; logged out
الرئيسية / السعودية ودول الخليج تقود مواقف جادة حيال الوضع في سوريا

العدد 91

السعودية ودول الخليج تقود مواقف جادة حيال الوضع في سوريا

الأحد، 01 نيسان/أبريل 2012

راهنت سوريا على أن الربيع العربي لن ينتقل إليها، مثلما راهنت قبلها مصر وليبيا، ولكن سقطت كل هذه المراهنات وذهبت أدراج الرياح ، فلقد أتت الرياح بما لا تشتهي السفن، ولكن لا بد من التأكيد على حقيقة أن هناك اختلافاً ما بين دول قمعية مثل العراق ( زمن صدام حسين ) وليبيا وسوريا ودول أخرى مثل تونس ومصر واليمن التي تعتبر نموذجاً آخر ثالث. إذ وصلت الاحتجاجات إلى قلب العاصمة في تونس وفي مصر فوراً بينما في دول قمعية مثل العراق لا يمكن أن تقوم أي احتجاجات في قلب العاصمة ومثلها ليبيا وسوريا، وإن كان النظام العراقي سقط قبل أن تأتيه رياح الربيع العربي على يد القوات الأمريكية، ولكن صدام عندما تكالب عليه المجتمع الدولي رفض نقل السلطة وتجنيب بلاده الانهيار وخسر العرب قوة عربية تحولت إلى كنتونات وطوائف وفرق وعشائر ومذاهب لم تتمكن حتى اليوم من أن تحسم أمرها.

أما في ليبيا فإن الاحتجاجات كانت بعيدة عن العاصمة، وبدأت في بنغازي حتى التدخل الدولي، وكذلك سوريا بدأت الاحتجاجات من درعا على الحدود مع الأردن، وبالطبع راهن النظام السوري على القمع ولم يصدق أن مثل تلك الاحتجاجات ستصل إلى قلب العاصمة دمشق وحلب المدينة التجارية، وبالفعل تأخرت المدينتان أكثر من عشرة أشهر منذ بداية الاحتجاجات وهو ما جعل النظام السوري يراهن كثيراً على هذا التأخر، والآن المجتمع الدولي العاجز بدأ يصطف ضد النظام السوري.

وتاريخياً تنازل الملك فاروق عن الحكم في مصر حتى لا تسقط قطرة دم واحدة بين شعبه، وهناك نماذج أخرى في التاريخ مثل استسلام الإمام عبدالله بن سعود  لقوات إبراهيم باشا عام 1817 حفاظاً على أرواح شعبه، واقتيد إلى الأستانة في تركيا وقتل، ومن بعده كذلك الإمام فيصل بن تركي حينما استسلم لقوات خورشيد باشا حقناً لدماء شعبه وكذلك تنازل الملك علي الشريف للإمام عبدالعزيز والانسحاب من جدة حقناً للدماء.

ولكن لماذا لم يحصل مثل تلك التنازلات لا من صدام حسين ولا من القذافي ولا من بشار الأسد، فاليوم هناك أسئلة ملحة للإجابة عنها بسبب أن المواقف أصبحت واضحة وضوح الشمس، كيف يعاند مثل هؤلاء القوم؟ هل يقاتلون مجتمعاً دولياً؟ ألم تكن النتيجة معروفة ومحسومة مسبقاً، ولكن لماذا يتعامون عن الحقيقة ويمعنون في إزهاق مزيد من الأرواح ومزيد من القتل بين شعوبهم؟ في ليبيا يقال إن هناك سبعين ألف قتيل سقطوا أثناء الثورة، بينما في مصر وفي تونس سقطت أعداد محدودة قد تصل إلى المئات فقط وبسببها يحاسب حسني مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي اليوم.

والحقيقة أن مثل هؤلاء الطغاة والجبابرة يطمس الله على أعينهم (فطمسنا على أعينهم فهم لا يبصرون) وفي حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته).

ولا تستطيع إيران بأسطولها الصغير أن تغير من موازين القوى في البحر لصالح النظام السوري، ولن تستطيع كذلك أن تمد النظام السوري بقوات برية فتاكة بل إن إيران هي الأخرى زاد أعداؤها من قبل العرب والمسلمين وانكشف مشروعها القومي ولن يقبل العرب بعد اليوم أن تدافع عن قضاياهم التي تتخذها ذريعة لتحقيق أهدافها القومية لا غير، وخصوصاً عن القضية الفلسطينية ما دامت إيران تدعم النظام القمعي في سوريا ضد شعبه، بل إن إيران اليوم في ورطة بسبب خسارتها ممراً مهماً إلى المنطقة العربية وإلى البحر المتوسط وأصبح حزب الله الثكنة العسكرية الإيرانية في لبنان معزولاً وسيأتي عليه الدور مباشرة بعدما يسقط النظام السوري القمعي وهو يدرك هذا السيناريو، في حين يتذكر العرب كيف أن تركيا الخلافة العثمانية حافظت على القدس زمن السلطان عبدالحميد.

فالنظام السوري فشل في التأجيج الطائفي والآن يروج للانقسام المناطقي في سوريا وهو نفس السيناريو الذي حدث في ليبيا من قبل معمر القذافي وابنه سيف الإسلام، صحيح أن هناك صعوبات في انتصار الثورة ولكن الشارع هو الذي سيرسم خريطة الانتصار، وليس دلالة المكان ولا الشريحة الاجتماعية، والجيش الحر سيدافع عن الثورة وهو دفاع تكفله كل الشرائع السماوية وحتى القوانين الوضعية لأنه يعتبر مقاومة شعبية.

فالثورة السورية أثرت في الوقار والسلوك الإيراني خصوصاً بعد انضمام دمشق وحلب إلى الثورة، بل إن الثورة اقتربت من أبواب القصر الجمهوري في أحياء مثل حي المزة، فأصبحت المظاهرات على بعد كيلومترين من القصر الجمهوري وستنتصر الثورة السورية وسيهزم الجمع ويولون الدبر.

ولكن كلما يطرق الشعب السوري الأبواب تنغلق في وجهه مرة أخرى، وكلما يتعلق الشعب السوري بقشة من الأمل يعود إليه اليأس مرة أخرى أمام نظام قاسٍ لا يرحم اعتاد الممانعة والمراوغة والتحايل، ولكن ما ذنب الشعب السوري ليدفع ثمن دخول العالم في أزمات عديدة اقتصادية وسياسية تقاطعت فيها المصالح مع الحقوق؟ فالشعب السوري يدفع الثمن نتيجة الخوف على أمن إسرائيل، ولا يزال الإرهاب يطارد الولايات المتحدة، ولم تدرك حتى الآن أنها هي التي أوجدت الإرهاب في العراق وأفغانستان والباكستان، بسبب احتلالها لهذه الدول، وأنها حولت هذه الدول إلى مناطق نفوذ للعديد من دول الجوار، بل وحتى الدول الإقليمية والعالمية تحارب بعضها بعضاً على هذه الأراضي.

ومشكلة العرب أنهم لا يمتلكون إرادة عدا دول الخليج التي رأت إمكانية تطبيق نموذج المبادرة الخليجية في اليمن، ولكن لا يمكن تطبيق المبادرة إلا بدعم دولي ففوجئت بالفيتو الروسي-الصيني نتيجة صراع دولي دفع ثمنه الشعب السوري بسبب أن أمريكا اعتادت التحايل على روسيا في العديد من المواقف وتتعامل حتى مع أوروبا بشيء من الغموض ولكن أوروبا راضية ما دامت تتحمل أمريكا التكاليف.

واليوم تتخوف كلينتون من تسليح الجيش الحر وتعتقد أنه غير متماسك وموحد بل عبارة عن ميليشيات أو جيوش، وبأن هذه الأسلحة ستهدد المنطقة، وتقصد بذلك إسرائيل أي أن الأسلحة سيتم تهريبها إلى حماس والفصائل الفلسطينية والقاعدة ولا شيء آخر غير إسرائيل، وإن أمن إسرائيل فوق الجميع حتى ولو تمت إبادة الشعب السوري عن بكرة أبيه.

كما ترى كلينتون أن المعارضة التي اجتمعت بها هي معارضة الخارج وليس معارضة تمثل الداخل مثلما هي المعارضة الليبية التي كانت تمثل الداخل ولكن كلينتون لم تدرك الفوارق بين البلدين.

والحقيقة أن لأمريكا وفرنسا وبريطانيا مصالح في ليبيا حافظت عليها بينما هنا في سوريا تغيب المصالح بل ربما هي تخشى فقط على أمن إسرائيل، ولا يمكن أن تقدم على أي سيناريو إلا إذا تحملت دول الخليج تكاليف هذه الحملة، بشرط ألا يؤثر مستقبل الحكم في سوريا على أمن إسرائيل، لذلك هي تريد ضمانات مستقبلية لأمن إسرائيل من قبل أي حكومة قادمة، وهو ما يعني إنشاء حكومة انتقالية تمثل جميع أطياف المجتمع على غرار المجلس الوطني في ليبيا الذي قاد المرحلة الانتقالية ما بعد سقوط نظام القذافي وقد تكون أمريكا محقة في ذلك.

ولم تكن أمريكا حذرة من تسلح المعارضة فقط بل وحتى فرنسا التي لديها تحفظات إزاء مبادرات تسليح المعارضة وتعتبره درب خطر لأنه يفتح الباب أمام حرب أهلية مع ما يعنيه من تفتيت سوريا إلى دويلات وتمدده إلى لبنان والعراق وتهديد استقرار المنطقة ككل.

وهناك تصريحات لبوتين بأهمية المصالحة الداخلية في سوريا، ولا أدري عن أي مصالحة يتحدث؟ كما يطالب بوقف العنف أياً كان شكله، وهل استطاعت دول العالم إيقاف عنف بشار الأسد؟ إنه عجز دولي بل ومهزلة يدفع ثمنها الشعب السوري لأن العالم كله يعترف بأن شرعية النظام انتهت ولكنه لم يتمكن من إيجاد الوسائل الكفيلة لإيقاف هذا العنف ولا يمكن إيقاف هذا العنف إلا بالوسائل العسكرية فالوسائل الأخرى لا تجدي.

هذا على الرغم من أن كلينتون تنتقد الفيتو الروسي-الصيني ضد مشروع قرار بشأن سوريا في الأمم المتحدة وقالت إنه قرار جدير بالازدراء وإن روسيا والصين لا تضعان نفسيهما في مواجهة الشعب السوري فحسب بل في مواجهة الصحوة العربية بأكملها أي تصفية حسابات بين الدول الكبرى على حساب الأزمة السورية دون تقديم حلول فعلية لحل الأزمة السورية.

وأعلنت السعودية أنها ستكون في طليعة أي جهد دولي يحمي الشعب السوري وكذلك تركيا أعلنت أنها لا تزال تمنع شحنات الأسلحة المتجه إلى النظام السوري، أي أنها لن تقوم بأي دور بعيداً عن المجتمع الدولي.

فمتى تنتهي الأزمة السورية ويعطف المجتمع الدولي على الدماء التي تراق بالجملة في سوريا؟

لا يزال النظام السوري يسرح ويمرح ودباباته تدك المدن أمام أعين الكاميرات ولا يزال العالم يخرج من اجتماع إلى اجتماع ولا يزال الجدل هو السائد في تلك الاجتماعات وآخرها كان اجتماع أصدقاء سوريا الذي انسحبت منه السعودية احتجاجاً على التلكؤ الدولي أمام أزمة يعاني منها المجتمع السوري من قبل أقلية طائفية.

وفي حقيقة الأمر أن المؤتمر لم يخرج بقرارات جادة تتناسب مع حجم الأزمة التي هي مأساة أكملت عاماً ولم تتوقف، ولا يزال أمين عام الجامعة العربية يردد أن الحل هو الحل العربي ولكن ما قيمة الحل العربي من دون أدوات فعلية والمجتمع الدولي لم يقدم على تفعيل آليات الحل العربي.

صحيح أن هناك خيارات اتخذت في مؤتمر أصدقاء سوريا ولكنها تطيل الأزمة السورية وكأنها تعطي شرعية لما يفعله نظام بشار الأسد من ارتكاب للمجازر، فإذا كان الأتراك لا يريدون التدخل ولا الناتو ولم يسمح الروس لمجلس الأمن بتحمل مسؤولياته، فالأزمة السورية لم تعد تحتمل أكثر من هذه المهازل والمهاترات التي تدور داخل أروقة هذه الاجتماعات.

ويبدو أن الولايات المتحدة تتعمد التريث والانتظار لتثبت للعالم أن أمريكا هي القوة الوحيدة الباقية رغم الأزمة المالية التي مرت بها ولا يمكن أن يقدم العالم على أي حل بمفرده، لذلك هناك مصدر عسكري أمريكي صرح لجريدة الشرق الأوسط بأن البنتاغون يعد سيناريو للتدخل في سوريا على غرار ما حدث في كوسوفو عام 1998 عندما فشل المجتمع الدولي في الحصول على قرار من مجلس الأمن لوقف عمليات القتل التي كانت تقوم بها الحكومة اليوغسلافية آنذاك إثر معارضة روسيا القرار وامتناع الصين عن التصويت.

وتستطيع الولايات المتحدة أن تلتف على روسيا إذا ما وافقت روسيا على تقديم المساعدات لكل الشعب السوري عندها ستطلب الولايات المتحدة حماية فرق المساعدات الإنسانية بحماية عسكرية وهذا يمكن أن يتطور إلى حماية جوية لقوافل المساعدات والتي يتوقع أن تنطلق من تركيا.

ويرفض السيناريو الأمريكي إرسال قوات على الأرض ولكن طبقاً لخطة المرحلة الأولى لحرب كوسوفو التي اشتركت فيها طائرات حلف الناتو وأن السيناريو يمهد لإعلان منطقة حظر طيران على خطى كوسوفو وأيضاً على خطى حظر الطيران فوق العراق زمن صدام حسين.

ولكن السيناريو في سوريا يبتعد عن القصف الجوي الذي اتبع في كوسوفو تبعه إرسال قوات أرضية بعد ذلك والتي لا تزال موجودة حتى اليوم في كوسوفو بينما سيناريو التدخل في سوريا يعتمد على قرار تصويت الأغلبية في الجمعية العامة للأمم المتحدة بـ 137 صوتاً وكذلك يعتمد على قرارات مؤتمر أصدقاء سوريا في تونس الذي حضرته أكثر من 70 دولة ومؤسسة حكومية وغير حكومية.

ولا شك في أن السعودية ومعها بقية دول الخليج صبرت على الجامعة العربية التي أعطت النظام السوري فرصاً عديدة ولكنه استثمرها لصالح القمع ضد شعبه كعادته حتى تمكنت السعودية ومعها بقية دول الخليج من استصدار مبادرة عربية بالإجماع ضد النظام السوري وارادت أن تحصل على تأييد دولي من مجلس الأمن ولكن كانت المفاجأة مريرة.

فأدركت السعودية أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يتصنعان دور العاجز ويظهران أنهما يلتزمان بالشرعية الدولية وفي المقابل يناديان بمؤتمر دولي ليخرجا من عجز إلى عجز ويظهر اهتمامهما بالمساعدات أكثر من اهتمامهما بالحلول السياسية.

لذلك وجه الملك عبدالله بن عبد العزيز رسائل سياسية إلى المجتمع الدولي الذي يمثله مجلس الأمن بأن شعوب العالم اهتزت ثقتها فيه ولم يعد مجلس الأمن منصفاً أو أخلاقياً، ويقصد الملك عبدالله أمريكا حينما دخلت العراق وأفغانستان من دون أن تحصل على قرار من مجلس الأمن، وفككت يوغسلافيا إلى دويلات وقضت على جيوب النظام الشيوعي في أوروبا وقبضت على حكامه وقدمتهم للمحكمة الجنائية ولم ترعَ بالاً للتنديدات التي أطلقتها روسيا.

وكانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يعاقبان السعودية على مواقفها تجاه العقوبات تجاه إيران ويعتبرانها قاصرة أو لا تحقق مآربها ويريدان عقوبات أكثر صرامة، والسعودية وبقية دول الخليج وتركيا لا تريد صداماً وحرباً أخرى في منطقة الخليج تأكل الأخضر واليابس وهي حرب بعيدة عن الأراضي الأمريكية والأوروبية.

وأرسل الاتحاد الأوروبي مدير عام صندوق النقد الدولي (لاغارد) إلى الرياض من أجل طلب دعم صندوق النقد لحل الأزمة الأوروبية وكان موقف السعودية أن النقاش حول هذا الموضوع يجري في المكسيك يومي 25 و26 فبراير، عند الاجتماع مع وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية للدول الأعضاء في مجموعة العشرين من أجل أن يضاعف صندوق النقد رأسماله إلى أكثر من مثليه من خلال جمع 600 مليار دولار لمواجهة أزمة الديون في أوروبا.

واستطاعت السعودية استبعاد تركيا من أجل الحل العربي وهو مطلب فرنسي من أجل ألا تنفرد تركيا بحل الأزمة السورية وزيادة هيمنتها الإقليمية ولكن المجتمع الدولي خذل العرب.

والحقيقة التي لا يمكن تجاهلها هي أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يخشيان على مصالحهما في المنطقة ولم يقدم لهما العرب تطمينات مستقبلية وليس فقط روسيا هي المشكلة وإن كان يتظاهر الغرب بأنها هي المشكلة بسبب أن سوريا تتقاطع فيها الجغرافيا والتاريخ والسياسة وعلى أعقاب سقوط النظام العلوي ففي حالة انتقال الحكم العلوي إلى حكم سني فإن المنطقة تنقلب فيها موازين السياسة الإقليمية والدولية لأن المنطقة ستتحول إلى كيان سني كبير يمتد من الأنبار في العراق إلى الأردن وسوريا وتركيا بقيادة السعودية وتركيا، تحاصر الجيوب الشيعية وإسرائيل مما يؤدي إلى سقوط اتفاقية سايس بيكو التي قسمت المنطقة عام 1916.

الشارع السوري هو الذي سيرسم خريطة الانتصار وليس أي شيء آخر

أمريكا ترى أن أمن إسرائيل فوق الجميع حتى ولو تمت إبادة الشعب السوري

السعودية أعلنت أنها ستكون في طليعة أي جهد دولي يحمي الشعب السوري

دعم الجيش السوري الحر بالسلاح لن يكفي ما دامت لا تتوافر له مناطق آمنة 

إن الغرب لا يريد دولاً متماسكة في منطقة الشرق الأوسط تجاور إسرائيل بل يريد دولاً على غرار العراق الذي انفرط عقده الاجتماعي وتحول إلى دولة فاشلة بعد احتلال أمريكا للعراق وحل مكان العقد الاجتماعي العصبيات المذهبية والطائفية والعرقية وكذلك في لبنان الذي تحول إلى طوائف تستقوي بالخارج وهم يريدون سوريا أن تكون على نفس الشاكلة.

فالأزمة في سوريا لن تنتهي بالمسكنات، ودعم الجيش الحر بالسلاح لن يكفي ما دامت لا تتوافر له مناطق آمنة وغطاء جوي يحمي عملياته، حتى تتمكن القوات النظامية من الاطمئنان والانشقاق والانضمام إلى الجيش الحر، ولا يمكن أن يتم مثل تلك الخطوات بمنأى عن تركيا وإلا فإن الأزمة السورية ستطول وسيدفع الشعب السوري الثمن الذي سيكون من دماء أبنائه.

 لذلك فإن الملك عبدالله بن عبدالعزيز يستحث المجتمع الدولي على ترك المصالح وتحمل مسؤوليته الأخلاقية تجاه الأزمة.

فالأزمة السورية تدفع ثمن العجز الدولي واتساع جبهة الرفض، ولم يحسب العرب كثيراً للفيتو الإسرائيلي لأن الغرب لا يمكن أن يتنازل عن أمن إسرائيل بسبب عدم وضوح معالم المرحلة المقبلة وهذا الذي جعل النظام السوري يحاصر حمص 27 يوماً ويضربها بالراجمات والأسلحة الثقيلة بسبب عدم تكافؤ القوة ما بين جيش النظام السوري والأسلحة الخفيفة التي استولى عليها الجيش الحر المنشق عن الجيش النظامي مما أجبر الجيش الحر على الانسحاب تكتيكياً من باب عمرو في حمص والانتشار في أماكن أخرى من سوريا حفاظاً على أرواح جنوده المنشقين وأرواح المدنيين.

هذا الوضع لم يرضِ السعودية ودول الخليج التي ترعى المبادرة العربية حول سوريا وشجعت الدول على الاعتراف بالمعارضة على اعتبار أنها الممثل الشرعي للشعب السوري في مؤتمر تونس، وفي الوقت نفسه انسحبت السعودية اعتراضاً على نتائج مؤتمر تونس الذي يسمح فقط بتقديم مساعدات لمدة ساعتين فقط وكان جيش بشار الأسد يحق له الاستمرار في القتل 22 ساعة وحتى الساعتان اللتان يقدم فيهما المجتمع الدولي المساعدات الإنسانية هما بموافقة من قبل النظام، بينما يفترض أن يرافق تقديم المساعدات إنشاء ممرات إنسانية آمنة لإيصال المعونات وهذا يتطلب في الواقع استخدام القوة العسكرية وتوفير أسلحة للجيش الحر المعارض.

وترى السعودية أن المخرج السياسي لا يزال مطروحاً ولكن مع ضرورة تسليح المعارضة لحماية الجنود المنشقين والدفاع عن أنفسهم وعن المدنيين كحل مؤقت ريثما يصدر النظام الدولي مشروعاً للتدخل العسكري وحماية المدنيين على غرار ما حدث في ليبيا ولكن بطريقة أكثر تنظيماً.

لذلك اتجهت المعارضة السورية إلى تشكيل مجلس عسكري يكون بمثابة وزارة الدفاع من أجل السيطرة على السلاح المقدم من الدول التي وافقت على منح المعارضة أسلحة للدفاع عن انفسهم لتبديد مخاوف الدول الغربية من الإرهاب وأن ينتقل السلاح إلى القاعدة وحماس.

واليوم تقود السعودية ودول الخليج مواقف جديدة حيال الوضع في سوريا والاجتماع بوزير الخارجية الروسية في الرياض مع وزراء خارجية دول الخليج هو من أجل التنسيق في المواقف بين الجانبين حتى لا تخسر روسيا مصالحها في المنطقة العربية وحتى لا تتخذ الدول الغربية روسيا ذريعة بعدم التدخل، لأن السعودية ترى أن التدخل موافق للمبادئ الأخلاقية وأن من يؤمنون بالنسبية الأخلاقية ويوازنون ما بين أحد الشرور مقابل شر آخر هم مخادعون بل وقساة.

ومع الوضع المتردي في سوريا واستمرار القتل تبدو استجابة المجتمع الدولي ضعيفة ليس بسبب الفيتو الروسي-الصيني فقط بل حتى عدد كبير من الدول العربية والغربية تدين سوريا بقوة ولكنها مترددة وتبدي أسباباً تعتقد أنها أسباب وجيهة.

وهي ترى أن التدخل الخارجي لا بد أن يضمن ترجيح كفة الميزان لصالح حل سياسي سلمي مستدام وإلا فإن التدخل الخارجي يتسبب في تفاقم النزاع وهي حجج واهية بسبب خوفها على أمن إسرائيل ولا مانع لديها من إبادة الشعب السوري في سبيل الحفاظ على أمن إسرائيل.

فتسليح المعارضة لا يكفي لأنه قد يؤدي إلى نشوب حرب طويلة وقد تتحول إلى نزاع إقليمي أوسع نطاقاً.

والحقيقة لا توجد ضمانات لطبيعة النظام الذي يخلف نظام الأسد وحاولت إسرائيل انتزاع ضمانات من المعارضة ولكن المعارضة لا تمتلك مثل تلك الضمانات بينما النظام الدولي بعد التدخل هو الذي يملك مثل تلك الضمانات لأن النظام الدولي يحق له الإشراف على انتقال السلطة واستقرارها بعد تدخله لانتزاع فتيل الأزمة وحماية المدنيين من القتل ويمكنه السيطرة على الأسلحة الكيماوية التي يتخوف من تسربها إلى جماعات إرهابية مثلما سيطر الناتو على مثل تلك الأسلحة في ليبيا.

فقرارات الأمم المتحدة الاستنكارية والعقوبات التي تعمل ببطء شديد لن توقف وحشية النظام الذي يقاتل من أجل حياته، فهل ينتظر المجتمع الدولي أن يصل عدد القتلى في سوريا كما وصل في راوندا إلى 800 ألف قتيل أي يصل القتل لحرب إبادة، فيصبح المجتمع الدولي مجتمعاً ظالماً؟ لذلك فإن السعودية لن تقف مكتوفة الأيدي وستبدأ بمحاولات تقديم الأسلحة للمعارضة كخطوة أولية لتشجيع الانشقاقات بين صفوف الجيش النظامي ريثما يقتنع المجتمع الدولي بالتدخل.

 

مقالات لنفس الكاتب