; logged out
الرئيسية / إعلامنا العربي روح البناء الخلاقة أم فكر الربح السريع والتسلية؟

إعلامنا العربي روح البناء الخلاقة أم فكر الربح السريع والتسلية؟

الأربعاء، 01 أيلول/سبتمبر 2004

إن الحديث عن حرية الصحافة والإعلام، وإزالة القوانين والإجراءات الحكومية التي تقيدهما في الوطن العربي، من جانب، وأطروحة مكافحة غول العولمة الظالم الذي بدأ يطل برأسه، داساً ليس أنفه فقط في شؤوننا، بل كامل جسده، من جانب آخر، هو حديث ديماغوجيِ، مظلل إلي حد كبير!

فما العلاقة بين أن نقيد الصحافة والإعلام ببنود مواد قانونية أكل الدهر عليها وشرب؛ على شاكلة أن نضمن قوانين العمل الخاصة بتسجيل المؤسسات المدنية التطوعية ـ ومنها جمعيات الصحافة ـ بمواد تحظر عليها الحديث أو الخوض في السياسة، مع ربط ذلك بإثارة الفتن والنعرات الطائفية أو العرقية؛ مثلاً بمواجهة العولمة أو التدخل في الشؤون الداخلية لبلداننا؟ هذا يحصل في كثير من البلدان العربية، وبالذات دول الخليج.

هل يتصور أحد من القائمين على الأمر في بلداننا أن يحقق أي تطور يذكر على الصعيد المجتمعي بمصادرة واحتكار العمل السياسي عن شرائح السكان الأساسية، وحتى الفئات المعنية بتداول، والخوض، في مجالات السياسة الداخلية والخارجية، وشتى مناحي الحياة، كالصحفيين والإعلاميين على وجه العموم؟

ثم، كيف نتحدث عن مواجهة غول العولمة ، للحيلولة دون أن يمس سيادتنا الوطنية، ويجتاح هويتنا، ويؤثر في ثقافتنا وتراثنا الوطنيين، في حين نساهم وبشكل كبير في الانصياع، وفي تبني كل سياسات تيارات عولمة الإعلام في بلداننا، وكأن الأمر حقيقة حتمية لا مناص منها، تجتاحنا، كما سماها الدكتور محسن الخضيري في كتابه "العولمة الاجتياحية" . الحديث لا يزال غامضاً ؟ إذن دعني أوضح لك عزيزي القارئ هذه الحقائق عن إعلامنا العربي، والأنظمة والقوانين التي تقيده، وكيف تمت عولمته .

القوانين العربية الخاصة بتنظيم مهنة الصحافة والرقابة على المصنفات الفنية، تضع في كثير منها ما يؤدي إلى وضع يد السلطات على مقدّراته وقراراته، من خلال بنود القوانين بما يفرض نشر أخبار الجهات والشخصيات الحكومية في صفحاته الأولى ، وكأنها قرآن منزل؛ بل وتمنع المس بالنقد العمل الحكومي والموظفين الحكوميين. وكثيراً ما تعرض الصحفيون للمحاكمة والتقديم للقضاء ليس بسبب رأي حتى، وإنما حقائق يتم التوصل إليها من خلال التحقيق الصحفي. وقد لا يمس الصحفي أو يعتقل ، لكن تعريضه للمساءلة، وتذكيره ببنود القانون التي ليست في صالحه في هذا الشأن يجعل حتى أشجع الصحفيين وأكثرهم غيرة على الوطن ومصالحه يجفلون من التطرق للشأن الداخلي بشكل نقدي، أو إجراء التحقيق في المخالفات والتجاوزات الوظيفية للعاملين في القطاع الحكومي.

ومعروف أنه من أبرز المطالب التي تثيرها تيارات العولمة الحالية في مجال الإعلام والاقتصاد وغيرها، هو خصخصة أجهزة الإعلام، وإزالة الارتباط أو التأثير الحكومي على عملها. ولذلك فإن هناك خطوات كبيرة تجري في هذا الصدد في كثير من الدول العربية، وبالذات دول الخليج للانتقال بملكية الإعلام من القطاع العام، إلي إعطائه صفة الاستقلالية، والخصخصة.

ولكن! حين نتحدث عن الخصخصة فإننا لا نعني طرح أسهم المؤسسات الإعلامية للاكتتاب العام، وتداول أسهم هذه المؤسسات بين الجمهور العام، بل فقط مجرد الاستقلالية للمؤسسات الإعلامية الرسمية لتصبح شبه حكومية، قائمة بذاتها إدارياً ومالياً، ولكن ضمن الملكية العامة في الأساس. والأمر في ذلك يجعل المؤسسات الحكومية قادرة على تطبيق بنود القوانين والمواد القانونية التي تحد من نشاط المؤسسات الإعلامية الداخلي النقدي، لتناقش أو تتناول مجرد الموضوعات الاجتماعية والفنية والخدماتية، والتركيز في الأساس على قطبي ما سماهما زبنيو برجنسكي tittytainment، واللذين قصد بهما موضوعات الاستهلاك والتسلية، كأهم نشاطات الإعلام التي تفصّلها النخب الكونية لتيارات العولمة على فئات السكان الغير عاملة، أو الغير منتجة، في مسارات العولمة لما بعد الحداثة.

هذا الأمر، وللأسف الشديد، يجرى تطبيقه كما لم يعهد من قبل في العالم، في الوطن العربي. ففي حين تتوجه معظم مواد البرامج التليفزيونية لفئة الشباب، فإن الموضوعات التي يتم التطرق لها في هذه الموضوعات الموجهة لهذه الشريحة الواسعة، والخطرة، من الجمهور العربي هي موضوعات التسلية، والاستهلاك، لا موضوعات العلوم، والتنمية الحقة، وبناء الشخصية الناقدة، والمبدعة، المنطلقة من أسر القيود والعقد السياسية والاجتماعية المتخلفة والأنانية للمجموعات الحاكمة.

والتركيز على مجموعات، أو فئة الشباب في المجتمعات العربية كشريحة جمهور، وللأسف الشديد، له دلالاته السلبية على مستقبل الأمة. لنضع في اعتبارنا أن هذه الشريحة تمثل القطاع الأوسع من بين كل شرائح السكان في المجتمعات العربية، كما تقول معظم الإحصاءات العربية. وحين تكون المسابقات بينها وخلق التحدي فقط ينحصر في نطاق الأغنية، أو المظاهر الشكلية للجسم والوجه، بالنسبة للفتيات، فإن الأمر يصبح من الخطورة بمكان.

وإذا كانت تصورات أقطاب النخب الاقتصادية الدولية ترى أن العالم مقبل على تقليص كبير للأعمال، وأتمتة الإنتاج، والاستعاضة عن البشر بالتقنية العالية، ليكون فقط عشرون بالمئة من سكان الكرة الأرضية هم من سيكونون من العاملين خلال هذا القرن، والباقون سيكونون ممن يتلقون الإعانات الاجتماعية، فلك عزيزي القارئ أن تتصور حجم من سيلقى بهم على هامش الإنتاج العالمي، كما يقول عملاق المحاسبة الدولية، وأحد أساطين المال في العالم، المليونير الأمريكي، الصيني الأصل، واشنطن سي سيب، والذي يتخذ من مانيلا مقراً لأعماله، وأحد المساهمين في انتعاش الاقتصاد الصيني الحديث.

وعلى هذا فإن ما يخبئ للشباب العربي من أعمال هي التسلية والخدمات الغير شريفة، والوضيعة في مجال الإعمال الدولية! فهل هذا ما يحاول أن يهيئ له إعلامنا العربي من الآن؟ لماذا لا نعمل على أن يكون نصيب الشباب، أو الفرد العربي، من حصص الأعمال الدولية المستقبلية تلك التي تخلق الإنجازات والابتكارات، والتي تكون من فئة القيادة الدولية للمسيرة الإنسانية؟ لماذا لا تتضافر جهود القائمين على الإعلام للخروج من أنانية تحقيق الربح الرخيص، إلي فضاء الإبداع والابتكار الحق، في مجالات المساهمة الفعالة في التطور البشري نحو الأفضل؟

إليك عزيزي القارئ بعض المقترحات في هذا الصدد: في ثمانينات القرن الماضي كان هناك برنامج بريطاني ساهم في تطوير عملية التعليم العالي وخلق الباحثين المتميزين في بريطانيا، وانطلق من محطة بي بي سي، تحت اسم Master Mind. أين مستثمري الإعلام، وصيادو، ومعدو البرامج في فضائياتنا العربية من مثل هذه البرامج الناجحة والتنموية بشكل حقيقي؟

أين معدو ومخططو البرامج العربية من مثل برامج National Geographic، بل وأين صيادو المتعة المؤقتة من البرامج العلمية المحضة التي كانت ولا تزال البي بي سي تقدمها باقتدار؟ ولماذا ينظر فقط لبرامج الواقع السيئ، مثل "السوبر ستار"، و"عالهوا سوا"، و"الأخ الأكبر"، و"ستار أكاديمي"، وغيرها مما يسمى برامج تليفزيون الواقع، ولا ينظر لبرامج الواقع المتقدم؟

نترك الإجابة للقائمين على التليفزيونات العربية، إذا كانوا لا يريدون أن نشكك في ولائهم لهذه الأمة، فجزء كبير من مستقبل أمتنا يقع بين أيديهم، لما للإعلام في المجتمعات الحديثة من دور مؤثر، وعليهم أن يتصرفوا وللتاريخ بمسئولية. نعود لما بدأنا به حديثنا، ونذكر السلطات: لا تجعلوا إعلامنا بقيودكم وسلطانكم مواخير للربح السريع والتسلية، ساهموا في جعله أداة تطور سريع للتنمية البشرية. اتركوا الروح النقادة المبدعة تكون الفيصل بين الجميع، نرتقي معاً!

مقالات لنفس الكاتب