضع النماذج الخاصة بتقييم آثار تغير المناخ. ويطرح الكتاب فكرة مهمة تتمثل في أن نماذج النمو الاقتصادي القائم على التقدم الفني في الداخل تسهم في تحديد معالم وصور التكيف التلقائي.

ويهتم الكتاب أيضاً ببحث الخيارات المتاحة في ظل سياسة التخفيف من حدة الآثار المصاحبة لتغير المناخ في منطقة جنوب شرق آسيا، حيث تهدف هذه السياسة إلى التقليل من انبعاثات الغاز الصادرة عن البيوت الزجاجية بغرض التوصل في النهاية إلى منع حدوث ظاهرة تغير المناخ. ويطرح المؤلف بعض الخيارات المتاحة لتقليل هذه الآثار مثل آليات التنمية النظيفة وتجارة الانبعاثات والتنسيق المشترك بين الدول وفرض ضرائب على استخدام الكربون وتطبيق سياسة المبادرة للقيام بما يلزم حتى في حالة غياب بعض المعطيات العلمية مع تسليط الضوء على أهمية تلك الخطوات بالنسبة لدول جنوب شرق آسيا.

وعلاوة على ذلك يهدف الكتاب إلى بحث المحاور الأساسية التي تستند إليها سياسة التكيف التي تعني في هذا السياق تقليل المخاطر المصاحبة لظاهرة تغير المناخ،ويوصي الكاتب بالاستعانة بمؤسسة إقليمية لدمج الموارد الاقتصادية والعلمية من أجل وضع وصياغة أسس عملية التكيف، ورشح اتحاد دول جنوب شرق آسيا كي يتولى مسؤولية التنسيق لوضع الأسس اللازمة لسياسة التكيف لما لديه من موارد وإمكانات وسجل حافل في القضايا البيئية.

أما بالنسبة لنقاط الضعف التي يعاني منها الكتاب، فتتمثل في الغموض الذي لا يزال يخيم على ظاهرة تغير المناخ من الناحيتين العلمية والاقتصادية وعدم توافر البيانات المهمة والضرورية لصياغة وتطبيق نموذج التكامل بين المناخ والاقتصاد في منطقة جنوب شرق آسيا.

ومع ذلك فقد صدر الكتاب في وقت مناسب للغاية، إذ إنه يتناول قضايا مهمة مثل النواحي الاقتصادية المتعلقة بظاهرة تغير المناخ ويقدم إحصائيات مهمة تتناول انعكاسات تغير المناخ على الاقتصاد الكلي ويطرح نموذجاً فعالاً لسبل التكيف مع تلك الظاهرة في منطقة جنوب شرق آسيا.

ويرصد الكتاب الانعكاسات الاقتصادية المصاحبة لظاهرة تغير المناخ والتي لم تأخذ حقها من حيث الدراسات والأبحاث الأكاديمية حتى وقت قريب ولا سيما فيما يتعلق بتأثير هذه التداعيات في المناطق النامية والصور الاقتصادية لعملية التكيف مع ظاهرة تغير المناخ. ويقدم الكتاب فائدة كبيرة بالنسبة للطلاب والباحثين وصناع السياسة في مجال تغير المناخ والتنمية الاقتصادية.

مقالات لنفس الكاتب