; logged out
الرئيسية / التنسيق بين دول مجلس التعاون الخليجي في مسألة التعليم

التنسيق بين دول مجلس التعاون الخليجي في مسألة التعليم

الإثنين، 14 تموز/يوليو 2014

المقصود بالتنسيق بين دول مجلس التعاون الخليجي في مجال التعليم، هو التعاون الفعال بين مؤسسات وهيئات التعليم المختلفة والفعاليات والبرامج والأنشطة التعليمية المشتركة بين دولتين أو أكثر. ويكون التعاون التعليمي في نطاقات عدة أهمها نطاق المرافق والبنية التحتية والنطاق التنظيمي والقانوني والنطاق الإداري ونطاق المناهج ونطاق الجودة.

يكون التعاون على مستوى البنية التحتية والمرافق من خلال تبادل الخبرات في مجال إنشاء الأبنية التعليمية، والتعرف إلى المواصفات والمعايير الدولية في مجال التجهيزات الفنية لهذه الأبنية.

وفي النطاق التنظيمي والقانوني، يتم التعاون التعليمي من خلال تبادل الخبرات في مجال التشريعات واللوائح والقرارات التنظيمية، بالإضافة إلى دراسة الأطر القانونية لكل نظام تعليمي وآليات تطبيقها.

وفي النطاق الإداري، يتم تبادل الخبرات حول أنجع الوسائل في استثمار القوى البشرية وتنميتها والموارد المالية وإنمائها.

وفي نطاق المناهج، يتم تبادل الخبرات في الاستخدام الأمثل للمناهج التربوية والبرامج المدرسية، والسبيل إلى تحقيق المرونة والواقعية في هذه المناهج والبرامج.

أما جودة التعليم، فالتنسيق فيها يعني تبادل الخبرات في كيفية تفعيل برامج إعداد وتدريب المشرفين (الموجهين) والمعلمين والإداريين.

وتمتد رقعة التنسيق في مجالات تعليمية محددة ومهمة، منها: تطوير التخطيط التربوي، وتنمية التعاون فيه بين دول المجلس، بالإضافة إلى تنمية نظم المعلومات التربوية، وتبادل الخبرات في مجال الاختبارات، وأساليب التقويم ومقارنتها بغيرها في البلدان المتقدمة، وتطوير التعليم الثانوي، وصياغة الأهداف التعليمية وترجمتها إلى أهداف مهارية سلوكية، وتبادل الخبرات في التعليم اللامدرسي – وعلى رأسه تعليم الكبار / محو الأمية – ونظم التعليم المفتوح وكيفية تفعيله، والتقنيات التعليمية وسبل تفعيلها، وتطوير التربية الدينية، وتطوير مناهج اللغة العربية والتربية الوطنية، ورياض الأطفال، والإحصاء التربوي، والتنسيق في مجال ترجمة أحدث الكتب الداعمة للمناهج الدراسية.

والجدير بالذكر أن مجلس التعاون الخليجي، شرع في وقت مبكر بتأسيس لجنة تابعة للمجلس تعنى بالتعليم في الدول الأعضاء، وكانت الركيزة الأولى التي ارتكزت عليها مهام لجنة التعليم هي تحقيق التنسيق التعليمي بين المؤسسات التعليمية لدول المجلس، وتحقيق شراكة فعالة، وتبادل جاد في الخبرات، وتيسير الاتصال والتواصل بين المؤسسات التعليمية.

ونستطيع أن نستقرئ واقع التنسيق التعليمي في دول مجلس التعاون الخليجي من خلال نتائج بعض التقارير الدولية التي فاجأت الأوساط التعليمية العربية عندما حلت دولة الإمارات العربية المتحدة في المرتبة الأولى في ترتيب دول (الأسكوا) كمجتمع معلوماتي ناضج لعام 2007، تلتها كل من قطر والبحرين والكويت، فيما سجلت الدول العربية غير الخليجية متوسطاً أقل من متوسط مجموع دول المجلس، الأمر الذي يشي بتقدم تعليمي ملحوظ وتنسيق تعليمي ملموس.

ولم يكن التنسيق التعليمي مهمة تنفرد بها لجنة التعليم التابعة لمجلس التعاون الخليجي، بل كان منوطاً ببعض الهيئات الأخرى التابعة للمجلس، كل حسب مجاله، ففي مجال الصحة – على سبيل المثال – نجد أن المجلس التنفيذي لمجلس وزراء الصحة لدول مجلس التعاون الخليجي، قد نصّ على (تنظيم تبادل الخبرات في مجالات التعليم والتدريب الصحي والسعي إلى تحقيق تطوير وتوحيد نظم التعليم في كليات الطب والعلوم الطبية والصيدلة والكلياتوالمعاهد الصحيةبيندولالمجلس).

وعلى صعيد وزارات التربية والتعليم في دول المجلس؛ فإنها أكثر تعاوناً من وزارات التعليم في الدول العربية الأخرى، ولقد كشف الدكتور سعيد المليص نائب وزير التربية والتعليم للبنين بالمملكة العربية السعودية – عن وجود تنسيق بين وزارات التربية والتعليم في دول الخليج للاتفاق على محاور أساسية في تطوير بعض المناهح الدراسية. وقد أوصت الحكومات الخليجية بدعم تطوير التعليم والمناهح التربوية في دول الخليج وضرورة تعاون وزارات التعليم في ذلك، وكانت القمة الخليجية التي عقدت في دولة الكويت (2003) هي المنطلق لدعم الخطة الاستراتيجية لتطوير التعليم وتوحيد المناهج في دول مجلس التعاون الخليجي، مع مراعاة الإرث الثقافي لكل دولة وخصوصيتها.

وعلى صعيد مكتب التربية العربي لدول الخليج، فإن له جهداً ملموساً في مجال التنسيق التعليمي، فلقد تبنت الخطة الخمسية الأولى للمكتب أسلوب التخطيط والبرامج المستقبلية، مستخدماً في ذلك الدراسات الشاملة للتعرف إلى مشكلات التعليم في دول الخليج، والتوصل إلى حلول عملية مشتركة لمواجهة هذه المشكلات، مستعيناً – في مجال الدراسات – بمركز متخصص في التعليم الخليجي، وهو (المركز العربي للبحوث التربوية لدول الخليج). ولقد تمكن المكتب – عبر خطته الخمسية – من غرس نواة التنسيق التعليمي بين دول المجلس، وأصبح المكتب حلقة وصل بين المؤسسات التعليمية الخليجية، وكان بحق أنموذجاً أشبه بمراكز التنسيق بين مؤسسات البحث العلمي، وأجرى المكتب العديد من الفعاليات التعليمية المشتركة كان منها – حسب النتائح المعلنة على الموقع الرسمي لمكتب التربية العربي لدول الخليج على الإنترنت - عقد (8) مؤتمرات عامة و(28) زيارة ميدانية و(29) ندوة واجتماعاً ولقاء و(25) دورة تدريبية و(45) بحثاً ودراسة شاركت فيها الدول الأعضاء كافة، بالإضافة إلى إصدارات المكتب التي بلغت (107) من الإصدارات، والمشاركة في (208) من الأنشطة المتنوعة ما بين لقاء إقليمي ودولي ومؤتمر واجتماع لتحقيق التنسيق والتعاون مع المؤسسات ذات العلاقة. وبذلك بلغت برامج الخطة على مدى سنواتها الخمس (242) برنامجاً.

وتوزعت هذه الفعاليات والمناشط على كثير من المجالات التعليمية، كالتخطيط التربوي، والإحصاء التربوي، ونظم المعلومات، والتقويم، ورياض الأطفال، والتعليم الثانوي، والتعليم اللامدرسي.

حلت دولة الإمارات في المرتبة الأولى في ترتيب دول (الأسكوا) كمجتمع معلوماتي ناضج لعام 2007

ولقد أصدر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي في إبريل 2008، قراراً بإنشاء مجلس التنسيق والتكامل التعليمي في دولة الإمارات العربية المتحدة، وهو مشروع يهدف إلى تنفيذ برامج العمل المشترك بين وزارة التربية والتعليم ومجالس وهيئات التعليم لتحسين المخرجات التربوية والتعليمية ورفع الكفاءات المهنية، بالإضافة إلى توحيد الخطط التربوية في كافة أنحاء دولة الإمارات، ودعم الشراكة مع القطاع الخاص وتوفير آلية لتفعيل مساهمته الاقتصادية والاجتماعية في التعليم الإماراتي.

إن أهمية إنشاء مثل هذه الهيئات التنسيقية في بقية دول الخليج لا ينكرها ذو بَصرٍ. إذ إن مشروع مجلس التنسيق والتكامل التعليمي الإماراتي - وإن كانت بداية أنشطته محصورة داخل الحدود الجغرافية الإماراتية - لكنه يسهم في مسألة التنسيق التعليمي الخليجي بشكل عام، وييسر على الدول الأعضاء تحقيق الشراكة في مجال التعليم عبر مثل هذه القنوات.

وثمة مبادرات مستقلة من القطاع الخاص تطمح إلى المساهمة في تسهيل هذا التنسيق أو المشاركة فيه، فكانت شركة دبي للتعليم - وهي مؤسسة تابعة لمجموعة الإمارات للاستثمار والتنمية (إيميفست) – قد أعلنت عن توسعة نشاطاتها التعليمية في دول مجلس التعاون الخليجي، عبر تأسيس عدد من المؤسسات التعليمية في مختلف دول المجلس وغيرها من الدول العربية لتلبية احتياجات سوق العمل. وهذه الشبكة التعليمية الممتدة عبر دول المجلس، والرابطة بين العواصم، لجديرة بالإسهام في مجال التنسيق التعليمي وتبادل الخبرات التربوية بين دول المجلس.

إن التنسيق التعليمي في دول المجلس بات ضرورة من ضرورات سوق العمل، فلا تزال الفجوة قائمة بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل، ولا يزال معظم الخريجين في دول المجلس لا ينسجمون مع المعايير الدولية، فلم يرتشفوا من كأس الخبرة ثمالتها؛ ولا يزال شبابنا يظنون أن الوظيفةَ مكتبٌ فاره، ومركب فاخر، ومزاهر وعيدان، وكؤوس ودنان؛ الأمر الذي يتطلب إعادة (تحضين) هؤلاء الخريجين عبر دورات تدريبية لتأهيلهم لسوق العمل إدراياً ومهنياً سواء بسواء.

 

 نحن في حاجة ملحة لتطوير المؤسسات التعليمية بشكل مستدام، ولن تتحقق استمرارية التطوير إلا في ظل تنسيق سهل وجاد ومرن وفعال، لا سيما أن دول الخليج شهدت خلال العقود الثلاثة الماضية حركة مطردة حية ونشطة – كماً ونوعاً – في النمو الصناعي والتقني، وترتب على ذلك استيراد أحدث منظومات العمل، وعلى أثر ذلك تم استيراد الأيدي العاملة والعقول العلمية الأجنبية التي تتفق ومستوى التقنية؛ فحدثت الفجوة بين مخرجات التعليم الخليجي ومتطلبات سوق العمل. فبات التنسيق بين دول مجلس التعاون الخليجي في مسألة التعليم ضرورة حياتية وواجباً وطنياً.

 

مجلة آراء حول الخليج