; logged out
الرئيسية / استقرار السودان ووحدته.. قرار داخلي وخيار إقليمي ودولي

استقرار السودان ووحدته.. قرار داخلي وخيار إقليمي ودولي

الثلاثاء، 01 حزيران/يونيو 2010

بأدائه لليمين الدستورية في السابع والعشرين من مايو الماضي يكون الرئيس السوداني عمر البشير قد استهل دورة رئاسية جديدة مدتها الدستورية خمس سنوات، بعد أن قام في وقت سابق بحل الحكومة السابقة، وتشكيل الحكومة الجديدة. ويأتي ذلك وسط أجواء من التفاؤل أحياناً والتشاؤم أحياناً أخرى حول مستقبل السودان. فالمتشائمون يعتقدون أن عهد الرئيس البشير سيشهد وجود دولتين في السودان هما دولة الجنوب ودولة الشمال، بل بعضهم يذهب إلى أبعد من ذلك ويتوقع مثول الرئيس البشير أمام محكمة الجنايات الدولية، أما المتفائلون، وفي مقدمتهم الرئيس البشير نفسه، فيرون أن الجنوبيين سوف يختارون الوحدة طواعية ومن دون ضغوط. وفي هذا الصدد يقول الرئيس البشير إن لديه حسابات بالأرقام تؤيد تفاؤله، وبحسب وجهة نظره فإن 40 في المائة من أبناء الجنوب مع الوحدة، و30 في المائة فقط ضدها، وقطع وعداً على نفسه بأنه قادر على استمالة 10 في المائة لتأييد الوحدة ومن ثم سيكون عام 2011 هو عام الوحدة السودانية طبقاً لوجهة نظر الرئيس البشير.

لكن السؤال المهم هو: إلى أين يتجه السودان في المرحلة المقبلة؟ هل سيتجه للوحدة أم للانفصال؟ وما مصير أزمة دارفور؟ وأين ستقف أحزاب المعارضة الشمالية من عملية الشراكة في الحكم وإدارة الدولة؟ وما دور الدول العربية ودول الجوار الإفريقي في بقاء السودان متماسكاً؟ وبالإجابة عن هذه الأسئلة نرى أن السودان يقف على مفترق طرق، وإنقاذه يتطلب تلاحم أبناء الشعب السوداني نفسه وإسقاط الفئوية والحزبية أمام مخاطر محدقة تهدد بقاء الكيان السوداني بأسره، كما لا بد من دور عربي فاعل ومؤثر وله نتائج على الأرض يساهم في حل المشكلات العالقة، ويجعل الوحدة خياراً جاذباً للجنوبيين، وينهي أزمة دارفور بحلول واقعية من خلال التنسيق مع الاتحاد الإفريقي، والجهود التي تقوم بها دول الجوار الإفريقية ومجموعة الحكماء التي تقودها جمهورية جنوب إفريقيا.

إن بداية حل مشكلات السودان نعتقد أنها تأتي من الشمال، أي لا بد أن تكون قوى الشمال لديها الحد الأدنى من الاتفاق على القضايا الجوهرية التي تواجه بلادهم والمشاركة في حلها، وهنا لا بد للمؤتمر الوطني الحاكم بزعامة البشير من أن يقترب من الأحزاب الشمالية التي خسرت الانتخابات التشريعية والرئاسية التي جرت في منتصف إبريل الماضي، فرغم غيابها عن البرلمان إلا أنه يجب أن تكون حاضرة في الحكومة. وفي المقابل على أحزاب المعارضة الشمالية أيضاً أن تلتزم بالواقعية السياسية بعيداً عن التنظير والجدل غير المفهوم، فمثلاً نجد أن موقف حزب الأمة الذي يعد من أكبر أحزاب المعارضة في الشمال غير واضح، حيث صرح رئيسه الصادق المهدي في الخامس من مايو الماضي بأن الحكومة المقبلة ستكون مشلولةً بسبب ملاحقة المحكمة الجنائية الدولية للرئيس البشير، وأن هذه الحكومة غير شرعية لأنها أتت إلى السلطة بانتخابات مزورة، لكنه في الوقت ذاته دعا الرئيس البشير إلى إجراء تسوية سياسية عادلة من أجل تعافي السودان.

والمطلوب في هذه المرحلة أن يلتقي الطرفان في منتصف الطريق برعاية عربية لإنهاء حالة الشحن المتبادلة والاتفاق على صيغة للمشاركة من أجل مستقبل السودان، ونرى أن دول الجوار العربي للسودان والجامعة العربية تستطيع الاضطلاع بدور كبير في التهدئة داخل السودان، ليس بين الأطراف الشمالية فحسب، بل على مستوى التهدئة على نحو يشمل عموم السودان، ومن ثم عليها المبادرة إلى تبني مؤتمر في مقر الجامعة لإكمال المصالحة الشمالية - الشمالية أولاً، ثم الانتقال إلى بقية مشكلات السودان.

ومن المعلوم أن الانتخابات أسفرت عن فوز الرئيس البشير بنسبة 68 في المائة، كما حصل حزبه (المؤتمر الوطني) على 314 مقعداً في البرلمان الاتحادي مقابل 3 مقاعد لأحزاب المعارضة الشمالية، واكتسحت الحركة الشعبية الانتخابات في الجنوب بعد حصولها على أغلبية مقاعد الجنوبيين في البرلمان الاتحادي، التي تبلغ 136 مقعداً، فيما حصل مرشح الحركة لرئاسة حكومة الجنوب سلفا كير على 92 في المائة من أصوات الجنوب، ومع ذلك من المفيد إشراك الأحزاب الخاسرة في الحكومة في ظل وجود استحقاقات تاريخية يجب أن يشارك فيها الجميع.

أما الاستفتاء في جنوب السودان الذي سيجري في مطلع العام المقبل على الوحدة أو الانفصال، فرغم اقتراب موعد هذا الاستفتاء (أي لم يتبق على موعده إلا أقل من ثمانية أشهر) فإن الإشارات الصادرة من جوبا والخرطوم وبقية العواصم المعنية أو القريبة جغرافياً من السودان لا تزال غامضة ومتناقضة وملتبسة، فالحركة الشعبية الشريك الحالي في حكم السودان لديها توجس من الحكومة المركزية، كما أن ما تقوم به على الأرض يصب في خانة الانفصال، أما حكومة البشير فلديها قدر كبير من التفاؤل بتمسك أبناء الجنوب بخيار الوحدة.
لكن المعطيات على الأرض تقول إن خيار الوحدة أو الانفصال تحكمه المصالح الإقليمية والدولية أكثر منه عوامل عرقية ودينية وجغرافية. فجغرافياً يجاور إقليم جنوب السودان 6 دول، بالإضافة إلى السودان في حال انفصاله، وتبلغ مساحته 600 ألف كيلومتر مربع، وكل ما لديه من قوات مسلحة لا يتجاوز عديدها 130 ألف عنصر، مما يزيد من صعوبة تأمين هذا الإقليم ذاتياً، خصوصاً أنه يضم 85 في المائة من احتياطي النفط السوداني.

مقالات لنفس الكاتب