; logged out
الرئيسية / قانون مكافحة الأرهاب

قانون مكافحة الأرهاب

الأربعاء، 01 أيلول/سبتمبر 2004

لقد غدا الإرهاب والاستعمال غير المشروع للعنف والقتل العشوائي الذي تقوم به جماعات وأفراد في مختلف بقاع العالم سمة غالبة على العقد الأخير من القرن العشرين ، ويبدو أن هذه السمة مستمرة في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين وقد تمتد كما بشرنا بذلك بول وولفوتيز  ( نائب وزير الدفاع الأمريكي ) في حديثه أمام مؤتمر " مؤسسة راند " بداية شهر سبتمبر 2004 ، إلى مدى زمني أكبر يتجاوز عدة عقود .

وكان نصيب الدول العربية والإسلامية على وجه العموم ودول مجلس التعاون الخليجي على وجه الخصوص من ظاهرة الإرهاب الفردي والجماعي خلال تلك الفترة كبيراً وملفتاً للأنظار . فبسبب تصرفات حمقاء من عدد من المنتسبين للمنطقة العربية ممن يرفعون راية الدين الإسلامي عانت أنظمة وشعوب المنطقة من تبعات هائلة على المستويين المحلي والخارجي وعلى كافة الصعد السياسية والاقتصادية والثقافية . ولقد سبق لي أن حذرت من هذه التصرفات الخرقاء في مقالات صحيفة نشرت في أعوام 1998 و 1999 وطالبت الأخذ على يد هذه الطائفة من الأفراد الذين لا ينقصهم الإخلاص في التوجه بقدر ما ينقصهم الصواب في الوسيلة .

لقد أوردت تصرفات وسلوك اولئك النفر ومن سار على نهجهم وأسلوبهم الشرس العنيف ، لعل آخر مظاهره خطف وذبح المدنيين في العراق وحصار ودمار مدرسة الأطفال في أوسيتيا والتفجيرات في السعودية ،فأوردوا أهلهم ودينهم موارد الهلاك ودونما فائدة تذكر أو مصلحة ترجى بل راكمت المفسدة تلو الأخرى . لذلك كان لابد من تضافر الجهود كافة من علماء الدين والاجتماع والقانون والاقتصاد ورجال الحكم لمواجهة هذا الغلو والشطط تقليلاً للخسائر ووقفاً لتردي الأحوال والأوضاع ومنعاً من تشويه تاريخ وقيم وأسس دين سماوي عالمي كالإسلام .

ودول مجلس التعاون الخليجي شهدت في العام 2004 إصدار قانونين بشأن مكافة الإرهاب ( قانون رقم 3 لسنة 2004 ) والذي أصدره أمير دولة قطر في 16 فبراير 2004 ومرسوم قانون مكافحة الجرائم الارهابية ( مرسوم بقانون رقم 1 لسنة 2004) والذي أصدره رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة في 28 يوليو 2004 . وهما الدولتان الوحيدتان من دول المجلس اللتان أصدرتا تشريعاً لمعالجة هذه الجريمة المستحدثة التي لم تعهدها أو تعرفها هذه المنطقة . مع العلم بأن دول المجلس الست قد صادقت على الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب. والصادرة عن مجلس وزراء الداخلية والعدل العرب في القاهرة في أبريل 1998 والتي دخلـت حــيز التنفــيذ منـذ 7 مــايو .1999
وسوف أتناول بالبحث هنا بشكل مختصر تعريف الإرهاب والاتفاقيات الدولية بشأنه وقرار مجلس الأمن رقم 1373 ثم ألقي الضوء على التشريعين الإماراتي والقطري وكيفية معالجتهما لهذا النوع من الجرائم.

تعريف الإرهاب :

" لا يوجد تعريف دولي وحيد مقبول عالمياً للإرهاب. هذا ما أورده تقرير وزارة الخارجية الامريكية بشأن الإرهاب الدولي وهو ما خلص إليه أحد الباحثين الأكاديميين الذي أصدر عام 2001 كتاباً يقع في 3 مجلدات وضم 1866 صفحة استقصى خلالها محاولات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى لوضع تعريف جامع مانع محدد لهذا النوع من الجرائم . ولعل سبب ذلك أن كلمة " الإرهاب " تحمل مفاهيم قيمية وأيديولوجية وسياسية أكثر من حملها لمعنى قانوني واضح مما أوجد لدينا حالة ضبابية في تعريفها استغلت في استخدامها بالشكل الذي يناسب صاحب المصلحة . فقد تستخدم لوصم جهة معينة بالإرهاب من أجل تشويهها أو تبرير اجراءات انتقامية ضدها . وقد يكون فعلاً من طرف جماعة أو طائفة من الناس إرهاباً لدى إحدى الدول أو المجموعات البشرية والثقافية بينما يعتبر نفس الفعل مقاومة وكفاحاً مشروعاً لدى دول أومجموعة بشرية وثقافية أخرى .

وتعريف كلمة " إرهاب " " Terror " الأصلي في قاموس اكسفورد الأنجليزي هو " الحكم بالرعب " " Government by Intimidation" أي أن يقوم النظام الحاكم بفرض سيطرته من خلال إرهاب وتبني الرعب بين الرعية كما حصل في فترة الإرهاب " Reign of Terror" التي أعقبت الثورة الفرنسية . ثم تطور الأمر وتحول المفهوم إلى استخدام العنف ضد السلطة وليس من قبلها وأول أحداث سجلت في العصر الحديث يمكن أن تكون أفعالاً إرهابية ضد الحكم هو ما حصل في ايرلندا عام 1866 وروسيا 1883 . وأصبحت الكلمة تعني وفق المفهوم الأمريــكي كمــا يقــول الصحافي البريطاني " Brian Whitaker " في مقاله في صحيفة الجارديان ، " إرعاب الحكومات " "Intimidation of Governments ".

وكانت أول محاولة قانونية لوضع تعريف للإرهاب على النطاق الدولي هي المحاولة التي حصلت عام 1937 في ظل عصبة الأمم من خلال وضع معاهدة دولية عرفته بأنه " خلق حالة من الرعب في أذهان مجموعة من الأشخاص أو طائفة منهم أو الجمهور العام" ولكن هذه المعاهدة لم تر النور .

وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ونشوء الأمم المتحدة بدأت محاولات جديدة لوضع تعريف دولي لها . ولكن لم توضع معاهدة دولية شاملة وحيدة خاصة بالإرهاب وبدلاً عن ذلك فإنه منذ عام 1963 وضعت 12 معاهدة وبروتوكولاً دولياً تتناول جرائم مختلفة يمكن تسميتها بالجرائم الارهابية الدولية كالقرصنة وخطف الطائرات والجرائم ضد الموظفين الدوليين والدبلوماسيين وحجز الرهائن .

ولقد أحصى أحد الباحثين أكثر من 108 محاولات لتعريف الإرهاب. ومن ضمن المحاولات العديدة لتعريف الإرهاب محاولة الخبير الدولي في الإرهاب "أ. شميد " " A.P Schmid " في تقرير له قدمه للأمم المتحدة عام 1992 إذ اقترح اعتماد تعريف الإرهاب بأنه " نظير جرائم الحرب في وقت السلم " وجرائم الحرب هي عديدة أبرزها الهجوم المتعمد على المدنيين وحجز الرهائن وقتل الأسرى أو المسجونين .

ويعرف الإرهاب في قانون الإجراءات الفيدرالية الأمريكي بأنه : " الاستعمال غير المشروع للقوة والعنف ضد أشخاص أو ممتلكات من أجل بث الرعب أو إكراه حكومة أو سكان مدنيين أو أي طائفة مهم لتحقيق غاية سياسية أو اجتماعية " .

وهذا التعريف يتضمن 3 عناصر أولها أن يكون النشاط الإرهابي غير قانوني ويستخدم القوة . والثاني أن يقصد من وراء هذا الاستخدام غير المشروع بث الرعب أو الإكراه . والثالث أن يكون ذلك من أجل غاية سياسية أو اجتماعية .

أما قانون الإرهاب البريطاني لسنة 2000 ( Terrorism Act) فقد عرف العمل الإرهابي بأنه استخدام أو التهديد بفعل أحد الأعمال المنصوص عليها في القانون وأن يكون من أجل التأثير على الحكومة أو إرعاب الجمهور أو طائفة منه وأن يكون الهدف منه تحقيق غاية سياسية أو دينية أو أيديولوجية .

ومسألة التعريف على المستوى الدولي للإرهاب مهمة جداً والتي لم تتحقق حتى يومنا هذا . إذ إن التعريف الواضح للجريمة سيفيدنا من ناحيتين: الأولى أنه ستكون لدى الهيئات الدولية مرجعية قانونية موحدة ترجع إليها وتعتمد عليها. والثانية أن الدول كافة ستلتزم بمعيار قانوني موحد لا يخضع لصالح هذه الدولة أو تلك .

ولابد من التنويه هنا أن قواعد القانون الدولي المعاصر تميز بين العمل الإرهابي وحق المقاومة والكفاح المسلح وتقرير المصير . فالأول إجرامي ومدان ومرفوض على المستوى الدولي في حين أن الثاني حق مشروع كفلته المواثيق الدولية . كذلك فإن القانون الدولي يعرف نوعين من الإرهاب أحدهما إرهاب الدولة والآخر إرهاب الأفراد كما أن هناك إرهاباً محلياً وإرهاباً دولياً متعدياً للحدود الجغرافية .

ومنذ أحداث سبتمبر 2001 تسارعت وتيرة التصدي القانوني للجريمة الارهابية على المستويين الدولي والوطني . فقد أصدر مجلس الأمن يوم 28 سبتمبر 2001 قراره المشهور رقم 1373 ( 2001 ) والذي أعدت مشروعه الولايات المتحدة وتم إقراره دون تعديلات أساسية عليه مستنداً إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة . ويدعو القرار الدولي إلى اتخاذ تدابير واسعة ومتنوعة لمحاربة الأعمال الإرهابية وحظر ممارسته بكل الوسائل القانونية. ونظراً لاستناد القرار 1373 على الفصل السابع فقد أصبح ملزماً قانوناً لكافة الدول والمنظمات الدولية وإلا تعرضت للجزاءات إن هي تقاعست عن الالتزام به .

وطالب القرار أعضاء المجتمع الدولي وبخاصة الدول أن تمنع التمويل للأعمال الإرهابية وأن تجرم توفير الأموال لها وأن تجمد الأموال والحسابات ذات الصلة بها وأن لا توفر أي دعم إيجابي أو سلبي للمؤسسات والاشخاص المتورطين في أعمال إرهابية وأن لا توفر ملاذاً آمناً لهم وأن يتم تبادل المعلومات بشأن تحركات الأشخاص والشبكات المشبوهة وأن تنضم الدول في أسرع وقت ممكن إلى المواثيق والبروتوكولات الدولية ذات الصلة بمكافحة الإرهاب .

ويلاحظ على ذلك القرار أنه ذكر في مقدمته أن أعمال الإرهاب يحركها " التعصب والتطرف في مناطق مختلفة من العالم " وتجاهل العوامل الأخرى المولدة لهذه الأعمال كالظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية . كما أن القرار أغفل ذكر حق تقرير المصير وحق مقاومة الاحتلال مع تأكيده على حق الدفاع عن النفس . ولم يضع القرار تعريفاً محدداً لمفهوم الإرهاب الدولي مما أعادنا إلى المربع الأول مرة أخرى .

ومن أجل تنفيذ القرار 1373 وضعت آلية من خلال إنشاء لجنة مكافحة الإرهاب ( Counter- Terrorism Committee) (C T C ) والتي توافيها الدول بتقاريرها الدورية وتوجه استفسارات للدول بشأن مدى التزامها بأحكام القرار . كذلك فإن مكتب الأمم المتحدة الخاصة بالمخدرات والجريمة (UNODC ) (UN Office on Drugs and Crime ) كان له دور في الجانب القانوني من خلال تقديمه مساعدات وخدمات تشريعية للدول لصياغة تشريعات وطنية لمكافحة الإرهاب وتهيئتها لتكون طرفاً في الاتفاقيات والبروتوكولات الدولية لمكافحة الإرهاب ثم كيفية تنفيذها . ولقد ساعد مكتب الأمم المتحدة الخاص بالمخدرات والجريمة أكثر من 80 دولة خلال الفترة من أكتوبر 2002 ولغاية يونيو 2004 من خلال شرح مضامين قرار مجلس الأمن 1373 (2001 ) للمشرعين ومنفذي القوانين وأعضاء السلطة القضائية في تلك الدول . كما قدم المكتب لغاية 23 يوليو 2004 مساعدة قانونية مباشرة لـ 43 دولة لوضع خطط وطنية لمكافحة الإرهاب ومراجعة قوانينها الوطنية وتقديم النصح لها فيما يخص مشروعات القوانين .

قانون مكافحة الإرهاب فى الإمارات وقطر :

لقد جاء إصدار هذين القانونين فى إطار التزام الدولتين تجاه المجتمع الدولي وتنفيذاً لأحكام قرار مجلس الأمن ، وإن كانت أي منهما لم تواجه أعمالاً إرهابية على أراضيها باستثناء حادث بسيط في قطر . ولكن هذا لا يمنع من التحوط ضد أي إخلال بالأمن . وبالنظر فى ثنايا القانونين نجد أنهما قد جرما الأفعال التالية واعتبراها أعمالاً إرهابية:

• إنشاء وتأسيس وتنظيم وإدراة جمعية أو هيئة أو منظمة أو جماعة لارتكاب أعمال إرهابية.
• امداد تلك الجمعيات أو الهيئات أو الجماعات بأموال أو أسلحة تقليدية أو غير تقليدية أو مستندات أو وسائل اتصال أو معلومات تعينها على تحقيق غرضها .
• تقديم سكن أو مأوى أو مكان للاجتماع أو أية تسهيلات لأعضاء تلك الجمعيات أو الجماعات الإرهابية.
• الانضمام إلى الجمعيات والجماعات الإرهابية .
• إكراه الأشخاص على المشاركة أو الانضمام إلى الجماعات الإرهابية .
• تدريب الأشخاص على استعمال الأسلحة التقليدية أو غير التقليدية أو وسائل الاتصال للاستعانة بها لتنفيذ عمل إرهابي .
• الترويج بالقول أو الكتابة لأي من الأفعال الإرهابية . وحيازة محررات أو مطبوعات أو تسجيلات تروج لعمل إرهابي إذا كانت معدة للتوزيع .
• السعي لدى دول أجنبية أو جمعية أو جماعة خارج الدولة للقيام بأعمال إرهابية داخل الدولة أو خارجها ضد ممتلكات الدولة أو موظفيها أو مواطنيها .
• تعاون أو التحاق المواطنين بقوات أو مليشيات أو جماعة إرهابية مقرها خارج الدولة .
• دخول مقر بعثات دبلوماسية أو منظمات دولية عنوة لارتكاب عمل إرهابي .
• تقديم أو جمع أو نقل أو تحويل الأموال بقصد استخدامها فى تمويل أعمال إرهابية.
• تصنيع أو تجهيز أو استيراد أو حيازة أو نقل أسلحة غير تقليدية بقصد استخدامها فى ارتكاب عمل إرهابي .
• اختطاف أو إتلاف أو تعطيل النقل البحري أو الجوي أو المائي بقصد ارتكاب عمل إرهابي .
• احتجاز الأشخاص أو حبسهم كرهائن بهدف ارتكاب عمل إرهابي .
• التعدي على أحد القائمين على تنفيذ أحكام قانون مكافحة الإرهاب .
• استعمال المتفجرات أو الأسلحة غير التقليدية فى ارتكاب جريمة إرهابية .
• التحريض أو الاشتراك في اتفاق جنائي على ارتكاب جريمة إرهابية .
• الدعوة إلى الانضمام إلى اتفاق جنائي لارتكاب جريمة إرهابية .
• عدم تبليغ السلطات عن مشروع لارتكاب جريمة إرهابية .

والقانون القطري الصادر فى فبراير 2004 تم أخذ رأي مجلس الشورى فيه وهو ما قد يمثل على نحو ما الجهة الشعبية وإن كانت استشارية . ولقد اختلف الحال في دولة الإمارات . فمشروع القانون كانت اللجنة الفنية للتشريعات برئاسة وكيل الوزارة المساعد لشؤون التشريع قد أقرته وأنجزته فى الأسبوع الأول من شهر أبريل 2004 وكان وقتها المجلس الوطني منعقداً وهو الجهة التي تمثل شعب الإمارات دستورياً وإن كان أعضاؤه معينين ورأيهم إلى حد كبير استشاري. إلا أن رفع المشروع إلى اللجنة التشريعية بمجلس الوزراء أدى إلى عدم عرضه على المجلس الوطني لنقاشه . فالمجلس الوطني اختتم دورته فى 14 يوليو 2004 ولذلك صدر المشروع بوصفه مرسوماً بقانون من رئيس الدولة بعد أسبوعين من انفضاض المجلس الوطني وأثناء إجازته التشريعية .

ويحسب للقانونين محاولتهما وضع تعريف للجريمة أو العمل الإرهابي . فالقانون القطري اعتبر أي جناية ، مستثنياً بذلك الجنح ، المنصوص عليها فى قانون العقوبـات أو أي قانون آخر جريمة إرهابية إذا كان الغرض من ارتكابها إرهابياً . ويكون الغرض إرهابياً إذا كان الدافع إلى استعمال القوة أو العنف أو التهديد أو الترويع تعطيل أحكام الدستور أو الاخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر أو كان يؤدي إلى إيذاء الناس أو تسبيب الرعب لهم أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو أمنهم للخطر أو إلحاق الضرر بالهيئات أو المرافق أو المنشآت أو الممتلكات العامة أو الخاصة .

أما القانون الإماراتي فاعتبر العمل إرهابياً – بغض النظر عن كونه جناية أو جنحة – إذا كان فعلاً أو امتناعاً عن فعل تنفيذا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي بهدف إيقاع الرعب بين الناس أو ترويعهم إخلالاً بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر أو إيذاء الأشخاص أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو أمنهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة أو أحد المرافق والأملاك العامة أو الخاصة.

والتعريفان قريبان من التعريف الذي أوردته الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب والمادة 86 من قانون العقوبات المصري إلا أنه يلاحظ أن القانون في الإمارات لم يشتمل على لفظ " قوة " أو " عنف " في تعريفه للعمل الإرهابي كما هو التعريف الجاري لدى FBI . فالعمل الإرهابي بهذا المفهوم قد يكون سلمياً وليس عنيفاً بالضرورة وهذا توسيع للمفهوم يتجاوز ما أوردته الاتفاقيـة العربية فى المادة الأولى فقرة ( 2 ). ولكن يحسب لقانون الإمارات أنه لم يشتمل على لفظ " التهديد " الذي أورده القانون القطري والاتفاقية العربية ولا لفظ " الشروع " الذي احتوته الاتفاقية العربية . فالتهديد بالعنف يجعل تفسيرها واسعاً قد يشمل أفعال المعارضة السياسية .

كما يلاحظ أن القانونين لم يشتملا على محدد آخر للجريمة الإرهابية اعتمده كثير من الدول ومن ضمنها الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وهـو أن الغرض منها " تحقيق غاية سياسية أو اجتماعية " واسقـاط هذا المدلول يوسع من مفهوم " العمل أو الجريمة الإرهابية " . يضاف إلى ذلك أن القانون الإماراتي جعل " الامتناع عن فعل " جريمة إرهابية أيضاً وهو ما لم تشر إليه الاتفاقية العربية أو تعريف FBI . وهذا توسيع آخر للمصطلح وإن حاول ضبطه بالهدف والغرض من الامتناع عن الفعل بأنه إيقاع الرعب بين الناس أو ترويعهم .

ومن إيجابيات القانونين أنهما أخضعا محاكمة مرتكبي الجرائم الإرهابية للقضاء العادي ولم يوجدا محاكم استثنائية أو خاصة كمحاكم أمن الدولة أو محاكم الإرهاب أو محاكم عسكرية . ومنح القانون الإماراتي كضمانة للمتهمين حق التظلم أمام المحكمة المختصة من قرارات النائب العام وإن كان قد قصر هذه الضمانة على الأحوال التي تمس الأموال والممتلكات كتجميدها أو التحفظ عليها . وكان يفضل مد هذا الحق ليشمل التدابير الأخرى كالحبس الاحتياطي للمتهمين خصوصاً أن القانون فى الإمارات وقطر أجاز للنيابة العامة أن تحجز حرية المتهم لمدة أقصاها ستة أشهر وهي أطول من تلك التي قررها قانون الإجراءات الجزائية تجاه الجرائم العادية والتي تصل مدة الحبس الاحتياطي فيها بحد أقصى 21 يوماً تجدد بعد ذلك بأمر من المحكمة المختصة . كما أن هذه المدة أطول مما أقره قانون الإرهاب البريطاني والذي جعل أقصى حد هو 28 يوماً للحبس الاحتياطي.
وحجز حرية الإنسان – ولو كان متهماً – لمدة تصل إلى ستة أشهر بالحبس الاحتياطي تتجاوز المدة المنصوص عليها في قوانين العقوبات بل والاتفاقية العربية التي أجازت الحبس الاحتياطي لمدة لا تتجاوز 60 يوماً من تاريخ القبض (مادة 26/1) . ولقد أوردت منظمة العفو الدولية ولجنة حقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة تحفظات على طول الفترة الزمنية للحبس الاحتياطي فى الاتفاقية العربية وبعض الدول واعتبرتها نوعاً من الاعتقال التعسفي المخالف للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية .
والقانون في دولة الإمارات أكثر توسعاً أو تفصيلاً للجرائم وعقوباتها من نظيره القطري . فهو يشتمل على 45 مادة مفصلة تشمل العديد من الجرائم التي لم يتعرض لها القانون القطري الذي تكون من 23 مادة فقط .

ولقد توسع القانونان فى ذكر عقوبة الاعدام وتوسيع نطاقها . فقد أورد القانون القطري هذه العقوبة خمس مرات بينما أوردها القانون الإماراتي 12 مرة . ولا شك في أن الجرائم الإرهابية تشكل خطراً داهماً على أمن المجتمعات وسلامة البشر ورفاهية حياتهم لذا كان لا بد من ردع من يقوم بارتكابها بوضع عقوبات شديدة تتناسب مع خطورة تلك الجرائم . إلا أن التوسع في الردع قد يكون محل نظر في بعض الأحوال . فالتوجه القانوني العالمي الحديث يتجه إلى الحد من ممارسة عقوبة الإعدام وتقييد عدد الجرائم التي يمكن فرض هذه العقوبة على مرتكبيها . وتكرار ذكر عقوبة الاعدام مرات عديدة في ثنايا القانون يعطي انطباعاً سلبياً كان يمكن تجاوزه بنص قانوني وحيد يذكر فيه أن العقوبة بالاعدام هي للجريمة التي يترتب على فعل الجاني فيها موت شخص . وهذا يتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية . وإن تم الأخذ بهذا النص لأمكن خفض تكرار العقوبة في القانون الإماراتي في 7 مواضع .

يضاف إلى ذلك أن التوسع فى إيقاع عقوبة الإعدام ، حتى ولوكانت عقوبة اختيارية ، على أفعال لا تفضي إلى قتل اشخاص وإزهاق أرواح لا يتماشى مع التوجه العالمي الحديث . وهذا ما وقع فيه القانونان . إذ أوردا هذه العقوبة التي لا يمكن الرجوع عنها بعد تنفيذها كعقوبة لجرائم مثل استعمال أسلحة فى ارتكاب الجريمة الإرهابية ، تأسيس أو إدارة جماعة أو منظمة ، التهديد باستخدام أسلحة غير تقليدية ، استعمال المتفجرات التقليدية .

وانفرد القانون الإماراتي عن القانون القطري بتجريم الترويج بالقول أو الكتابة للأفعال الإرهابية أو حيازة أو إحراز مطبوعات أو تسجيلات لعمل إرهابي شرط أن يكون معداً للتوزيع أو إطلاع الغير عليه . وإن انطوى النص على بعض الكلمات ذات مدلول واسع مثل " تحبيذ " العمل الإرهابي . فالحيازة والإحراز والترويج مصطلحات قانونية منضبطة في العلم الجنائي أما كلمة " تحبيذ " فليست كذلك .

كما جرم القانونان تمويل الإرهاب بأي صورة كانت،سواء تم ذلك من خلال نقل الأموال أو تقديمها أو تحويلها أو إيداعها أو إخفائها أو تمويه طبيعتها شريطة العلم بالغرض الإرهابي منها واستخدامها في إرتكاب تلك الجريمة . وهذا توجه محمود لأنه يجفف منابع المال والوسيلة المادية لارتكاب هذه الأفعال غير الإنسانية . إلا أنه استوقفني نص المادة (13) من القانون الإماراتي والذي ذكر أن تمويل العمل الإرهابي مجرّم إذا كان هذا العمل داخل أو خارج الدولة وسواء وقع العمل أو لم يقع . وهو نص لم يتضمنه القانون القطري . فتمويل العمل الإرهابي داخل الدولة مسألة مقطوع ومتفق على رفضها وتجريمها والمعاقبة عليها ولكن الأمر يثار بالنسبة للعمل الإرهابي خارج الدولة . فكما ذكرنا في مقدمة البحث فإن " الإرهاب " مس؟ألة مختلف بشأنها عالمياً . فلذلك وجدنا قائمة أمريكية للجماعات التي تعتبرها الإدارة الأمريكية إرهابية وبالتالي تمويلها مجرّم وهناك قائمة للاتحاد الأوروبي تختلف فى بعض تفصيلاتها عن القائمة الأمريكية .

فعلى سبيل المثال فإن حركة حماس وحزب الله والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وبعض الحركات الكشميرية تعتبر جماعات إرهابية وفق المعيار الأمريكي والإسرائيلي بينما هي ليست كذلك لدى الحكومات والشعوب العربية والإسلامية . فالسؤال الذي قد يثار بشأن نص المادة (13) من قانون الإمارات ، خصوصاً مع عدم وجود لائحة وطنية تصنف الجماعات الإرهابية وكذلك عدم وجود لائحة دولية متفق عليها ، هل يعد تمويل مثل هذه الحركات من خلال التبرع أو الزكاة أو الصدقة تمويلاً للإرهاب يقع تحت طائلة القانون الوطني ؟ وهل مساندة جمعيات أهلية أو خيرية في المناطق التي تعمل فيها تلك الجماعات يعتبر كذلك تمويلاً للإرهاب ؟ أتصور أن الإجابة المنطقية والمقنعة لكثير من أبناء الشعوب العربية والإسلامية هي النفي .

ختاماً فقد أوجد القانونان مخرجاً مناسباً وباباً للتوبة للن انخرطوا أو ضللوا للدخول في أعمال أو مشروعات إرهابية . فنصا على الإعفاء من العقوبة لمن بادر من أعضاء الجماعات الإرهابية بالإبلاغ عنها قبل وقوع الجريمة ، أو التخفيف من العقوبة إذا حصل الإبلاغ بعد تمام الجريمة ولكن الجاني تعاون مع السلطات أثناء التحقيق للقبض على مرتكبي الجريمة الإرهابية أو جريمة أخرى مماثلة .

مقالات لنفس الكاتب