; logged out
الرئيسية / الإعلام وتمكين المواطن العربي

الإعلام وتمكين المواطن العربي

الأحد، 01 آذار/مارس 2009

ما إن تحرّر مارد ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من القمقم حتى اجتاح الحدود،وساهم في تسريع وصول المعلومات على اختلاف أنواعها ومصادرها في أوقات قياسية إلى القارئ والمشاهد العربي، وأصبح عصياً على الدول فرض قيود على التدفق الإعلامي والمعلوماتي القادم من خارج حدودها سواء عبر القنوات الفضائية أو الإنترنت، الأمر الذي أنهى احتكار النظم الحاكمة للمعلومات، حيث تعددت مصادرها وسبل الوصول إليها، مما أدى إلى تمكين المواطن العربي وتحريره إلى حد كبير من الرقابة التي تحاول بعض الجهات الرسمية فرضها عليه.

 لم تعُد المشكلة الآن تنحصر في كيفية الوصول إلى المعلومة، بل أصبح من الضروري التعامل مع تبعات هذه الحرية الجديدة. فمهمة المسؤولين عن الإعلام في العالم العربي على وجه العموم وفي دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية على وجه الخصوص لم تعُدْ تقتصر على تحديد ما يُسمَح أو لا يُسمَح للمواطن الاطّلاع عليه من معلومات وأفكار جديدة. فالمهمة الآن أصبحت أكثر أهمية وتعقيداً وتتمثل في كيفية تأهيل المواطن للتمييز بين الطيب والخبيث، وبين المصادر الموثوقة وتلك التي تُروِّج للأكاذيب والشائعات المغرضة والتي تحاول أن تنال من أمن واستقرار المواطن والوطن، وتدريب المواطن وتشجيعه على التفكير والتفكر والتأمل فيما يشاهد ويقرأ.

 هذا على الصعيد العام، أما على الصعيد الخاص، فإن أحداً لا يستطيع أن يُلازِم ابنه أو ابنته على مدار الساعة ليراقب ما يتصفحونه من مواقع وما يطّلعون عليه من معلومات على شبكة الإنترنت في ظلِّ هذه الظروف الجديدة.ولذلك فإن الأسلوب الأمثل هو غرس الفضائل والقيم الإيجابية لدى الطفل منذ نعومة أظفاره من خلال إعادة الاعتبار لدور الأسرة في عملية التنشئة والتوجيه، وتطوير المناهج الدراسية عبر مختلف المراحل، وترسيخ دور الإعلام الوطني الهادف. فمن هنا يمكن خلق أجيال قادرة على الانفتاح على ثورة المعلومات والاتصالات والتعامل مع مكوناتها وأدواتها من دون أن تفقد هويتها أو تصاب باستلاب فكريوحضاري.

إن الإعلام العربي يواجه تحديات كبيرة في الوقت الراهن وبخاصة في ظل ثورة المعلومات والاتصالات. ولذلك فمن المهم هنا مراجعة التشريعات والقوانين المنظمة للعمل الإعلامي سواء المقروء أو المسموع أو المرئي، بحيث تتم إقامة توازن صحي وصحيح بين توفير ضمانات حرية الرأي والتعبير من ناحية والالتزام بمسؤولية الكلمة من ناحية أخرى، وقد اتخذت بعض الدول العربية خطوات مهمة على هذا الطريق.

وإذا كانت هناك طفرة كمية في وسائل الإعلام في الدول العربية خلال السنوات الأخيرة، فإنه من المهم توجيه مزيد من الاهتمام إلى مضمون ومحتوى الرسالة الإعلامية، بحيث يؤدي الإعلام دوره الإخباري على أكمل وجه، ويؤدي أيضاً رسالته كوسيلة للتنشئة والتثقيف ونشر الوعي والترفيه النظيف بين مختلف فئات المجتمع، فضلاً عن دوره في تعزيز فرص التضامن العربي والتواصل بين الشعوب العربية. ولذلك فإن الجهات القائمة على أمر الإعلام في الدول العربية تقع عليها مسؤولية الارتقاء بالجوانب المهنية للعمل الإعلامي، وتعظيم المكون المحليوالعربي والإسلامي في البرامج والمواد الإعلامية.فليس مقبولاً أن تكون هناك محطات عربية تبث على مدار الساعة مواد أجنبية معظمها غث أو برامج تافهة غايتها مخاطبة الغرائز بهدف جني الأرباح.

إن الإعلام الحر والمسؤول عنصر رئيسي في عملية التحول الديمقراطي، ولا يمكن الحديث عن حرية إعلامية حقيقية في الدول العربية إلا في إطار اتخاذ خطوات جادة على طريق توفير ضمانات احترام حقوق الإنسان بما فيها حقه في الحصول على المعلومات، وتعزيز دولة المؤسسات، وتحقيق سيادة القانون، وإرساء قيم وممارسات الشفافية والمساءلة والمحاسبة على مختلف المستويات. كما يقع على عاتق الإعلاميين العرب الارتقاء بالعمل الإعلامي العربي من حيث الشكل والمحتوى والتقنيات والكوادر حتى لا يظل متخلفاً عن الركب، وحتى تكون له مصداقيته التي تحظى باحترام المواطن العربي.فالمصداقية شرط ضروري لنجاح أي عمل إعلامي. 

مقالات لنفس الكاتب