; logged out
الرئيسية / الإرهاب وصمة عار على جبين الإنسانية

الإرهاب وصمة عار على جبين الإنسانية

الأربعاء، 01 أيلول/سبتمبر 2004

مشهد جثث الضحايا من الأطفال والنساء في الفلوجة وغزة وبيسلان (في أوسيتيا الشمالية) كان مرعباً وبغيضاً. وتثير هذه الصور تساؤلات عن دوافع العنف والإرهاب سواء من قبل الجماعات أو الحكومات؟ وهل أصبح العنف هدفاً بحد ذاته، أم وسيلة؟ وإذا كان وسيلة من المسؤول عن ترويج استخدام العنف؟ الجلاد أم الضحية؟ أم طبيعة المعطيات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدولية؟ ثم أخيراً ما هو موقفنا كمجتمعات وأفراد وحكومات من استخدام العنف كوسيلة لحسم الصراعات والنزاعات؟

العنف وسيلة وليس غاية

في البداية لا بد من التأكيد على أن الإرهاب كأحد أشكال العنف السياسي ظاهرة قديمة، عرفته المجتمعات البشرية منذ زمن بعيد. ولقد زاد استخدام العنف والإرهاب بعد الحرب العالمية الثانية من قبل منظمات يسارية ويمينية، وحتى عملاء استخبارات أجنبية، لتحقيق أهداف سياسية. وكانت السمة الغالبة لذلك النوع من العنف هو خطف الطائرات والاعتداء على الدبلوماسيين والسفارات الأجنبية. وغالباً ما كانت تلك الأعمال الإرهابية تعرض حياة المدنيين للتهديد أوالخطر، ولكنها في الوقت نفسه تنجح في أن تثير الانتباه للقضايا السياسية التي يتبناها منفذو الأعمال الإرهابية. وبالتالي كانت الأعمال الإرهابية وسيلة لتوظيف الإعلامي كمحاولة لجذب تعاطف الرأي العام العالمي.
على النقيض من ذلك نلاحظ فداحة الأضرار البشرية والأخطار التدميرية للأعمال الإرهابية الأخيرة التي أصبحت أقرب ما تكون إلى أعمال عبثية أو انتقامية ضد عنف الدول والحكومات، ليذهب ضحاياها من الأبرياء. و لكن المؤسف أن البعض أصبح يقارن هذه الأعمال بما كان يسمى أعمال المقاومة الوطنية في محاولة لتبريرها .

تفسيرات العنف

إجمالاً هناك ثلاثة اتجاهات لتفسير أسباب وعوامل تنامي ظاهرة الإرهاب في المجتمع البشر المعاصر. الاتجاه الأول يرجع السبب إلى زيادة عنف الدولة ضد المدنيين؟ ويدخل في الأمثلة على ذلك عنف اسرائيل ضد الفلسطينيين، وعنف آلة الحرب الأمريكية ضد العراقيين، و عنف أجهزة الأمن الروسية ضد الشيشان.

وبالتالي كما يرى أصحاب هذه المدرسة تجنح قوى المعارضة أو المقاومة إلى الرد بعنف ودموية ضد المدنيين أحياناً. وبذلك تتحول الضحية إلى جلاد. وتبدو العملية للرأي العام كأنها أعمال عبثية تنشر الرعب والدمار. وبالتالي تخسر المنظمات الإرهابية الرهان، فعوضاً عن إثارة تعاطف الرأي العام وكسب تأييده، يؤدي الإفراط في استخدام العنف إلى وضع المنظمات الإرهابية في قفص الاتهام. وهكذا يؤدي غياب الرؤية وعدم التفريق بين الهدف والوسيلة، وبين القضية والأداة،إلى أن تخسر الجماعات الإرهابية الهدف والقضية.

أما أصحاب الاتجاه الثاني فيفسرون نمو ظاهرة الإرهاب بسبب طبيعة المجتمع الدولي المعاصر الذي يفتقر إلى العدالة والمصداقية. فبعد هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على النظام العالمي الجديد، أصبح الحق والعدل ما تراه أمريكا حقاً وعدالة، وأضحت قرارات مجلس الأمن تعكس إرادة القوة المسيطرة وهي الولايات المتحدة. و أخفقت الأمم المتحدة في حل المشاكل الإقليمية العالقة في بقاع كثيره من العالم بما فيها فلسطين. وأفرز ذلك حالة إحباط شديد لدى جيل بعضه حارب مع المعسكر الأمريكي ضد (إمبراطورية الشر) الاتحاد السوفييتي. وبذلك تحولت بعض تلك المنظمات لرفع لواء محاربة الهيمنة والسيطرة الأمريكية.

وعلى هذا النحو شجع عدم عدالة النظام الدولي على بعث روح المقاومة والعداء للتفرد الأمريكي. وفي ظل غياب الرؤية والإستراتيجية الواضحة، وبسبب استهداف المدنيين، تحولت المقاومة إلى أفعال دمار وعنف تدخل في خانة الإرهاب لدى البعض، وخانة العنف المشروع لدى البعض الآخر.

وخلافاً للتفسيرين السابقين يرى أصحاب الاتجاه الثالث أن جذور العنف مرتبطة بانتشار حالة الفقر والحرمان، وبسبب الفروق المادية والتي تخلق فئات معدومة فقدت الأمل في الحياة الكريمة، وفي ظل هذه الأوضاع تنبت فلسفة التمرد والعنف لمجابهة الظروف الاقتصادية والاجتماعية البائسة.

ونظراً لطبيعة التداخل بين الحيز السياسي و الحيز الاجتماعي، توظف بعض المنظمات حالة الإحباط لدى الشباب المعدم ضعيف التعليم، قليل الخبرة السياسية في خلق فلسفة المقاومة والتمرد لديهم، وبالتالي يصبح هؤلاء الشباب وقوداً للأعمال الإرهابية.
إن ربط حالة البؤس والحرمان في العالم الثالث بالاستغلال والهيمنة الأجنبية، كانت أفكار رائجة في مرحلة المد اليساري في العالم وكانت الأيديولوجية الشيوعية تغذي هذا الفكر. ويبدو أن تراجع الفكر الشيوعي لم يقض على قناعة كثير من فقراء العالم الثالث، بأن سبب المشكلة هو استغلال الغرب وسعيه للسيطرة على مواردهم وثرواتهم النفطية سواء في القوقاز، أو الشرق الأوسط، أو أجزاء أخرى من العالم الثالث. وبالتالي تصبح مقاومة السيطرة الأجنبية على الموارد الوطنية ولمحاربة أوضاع الفقر عملاً مشروعاً. ولذا يبرر البعض حالات العنف والإرهاب ضد مؤسسات الدول الوطنية أو القوى الأجنبية، حتى ولو سقط بسببها المدنيون الأبرياء.

الفرق بين المقاومة الوطنية والإرهاب

إن مجمل أصحاب التفسيرات الثلاثة السابقة غالباً ما يتخذون إما موقفاً مؤيداً للإرهاب، أو رافضاً له. فالمؤيدون يصنفون تلك الأعمال ضمن خانة المقاومة الوطنية والكفاح المسلح المشروع، حيث يؤكدون أن المواثيق الدولية بما فيها ميثاق الأمم المتحدة – تنص على حق الشعوب في تقرير المصير-، وبالتالي حق الشعوب في الكفاح المسلح ضد قوات الاحتلال والاستعمار. حيث يرون أن هذه الأعمال تخدم أهدافاًَ نبيلة وطنية أو دينية، ليصبح الحكم هنا على الأهداف والغايات والأيديولوجيات المحركة لها. وفي المقابل يرى الرافضون للإرهاب أنه عمل شنيع لا أخلاقي لتعريضه حياة الأبرياء للخطر، وأنه أحد مظاهر وخصائص الشر التي تنزع إليها الروح البشرية إذا أطلق العنان لها.
في تقديرنا إن منطلقات تبرير المؤيدين والرافضين لا تخلوا من الصحة. فبكل تأكيد حق الكفاح والمقاومة والنضال مكفول لكل الشعوب والأفراد ضد الاحتلال، وفي نفس الوقت قتل الأبرياء والأطفال عمل شرير يتنافى مع الأخلاق الإنسانية. لذا يصبح من الضروري على المثقفين والمفكرين والسياسيين ضبط المصطلحات والتمييز بين ما يعتبر عمل مقاومة مشروعة، ومتى يصبح العنف أعمال إرهابية، طبعاً يجب تحديد ذلك بعيداً عن المبررات الأيديولوجية الضيقة.

الوطني بما في ذلك قوى المقاومة في الجزائر ضد الاحتلال الفرنسي، وفي اليمن الجنوبي ضد الاستعمار البريطاني، والمقاومة اللبنانية ضد الاحتلال الإسرائيلي – هي استخدام العنف ضد قوى الاحتلال ومؤسساته العسكرية والأمنية بشكل مباشر، دون استهداف المدنيين وتعريض حياتهم للخطر بشكل مباشر في أعمال العنف.

لذا فإن الحكم يجب أن يكون على العمل وليس الهدف. فإذا استهدف العنف المدنيين الأبرياء على نحو مباشر للمساومة أو التهديد أو القتل فهو عمل إرهابي، سواء قام بهذا العمل شارون ضد الفلسطينيين في غزة أو المخيمات الفلسطينية أو مدن الضفة الغربية، أو حين تقوم به القوات الأمريكية مع قصف المدنيين العزل في الفلوجة أو النجف أو كربلاء، أو قامت بذلك منظمات أو جماعات عربية أو إسلامية ضد المدنيين في بيسلان أو جاكرتا أو مانيلا أو مدريد أو نيويورك. فكل هذه الأعمال دنيئة، وضد النفس البشرية التي خلقها الله ونفخ فيها من روحه.

إن أعمال الإرهاب سواء إرهاب الدولة أو الجماعات المتطرفة، لم تؤدي إلا إلى المزيد من الإرهاب المضاد والعنف والقتل وتعريض حياة الأبرياء للخطر. ولذا على أبناء المجتمع الإنساني -أفراداً وجماعات وحكومات- أن يعبروا عن سخطهم واستنكارهم لاستباحة دماء البشر، أي بشر في أي زمان وفي أي مكان.

وختاماً إن توظيف القضايا الكبرى كقضايا تحرير فلسطين والعراق لتبرير أعمال القتل العشوائي لا يخدم قيمنا وحضارتنا وأمتنا وديننا. وربما حان الوقت لكي لا نكون رهائن لفئة تستلذ بالقتل والخطف، وأن نعلن موقفاً صريحاً يرفض إرهاب المدنيين، أي مدنيين في أي مكان في المعمورة، تماماً مثل رفضنا لإرهاب قوات الاحتلال لأحبائنا وإخواننا على الأرض العربية.

مقالات لنفس الكاتب