; logged out
الرئيسية / الجدوى والصدقية أهم تحديات الإعلام العربي والخليجي

الجدوى والصدقية أهم تحديات الإعلام العربي والخليجي

الأربعاء، 01 أيلول/سبتمبر 2004

ليس معلوماً على وجه التحديد حجم الإنفاق الذي تبذله دول الخليج الست على الإعلام . ولو قيس هذا برقم تأشيري على ذلك الإنفاق ، فإنه سيكون (2) مليار دولار ، أو حجم الانفاق المعلن على الاعلانات المتلفزة والمنشورة والمذاعة. ولكننا ندرك أن هذا الرقم لا يمثل إلا جزءاً من الإنفاق الكلي على هذا القطاع الحيوي. ولو جاز للباحث أن يستنبط رقماً من الموازنات العامة المخصصة للإعلام ، فإن الرقم لن يقل بأي حال من الأحوال عن (4) مليارات في العام . وبالطبع، فإن هذا الإنفاق يشمل التلفزة ورواتبها ، وملف إنتاج برامجها ، والإذاعات، والصحف والمجلات ، والمحطات الفضائية ، وجزءاً من الإنفاق على شبكات الانترنت ، والأشرطة المسموعة والمرئية. وهذا الرقم يشكل حوالي 3.5% من الانفاق الحكومي لعام 2002.

ورغم أن هذا الرقم بحاجة إلى تدقيق ، لأن جزءاً كبيراً من الإنفاق الإعلاني غير معروف تماماً. فهناك مخصصات لدى بعض الدوائر والوزارات للانفاق على الترويج للدولة ومرافقها داخل الدولة وخارجها مما لا يعلم مقداره ، ولكن لن يقل سنوياً عن نصف مليار دولار بأي حال من الأحوال. وبالطبع ، فإن جزءاً ولو يسيراً من مخصصات كل وزارة ودائرة ينفق على هذا الباب. ولذلك فإن رقم الـ(4-5) مليارات دولار يبقى رقماً معقولاً ، وإن كانت تنقصه الدقة.

وأمام هذا التقدير فإن السؤال الذي يطرح نفسه على بساط البحث : ما هي فعالية وانتاجية هذا الإنفاق المتزايد ؟ وهل يؤتي أكله في نهاية المطاف، وما هي أهداف ذلك الانفاق حتى نقول إنه نجح في تحقيق الغايات المرجوة منها أم لا.
وقبل أن نغرق في البحث العلمي لوضع المعايير التي يقاس بها الإنفاق على الإعلام في دول مجلس التعاون الخليجي، فلنأخذ أمثلة حيوية مما عايشناه في السنوات الثلاث الأخيرة لنحكم على الأقل من خلال فترة التجارب المحددة على هذا الأمر بصورة مبدئية.

ولنأخذ أولاً: الهجمة التي تعرضت لها بعض دول الخليج بعد أحداث 11 سبتمر/أيلول 2001 .
فقد واجهت المملكة العربية السعودية بالذات سيلاً جارفاً من الاتهامات بأنها تسمح عن طريق التبرعات بتمويل الجماعات المتشددة ، وإن الولايات المتحدة قد دفعت ثمناً باهظاً نتيجة لموقفها المؤيد للنظام السعودي الذي استثمر هذه العلاقة في تعميق نظام الحكم دون الالتفات إلى قضايا الناس وهمومهم مما ساهم في خلق المناخ المحفز للإرهاب والإرهابيين الذين صبوا جام غضبهم على الولايات المتحدة، وقامت جماعة البنتاغون أو وزارة الدفاع الأمريكية ممن يسمون أنفسهم بالمحافظين الجدد ، بالمناداة بضرورة التغيير الشامل الديمقراطي هنالك ، وبعضهم تمادى في المطالبة بتقسيم المملكة العربية السعودية بالتغيير الشامل فيها ، وقد تصدت المملكة بشكل مستمر لهذه الهجمات ، ولكن هل كان لذلك فاعلية واضحة والجواب في رأيي ، أن تلك الفاعلية كانت متواضعة إلى حد ما ، مما اضطر المملكة إلى تبني إجراءات جديدة تجعل مقبوليتها في الولايات المتحدة أعلى درجة مما كانت عليه ، فهل يستدعي هذا الأمر دفعة متأملة في نجاعة الانفاق الاعلامي ، وشراء أسهم في المؤسسات الإعلامية ، وهل تكفي هذه الوسائل وحدها أصلاً في ضمان الفاعلية ؟وأما المثال الثاني الذي يستحق أن نتوقف عنده فهو تلك الهجمة الضارية على الإسلام والمسلمين ، وتبني الإعلام الغربي لكثير من المفردات " التشدد الإسلامي" " الإرهاب الإسلامي " ، "مذابح المسلمين " ، " الإسلام والديمقراطية الغائبة " ، "التخلف في العالم الإسلامي " . ومع أن بعض الكتاب المسلمين يستعمل مثل هذه الاصطلاحات في معرض النقد الذاتي ، إلا أن السياق الذي تكرر هذه المفردات من خلاله في الإعلام الغربي يلصق هذه الصفات البشعة كالإرهاب ، والتشدد ، والأوتوقراطية ، والتخلف بالاسلام والمسلمين .

وبالمقابل ، يجب ألا ننكر أن جهود بعض الإعلاميين والمفكرين قد أدخلت إلى قاموس الإعلام الغربي مفردات مثل " الإرهاب عنده عمى ألوان ديني " ، أو مثل " الإرهاب ليس حكراً على المسلمين" فهنالك إرهاب عند أصحاب الديانات الأخرى كالهندوس ، والكاثوليك ، والبروتستانت والأرثوذكس الصربيين .

إلا أن هذه الاصطلاحات المحايدة لا تنال الرواج الذي تحظى به الاصطلاحات الأخرى السيئة ، خاصة خارج الوطن العربي . أوليس هذا تحدياً إعلامياً عربياً وخليجياً خاصة عند الأنظمة المتهمة بأنها أوتوقراطية وتقليدية وعشائرية .

والمثال الثالث هو المسؤولية الملقاة على دول الخليج في ارتفاع أسعار النفط العالمي . ورغم أن دول الخليج قد أثبتت منذ الثمانينات وحتى الآن أنها جاهزة دائماً للاستجابة لزيادة الطلب على النفط بزيادة الانتاج ، إلا أنها لم تنج حتى الآن من دحض التهمة بأنها هي المستفيدة من ذلك الرفع . ومع أن الواضح الآن أن الدول المنتجة قد فقدت منذ هزة النفط في السبعينات كثيراً من تأثيرها في أسعار النفط الخام بسبب تراجع الأوبك ، وزيادة الضرائب المحلية ، والتحكم في الاحتياطي النفطي داخل الدول المستوردة ، ودخول روسيا كدولة مصدرة في الأسواق المفتوحة، إلا أن كل هذه العوامل وغيرها لا تذكر عندما ترتفع أسعار النفط ، وتتلقى دول الخليج دائماً الصدمة الأولى من سيل التهم بتشويش النظام الاقتصادي الدولي، وزيادة الدول الفقيرة غير النفطية فقراً ، وما إلى ذلك ، فلماذا لم ينجح الإعلام الخليجي حتى الآن في دحض التهم ضده والوقوف أمام كل العداء المتعمد والمغالطة الواضحة ضده في هذا الأمر ؟

وأما المثال الرابع في هذا الإطار ، فهو الإعلام الخليجي داخل الوطن العربي ومنذ عام 1990 ، حين احتل العراق دولة الكويت ، تبين أن نسبة مرتفعة من المواطنين في الوطن العربي خارج دول الخليج لم تتعاطف كثيراً مع الكويت رغم أنها كانت تنفق على علاقاتها العامة وصورتها في الخارج مبالغ كبيرة ، ونجحت في تقديم كثيرمن البرامج العربية الإعلامية الناجحة مثل ( مجلة العربي ) ، وبعض الصحف القومية ، كما كانت توصف آنذاك ، وبعد الاحتلال شن الكويتيون حملة إعلامية ضارية من الخارج كانت إلى قدر كبير فعالة في نهاية المطاف وناجحة في إعلان الحرب على العراق ، ومن ثم خروج قواته من الكويت ومنذ ذلك الحين ، تحرك الإعلام الخليجي وشن حملة جاذبية لشد المواطنين العرب إليه ، وقد نجح جزئياً في ذلك ، ولكن النجاح تحقق عبر القنوات الفضائية مثل الجزيرة أولاً ثم محطة أبوظبي ، والعربية . دليل نجاح الجزيرة والعربية هو استدراج النقد لها من قبل المسؤولين الأمريكيين مما زاد من شعبيتها ، وكانت حروب أفغانستان والعراق واحتلال هاتين الدولتين سبباً في رفع قيمة الجزيرة والعربية ، أما محطة أبوظبي ، فإن نجاحها يعتمد على وسطيتها في الدرجة الأولى وفاعلية نشراتها الإخبارية ، أما باقي المحطات العربية فهي متفاوتة النجاح ، ولكن معظمها ينظر إليه ، وبخاصة الأرضية فيها ، على أنه ليس سوى مرآة لعكس صورة جميلة لواقع الحكومات التي تمولها ، ولم تنجح معظم المحطات الأرضية والصحافة الخليجية في أن تكون وسائل إعلام دولة ، وليس وسائل إعلانات حكومية .

ويجب التأكيد أنه حتى الصحف المتشددة ضد إسرائيل والولايات المتحدة ما تزال خجولة في تقديم أي إعلام مستقل عن سياسات الدولة أو الإمارة التي تصدر منها أو تمولها . ولذلك ، فإن الإعلام الخليجي الذي نجح في لبنان ترفيهياً ، لم يصل بعد إلى ضمير المواطن العربي رغم كل ما يقدمه الخليج من وظائف وقروض ومساعدات للدول العربية ، والسؤال : هل هذه فاعلية في النجاح ؟
فمن منظار فاعلية الانفاق على الإعلام العربي الخليجي ، نرى أنه في وقت الشدة والحاجة الملحة إليه ولخدماته ، لم ينجح في الامتحان ، وفشل نسبياً في الدفاع عن دول الخليج ، والتصدي لأعدائها في الغرب والشرق . ولابد من عودة لهذه النتيجة . ولكن قبل العودة إليها دعونا نقدم التحدي الإعلامي الثاني والخطير . وهو قضية المصداقية الإعلامية .

المصداقية أو الصدقية الإعلامية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمقدار نجاح الوسيلة الإعلامية في جذب الاهتمام إليها ، ومشاهدتها أو الاستماع إليها أو قراءتها ، أو الدخول إليها . وقلما تجد من المحطات من يهتم بهذا الأمر إلا لأسباب إعلانية ، أو بمقدر ما تستطيع تلك الوسائل أن تغري به الزبائن للاتصال بها . ومع أننا لاحظنا في الفترة الأخيرة إنتاج موجة عارمة من البرامج الحية في كل وسائل الإعلام وأدواته وقنواته ، وتتبنى أسلوب ( التواصل المتبادل ) ، كالحديث مع القراء والمستمعين والمشاهدين ، والإجابة عن أسئلة ما ، فإن هذا التواصل مع المستمعين ما يزال محدوداً إلا بالقدر الذي يغري فيه " الزبون الإعلامي " بجائزة يفوز بها أو مال يجنيه مقابل إجابته عن سؤال بسيط .
ويلاحظ أن إغراء هذا النوع من البرامج نابع أساساً من الاعتبارات الإقتصادية . فمثل هذه البرامج قليل الكلفة ، ويأتي بمردود من جهات مختلفة مثل المعلنين ، وشركات الاتصالات والراعين لمثل هذه البرامج . وقد ساهمت هذه البرامج كلها في جعل الإعلام في الوطن العربي أكثر جماهيرية أو شعبية مما كان عليه في السابق ، وهذه خطوة للأمام ، ولكن علينا أن نقر أن عدد المشاركين في هذه البرامج محدود ، وأن كثيراً منهم يتكرر ويتقلب على محطات عدة . ولكنها رغم ضيق عدد المشاركين فيها ما تزال أفضل من البرامج المعدة سلفاً والمفروضة على الناس .

ويلاحظ في نفس الوقت أن برامج أخرى بدأت تظهر ، وبخاصة في التلفزيونات والقنوات الفضائية بشكل أوسع ، مما يعتمد على مشاركة الجمهور ، وحظي بشعبية كبيرة . ومن هذه مثلاً برامج المسابقات ، والتي فقدت حالياً جزءاً من بريقها لصناع برامج المسابقات الغنائية ، وبرامج الواقعية ( Reality TV ) وهذه تعتمد النتائج فيها على القرار الديمقراطي الاقتصادي ، الذي يمارسه المواطنون في اختيار نجمهم المفضل وإن كان هذا الحق يكلفهم ضريبة عالية تتمثل في ارتفاع كلفة الاتصال عند التصويت .

ولكنها كما قلنا ، حركت البرامج من خانة افتراض ( المشاهد الذي لا حول له ولا قوة ) إلى حالة المشاهد الذي يقرر ويمارس حقه الديمقراطي . ولذلك رأينا أن مثل هذه البرامج هي التي باتت تحظى بدرجة أعلى من اهتمام الناس .
ومن هنا تبدأ المفارقة الواضحة في التحدي المتعلق بالصدقية ، فالإعلام الحكومي التقليدي أو الممول منها هو ذلك الإعلام الذي يريد الناس أن يقبلوا ما يقوله لهم . ولا ينتظر منهم مشاركة .

ولكن الخصخصة الإعلامية ، ومشاركة القطاع الخاص ، جعلت نجاح الإعلام مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بإقبال الجمهور العام عليه . وهكذا صار الإعلام الحكومي ممولاً من قبل الحكومات ، وشبه عاجز عن اجتذاب إهتمامهم ، وإعلام يخاطب الناس ويحاورهم ويجتذب اهتمامهم ، وهو ممول من الناس والجمهور .

ومما لا شك فيه ، أن صدقية الإعلام الحكومي بالذات ، والذي تقع عليه في الدرجة الأولى مسؤولية الدفاع عن المصالح العليا والاستراتيجية لدول الخليج بحاجة الى إعادة رسم استراتيجية بشكل يقنع الناس به ؛ وإلا فإن الإعلام الحكومي في الوطن العربي كله والخليج معرض للانقراض أو التحول إلى نظيره في الولايات المتحدة .

ومن هنا فإن الظرف الدولي ، والتمويل ، ومستوى الانتاج ، وتوفير الكتاب وغيرها من القيود على مستوى الإعلام العربي قد تشكل تحديات ، ولكن في رأيي أكبر تحديين يواجهان الإعلام الخليجي والعربي هما والقدرة على التصدي للهجمة على الخليج خاصة والأمة عامة ، الصدقية لدى الجماهير العربية .

ولعل الحل لهاتين الأزمتين اللتين تواجهان الإعلام الرسمي بشكل أكثر خطورة ، يحتاج إلى نوعين من الإجراءات .
الأول هو تبني منهجية إعلامية لكل دولة ، معتمدة على التفاعل مع العالم . ومما ينقص إعلامنا أنه ما يزال يعتمد في الدرجة الأساسية على سياسة ( الفزاعة ) ورده الفعل من دون نموذج أو استراتيجية . وهذا يتطلب دعم وسائل الإعلام ورفدها بمؤسسات البحث المتطورة القادرة ليس فقط على الرد ، وإنما على التنبؤ بالمستقبل ، وتهيئة وسائل الإعلام للتحوط لذلك المستقبل ووعده ووعيده .
وأما النوع الثاني من الإجراءات فهو تزويد الإعلام بوسائل قياس الرأي العام، ورأي الجمهور ، وقياس التوجهات العامة ، ورغبات الناس حتى يستطيع الإعلام أن يركب الموجة لا أن يقيسها بعد أن تحصل . والإعلام الناجح في العالم هو الذي يقدر قيمة قياس آراء الناس وتوجهاتهم ، ويعرف ما يوافق هواهم وآراءهم وما لا يفعل ذلك .

إذا نجحنا في تطوير الدراسات الداعمة للإعلام ، وطورنا وسائل الانتاج واتجهنا نحو العالمية ، فإننا سنقدر على تطوير إعلامنا ليواجه الإعلام المناوىء والمتهم لنا دوماً . ويحصل نفس الحال على المستوى الداخلي لو أننا جعلنا الإعلام مرآة تعكس الناس وأحوالهم ، وتزودهم بما يريدون ، فإنهم سوف يستجيبون له ويصفقون . نريد فاعلية إعلامية في الخارج ، وصدقية في الداخل .

مقالات لنفس الكاتب