; logged out
الرئيسية / الإعلام الخليجي وتحديات جديدة

الإعلام الخليجي وتحديات جديدة

الأربعاء، 01 أيلول/سبتمبر 2004

تشكل مؤسسات الإعلام إحدى المقومات الأساسية للدولة، وتم التعامل مع قطاع الإعلام باعتباره مكوناً لاستكمال مقومات الدولة الحديثة في دول النفط الخليجية.
يعد الإعلام الخليجي امتداداً للإعلام العربي الذي ارتبط بسلطة الدولة، اعتبرت مكونات قطاع الإعلام احد أهم القطاعات التى أخضعتها الدولة العربية للسيطرة لما في ذلك من أهمية في الترويج لأفكار وأهداف الدولة بشكل عام. لم تكن بدايات الإعلام الخليجي بعيدة عن ذلك ، إضافة إلى أن الإعلام الخليجي اعتمد في بدايته على الخبرات العربية ما جعله اكثر عرضة للتأثر بالتجربة الإعلامية العربية.

الإعلام العربي بشكله العام إعلام ذو صلة وثيقة بالدولة ومازال، فالدولة تشعر بقلق من انفصال الإعلام وخضوعه لسيطرة القطاع الخاص.
تفاوتت التجربة الإعلامية الخليجية من بلد إلى آخر وذلك لأسباب عديدة، فعلى سبيل المثال اعتبرت الكويت من الدول الخليجية التى خطت خطوات متقدمة في مجال الإعلام بقطاعاته المختلفة، وخصوصاً القطاع الصحفي وذلك لطبيعة النظام السياسي السائد فيها الذي أعطى متنفساً لا بأس به من حرية التعبير والتفكير إلا أن التجربة الإعلامية الكويتية تعرضت لانتكاسات خصوصا بعد حرب الخليج الثانية ما أدى إلى فقدان بريق وقوة الإعلام الكويتي.

وجدت دول الخليج النفطية وخصوصا المملكة العربية السعودية أهمية كبيرة لقطاع الإعلام وخصوصا الصحافة وادى ذلك إلى قيام المملكة العربية السعودية إلى بتأسيس شركة مقرها لندن تعمل على استقطاب الكثيرين من خلال تقديم نموذج للصحافة الصادرة خارج حدود الوطن . كان الهدف من هذه الخطوة هو محاولة على السيطرة على الذهنية العامة في الشارع العربي. واستطاعت الصحافة السعودية كجريدتي الشرق الأوسط والحياة تحقيق قفزات نوعية والحصول على إعجاب منقطع النظير بين شرائح اجتماعية مختلفة في الوطن العربي.
كما كانت المملكة العربية السعودية أول دولة خليجية اقتحمت المجال الفضائي وبدأت ببث قناة فضائية عربية مقرها لندن وهي محطة MBC واستطاعت عبر هذه القناة الاستحواذ على شريحة واسعة من العالم العربي. زادت اهمية الاعلام وخصوصا قطاع الإعلام المرئي بعد حرب الخليج الثانية وبدأت تظهر محطات عربية عديدة بعضها استطاع أن يحقق نجاحات وبعضها فشل.

اكتشاف قوة الإعلام:

الإعلام يعد أحد الأدوات الأساسية في التأثير في الرأي العام وفي تكيفه لتلبية مطالب النظام السياسي وهذا أمر ليس خاصاً بالبلاد العربية وإنما له أبعاده العالمية. فالإعلام إبان الحكم الشيوعي وظف لخدمة الإيديولوجية الشيوعية، كما كان الحال كذلك في البلاد الرأسمالية التي وظفت الإعلام لخدمة القيم الرأسمالية.

أما الإعلام العربي الذي نشأ في أحضان الحكم العثماني فقد تأثر بطبيعة الظروف السياسية السائدة في تلك الفترة ووظف لمواجهة التسلط التركي ثم بعد زوال الحكم العثماني وخضوع البلاد العربية للاستعمار الغربي فتأثر الإعلام العربي بمقاومة الاحتلال ولعب دوراً في تأجيج الروح الوطنية والقومية وخصوصاً في مرحلة التحرر الوطني خلال الخمسينات والستينات في القرن المنصرم.

وسائل الاعلام المختلفة وظفت في خدمة قضايا الوحدة والقومية والتحرر الوطني واستمر الحال الى مرحلة السبعينات والتي بدأ فيها التركيز على قضايا التنمية باعتبارها احد التحديات التي واجهت البلاد العربية. أما في الثمانينات فشهد الإعلام العربي قائمة جديدة من الأولويات وكان أبرزها قضايا الغزو الثقافي وخصوصا أن هذه المرحلة شهدت تطوراً في المدارس الإسلامية التى بدأت تغذي نزعة معاداة الغرب باعتباره خطراً على هوية الأمة.

وفي مرحلة التسعينات بدأت مرحلة جديدة حيث استجدت ظروف جديدة أدت إلى انهيار كامل في منظومة قيم الوحدة العربية التى ارتكز عليها النظام العربي ما أدى إلى انهيارها وذلك بعد غزو صدام حسين للكويت.

وبدخول القرن الواحد والعشرين ظهرت اهتمامات جديدة للإعلام العربي حيث تم إغفال القضايا العربية العامة وبدأت الفضائيات العربية تركيزها على قضايا الصراع السياسي الداخلي ضمن المنظومة العربية وربما قناة الجزيرة تشكل أحد أهم الملامح للمرحلة الجديدة.

الإعلام الخليجي أمام تحديات جديدة:

استطاعت دول الخليج النفطية أن توظف عوائدها في تقديمها لفضائيات جديدة والتي كان ابرزها MBC السعودية وبعدها القنوات الفضائية وكان أكثرها تأثيرا قناة الجزيرة القطرية التي حاولت ان تخترق المحرمات التقليدية وبدأت في خوضها معركة ذات نكهة مختلفة ما أدى الى حدوث خلخلة كبيرة بين الدول الخليجية وخصوصا المملكة العربية السعودية التى وجدت في الجزيرة تحديا جديدا جديراً بالمتابعة ومصدراً للخلاف الخليجي.

الإعلام وحرية التعبير:

كان لظهور الطباعة في القرن الخامس عشر دور كبير في تعزيز مفهوم حرية التعبير والتفكير وجاء اختراع الطباعة لخدمة طبيعة التحولات الاجتماعية التي شهدتها اوروبا في تلك المرحلة. وبعد الحرب العالمية الثانية توصل الغرب لأهمية ضبط الإعلام ومفهوم حرية التعبير حيث لا تتحول إلى اداة هدم أو لإشباع رغبات عنصرية فجاءت مفاوضات سان فرانسيسكو لإعداد مسودة ميثاق الأمم المتحدة وحددت المادتان 55،1 من ميثاق الامم المتحدة المفهوم العام للحق حرية التعبير كجزء من حقوق الانسان كما ركزت تلك الوثيقة على تعزيز مفهوم السلام بين الشعوب.

وقد نظمت وثيقة الأمم المتحدة مواد أساسية خاصة بحرية الإعلام وكان أهمها المادة الأولى التي نصت على أنه يجب على كل دولة أن تقدم لمواطنيها ومواطني الدول الأخرى التي ترتبط معها باتفاقيات كافة التيسيرات الكفيلة بضمان حرية تلقي وتداول المعلومات والآراء الشفوية والمكتوبة أو المطبوعة من خلال الوسائل السمعية والبصرية دون تدخل الحكومات . كما نصت المادة الثانية على أن لا تتدخل الدولة في استخدام او امتلاك وسائل الاعلام أما المادة الثالثة فنصت على ان تسمح الدولة لمواطنيها بحرية البحث عن المعلومات كما تشجع على تبادل المعلومات مع الدول الأخرى بتقديم كافة التيسيرات إلى مواطنيها الذين يعملون في مجال جمع وبث المعلومات والآراء.
لو أخذنا تلك المبادئ العامة وحاولنا تطبيقها على واقع الحال سواء الخليجي أو العربي فإننا نجد غياباً لتلك المبادئ في الدساتير العربية. فالدولة ما زالت تعتبرالقوة العظمى المسيطرة على وسائل الإعلام وعلى ضبط الحريات العامة.

أشرنا إلى أن تطور الإعلام الخليجي تفاوت طبقاً لطبيعة النظام السياسي الحاكم، ففي الكويت انقسمت السيطرة على الإعلام بين الدولة وقطاع التجار الذي يسيطر على الصحافة وضيق قانون المطبوعات الكويتي على حرية إصدار الصحافة اليومية أو الأسبوعية وخصوصا السياسية، أما في الدول الخليجية الأخرى فالدولة تهيمن بشكل واسع على قطاع الإعلام بتشعباته المختلفة.

الفضائيات الخليجية وتحديات جديدة:

ظهور الفضائيات العربية لا يعبر عن أجواء الحرية السائدة في المنطقة الخليجية بقدر ما خضعت تلك الفضائيات لأهداف آنية تعالج قضايا عامة تستقطب فيها اهتمام الرأي العام. المتتبع للبرامج الفضائية المختلفة وخصوصا الحوارية لا يجد فيها معالجات للقضايا المحلية بقدر ما تحاول التركيز على قضايا عامة سواء عربية أو غيرها من قضايا تحقق أهدافاً سياسية محددة. إضافة إلى أن الفضائيات العربية تكشف عن الخلل في مفهوم الدولة لدور الإعلام في بناء الذهنية المتفتحة ، فنجد على سبيل المثال بعض المحطات الفضائية الخليجية تعرض برامج تميل إلى الإباحية الأخلاقية تعجز عن عرضها في قنواتها المحلية.

أن أحد التحديات التي تواجه الفضائيات الخليجية يكمن في قدرتها على تقديم مفاهيم جديدة تعمل على تقريب الثقافات وبناء جسور التفاهم العالمي . وهنا تكمن الخطورة الكبيرة للفضائيات ووسائل الاعلام المختلفة في شحنها لشعوبها بأفكار معادية للثقافات البشرية المختلفة .

الدول الخليجية النفطية في الوقت الذي استطاعت فيه تحقيق قفزات اقتصادية نوعية خصوصاً في أبنيتها المادية إلا أنها فشلت في توظيف الإعلام في قضية الاندماج الوطني. فأصبحت قضايا مثل القبلية والطائفية والعائلية أحد الإشكاليات التي نتجت عن سياسات إعلامية رسمية ما يعرض الدول الخليجية إلى خطورة بث افكار التفتت الاجتماعي الذي بدوره ينذر بخطر كبير في حدوث انفجارات اجتماعية قادمة.

على الدول الخليجية البدء في مراجعة سياساتها الإعلامية وأن تحسم قضايا تم تجاهلها وتسببت في حدوث انقسامات اجتماعية حادة بدأت تظهر ملامحها في المجتمعات الخليجية. الدولة الخليجية عليها المفاضلة بين استمرار قيمها التقليدية المتمثلة بالرعاية القبلية وما يرتبط بها من استحقاقات سياسية وبين مفهوم الدولة الحديثة التي توظف إعلامها لتهيئة بيئة جديدة تعمل على تكريس مفهوم المواطنة وتقنين العلاقة بين الحاكم والمحكوم.

مقالات لنفس الكاتب