; logged out
الرئيسية / التغيير وأثره في مستقبل العلاقات الخليجية- العربية

العدد 94

التغيير وأثره في مستقبل العلاقات الخليجية- العربية

الأحد، 01 تموز/يوليو 2012

يخطئ كل من يظن أن التغيير هو حدث اليوم، لأنه ظاهرة موجودة في عمق التاريخ وعلى مر العصور وتبدل الأزمان، فليس ثمة حقيقة مطلقة وثابتة سوى وجود الله سبحانه وتعالى، وكل الأمور هي في موضع حركي تفاعلي، فما برحت تزيح شيئاً حتى تأتي بشيء آخر بديل لِما هو مزاح، وهذا ما ينطبق على عالمنا العربي والتغيير الذي جرى ومازال يجري فيه.

إذا كانت عربة التغيير قد انطلقت من العراق بإرادة خارجية ممثلة بقوة دولية (الولايات المتحدة الأمريكية)، مروراً بتونس ومصر وليبيا التي توافقت فيها إرادات الشعوب مع الإرادة الخارجية ثم اليمن وربما في سوريا، فإن محطتها المقبلة قد تكون دولاً أخرى عربية أو إقليمية مجاورة لها، في ظل أنظمة التأثير سواء الداخلية منها أو الإقليمية والدولية.

ماهية التغيير والمفاهيم المقاربة:

التغيير لغة يعني التبديل والانتقال من حالة إلى أخرى، إذ تقول: غيرتالشيءفتغير،أيبدلتهفتبدل.واصطلاحاً هو إحداثشيءلميكنقبله، والتغييرلهعناصرلايتمإلابها،وهي: الأشخاص،والأشياء،والأفكار.فالتغييريقومعلىمتابعةتحليليةلحركة هذهالعناصرفيإطارالحياةالاجتماعيةللإنسان. أما على المستوى السياسي فيمكن القول إن من أولى الفهم التي ينبغي أن يتسلح بها المتتبع لمسيرة السياسة الدولية بمجملها لاسيما الأكاديمي، هي الرصد، فمن خلاله يستطيع أن يعين ملامح تطور تلك المسيرة ونقاط ذروة الفعل فيها وانتكاساته (ثغراته) وحجم الفاعلين وساحات الفعل ومستجداته، حيث إن أول انشغالاته ستكون يقيناً رصد حركة التغيير. فمنذ أن بدأ الوعي بالعالم قبل أكثر من قرن من الزمان، بدأ الجميع يبحث عن ظاهرة موضوعية هي احتمالية التغيير، ساعدهم في ذلك تبعثر العالم في قارات مختلفة التكوين والتأليف وغير مترابطة لكنها متفاعلة ولها تأثيرات متبادلة،لذا ليس من السهولة بمكان حسم رأي ثابت بخصوص التغيير وإشكالية حدوثه. فالتغيير مرتبط دائماً بزمن يحدد فروضه، مثلما ارتبط في أغلب حالاته بتوافر بديل تعمل الظروف السابقة للتغيير على تسويغه مثلما تعمل عناصر ومفردات التغيير ذاته على إنضاجه في فترة أخرى. ولهذا اختلفت الآراء بشأن تفسيره، فالاتجاه الأول يرى أن التغيير حالة روتينية في المجتمع الإنساني لاسيما ببعده السياسي، فالقديم لا يمنع الجديد من البروز، فضلاً عن مدى تداخلهما قيمياً وإجرائياً. وباختصار مراحل التغيير يصل هذا الرهط إلى (النظام الدولي الجديد) الذي يعد من وجهة نظرهم حالة مشخصة لعملية انتقال مرحلي من القطبية الثنائية إلى الأحادية التي تتحدد معالمها تبعاً لاستمرارية حركة التغيير الحاصل ليفسر لنا هلامية احتوائه فضلاً عن تعدد حجمه. أما الاتجاه الثاني فيرى دعاته أن التغيير فعل طارئ يعتمد في حدوثه وصيرورته على توافر الحدث والغرض معاً. فانهيار الاتحاد السوفييتي هو الذي وفّر الفرصة للفعل الأمريكي بالانفراد، وليس كما يدعي أصحاب الاتجاه الأول بأن التغيير ناتج عن وجود ثغرة في آلية النظام الدولي، ومن ثم فقد مثّل ذلك مفاجأة حملت بذرة التغيير الذي يعتبر أساس التحول الاستراتيجي العميق، لذا حدثت ترتيبات عالمية ألمت بها الولايات المتحدة الأمريكية لإعادة ترتيب الأوضاع الدولية عبر:

* إعادة الانتشار الاستراتيجي لوجودها وما أردفته من أفعال تبعاً لنظرية التعاقب.

* ضبط الانتشار التكنولوجي عالمياً.

* البحث عن أقاليم إثبات لدورها المقبل.

لذا وصل أصحاب هذا الاتجاه إلى رأي مناقض للاتجاه السابق ألا وهو أن التغيير الذي حصل في هيكل النظام الدولي لم يكن متوقعاً وإنما كان مفاجئاً.

ومن الضروري الإشارة هنا إلى أن التغيير يعتمد في تفسيره على مجموعة من المقومات التي تعين مساره وعلته، وليس من الضروري توافرها كلها لكي يتم التغيير:

أ- الثغرة: حاول بعض الكتّاب رد أصل التغيير إلى الثغرات الناشئة في أنماط التفاعل، كأن يكون هناك قصور في الآلية و(كما هو الحال مع عصبة الأمم) أو إلى تراجع طرف عن تأدية مهامه كطرف موازن كما هو الحال عند انهيار الاتحاد السوفييتي.

ب- الأزمة: يرى بعض الكتّاب أن أي تغيير ينتج عن أزمة سواء كامنة أو ظاهرة تنضجه، أو تدفع إليه. فالأزمة هي نقطة تحول مقصودة. ومثلما أسفرت الاشتراكية عن أزمات ظاهرة دفعت المجتمع السوفييتي ودولته إلى التغيير دفعة واحدة والتي جاءت بمضاعفات خطرة على موازين القوى، والفعل الأمريكي لاحقاً. فالرأسمالية العالمية كذلك تمر بأزمات مزمنة مدعاة للتغيير الكامن، تنتظر فرص الإفصاح عن حالها إن لم تكن قد بدأت بالظهور.

ج- الرغبة (الطموح والمصلحة): والتي تظهرها أطراف معينة. كما هو الحال مع الطموح الألماني المسبب للحرب العالمية الثانية، والذي أنهى السيطرة الأوروبية علىالعالم، كذا الحال مع الطموح الأمريكي لإعادة صياغة العالم جغرافياً بثوب جديد.

د- توافر البديل: في أغلب مراحل التغيير التي يمر بها النظام الدولي كان هناك بديل جاهز. وهذا الأمر ينطبق أيضاً على التغيير الذي أصاب العالم بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. فالبديل انفراد الولايات المتحدة كما كان مشخصاً على الرغم من حساب الجميع بأن العالم سيتجه إلى تعددية قطبية لا أن ينتكس. (أ.د. منعم صاحي العمار،التفكير الاستراتيجي وإدارة التغيير(مقاربة في المقدمات)، مجلة قضايا سياسية ، كلية العلوم السياسية،جامعة النهرين، العددان (21-22) ، 2010.)

وعلى العموم، يعتبر هذا الشرط تحصيل حاصل للتغيير بسبب أن التناقضات وتفاعلاتها هي التي ترشح البديل، وتعين مواصفاته وفرصه،لكن لا يعدم فرصته صياغته ذاتياً أو جماعياً.

ويتداخل مصطلح التغيير أحياناً مع بعض المفاهيم المقاربة له كالتعديل والتحسن والتغيُر والتحول والإصلاح، أما كلمة تعديل Alter)) فيقصد بها الحالة المقصودة التي طرأ عليها نوع من الاختلاف في بعض سماتها، وليس في مجموعها الكلي، حتى إن كان التعديل طفيفاً كونه بشكل عام يعبر عن حدوث حالة تغيير. أما التحسن Modify)) فيعني أن التغيير الذي يطرأ على الحالة المعنية إنما نحو الأفضل وليس الأسوأ، عكس الحالة التي تعني التغيير نحو الأسوأ والتي يستخدم مصطلح التراجع للتعبير عنها.

ومن المصطلحات المقاربة جداً لمفهوم التغيير هو التغير بدلالة (Changeability)، لهذا هو يقترب كثيراً من مفهوم التغيير من الناحية الاصطلاحية، لكنه في الواقع يختلف من الناحية اللغوية، فالتغيير مسألة غير إرادية في الحدوث عكس التغيير فهو مسألة إرادية الحدوث، بمعنى أن التغيير سلوك واع في التغير، وهذا ما سنتحدث عنه في موضوع التغيير المقصود والتغيير غير المقصود.

وكذلك يأتي التغيير بمعنى التحول (converting)، أي التغير من حال إلى آخر جديد بمعنى (( فن التحول من نقطة معلومة الى نقطة معلومة أخرى، فيؤخذ بصورتين الأولى بدلالة تغيير صورة الشيء ذاته، أو أخذه باعتبار استبدال الشيء بغيره))، كما يقترب مفهوم التغيير من الإصلاح (reform) والتطور(developing) الذييستخدم بشكل تبادلي. والتغيير ليس دائماً يأخذ منحى سلبياً، فقد يكون سلبياً وقد يكون إيجابياً، لأنه في أحيان معينة يكونالتغيير حاجة ومن ثم فهو حالة من حالات التبدل، أي هو نقطة تحول لبداية مقبلة يشعر به صانع القرار.

دوافع التغيير العربي:

تعد ظاهرة التغيير القضية الأولى في عالم اليوم، عالم المتغيرات السريعة، عالم لا تهدأ حركته أو تتوقف، وتتجلى ظاهرة التغيير كذلك في حياتنا اليومية ومن حولنا، وقد يظهر في صور متعددة، كالتغيير في الأوضاع الاقتصادية، الاجتماعية، السياسية، التكنولوجية، وفي أنماط التفاعلاتالدولية بمختلف أشكالها، والتي تعد جزءاً من هذا العالم المتغير بصفته نظاماً مفتوحاً على البيئة الموجود فيها، وهذا ما يجعلها تتفاعل مع التغيرات الجارية فيه، وذلك لتحقيق التوازن المطلوب عن طريق التغيير. وما يؤشر إلى أهمية ظاهرة التغيير أيضاً هو ارتباطه بالاستراتيجيات الدولية وأثرها في البيئة الدولية ككل لاسيما عندما نتحدث عن استراتيجية عظمى كاستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية.

إذ لا يكفي متابعة ظاهرة التغيير العربي بذاتها من دون البحث والتقصي ورصد ما يكوّن تلك الظاهرة والوقوف على أهم الدوافع المكونة لها والدعامات الفكرية التي استندت إليها والتجليات التي حملتها، كل ذلك بغية الوصول إلى معرفة دقيقة وموضوعية لظاهرة التغيير المنشود. من هنا نبدأ حديثنا عن دوافع التغيير العربي التي يمكن إجمالها بدوافع داخلية وأخرى خارجية.

فإذا كانت الدوافع الداخلية تتمثل في تفاقم الفجوة بين طبقة غنية حاكمة وفئة شعبية كبيرة (السواد الأعظم) منهكة فقراً وجوعاً لتبلور لنا أول دافع للتغيير على المستوى الداخلي والمتمثل في الفقر والجوع، ثم تدني مستوى المعيشة الناتج عن التدني في مستويات النمو الاقتصادي للدولة والتخبط في السياسات الاقتصادية المتبعة وانعدام الكفاءة في توظيف الموارد بالاتجاه الصحيح. كما أن ارتفاع مستوى التعليم في العالم العربي كان قد أضفى نقطة أخرى دافعة للتغيير تمثلت في زيادة الوعي الإدراكي لدى المواطن العربي وتطلعه للتغيير لاسيما في ظل التواصل مع الغرب المتطور والطموح للعيش بمستوى يليق بالإنسانية جمعاء.لاسيما الوعي بين فئة الشباب العربي التي شكلت أولى المحطات الدافعة للتغيير على المستوى الداخلي، وقد ساعدها في ذلك الثورة العلمية في مجال الاتصالات الالكترونية منها شبكات الإنترنت و(الفيس بوك والتويتر). لذا فإن ارتفاع مستوى الوعي الإدراكي شكّل بيئة حاضنة للتغيير في العالم العربي. فضلاً عن ذلك فإن الانغلاق السياسي المفرط والتشدد ضد حرية التعبير عن الرأي والفكر ومنع تشكيل الأحزاب والتيارات والتجمعات كلها كانت عوامل فعلت فعلها في بلورة إرهاصات النفور من التقييد والضغط المفروض على الشعوب العربية التي وجدت ذاتها في التغيير المنشود أملاً في الانتقال إلى حال أفضل لاسيما إذا ما تم ضبط عملية التغيير الذاتي.

وإذا كان ما سبق قد جاء بفعل تأثير العامل الداخلي، فإن للعامل الخارجي أيضاً فعله وتأثيره في إحداث التغيير لاسيما أن هناك استراتيجيات دولية مثلَ التغيير شغلها الشاغل في مناطق هي صلب اهتمامها الاستراتيجي، ومن دون شك أن حساسية منطقة الشرق الأوسط تحتم عليها أن تحظى باهتمام كبير ضمن استراتيجيتها الكونية الشاملة. وهنا يثار السؤال الآتي: هل إن التغيير هو حاجة تدفع بالشعوب إلى بلوغها لتغيير واقع حالها أم حالة مفروضة من قبل الآخر ( الولايات المتحدة الأمريكية )؟ وللإجابة عن هذا السؤال نقول إن التغيير ليس دائماً مفروضاً من قبل الآخر بل هو في أحيان أخرى حاجة، أي هو يصنع أيضاً وليس دائماً مفروضاً.

فبالنسبة إلى التغيير العربي قد نجافي الحقيقة وبشدة إذا قلنا إن التغيير جاء نتيجة لدوافع داخلية فقط، أي أن القوى الدولية لم تلعب دوراً في ذلك، إذ إن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لم تقف البتة متفرجة، بل كان لها دور خفي في التحريض سواء عبر الدعم المباشر أو من خلال شبكات الانترنت والتحريض الالكتروني، لذا فإن نسق الانتقال الذاتي لدول العالم الثالث من حالة إلى أخرى مقرون بما تعطيه القوى الكبرى من إشارات لذلك التغيير في بيئة حاضنة لعوامل التغيير. لذا يمكن القول إن توافق الإرادة الداخلية للشعوب مع إرادة القوى الدولية لإحداث التغيير هو الذي جعل العالم العربي بمثابة بحرٌ لُجي تعج به عملية التغيير لاسيما إذا ما علمنا أن الولايات المتحدة امتزجت مُجمل آلياتها لإحداث التغيير في ضوء آلية ثلاثية أشار إليها جوزيف ناي في كتابه ( القوة الناعمة:وسيلة النجاح في السياسة الدولية) وكما هو مبين في الجدول رقم (1).

عملية التغيير في الدول العربية أفضت إلى وجود نظم جديدة محكومة بفكر جديد ومرحلة جديدة

الفترة السابقة للتغيير العربي شهدت نوعاً من الجمود في طبيعة العلاقات السياسية الخليجية- العربية

ارتفاع مستوى الوعي الإدراكي شكل بيئة حاضنة للتغيير في العالم العربي

العلاقات الخليجية – العربية فيما بعد التغيير:

لا شك في أنه ليس هناك ثمة شاطئ ثابت للسياسة، بل هي في حالة تغيير بين عملية مد وجزر مستمرة ، وهذا ما يصح علىالتغيير الذي أصاب النظم السياسية العربية سواء أكان بتحريض من الخارج أم بدوافع من الداخل أو بتوافق الجانبين معاً.

وقدر تعلق الأمر بدول مجلس التعاون الخليجي فإنها استطاعت وبصورة زمنية متتالية مُذ تشكيل هذا المجلس في أبو ظبي في السادس والعشرين من شهر مايو عام 1981، أن تحقق منظومة اقتصادية شبه متكاملة أو بصورة أدق هي في طريق التكامل الاقتصادي لتشكل نواة يحتذى بها من جانب الدول الأخرى سواء العربية منها أو حتى غير العربية، لاسيما في ظل الطفرات المتقدمة في جانب النمو الاقتصادي والعمراني الذي حققته دول المجلس وبصورة خاصة دولة الإمارات العربية المتحدة وقطر ثم الدول الأخرى متتابعة، الأمر الذي جعل منها قوة اقتصادية تتطلع إلى دور سياسي يتناسب وحجمها الاقتصادي المتمثل بمواردها النفطية في المنطقة. من هنا نلاحظ بروز قطب خليجي قائد يعبر عن مجلس التعاون الخليجي بين فترة وأخرى، ففي فترات سابقة مثلَ هذا القطب المملكة العربية السعودية، وفي فترات أخرى مثله محور قطر – السعودية، وهو مازال شاغلاً إلى حد الآن وإن كان في فترات معينة يطغى الدور القطري على الدور السعودي، وهذا ما شاهدناه في الدعم القطري للثوار في ليبيا والـتأييد السياسي المطلق لهم وللثوار في سوريا ولمجمل عملية التغيير العربي، ليدفع البعض إلى القول إن قطر تساند الولايات المتحدة الأمريكية في ما يسمى (الفوضى الخلاقة) التي تنتهجها الولايات المتحدة أسلوباً جديداً لتجزئة المجزأ وتفتيت المفتت من أجل رسم صورة عملية لتطبيق خطط مشروع الشرق الأوسط الكبير في المنطقة. وهنا يثار تساؤل مشروع هو هل أن دول مجلس التعاون الخليجي بمنأى عن عملية التغيير العربي أم ستقف تلك الرياح على أبوابها؟ لاسيما بعد ما شهدته البحرين من أحداث أخيرة تمت السيطرة عليها بعد تدخل قوات درع الجزيرة. وهل من مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية أن تبقى دول مجلس التعاون الخليجي بعيدة عن رياح التغيير؟ لاسيما بعد التصريح الذي أدلت به وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون قبل بضعة أشهر ( بأن الولايات المتحدة الأمريكية تقف على أهبة الاستعداد لمديد المساعدة للشعوب العربية الطامحة للتغيير وتقرير مصيرها).

بالمقابل فإن التغيير الذي حصل كأمر واقع جاء بأنظمة جديدة لا تنسى الدعم الذي حظيت به من قبل دول مجلس التعاون الخليجي،ما حتم عليها العمل على تأسيس علاقات قوية معهم كبداية لبدء علاقات اقتصادية متينة ذات منافع متبادلة لاسيما أن عملية التغيير كانت قد أفضت إلى وجود نظم جديدة محكومة بفكر جديد وبمرحلة جديدة لنكون على أعتابأصعب الفترات التي تمر بها الشعوب التي كانت ميداناً للتغيير. إذ إنها في مرحلة انتقالية صعبة ودقيقة بين رفض الماضي والبدء برسم ملامح المستقبل. لذا فإذا كانت الفترة السابقة للتغيير العربي قد شهدت نوعاً من الجمود في طبيعة العلاقات السياسية فإن المستقبل القريب يبشر بفترة تتداخل فيها العلاقات مابين النظم السياسية الجديدة ودول مجلس التعاون لاسيما في الجانب الاقتصادي، أما الجانب السياسي فسيؤطر ربما بنوع جديد من أواصر العلاقة في إطار جامعة الدول العربية كمنظمة حاضنة للدول العربية أو بصورة مباشرة من خلال العلاقات الثنائية بين دول المجلس وأي من هذه الدول التي عصفت بها رياح التغيير.

وبطبيعة الحال، فإن هذه الفترة الانتقالية التي تمر بها دول التغيير العربي ستكون مليئة بالمخاطر وعدم اليقين، إنها فترة يتعين فيها الاختيار بين بدائل صعبة، وأن تفسح فيها نشوة ما بعد الثورة بعض المجال لشواغل الواقع العملي، ولاسيما في ظل تزامن المرحلة الانتقالية مع حدوث اضطرابات كبيرة ومؤثرة بالاقتصاد العالمي.

ومن المهم أن يدار هذا التحول الصعب بطريقة منظمة من قبل الأنظمة السياسية الجديدة لاسيما في ظل الحاجة إلى استثمار وتوظيف التغيير لتحقيق النمو الاقتصادي الشامل والتوظيف الكفوء للموارد، إذ على الحكومة والقطاع الخاص أن يعملا في تناغم واتساق. فيجب أن يكون للقطاع الخاص بما في ذلك المشروعات الصغيرة والمتوسطة دور قيادي في دعم الاستثمار والإنتاجية التنافسية وتوفير فرص العمل. لكن تحقيق ذلك يتطلب من الحكومات الجديدة توفير بيئة مواتية، فينبغي أن تنشئ مؤسسات حديثة وشفافة لتشجيع المساءلة والحوكمة السليمة وضمان إرساء قواعد عمل تقوم على الشفافية، وينبغي أيضاً أن تقضي على غول الفساد قضاءً مُبرماً. وبعبارة أدق يتطلب النجاح أن ينتقل الحوار من الحديث عن أخطاء الماضي إلى الحديث عن (ما يصلح للمستقبل).

من كل ما تقدم يمكننا القول إن التغيير سمة من سمات النظام الدولي منذ معاهدة ويستفاليا سنة 1648 وإلى تفكك الاتحاد السوفييتي، أي إن النظام في حركة وتغير وفق المقولة (إن كل شيء في الكون يتغير إلا التغيير فهو ثابت لا يتغير)، وإن التغيير قد يكون مفروضاً أحياناً وقد يصنع في أحيان أخرى، وقد يكون في الغالب ناجماً عن متغيرات داخلية وخارجية كما هو الحال في التغير في الأهداف والاستراتيجيات، وقدر تعلق الأمر بالتغيير العربي فالملاحظ أن لهذا التغيير دوافع ومنطلقات دفعتالشعوب العربية إلى طلبه، هذا فضلاً عن دعم الولايات المتحدة لظاهرة التغيير العربي سواء بصورة مباشرة أو من خلال حلفاء لها سواء تركيا أو قطر. وبالنتيجة فإن الرؤية الموضوعية من خلال استقراء واقع التغيير وأثره في العلاقات الخليجية- العربية تؤشر إلى احتمال تصاعد هذه العلاقات وعلى كافة المجالات السياسية والاقتصادية وربما حتى الأمنية منها.

مقالات لنفس الكاتب