; logged out
الرئيسية / الإعلام الاجتماعي : السبب والتأثير والاستجابة

العدد 91

الإعلام الاجتماعي : السبب والتأثير والاستجابة

الأحد، 01 نيسان/أبريل 2012

حين تسلمت هيلاري كلينتون وزارة الخارجية الأمريكية في يناير 2009، كانت الأرض تعد 4.1 مليار هاتف جوال. وبات عددها الآن أكثر من خمسة مليارات فيما يتركز 75 في المائة من هذا النمو في الدول النامية. وبالإضافة إلى ذلك، يضم العالم الآن مليار اتصال على شبكة الإنترنت.

وأتاح الصوت والاتصال بالإنترنت للهواتف أن تصبح أداةً قويّةً للنمو الاقتصادي والحركة الاجتماعية. ومع أن الطلب أصبح مرتفعاً جداً، إلا أنه لايزال يتزايد بسرعة. بالمقابل، بات الاقتصاد السياسي للتغيرات التكنولوجية مؤثراً جداً على الظروف الاجتماعية والاقتصادية والأمنية.

ويعتبر اجتماع وسائل التواصل والبنى التحتية والتغيرات الديموغرافية سابقة تاريخية..لماذا؟ لأن ظهور الإنترنت كبنية تحتية عابرة للقارات هو أكثر من مجرد تغيير كبير في تكنولوجيا وسائل الإعلام، بل هو تحول ثلاثي الأطراف تجتمع لتشكل شبكة واحدة. هو يمثل تحول وسائل الإعلام من المطبوعات إلى البث إلى التقنية الرقمية. ويمثل أيضاً تحول الاتصالات من البريد إلى البرقيات إلى الهاتف فالجوال. ويمثل أخيراً التغيير في البنية التحتية الاقتصادية من وسائل النقل البحري إلى سكك الحديد فالطرقات السريعة، وحالياً الإنترنت. هذا الالتقاء سابقة تاريخية مؤدية إلى تغييرات عميقة.

ويضاف إلى هذا المزيج التغييرات السكانية التي تعكس زيادة في الهجرة العالمية وتكشف عن شريحة من الشباب تشكل أكثر من نصف سكان الدول النامية. ويسبب هذا المزيج تغيرات كبيرة في الظروف الاجتماعية الاقتصادية والسياسية حول العالم.

ويمكن رؤية هذا التأثير في سوق تكنولوجيا المعلومات والاتصالات المقاومة للكساد من جاكرتا إلى نيروبي فسان فرانسيسكو. كما يمكننا أن نرى إمكانياته في الإنتاج التعاوني في الأبحاث العالمية حول التغير المناخي وعلم الوراثة البشري. ويمكننا أيضاً أن نرى قوته في حركات المعارضة في الشرق الأوسط أيضاً. لقد باتت السلطة تتراجع إلى حد ما من نطاق الأمة والمؤسسات الكبيرة إلى نطاق المؤسسات الصغيرة والأفراد. ونحن الآن في بداية فهمنا لتأثيرات هذه التغيرات المفاجئة التي لا تتطلب استجابة تكنولوجية، بل استجابة على مستوى السياسة الخارجية. إن (تشيفارا) الـقرن الـ 21 هو الشبكة

الإعلام الاجتماعي والحركات السياسية المعارضة

بتعبير آخر، إن أياً من الأحداث التي شهدها الشرق الأوسط ناتج عن التكنولوجيا. وما أدى إلى ظهور الحركات الاعتراضية هو بطالة الشباب وعدم رضاهم عن العائلات الحاكمة وارتفاع أسعار الغذاء وعوامل أخرى. لكن للتكنولوجيا دور مهم. لا يزال من المبكر القيام بتقييم نهائي له لكننا نستطيع التوصل إلى استنتاجات عدة من الأحداث الأخيرة.

أولاً: لقد سرعت التكنولوجيا التغيير السياسي من خلال جمع الأشخاص أصحاب التفكير المماثل في شبكة واحدة وسمحت بتنسيق مباشر للحركات وسرعت التحركات بحيث بات ما كان يتطلب سنوات يتم في أسابيع وأشهر.

ثانياً: عزز الإعلام الاجتماعي الروابط الضعيفة وجمع الأشخاص ذوي الاهتمامات المختلفة والخلفيات المتنوعة في الحركات الاحتجاجية كما على شبكة الإنترنت.

ثالثاً: وزع القيادة على مجموعة كبيرة من القياديين. (تشيفارا) القرن الـ 21 هو شبكة الإنترنت، فإلهام الجماهير يتطلب أكثر من مجرد صورة فردية.

رابعاً: يمكننا أن نرى أن منصات الإعلام الاجتماعي التي سهلت التنظيم كانت تغذي في الوقت نفسه البث الإعلامي الذي غطى أخبار التغيير في المنطقة وباقي العالم. ما الذي حصل حين تجمع الشباب في ساحة التحرير ورفعوا لافتات حملت أسماء غرف الحوارات على موقع تويتر؟ قامت الفضائيات العربية بالتقاط هذه الصور وبثها في العالم كله للفت النظر إلى الأصوات الحقيقية في الشوارع.

التكنولوجيا ليست سبب ما يحصل في الشرق الأوسط، لكنها تلعب دوراً مهماً

تظهر قوة شبكات المعلومات اللامركزية في تسهيل سير المعلومات بحرية والسماح بالتحركات المعارضة بوضوح. ولا يقتصر دور هذه التكنولوجيات على تشارك الأفكار أو اكتشاف المعلومات التي كانت ممنوعة أو غير متوافرة سابقاً بل تفتح أيضاً نافذةً على العالم الخارجي.

لقد انتهى النقاش حول إذا ما كانت هذه التكنولوجيات تفيد الديموقراطيين أو الدكتاتوريين. وهذا لا يعني أن الدكتاتوريين لا يستخدمونها بشكل فعال، بل على العكس. فلا شك في أن أدوات المراقبة المتطورة تعزز خطورة القمع.

لكن بشكل عام، لقد برهن التاريخ المعاصر أن تكنولوجيات الشبكة التي تشكل الجهاز العصبي للحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية تقاوم عادةً السيطرة المركزية وتعزز التحركات والأفكار غير المركزية. ويصبح السؤال بالتالي: كيف يمكن حشد هذه القوى لخدمة مصالح الأسرة الدولية في الارتقاء بالأمن والازدهار الاقتصادي وتحقيق الطموح السياسي؟

التكنولوجيا بحد ذاتها غير مؤدلجة. بكل بساطة هي تضخم أثر علم الاجتماع في مجتمع ما. إذا أراد المجتمع الديمقراطية، تسهل التكنولوجيا ذلك، وإذا أراد غير ذلك تسهل له أيضاً ذلك. وإن نجحت في إسقاط سلطة، فليس هناك من ضمانة بأنها ستنجح بإنتاج سلطة جديدة.

ولا تشكل السياسة الأمريكية بتحفيز النفاذ إلى تقنيات الاتصال كأداة لتمكين البشر رهاناً على التكنولوجيا، بل رهاناً على الطموحات التقدمية للأشخاص المستفيدين من التكنولوجيا.

جعل الدبلوماسية شخصية

تقدم وسائل الإعلام الاجتماعي للحكومة أداةً قوية للالتزام بشكل مباشر مع الشعب في موجة محلية ومركزة أكثر. وتتبع الدبلوماسية عادةً تفاعلات رسمية بين الدول السيادية.

وفي القرن العشرين حاولت الحكومات أن تمارس الدبلوماسية مع شعوب أخرى من خلال نشر رسائلها خارج حدودها. أما في القرن الـ21، فالابتكار المثير للجدل في الدبلوماسية هو من الناس وإليهم. وبات بإمكان كافة الشعوب التعليق على حدث جديد واحد من خلال هذه التكنولوجيا ومن خلال الإعلام الاجتماعي. حيث يستطيعون تبادل الحلول للمشكلات المشتركة، ويستعيرون الأفكار ويطورونها ويستثمرون في الريادة الاجتماعية والتجارية العابرة للحدود، بالإضافة إلى الترفيه.

نتائج هذه التفاعلات بدأت تثمر

لقد رأينا كيف بدأت بعض المنظمات غير الحكومية التي تعنى بمكافحة فيروس نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) تلجأ إلى إرسال الرسائل التي تتضمن إرشادات عن كيفية استخدام العلاجات المضادة للفيروسات. كما رأينا كيف تتم دراسة "برنامج مصرفي متحرك" طُوّر في كينيا لتنفيذه في دول أخرى.

ورأينا أيضاً كيف استلهم جيل كامل من الشباب من الأحداث التي رعاها الإعلام الاجتماعي في تونس ومصر لتحقيق طموحاتهم بتأسيس مجتمعات أكثر انفتاحاً.

بدمج الإعلام الاجتماعي في مقاربتنا، تبني هيلاري كلينتون علاقات وتنشئ خطوط اتصالات مع الجهات المعنية في قطاعات عدة بأكبر عدد ممكن من اللغات.

باختصار، إننا نعتمد في أسلوب حكمنا على شبكة عالمية. من خلال هذه الشبكة نتكلم مع مجتمعات جديدة ونصغي إليها. نقر أننا نملك أذنين وفماً واحداً. لن تستجيب التكنولوجيا إلى كافة تطلعاتنا على مستوى السياسة الخارجية، لكنها ستتيح لنا طرح أسئلة عدة على أشخاص مختلفين. وبناءً على ذلك وحده، يمكن اعتبار الإنترنت عاملاً يغير اللعبة.

 

*تم نشر المقال بالتعاون والتنسيق مع مجلة حلف الناتو© NATO Review

مقالات لنفس الكاتب