; logged out
الرئيسية / السعودية والعالم يودعان نايف بن عبدالعزيز

العدد 94

السعودية والعالم يودعان نايف بن عبدالعزيز

الأحد، 01 تموز/يوليو 2012

ودّعت المملكة العربية السعودية في 26 رجب 1433 هـ، الموافق لـ 16 يونيو 2012 م، ولي العهد السعودي الأمير نايف بن عبدالعزيز الذي انتقل إلى رحمة الله خارج المملكة عن عمر ناهز 78 عاماً، ونعى خادم الحرمين الشريفين الملك الملك عبدالله بن عبد العزيز لجميع أبناء الشعب السعودي والعالمين الإسلامي والعربي، أخاه الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية السعودي، بعد سنوات طويلة حافلة من العمل المتواصل في الدولة عبر مختلف العهود، تنقل خلالها في مختلف المناصب القيادية والإدارية على مدى أكثر من 60 عاما وحتى يوم وفاته، وقد ووري الفقيد الثرى في مقبرة (العدل) بمكة المكرمة بعد الصلاة على جثمانه في المسجد الحرام بعد صلاة المغرب.

لقد فجع الشعب السعودي بوفاة الأمير نايف، بينما عم الحزن كافة مناطق المملكة العربية السعودية فور إعلان نبأ الوفاة، وعبّر عامة أبناء الشعب عن حزنهم العميق بوفاة ولي عهد البلاد، الذي جاء رحيله المفجع بعد ثمانية أشهر من تعيينه ولياً للعهد خلفاً لشقيقه الراحل الأمير سلطان بن عبدالعزيز الذي كان قد توفي في الثاني والعشرين من أكتوبر 2011م.

وكان الأمير الراحليوصف برجل المهمات الصعبة، حيث سجل الأمير نايف حضوراً لافتاً في الحياة الإدارية والسياسية في السعودية، ودخل معتركهما في سن مبكرة خلال عهد والده الملك المؤسس، حيث يعد الأمير نايف النجل الثالث والعشرين من أبناء الملك عبدالعزيز. وحفلت سيرة الأمير نايف بمناصب رسمية كثيرة منذ توليه قبل أكثر من 60 عاماً أميراً لمنطقة الرياض، وحتى تعيينه ولياً للعهد نائباً لرئيس مجلس الوزراء في أكتوبر 2011.

وأولى الأمير نايف بن عبدالعزيز بصفته وزيراً للداخلية على امتداد 37 عاماً، اهتماماً بالملفات الأمنية والعمل على تطويرها بوصفها شراكة بين المواطن والمؤسسات الأمنية، ومن ذلك: المعالجات الفكرية لقضايا التطرف والإرهاب، ومحاربة الفكر بالفكر أجدى وأنفع من محاربته بالسلاح والقوة فقط. كما برزت جهود الأمير نايف بن عبدالعزيز على المستويين العربي والدولي.

ردود فعل عربية وعالمية:

أعرب قادة دوليون وعرب عن حزنهم لوفاة الأمير نايف، حيث أجمع عدد من قادة الدول العربية والإسلامية على أن وفاة الأمير نايف بن عبدالعزيز ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية ـ رحمه لله ـ خسارة لا تقتصر على المملكة فحسب، وإنما طالت المحيط الخليجي والعالم العربي الإسلامي والعالمي.

وأكدوا أنه برحيل الأمير نايف، فإن العالم فقد تجربة أمنية طويلة في مجال مكافحة الإرهاب، منوهين بحنكته في مجال العمل السياسي العربي والعالمي، ومثمنين حرصه على تعزيز العمل الخليجي والعربي المشترك، واستقرار الأمن والسلم العالميين.
وأوضحوا أن الأمير نايف كان رجل دولة رفيع المستوى، وبوفاته فقد العالم شخصية رفيعة تركت بصمات واضحة في تنمية المملكة وتعزيز الأمن العربي وإرساء الاستقرار وتصحيح صورة الإسلام في الغرب.

بدورها أعلنت البحرين والأردن الحداد لوفاة الأمير الراحل، وقال العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني إن الأمير نايف يعتبر رجل الأمن العربي الأول ومجهوداته مشهود بها في بذل الجهد في خدمة ورعاية حجاج بيت الله الحرام، موضحاً أنه كان أحد الرجالات العظام الذين ساهموا في تعزيز منظومة الأمن العربية، وترك بصمات في كافة المجالات في المملكة لرقي الوطن. وقال العاهل المغربي إن وفاة الفقيد خسارة فادحة للمغرب أيضاً وللأمة الإسلامية. فيما أكد الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي أن الأمير نايف ساهم مساهمة فعالة في تعزيز العلاقات السعودية -اليمنية ومكافحة الإرهاب ودعم العمل العربي المشترك، مشيراً إلى أن وفاته خسارة ليس للشعب السعودي فقط، بل للشعب اليمني، الذي وجد فيه الناصر والمعين والداعم له في أحلك الظروف. وأضاف أن الأمير نايف كان رجل دولة ومنظمة فكرية وأمنية جامعة وشخصية سياسية محنكة، ولن تناساه الشعوب العربية مدى الحياة.

من جهته قال الرئيس الباكستاني أصف زرداري إن الأمير نايف عرف بحبه وحرصه على تعزيز العمل الإسلامي ومكافحة الإرهاب وتنمية العلاقات بين الرياض وإسلام آباد، موضحاً أنه كان صاحب أياد بيضاء لا تنسى لدعم الشعب الباكستاني، واصفاً رحيله بالخسارة الكبيرة ليس للمملكة فحسب، وإنما للأمة الإسلامية.

من جهته اعتبر الرئيس التركي عبدالله غل أن رحيل الأمير نايف خسارة وفاجعة حقيقية كبيرة للأمتين العربية والإسلامية، مؤكداً أن الأمير نايف كان شخصية سياسية وأمنية محنكة واسعة الاطلاع، مشيراً إلى أن الشعب التركي يقدم تعازيه للشعب السعودي ويقف بجانبه في هذا المصاب الجلل.

ومن القادة الدوليين أعرب الرئيس الأمريكي باراك اوباما في برقية إلى خادم الحرمين الشريفين عن أن الأمير نايف كرس نفسه لعقود لأمن السعودية والمنطقة.

ومن جهته قال رئيس الوزراء البريطاني، دافيد كاميرون في بيان، أصدرته الحكومة، أنه (ببالغ الحزن والأسى تلقيت اليوم نبأ وفاة الأمير نايف بن عبدالعزيز، وإنني أشاطر الشعب السعودي الحزن في هذا المصاب الجلل). كما أعرب الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند عن (تأثره) بوفاة ولي العهد السعودي، مؤكداً أن فرنسا (خسرت صديقاً).

محطات في حياة الأمير الراحل:

ولد الأمير نايف بن عبدالعزيز في مدينة الطائف عام 1934م، ونشأ في كنف والده مؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود- رحمه الله - حيث تلقى تعليمه على أيدي مجموعة من كبار علماء العلوم الشرعية، والآداب والشعر العربي الفصيح، والعلوم السياسية والدبلوماسية والإدارة، مستفيداً من رؤية والده المؤسس الذي عرف عنه منهجه المميز في التربية والتعامل مع الأبناء.

ومن أبرز محطات الأمير الراحل توليه ولاية العهد في 27 أكتوبر 2011م، وقبلها كان نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء في 27 مارس 2009م، ووزيراً للداخلية منذ 1975م وحتى وفاته، وكان قد شغل منصب وزير الدولة للشؤون الداخلية في عام 1975م، ونائباً لوزير الداخلية (بمرتبة وزير) عام 1974م، وكان قد تولى ذات المنصب في عام 1970م، وأميراً لمنطقة الرياض من 1953م إلى 1954م، ووكيلاً لإمارة منطقة الرياض من 1951 إلى 1952م.

وترأس ولي العهد السعودي الراحل العديد من اللجان والمجالس من أبرزها: رئيس لمجلس إدارة صندوق التنمية البشرية، ورئيس فخري للجمعية السعودية للإعلام والاتصال، وأيضاً للجمعية السعودية الخيرية لرعاية الأسر السعودية في الخارج (أواصر)، بالإضافة إلى إشرافه العام على اللجان والحملات الإغاثية والإنسانية في المملكة العربية السعودية، ورئيس لجنة النظام الأساسي لنظام الحكم ونظام مجلس الشورى ونظام المناطق عام 1992م، ورئيس مجلس القوى العاملة، والمشرف على هيئة التحقيق والادعاء العام عام 1409هـ، والرئيس الفخري لمجلس وزراء الداخلية العرب منذ عام 1984م، حيث تم من خلاله إقرار العديد من المشاريع والاتفاقيات الأمنية بما يخدم أمن الإنسان العربي، من أهمها الاستراتيجية الأمنية العربية في بغداد عام 1984م، والخطة العربية الأمنية الوقائية في تونس عام 1985م، والاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب الموقعة من قبل وزراء الداخلية والعدل العرب عام 1998م، ومشروع الاستراتيجية العربية لمكافحة الاستعمال غير المشروع للمخدرات والمؤثرات العقلية.

كما ترأس المجلس الأعلى للإعلام، والهيئة العليا للأمن الصناعي، وكان رئيساً لمجلس إدارة جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، ومجلس أمراء المناطق، والمجلس الأعلى للدفاع المدني عام 1387هـ، ولجنة الحج العليا.

داخلياً، أولى الأمير نايف بن عبدالعزيز بصفته وزيراً للداخلية على امتداد 37 عاماً على رأس منصبه، اهتماماً بالملفات الأمنية والعمل على تطويرها بوصفها شراكة بين المواطن والمؤسسات الأمنية، ومن ذلك: المعالجات الفكرية لقضايا التطرف والإرهاب، ومحاربة الفكر بالفكر أجدى وأنفع من محاربته بالسلاح والقوة فقط، حيث تم تأسيس إدارة خاصة في 2007م تحت اسم إدارة الأمن الفكري، ضمن تنظيم وزارة الداخلية الإداري، وتأسيس وتمويل كرسي الأمير نايف بن عبدالعزيز لدراسات الأمن الفكري بجامعة الملك سعود في عام 2008م، وتمويل كرسي الأمير نايف لدراسات الوحدة الوطنية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في 2009م، وتشجيع ودعم عشرات الدراسات والأبحاث الخاصة بظاهرة التطرف وارتباطاتها، وتشكيل فريق عمل من أساتذة الجامعات لوضع خطط استراتيجية للأمن الفكري العربي، وتكليف فريق عمل كرسي الأمير نايف لدراسات الأمن الفكري بوضع استراتيجية وطنية شاملة للأمن الفكري في 2010م.

وفي إطار مكافحة المخدرات، عمل الأمير الراحل على قيام استراتيجية العمل المؤسسي في مكافحة المخدرات، وتأسيس الإدارة العامة لمكافحة المخدرات في جهاز الوزارة مع إدارة أمنية متخصصة في الأمن العام (استقلت إلى قطاع) لمواجهة هذه الظاهرة على كل المستويات، وتأسيس اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات في 2007م، وعقد عدد من الاتفاقيات الثنائية والإقليمية والدولية بما يحد من انتشار هذه الآفة وتفاقمها.

وبرزت جهود الأمير نايف بن عبدالعزيز على المستويين العربي والدولي، فعلى المحيط العربي أشرف الأمير الفقيد على لجان وحملات الإغاثة والعمل الإنساني لمشاريع التبرعات الشعبية والحكومية التي تتبناها وتقدمها المملكة للشعوب العربية المتعددة، ودعم جهود الإغاثة للشعب الفلسطيني، واعتماد وتنفيذ العديد من المشاريع الإنسانية للمتضررين من الحروب، وتقديم المساعدات الغذائية ودعم الأسر الفقيرة والجرحى والمعاقين وكفالة الأيتام ودعم التعليم الجامعي، وبناء المساكن الخيرية، وتقديم الأدوية والمستلزمات الطبية وبناء المراكز المتخصصة لعلاج الأورام السرطانية.

أما دولياً، فقد دعم الجهود الإغاثية للشعب الأفغاني، وساعد على إنشاء اللجنة السعودية لإغاثة كوسوفو والشيشان، وإغاثة المتضررين من كارثة التسونامي في إندونيسيا، وإغاثة المتضررين من الزلازل والفيضانات في الدول المتضررة.

كما كان للأمير نايف العديد من الجهود في مجال خدمة العلم والمعرفة، ومنها تأسيس جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، حيث ترأس مجلس إدارة الجامعة التي نهضت بتطوير الخبرات الأمنية والعدلية وتقديم برامج ومؤتمرات دولية تستفيد منها الدول العربية، وتمنح شهادات الدبلوم والماجستير والدكتوراه، وكذلك تأسيس وإنشاء جائزة (السنة النبوية)، والتي تعد جائزة عالمية مخصصة لدعم الباحثين والعلماء في مجالات السنة وعلومها، ومسابقة الأمير نايف بن عبدالعزيز لحفظ الحديث النبوي والتي تعنى بحفظ الحديث الشريف في عام 2006م، وكذلك إنشاء كرسي الأمير نايف للوحدة الوطنية، وكرسي الأمير نايف للأمن الفكري، وكرسي الأمير نايف للقيم الأخلاقية. أما المنح العلمية، فقد تلقى عدد من الطلاب دراساتهم العليا داخل المملكة وخارجها بمنح علمية منه في تخصصات مختلفة، كما دعم نشاطات العديد من المؤسسات العلمية والعامة.

وفي عام 1995م تم إنشاء قسم الدراسات الإسلامية في جامعة موسكو بدعم منه، كما رعى العديد من الجوائز والمؤتمرات والفعاليات العلمية والوطنية، منها جائزة السنة النبوية ومسابقة حفظ الحديث النبوي الشريف، وجائزة الأمير نايف للسعودة، ومؤتمر ومعرض الصحة والسلامة المهنية الثاني الذي تنظمه المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، والندوة الثانية للإصلاح والتأهيل في المؤسسات الإصلاحية تحت شعار (السجين والمجتمع)، والمنتدى الإعلامي السنوي للجمعية السعودية للإعلام والاتصال، والمنتدى الدولي للشراكة المجتمعية في مجال البحث العلمي، والندوة السنوية (الأمن مسؤولية الجميع)، والندوة السنوية (المجتمع والأمن)، ومؤتمر الأسر السعودية والتغيرات المعاصرة، والمؤتمر الوطني الأول للأمن الفكري بجامعة الملك سعود، وملتقى الدراسات الدعوية، وندوة ترجمة السنة النبوية، والمؤتمر الوطني الـ19 للحاسب في جامعة الملك سعود بعنوان (الاقتصاد الرقمي وصناعة تكنولوجيا المعلومات)، والمؤتمر الإسلامي الثاني لوزراء البيئة، والمؤتمر الأول لشعبة الهندسة الصناعية في الهيئة السعودية للمهندسين، ومؤتمر سلامة وصحة الحجيج، والمؤتمر الدولي الأول للسياحة والحرف اليدوية، ومؤتمر حقوق الإنسان في السلم والحرب، والمؤتمر العربي الثاني لرؤساء النيابات العامة، والمؤتمر العربي السابع لرؤساء أجهزة الإعلام، والاجتماع المشترك مع وسائل الإعلام العربية.

وحصل ولي العهد السعودي الراحل على العديد من الأوسمة والكثير من الشهادات دولياً وعربياً وداخلياً، ومن ذلك: وشاح (السحاب) من جمهورية الصين عام 1977م، ووسام (جوقة الشرف) من فرنسا عام 1977م، ووسام (المحرر الأكبر) من جمهورية فنزويلا عام 1977م، ووسام (الكوكب) من المملكة الأردنية الهاشمية عام 1977م، والدكتوراه الفخرية في القانون من جامعة (شنغ تشن) في الصين الوطنية عام 1979م، ووشاح (الملك عبدالعزيز) من الطبقة الأولى والذي يعد أعلى وسام في المملكة العربية السعودية، ووسام (الأمن القومي) من كوريا الجنوبية عام 1980م، والدكتوراه الفخرية في القانون من كوريا الجنوبية، ودرجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية من الجامعة اللبنانية عام 2009م، وذلك في ختام الدورة الـ26 لمجلس وزراء الداخلية العرب في بيروت، والدكتوراه الفخرية من جامعة أم القرى في السياسة الشرعية، ووسام (الأرز) من الجمهورية اللبنانية عام 2009م، والدكتوراه الفخرية من جامعة الرباط في جمهورية السودان.

 

مقالات لنفس الكاتب