array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

التوتر الأمريكي ـ الإيراني يعرِّض أمن منطقة الخليج للخطر: حان الوقت لتدخل دول مجلس التعاون الخليجي

الأربعاء، 01 أيلول/سبتمبر 2004

من المؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية وإيران تسيران في طريق الدخول في مواجهة. وإذا ما حدثت هذه المواجهة بالفعل، فإنها سوف تؤدي إلى كارثة في منطقة الخليج، وربما تصل شظاياها إلى المجتمع الدولي، وذلك على نحو أسوأ بكثير من الوضع المأساوي الذي أفرزته الحرب الأخيرة على العراق. وإذا لـم يتم اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لنـزع فتيل التوتر، فإن الأحداث ستتفاقم وربما تخرج عن نطاق السيطرة، مما من شأنه أن يؤدي إلى توسيع دائرة الصراع في المنطقة وربما دخول إسرائيل كطرف فيه. ومن المحتمل أيضاً أن تتسبب الأزمة في زيادة حدة التوتر واتساع دائرته، هذا فضلاً عن احتمال حدوث المزيد من الارتفاع في أسعار النفط، المرتفعة أصلاً، مما يؤثر بدوره في الاقتصاد العالمي بشكل عام. ونعتقد أن التطورات الراهنة خطيرة للغاية، ولا ينبغي لأي أحد أن يدّعي بعد فوات الأوان أنه لـم يتلقَّ التحذيرات اللازمة.

إن الأزمة المتفاقمة بين واشنطن وطهران تتركز بشكل رئيسي حول ملف الأسلحة النووية في إيران، لكنها ترتبط أيضاً بالمتغيرات والتطورات على مستوى البيئة الاستراتيجية في أعقاب الاجتياح الأمريكي للعراق. وكانت الولايات المتحدة قد شددت من لهجتها تجاه إيران، وردت على الفور على إعلان طهران في أواخر يوليو الماضي أنها ستستأنف إنتاج أجهزة الطرد المركزي centrifuges وتعاود العمل في خطوات تمهيدية نحو إنتاج اليورانيوم المخصب، وأنها ستتخلى عن التزامها أمام وزراء خارجية الدول الأوروبية الثلاث الكبرى، ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، والقاضي بتعليق برنامجها النووي.

وتجسد رد الولايات المتحدة من خلال تصريحات وزير خارجيتها كولن باول الذي أشار إلى أنه بات من المرجح رفع ملف إيران إلى مجلس الأمن الدولي من أجل فرض عقوبات عليها. وبعد مضي أيام قليلة على تصريحات باول، حذرت كوندوليزا رايس مستشارة الأمن القومي الأمريكي من أن إيران ستتم مواجهتها بحزم وأن النظام الإيراني يجب أن يتم عزله بدلاً من محاولة إشراكه في النظام الدولي.

ومن جانبه كان الرد الرسمي الإيراني أكثر تشدداًً، وتمثل في تصريحات الزعيم الروحي آية الله خامنئي التي كرر فيها تأكيده أن إيران عازمة على المضي قدماً في تنفيذ برامجها على الرغم من القلق الدولي. كما تجسد الرد الإيراني أيضاً من خلال نبرة الرئيس محمد خاتمي التي تضمنها تصريحه الذي قال فيه: "إذا أرادت أي جهة أن تحرمنا من حقنا، فنحن ومن خلفنا أمتنا سنكون جاهزين لدفع الثمن". ووسعت إيران من نطاق التحدي، حيث احتجت بشدة على الأسلوب الذي تعالج به الولايات المتحدة الأزمة المتفجرة في مدينة النجف العراقية، كما أعلنت عن قيامها بتجريب آخر نسخة محدثة من صاروخ شهاب 3 الذي يمكن أن يدكّ العمق الإسرائيلي ويطال جميع مواقع القوات الأمريكية المنتشرة في كثير من دول منطقة الخليج. ومضى الإيرانيون في الإعلان عن مواقفهم إزاء المستجِدات الأخيرة، حيث حذر وزير الدفاع علي شامخاني في تصريحات أدلى بها في التاسع عشر من أغسطس 2004 من أن بلاده جاهزة لشن هجمات استباقية إذا ما ارتأت ضرورة ذلك.

ومن المتوقع أن يستمر تراشق الخطابات النارية بين واشنطن وطهران حتى الثالث عشر من سبتمبر المقبل، وهو الموعد المحدد لانعقاد اجتماعات محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في العاصمة النمساوية فيينا. وتحاول الولايات المتحدة خلال هذا الاجتماع السعي إلى الدفع في اتجاه تبني قرار بإدانة قوية للبرنامج النووي الإيراني، وذلك في خطوة تمهيدية لفرض حظر دولي على طهران. ومن جانبها ستحاول إيرانعدم القبول بأي شيء أقل من إغلاق نهائي للملف والإقرار بحقها في الاستمرار في تطوير برنامجها الذي تقول إنه يهدف أساساً إلى تحقيق أهداف سلمية. ومن المتوقع أن يتبلور سيناريوهان محتملان ضمن سياق هذه التطورات. فإما أن تنجح الولايات المتحدة في تحقيق مبتغاها، وفي هذه الحالة ستُضطر إيران إلى الخروج من المفاوضات أو يتم عرض حل وسط لهذا الملف الشائك، وبالتالي تتخذ واشنطن خيار العمل الأحادي في تعاملها مع إيران.

وفي الواقع فإن التوتر الذي يثيره ملف الأسلحة النووية ليس بالأمر الجديد، لكن الذي يضفي المزيد من الخطورة على المواجهة الحالية هو أن كلاً من الولايات المتحدة وإيران تنتهجان سياسات تستند إلى افتراضات واهية. وفي هذا الإطار يقول صقور الإدارة الأمريكية إن الظروف في إيران أصبحت مواتية لاندلاع ثورة داخلية، وإن الشيء الوحيد الناقص هو دفعة قوية في الاتجاه الصحيح والمقصود بهذه الدفعة القوية هو بذل جهود مكثفة من أجل إثارة مشاكل داخل إيران وتقديم دعم قوي لما يُسمى بالمعارضة الديمقراطية. وضمن هذا السياق يمكن توجيه ضربة عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية كجزء لا يتجزأ من هذه المعادلة السياسية.

إن مثل هذا التفكير شبيه في سذاجته بالفكرة التي كانت تسود بعض الأوساط الأمريكية في فترة الإعداد لحرب العراق، والتي كانت تقول إن العراقيين سيخرجون إلى طرقات المدن ملوحين بالأعلام الأمريكية، مرحبين بالقوات الأمريكية وهي تزحف على التراب العراقي. ونعتقد أنه، مثلما أوضح ذلك بعض المعلقين السياسيين، ليس هناك من شيء من المتوقع أن يوحد الإيرانيين أكثر من هجوم أمريكي على بلادهم حتى ولو كان الهجوم انتقائياً وموجهاً ضد المنشآت النووية الإيرانية. أما السبب الثاني فيمكن تلخيصه في القول إن أي متغيرات سياسية على الساحة الداخلية في إيران لن تأتي بفعل توحد المعارضة، بل ربما على يد جيل الشباب القادم، إذ تقول الإحصاءات إن ستين في المائة من سكان إيران هم من الشباب البالغين أقل من أربعة وعشرين عاماً. وبناءً على هذا الواقع فإن التغيير سيأتي بشكل طبيعي.

ومثلما تفعل الولايات المتحدة الأمريكية، فإن طهران أيضاً تنتهج سياسات تقوم على افتراضات ورؤى خاطئة، حيث يعتقد الإيرانيون أن الولايات المتحدة لن تخاطر بمهاجمة إيران في الوقت الذي يتعرض فيه الجنود الأمريكيون لمأزق كبير داخل المستنقع العراقي، وأن قواتها منتشرة في العديد من بقاع العالم، مما يضعف هياكلها الحربية. ومن المؤكد أن هذا الافتراض خاطئ، إذ إن الولايات المتحدة تبدو مستعدة للقيام بأي خطوة تراها ضرورية من أجل حماية مصالحها الوطنية، وهو أمر ثبت بجلاء شديد من خلال تجربة العراق، إذ استندت إدارة بوش إلى مجرد أدلة واهية بخصوص برنامج العراق لتطوير أسلحة الدمار الشامل أو الروابط المزعومة لنظام صدام حسين بشبكة القاعدة واعتبرتها كافية لتبرير اجتياح دولة أجنبية وإرسال أكثر من مائة وخمسين ألف جندي إليها، عابرين مسافة تتجاوز ستة آلاف ميل. ومثلما ساهمت الحرب ضد العراق في محاولة صرف الأنظار عن المهمة غير المكتملة في أفغانستان والفشل في القبض على أسامة بن لادن، فإن الضجة المثارة حول إيران ربما يكون المقصود بها هو استخدامها كأداة مفيدة لصرف الأنظار عن حالة عدم الاستقرار وتزايد حدة المقاومة ضد القوات الأمريكية في العراق.

ومن هنا تتجلى ملامح السيناريوهات المحتملة وتتضح أكثر، حيث إنه من المتوقع أن تعكف الولايات المتحدة على منع إيران من التحول إلى قوة نووية، مستخدمة جميع الوسائل الضرورية، في حين ستحاول إيران من جانبها المضي قدماً في تنفيذ برنامجها، متحدية الولايات المتحدة. لكن السؤال الملح يرتبط بما ينبغي القيام به من أجل منع وقوع الأزمة. ومن المؤكد أن ترك الأحداث تأخذ مجراها الراهن يحمل مخاطر جمة ويعكس انعدام الشعور بالمسؤولية السياسية. وبدلاً من ذلك فإن من المهم إيجاد
مخرج من دائرة التهديدات والتهديدات المضادة والدخول في حوار موسّع يُمكِّن الطرفين من التوصل إلى صياغة نظرة أفضل حول توجهات سياساتهما الحالية. ويجب أن تستند الجهود اللازمة لبناء قاعدة للحوار إلى ركيزتين أساسيتين تتمثل أولاهما في استمرار الاتحاد الأوروبي في تعزيز جهوده الدبلوماسية لحل الأزمة. أما الثانية فتتمثل في مشاركة فاعلة من قبل دول المنطقة، خصوصاً دول مجلس التعاون الخليجي والأردن، ومن الضروري أن تمنح هذه الدول للأمر أولوية قصوى وأن توفر الأطر والقنوات المناسبة التي يمكن أن يتم من خلالها توجيه المناقشات.

ولا شك في أن منهجية الحوار المباشر بين الولايات المتحدة وإيران بالشكل الذي دعا إليه تقرير صادر عن فريق خاص تابع لمجلس العلاقات الخارجية Council on Foreign Relations ستكون هي الاستراتيجية المثلى، إذ إنها تساهم في إعادة صياغة الرؤى السائدة حالياً، والتي توجه مسار العلاقات بين البلدين. لكنه من المؤكد أن هذه الخطوة وحدها لن تكون كافية، خصوصاً أن أياً من الجانبين سيحاول فرض شروطه بشأن قضايا محددة بعينها. فبالنسبة للولايات المتحدة تظل جميع القضايا مرهونة بالملف النووي. أما بالنسبة لإيران، فتبقى فرص الحوار مرهونة بكل ما يثير مشاعر العداء تجاه أمريكا. من هنا فإنه من الضروري التفكير في عمل دبلوماسي واسع ومكثف يتبنى أجندة مفاوضات واقعية.

وعلى الرغم من أن النجاح الدبلوماسي الذي حققه الاتحاد الأوروبي في تعامله مع الملف الإيراني كان محدود النتائج، فإن ذلك يجب ألاّ يحبط جهود الحوار والعمل الدبلوماسي. بل على العكس من ذلك، يجب على الاتحاد الأوروبي أن يكون أكثر حزماً وأكثر مصارحة مع الجانب الإيراني، حيث يجب أن يوضح لمفاوضيه الإيرانيين بشكل مباشر الفوائد التي يمكن أن تجنيها إيران إذا ما أبدت استعداداً للتعاون من جهة والتبعات المتوقعة في حال أصرت طهران على الاستمرار في تحدي إرادة المجتمع الدولي من جهة أخرى.

والأهم من كل ذلك هو أن الرسالة التي يجب أن يتم إرسالها لإيران هي العمل على الاستفادة من الفرص التي تُقدم لها مثلما حدث في مناسبات عدة في السابق. فعلى الرغم من ضرورة الأخذ بعين الاعتبار مصالح إيران الأمنية المشروعة، فإن مصالحها لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتحقق ضمن رؤية تقوم على مشاعر العظمة الفارسية.

ومن أجل توضيح هذه الرسالة ينبغي على الاتحاد الأوروبي بفضل ما يتمتع به من نفوذ سياسي ضمن علاقاته مع طهران العمل على استثمار هذا النفوذ للتأثير في القيادة الإيرانية.
ومن المهم كذلك حشد الجهود الإقليمية من أجل نـزع فتيل الأزمة. فمن المؤكد أن دول الخليج العربية هي أول من ستتأثر بشكل مباشر وقوي في حال حدوث مواجهة أمريكية ـ إيرانية. لكن وفي حين أن إدراك الأخطار الممكن أن تنجم عن مواجهة أمريكية ـ إيرانية يجب أن يسفر عن جهود ومشاورات دبلوماسية على مستوى عالٍ بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي، إلاّ أنه يبدو أن مشاورات من هذا القبيل لم تنطلق بعد.

كما أنه وفي حين أن هناك ضرورة قصوى للدخول في حوار يلامس القضايا الحساسة، فإن أطر الحوار الحالي تتركز بشكل أساسي على الضرورات الدبلوماسية فقط وعلى بعض القضايا مثل العلاقات التجارية وأسعار النفط. وعلى الرغم من أنه من المهم عقد اجتماعات منتظمة بين وزراء الخارجية والدفاع في دول مجلس التعاون الخليجي، لمناقشة التطورات الحالية والطرق اللازمة لتخفيف حدة التوتر المتصاعد، فإن أمن الخليج يُنظر إليه بوصفه آلية تضبط إيقاعها بذاتها. وباستثناء الزيارة التي قام بها عبد الرحمن العطية الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي لطهران في يناير 2004، لم يسجل أي من وزراء الخارجية والدفاع في دول المجلس زيارة إلى إيران خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية.

هناك حاجة ماسة إلى اتخاذ خطوات عاجلة ومباشرة في ما يخص الجوانب الثلاثة سابقة الذكر والمتمثلة في إجراء مشاورات عالية المستوى مع إيران والدخول في مفاوضات مباشرة معها، إضافة إلى التركيز على التعاون الإقليمي بين دول مجلس التعاون الخليجي. كما أنه وإذا استدعت الضرورة فإنه لا بد كذلك من استدعاء دعم وجهود أطراف أخرى كما هو الحال بالنسبة للمساعي التي يبذلها العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني . ويجب على دول مجلس التعاون الخليجي أن تتحرك من جانبها على الأسس نفسها التي تعمل ضمنها دول الاتحاد الأوروبي، أي أن توضح لإيران الفوائد والمكاسب التي يمكن أن تحصل عليها إذا ما تعاونت مع الجهود الدولية، أو الأضرار والآثار المتوقعة في حال استمرار تشددها. وفي مناسبات عديدة في الماضي أعلن قادة دول مجلس التعاون الخليجي رؤيتهم حول أمن منطقة الخليج القائمة على مفهوم أنه لا يمكن أن يتحقق الأمن الإقليمي إلا عبر المشاركة وتضافر الجهود بين دول المنطقة. ومن أجل زيادة فرص إنجاح الجهود الدبلوماسية الرامية إلى إدماج إيران، فإنه من الضروري لدول مجلس التعاون الخليجي أن تنظر إلى إيران كجزء لا يتجزأ ضمن أي منظومة أمنية في منطقة الخليج تتشكل في المستقبل.

وأمام هذا الواقع يبدو أن التوتر القائم حالياً في العلاقات بين إيران والولايات المتحدة يمثل مسألة يجب ألاّ يُترك أمر قرارها وتوجيهها للآخرين، بل إن الحاجة ملحة اليوم لكي تلعب دول المنطقة دورها الإقليمي. ولا شك في أن الأوان قد حان لمثل هذا الدور.

مقالات لنفس الكاتب