array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العولمة ودول مجلس التعاون الخليجي

الثلاثاء، 01 نيسان/أبريل 2008

إذا كانت العولمة تسعى في جوهرها إلى إزالة الحواجز بين الشعوب وتعزيز الاعتمادية المتبادلة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحضارية والارتقاء بمستوى التعاون بين الحضارات مع المحافظة على خصائص كل منها، فإن من الصعوبة بمكان أن نتحدث عن العولمة في العالم بشكل عام ودول مجلس التعاون الخليجي بشكل خاص بعيداً عن المتغيرات والتحولات التي شهدتها وتشهدها العولمة في عالم اليوم.

من نافل القول أن الاقتصاد الأمريكي هو قاطرة الاقتصاد العالمي، وأن العولمة مشروع أمريكي في المقام الأول، إلاّ أن نمو الاقتصاد الأمريكي لم يكن ليتحقق من دون خلل مالي هائل ومتزايد باطراد، فقد تم تشجيع المستهلكين على الاقتراض والاستهلاك في وقت تعاني الدولة من عجز فاضح في ميزانيتها، الأمر الذي أثار مخاوف بعض المؤسسات المالية العالمية، ولا سيما بعد أن تأكد لدى الجميع أنه لن يكون باستطاعة الاقتصاد الأمريكي أن يستمر في أداء دوره كقاطرة للاقتصاد العالمي وهو مثقل إلى هذا الحد بالديون.

فأزمة الرهن العقاري وتبعاتها المدمرة، والتكلفة المباشرة وغير المباشرة لحرب العراق، والتي وصلت إلى نحو ستة تريليونات دولار، كما ورد في كتاب (حرب الثلاثة تريليونات) للاقتصادي الأمريكيجوزيف ستيغليتز الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2001، وأخيراً وليس آخراً عدم قدرة أمريكا على التقليل من استهلاكها المفرط للنفط، كما فعلت أوروبا واليابان، والذي وصل إلى 20.7 مليون برميل يومياً، جعل أمريكا أكثر تأثراً بارتفاع أسعار النفط،الذي وصل إلى معدلات قياسية جديدة بلغت (110) دولارات للبرميل، الأمر الذي ساهم في ضعف الدولار، هذه العوامل كافة تضافرت لزعزعة الدور القيادي الذي طالما اضطلعت به واشنطن.

وفي ضوء ما تقدم فإن السؤال الصعب الذي يفرض نفسه بإلحاح هو: هل يستطيع العالم المحافظة على معدلات النمو الجيدة؟

لا بد من الاعتراف بأن الإجابة عن هذا السؤال ليست سهلة، ولكنني أميل إلى الاعتقاد بأن نمو الاقتصادات العالمية الرائدة يمكن أن يستمر، ولكن شريطة أن تضطلع آسيا بدور قاطرة الاقتصاد العالمي بدلاً من أمريكا، وخاصة في ظل الزيادة المطردة في حجم التبادل التجاري والاستثمارات بين دول آسيا بما فيها دول مجلس التعاون. وقد يكون هذا تحولاً ممكناً، لكن نتائجه ليست مضمونة بسبباعتماد آسيا المفرط على توجيه صادراتها إلى الأسواق الأمريكية والأوروبية. فعلى دول آسيا العمل على الارتقاء بمستوى مهاراتها الإدارية قبل أن تتمكن من الإبحار بالاقتصاد العالمي إلى بر الأمان في هذه الظروف الصعبة. وكل المؤشرات تؤكد أن هناك أسباباً عديدة تدعو إلى التفاؤل. فمن وجهة نظر دول مجلس التعاون التي بدأت تتطلع شرقاً، فإن معدلات النمو في دول آسيا أهم بكثير من معدلات النمو في دول أخرى من العالم، وذلك بسبب المستوى العالي من التكاملية التنموية بين دول المجلس وآسيا. فدول المجلس كانت، ولا تزال، تعاني من السياسات الحمائية (protectionism) الأوروبية، والأمريكية بدرجات أقل، ولا سيما في الصناعات البتروكيماوية والألمنيوم، الأمر الذي يقف عائقاً أمام طموحات دول المجلس لتنويع وتطوير اقتصاداتها ومصادر دخلها.

أضف إلى ذلك أن الاقتصاد الآسيوي يتطور الآن بوتيرة أسرع، ويمكن له أن يستفيد من موجة الاستثمارات في المجالات الصناعية والخدمات التي تجتاح دول المجلس. فالطريق أمام التكامل الاقتصادي بين دول المجلس وجنوب شرق آسيا والصين والهند أصبح واضحاً، ويبشر بتحقيق نتائج جيدة.

لكن ما هي المعوقات أمام المشاركة الفعلية لدول المجلس وانخراطها في عملية العولمة؟

الإجابة عن هذا السؤال تستلزم إلقاء نظرة متأنية على طبيعة النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في دول المجلس.

على الرغم من كل الأدبيات التي تتحدث عن انتشار العولمة وازدهارها في منطقة الخليج، فإنني أعتقد أنه لا بد من الاعتراف بدايةً بأن العولمة ليست المحرك الأول للتغيير في دول المجلس، ولا أعتقد أنها ستكون كذلك في المستقبل المنظور. إن فهم حقيقة المتغيرات التي تشهدها دول المجلس لا يمكن أن يتحقق بمعزل عن السياق الجيو-سياسي الذي لم يحظ بالاهتمام الذي يستحق حتى الآن. والمقصود بالسياق الجيو-سياسي هو (أن الأمم أو الدول تعيش في حالة دائمة من الصراع من أجل البقاء، وأن السبيل الأهم لذلك هو السيطرة على مساحات وفضاءات من الكرة الأرضية، علماً بأن هذه (المساحات والفضاءات) تحكمها قوانين يمكن أن تفرض نفسها من خلال دراسة الجغرافيا والتاريخ، ويمكن تطبيقها بنجاح في السياسة الخارجية). على صعيد آخر فإنه لا بد من الأخذ في الاعتبار أهمية الاقتصاد السياسي والاقتصاد الاجتماعي في تشكيل هيكلية دول المجلس، وذلك بهدف تقييم العلاقة بين العولمة وأسسها ومفاهيمها وأهدافها من ناحية، والمحاور الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والحضارية في دول المجلس من ناحية أخرى.

إن قراءةً متأنيةً لمجمل الظروف والمعطيات في دول مجلس التعاون تؤكد بما لا يقبل الشك أن هناك خوفاً حقيقياً من العولمة. فعلى الصعيد السياسي فإن كثيراً من المسؤولين في دول مجلس التعاون لا يرون العولمة على أنها الانتقال الحر للأموال والاستثمارات والتكنولوجيا والخدمات والأشخاص وحسب، لكنها في الوقت نفسه تهديد لسلطة هذه الدول وسيادتها، ولا سيما أن هذه الأنظمة لا تزال تعتقد أنها هي المسؤولة عن الاقتصاد الوطني؛ فالعولمة في رأيهم ستؤدي إلى تراجع وتآكل الدولة في معناها التقليدي.

أما على الصعيد الاقتصادي، فإن خصوصيات الأوضاع والنظم الاقتصادية في دول المجلس تجعل هذه الدول تعارض القوة الاقتصادية الجارفة للعولمة، لأنها تهدد دعائم النظم الاقتصادية القائمة على العلاقات الاجتماعية والاقتصادية الريعية، الأمر الذي قد يؤدي إلى انتهاء السيادة الاقتصادية وانتقالها إلى الشركات العالمية.

وعلى الصعيدين الاجتماعي والحضاري يمكن القول إن بعض دول المجلس قَبِلت، وبدرجات متفاوتة، بمبدأ الاقتصاد الحر ومبادئ منظمة التجارة العالمية، لكن بعض هذه الدول فقط كانت مستعدة لفهم واستيعاب عواقب العولمة الاقتصادية على النسيج الاجتماعي في بلدانها، وتولَّد لدى هذه الدول شعور بأن العولمة قد تهدد الخصائص الدينية والحضارية والثقافية، الأمر الذي قد يؤدي إلى الشعور بالضياع والعزلة والاغتراب وفقدان الهوية.

أضف إلى ذلك أن المعارضين للعولمة يميلون إلى الاعتقاد بأن الولايات المتحدة الأمريكية، وخاصة بعد أن أضحت القوة العسكرية العظمى الوحيدة في العالم بعد انتهاء الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفييتي، أصبحت قادرةً على فرض هيمنتها على العالم باستخدام قوتها العسكرية والاقتصادية دونما معارضة. وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 أصبحت النوايا العدوانية الأمريكية أكثر وضوحاً بعد احتلالها لأفغانستان والعراق، حيث قامت بذلك بذريعة تغيير النظام وإرساء دعائم الديمقراطية، وإذا بها تعيث في الأرض فساداً ودماراً، وتبني القواعد لضمان استمرار احتلالها؛ فهناك اعتقاد سائد لدى شرائح واسعة بأن أمريكا تسعى إلى ضمان هيمنة إسرائيل على المنطقة والاستيلاء على مواردها الطبيعية وخاصة النفط والغاز. ولتحقيق ذلك، فإن واشنطن تعمل مع تل أبيب على إضعاف وتفتيت دول المنطقة والقضاء على قدرتها على المقاومة، فقد استخدمت أمريكا حق النقض (الفيتو) 42 مرة بين عامي (1972-2006) لمنع إدانة إسرائيل في مجلس الأمن. ويذهب أصحاب هذا الرأي إلى القول إن هذه المنطقة، وبصفتها قلب العالم الإسلامي، يجب أن تضطلع بمسؤولية مقاومة المخطط الأمريكي وإفشاله. وإذا كانت أمريكا تدفع بالعولمة لفرضها، فإن مقاومة العولمة -في رأيهم- تعد جزءاً من مقاومة المخطط الأمريكي للمنطقة. إن حرب أمريكا على (الإرهاب) ودعمها العسكري والسياسي والاقتصادي المطلق لإسرائيل وتقديم التبريرات لجرائمها في الأراضي المحتلة ولبنان، لم تساعد على تهدئة مخاوف دول المجلس من العولمة، وبدأ الكثيرون يسمونها بـ (الأمركة).

خلاصة القول أن العولمة فتحت آفاقاً اقتصادية واجتماعية وحضارية، وساهمت في تسهيل عملية انتقال الأموال والاستثمارات والخدمات والتكنولوجيا والأفراد بين دول العالم الغربي، لكن كما يقول الدكتور أنوشروان احتشامي في كتابه الذي صدر حديثاً تحت عنوان (العولمة والجيو-سياسة في منطقة الشرق الأوسط)، فإنه كان لها تأثير معاكس تماماً في دول المجلس. فضعف الكيانات السياسية والنظم الاقتصادية والشعور بتهديد أمريكا للهويتين القومية والدينية ودعمها لغطرسة إسرائيل وساديتها، كلها عوامل اجتمعت لتجعل دول مجلس التعاون تتوجس من العولمة، وتنظر إليها بعين الكراهية من دون النظر إلى ما يمكن أن تعود به من فائدة على المجتمع الدولي بشكل عام ودول المجلس بشكل خاص.

ونظراً لأن العولمة واقع قائم وعملية ديناميكية مستمرة ليس بمقدور أحد إيقافها، فإنه من المهم النظر إليها من زاوية إيجابياتها وسلبياتها، فهي ليست شراً مطلقاً ولا خيراً مطلقاً. والتحدي الحقيقي الذي يواجه الكثير من دول العالم، بما في ذلك دول مجلس التعاون الخليجي، هو كيفية تعظيم الاستفادة من إيجابيات العولمة، والحد من تأثيراتها السلبية في الدولة والمجتمع.

مقالات لنفس الكاتب