; logged out
الرئيسية / الاقتصاد والعلاقات الإقليمية في منطقة الخليج.. العراق وأنبوب النفط

الاقتصاد والعلاقات الإقليمية في منطقة الخليج.. العراق وأنبوب النفط

السبت، 01 أيلول/سبتمبر 2007

جاءت زيارة رئيس الوزراء العراقي الى كل من تركيا وايران وسوريا خلال الايام الماضية بقليل من النتائج الفعلية وقليل من المفاجآت ، ما عدا ربما واحدة ، علماً أن هذه المفاجآت لم ترد في التحليلات الجادة التي قدمها  المراقبون و المتابعون للتطورات في المنطقة. المفاجأة الأولى كانت تصريح السيد المالكي في طهران والذي شكر فيه إيران (لدورها الإيجابي في إحلال الأمن ومكافحة الإرهاب في العراق)،  رغم أن السيد المالكي ورفاقه شَكوا مراراً وعلناً من دعم إيران للجماعات المسلحة في العراق.

المفاجأة الأخرى أخذت طابعاً عملياً وجاءت عبر توقيع وزير النفط العراقي ،الذي رافق رئيس الوزراء العراقي، مع نظيرة الإيراني يوم العاشر من أغسطس اتفاقية لإنشاء خط أنابيب لنقل النفط العراقي الى مصافي النفط الإيرانية بطاقة استيعابية تبلغ 200 الف برميل يومياً، أي نحو عشرة في المائة من انتاج النفط العراقي بمعدلاته الحالية. والقضية الحقيقية لا تكمن في التفاصيل التقنية الخاصة بالاتفاق، بل  في المبدأ الذي تم على اساسه عقد هذا الاتفاق وتوقيته.

فاتفاقية بناء أنبوب النفط هي دليل واضح على التطور السريع في العلاقات الاستراتيجية التي تبلورت بين القيادة السياسية العراقية والقيادة السياسية الإيرانية منذ الغزو الأمريكي للبلاد وسقوط النظام العراقي السابق. وحقيقة الأمر فإن دول الخليج العربية تعدّ تحسن العلاقات العراقية – الإيرانية  تطوراً ايجابياً يساعد على استقرار المنطقة بعد عقود طويلة من الاقتتال والتناحر بين الدولتين الرئيسيتين في منطقة الخليج، مما اثر سلباً في استقرار منطقة الخليج بشكل عام.

ولكن الأمر ليس بهذه السهولة أو البساطة. الذي تطور بين عراق الاحتلال وإيران الثورة الإسلامية هو أكثر من مجرد تحسين في العلاقات أو إزالة لحالة التوتر التي كانت سائدة ، وهو أمر مطلوب ومرغوب. ما شهدته السنوات الاربع السابقة هو نوع من علاقة التبعية السياسية والاستراتيجية ، لدولة عربية مهمة ومحورية كالعراق ، لدولة إقليمة تمتلك من الطموحات والمصالح الاستراتيجية ما يقلق دول المنطقة الاخرى. وحالة التبعية هذه، إن صح وصفها بذلك، تشير إلى احتمالية تطور حالة من الاختلال في موازين القوى الاقليمية، مما سيكون سبباً اساسياً في استمرار وتصعيد حالة عدم الاستقرار الإقليمي وربما تعميق مخاوف دول المنطقة الاخرى وعلى رأسها دول الخليج العربية. فلا ضرر من، ولا اعتراض على السير في  تحسين العلاقات العراقية – الإيرانية، ولكن بشرط ألا يكون هذا التحسن أو التقارب على حساب علاقات العراق مع شقيقاته الدول العربية،وخصوصاً دول الجوار الخليجي من ناحية، ولا على حساب هوية العراق وانتمائه العربي من ناحية أخرى.

وعلى الجانب الآخر لم يتضح الموقف الأمريكي الفعلي من التفاهمات والوعود والعقود التي توصل اليها رئيس الوزراء العراقي في طهران. فقد جاءت زيارة رئيس الوزراء العراقي الى طهران بعد يومين فقط من عقد اجتماع مشترك بين مسؤولين أمريكيين وإيرانيين في بغداد لبحث إمكانية تعزيز التعاون الأمني في العراق. وعلى ما يبدو فإن الرئيس الأمريكي كان قد استشعر حالة من الود الزائد تجاه ايران في تصريحات وسلوك رئيس الوزراء العراقي،  الأمر الذي دفع الرئيس  لتحذير السيد المالكي من (اظهار تساهل كبير) تجاه إيران. وأعرب الرئيس الأمريكي عن أمله في أن تكون رسالة المالكي الى طهران (مشابهة لرسالة الولايات المتحدة). وكان رد الرئيس الأمريكي أكثر حدّةعندما علّق على وصف السيد المالكي دور ايران (بالبناء)، وأضاف انه يرغب في إجراء حوارٍ صريحٍ مع السيد المالكي  لكونه لا يتفق مع هذا الوصف الإيجابي لدور إيران في العراق. ولكن الموقف الأمريكي تجاه اتفاقية إنشاء انبوب النفط بين العراق وإيران يبقى مبهماً حتى الآن، لأنه لم يصدر أي تعليق محدد يتناول هذا التطور في علاقات الدولتين.   

من هذا المنطلق نجد أن اتفاقية انشاء خط انبوب النفط العراقي – الإيراني قد تحمل دلالات بعيدة المدى يجب اخذها في الاعتبار في تقييم الوضع الاستراتيجي الجديد، الذي تبلور على اثر الغزو والاحتلال الامريكي للعراق . وكنا نتمنى على الحكومة العراقية أن تمتلك نفس درجة الاندفاع والجدية التي تعاملت بهل مع مشروع الربط النفطي بين العراق وايران،وان تنظر الى مشاريع ربط العراق بدول الجوار الخليجي العربية. وهنا نشير بالتحديد الى فكرة تطوير التعاون بين العراق والكويت عبر مشروع تطوير جزيرة بوبيان الكويتية وجعلها منطقة حرة لمشاريع الطاقة، حيث يمكن إيصال أنبول النفط العراقي إلى هذه الجزيرة وتطوير مشاريع تصدير وتكرير النفط والصناعات البتروكيماوية .. وكان (مركز الخليج للأبحاث)قد طرح قبل فترة من الزمن فكرة هذا المشروع الذي يقوم على التعاون بين الاستثمارات الإقليمية والدولية تحت إشراف الحكومة الكويتية  لتولي عملية التطوير لتحقيق الفائدة المشتركة. ويهدف المشروع كذلك إلى توفير الخدمات والتسهيلات على اسس تجارية لحل مشكلة العراق في تأمين صادراته النفطية واحتياجاته من المشتقات البترولية .

كما أن فكرة تحويل الجزيرة الى منطقة تجارة حرة تهدف، كذلك، وبشكل تدريجي الى تلبيه احتياجات منطقة شمال الخليج برمتها،وتوفر المنصة الملائمة والمنطلق الصحيح لبداية بيئة استثمارية صحيحة تكون حاضنة لبداية تعاون إقليمي ودولي  يهدف إلى  دعم المشاريع التجارية والصناعية ذات المنفعة المشتركة، والتي سيكون لها مردود إيجابي على استقرار دول المنطقة وأمنها وازدهارها.

أضف إلى ذلك أن مهمة ربط العراق (الجديد) ببيئته العربية – الخليجية لا تقع مسؤوليتها على عاتق القيادة العراقية دون غيرها، فالقيادة العراقية الراهنة، ولأسباب لم تعد خافية على أحد، ليست قادرة،أو لا ترغب في التقارب مع شقيقاتها الدول الخليجية ، وتجد في عملية التقارب مع ايران فوائد تفوق الإغراءات  التي قد يوفرها تقارب عراقي – خليجي، ربما يغضب القيادة الايرانية التي أمست تمتلك مفاتيح متعددة وأساسية في المجالات السياسية والأمنية داخل العراق. لذا فإن الوضع الراهن يتطلب من الدول الخليجية تحمل المسؤولية ومحاولة أخذ المبادرة تجنبا لإخلاء الساحة لمصالح إقليمية أحادية الجانب، الأمر الذي قد تكون له انعكاسات سلبية على المدى البعيد.

 

مقالات لنفس الكاتب