array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

خطاب إعـلامي يرقى إلى مستوى التحديات

الأربعاء، 01 أيلول/سبتمبر 2004

منذ خروج الولايات المتحدة من عزلتها الدولية الاختيارية خلال الحرب العالمية الأولى وحتى اليوم، برزت ظاهرة غريبة سادت العقلية الأمريكية الرسمية منها والشعبية، وهي آخذة بالتصاعد. ألا وهي ظاهرة افتعال الحاجة الملحة، من فترة لأخرى، إلى عدو خارجي تختزل فيه، ومن خلاله، مشاكل أمريكا وربما مشاكل ومصائب العالم بأسره. ويلاحظ أن عملية «شخصنة العدو» قد تستمر لسنوات حتى يتم تبديله لسبب ما بعدو جديد يتمثل بشخص محدد أو دولة أخرى تتحول إلى محور التركيز الرسمي والشعبي الأمريكي القائل بوجوب محاربته كأولوية في السياسة الخارجية للدولة. وقد يكون السبب وراء ذلك هو حاجة المجتمع الأمريكي لعدو حتى وإن كان موهوماً بهدف زيادة الإحساس بالهوية الوطنية والتماسك المجتمعي المهدد بالتفكك.

وقد مثل انهيار الاتحاد السوفييتي والكتلة الشرقية معضلة للسياسات الأمريكية التي وجدت نفسها في لحظة ما تتربع على عرش النظام الدولي، وحدها من دون خصوم أنداد. فكان أن افتعلت وسائل الإعلام الأمريكي ما أصبح يعرف بـ «الإسلام فوبيا» أو «الخطر الأخضر» كناية عن الإسلام، لتستبدل به «الخطر الأحمر» الذي كان يرمز للاتحاد السوفييتي أو «إمبراطورية الشر» كما كان يسميها ريغان.

خلال السنوات الثلاث الماضية، احتلت المملكة العربية السعودية شعباً وحكومة موقعاً متصدراً على قائمة الأعداء المشخصين كخطر على الأمن والمصالح الأمريكية. فمنذ اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر، بدأت حملة واسعة لتصوير المملكة باعتبارها «عدواً أساسياً» للدولة والمجتمع الأمريكيين. فبمجرد ما شاع من مشاركة خمسة عشر سعودياً في أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وجه الأمريكيون أصابع الاتهام إلى المملكة العربية السعودية حكومة وشعباً على حد سواء، في حين أنه بعد ما ثبت من أعمال التعذيب في سجن أبوغريب على أيدي القوات الأمريكية المعتمدة من جهات رسمية، ادعت الإدارة في واشنطن أن ذلك لم يكن سوى تصرف أفراد. من هذا المنطلق قامت الحملة المعادية على افتراضات وأسس خطيرة ومغلوطة منذ البدء، ترى خطأً أن القائمين على عملية الاعتداءات يمثلون شريحة واسعة من المجتمع السعودي وأنهم يتمتعون بدعم وإسناد الدولة والعائلة المالكة. في حين أنهم في حقيقة الأمر عناصر خارجة عن مبادئ وقيم المجتمع السعودي.

وقامت جهات محددة في الولايات المتحدة معروفة بعدائها التقليدي لكل ما هو عربي أو مسلم باستغلال الحدث، وتحويله إلى حرب إعلامية وسياسية مفتوحة ضد المملكة وشعبها. وكانت هذه القوى، وبالذات جماعات الضغط من اللوبي الصهيوني ـ الإسرائيلي المتحالف مع اليمين المسيحي المتطرف، والتي تضم في طياتها فئات عديدة تمثل مصالح مختلفة اجتمعت على هدف واحد، هو وجود مصلحة مشتركة بتشخيص المملكة كعدو أول. ومن هنا كان استغلال الفرصة التي وفرتها هذه الاعتداءات لإحداث تحول سريع في موقف الرأي العام الأمريكي ومحاولة الإيحاء بأن المملكة «دولة إرهابية تقود مجتمعاً إرهابياً».
ومما ساعد هذه الجماعات على تحقيق الهدف هو ما تمتلكه من إمكانيات هائلة وبفعل سيطرتها القوية على وسائل الإعلام والاتصال في الولايات المتحدة.

وقد اكتشفت المؤسسات السعودية المعنية، ومنها سفارة المملكة في واشنطن أن مقاومة الهجمة على المملكة والتصدي لتداعياتها أكبر بكثير من قدرات وطاقات هذه المؤسسات، وأن التحدي الإعلامي والسياسي الذي تواجهه المملكة، والذي تجسد بعد اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر يفوق قدراتها المحدودة. ووجدت المؤسسة السعودية نفسها تناور في هامش ضيق أمام بحر هائج من الشعور الرسمي والشعبي المعادي والاتهامات التي لا نهاية ولا حدود لها. وأدركت أن صوت العقل والمنطق قد اختنق أمام صيحات المخطط المدروس الذي استغل عواطف المواطن الأمريكي العادي لتترجم إلى عداء سافر للمملكة وشعبها. وبدا وكأن أصدقاء المملكة المفترضين ضمن دهاليز السلطة وفي أوساط المجتمع الأمريكي نفسه قد تبخروا بين ليلة وضحاها، أو أنهم يشعرون بالحرج، أو تعارض المصالح الذاتية والحزبية، من تولي مهمة الدفاع عن الحق، على الرغم من إيمانهم الباطن به. لذا بقيت حملة وجهود السفارة السعودية في واشنطن والمؤسسات السعودية الأخرى ذات تأثير محدود مقارنة مع قوة وتأثير الحملة المضادة. عندها فقط أدركنا كم أن الحاجة ملحة إلى إعلام حديث وعقلاني قادر على المنافسة أمام غول الحملات الدعائية التي تستهدفنا جميعاً.

اليوم، وفي ذكرى مرور ثلاثة أعوام على الاعتداءات، وعلى الرغم من مشاركة المملكة وبشكل جدي وحازم في الجهود الأمريكية والدولية لمكافحة الإرهاب، وعلى الرغم من تراكم الأدلة على أن المملكة وشعبها هم أنفسهم كانوا ولا يزالون ضحية الأعمال الإرهابية، والأهم من كل هذا وذاك، صدور التقرير النهائي الخاص بتحقيقات الكونغرس الأمريكي الشاملة والدقيقة، والذي صدر في يوليو الماضي، حول اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر، والذي أكد وبشكل قاطع عدم تورط المملكة حكومة، وشعباً، أو عائلة حاكمة في الاعتداءات، بشكل مباشر أو غير مباشر، على الرغم من كل ذلك تبقى المملكة في قفص الاتهام، وتبقى على قائمة الأعداء. فلأغراض معروفة، تم تجاهل مصالح وثيقة للشعب الأمريكي وصداقة متينة من أجل أنانية حفنة من الذين استطاعوا أن يصنعوا رأياً عاماً موهوماً لمعاداة السعودية. وضاعت وسط ضجيج الحملات الدعائية المفتعلة عقلانية الخطاب السياسي.

ومع تصاعد الحملة الانتخابية الرئاسية في أمريكا، نجد أن مرشحي الرئاسة يجدون ضرورة التزام الموقف السلبي من المملكة، وذلك بغض النظر عن الحقائق التي كشفتها السنوات الثلاث الماضية. وقد علق أحد الأصدقاء الأمريكيين على الموقف قائلاً: يجب عليكم أن تفهموا موقف المرشح الرئاسي جون كيري . إن كيري لا يستطيع أن يسبح ضد تيار الرأي العام الأمريكي الذي لا يزال ينظر إلى الدولة والمجتمع السعوديين نظرة سلبية. إن مهاجمة وانتقاد المملكة أمسيا مطلباً انتخابياً لتعزيز شعبية المرشح وإظهاره بمظهر المصمم على مكافحة الإرهاب. وما لا يُقال، ولم يُقَلْ هنا، أن معاداة العرب والإسلام ينبغي أن تكون الشعار الأساسي لكل مرشح رئاسي، وما معاداة المملكة إلا أحد أصداء هذا التوجه! فالجميع يعرف ما الثقل الذي تمثله المملكة بالنسبة للمسلمين.

لكننا من جانبنا علينا أن نتحلى بالشجاعة ونتحمل قسطــاً من مســؤوليــــتنا لأننا فرطنـــا في منح الإعلام المكانـــة التي يستحـــقها في عالم اليوم والغـــد، فـــهل نستطيع أن نستدرك الأمر لنصنع إعلاماً عربياً وإسلامياً ملتزماً بقضـــايانا ولكنه يحـــاكي الإعلام العالمي تطوراً وتقنيات؟

مقالات لنفس الكاتب