; logged out
الرئيسية / حرية الصحافة بين الضغوط والمسؤولية في دول الخليج

حرية الصحافة بين الضغوط والمسؤولية في دول الخليج

الأربعاء، 01 أيلول/سبتمبر 2004

لقد انتقل الحديث في السنوات الأخيرة من الحديث عن الإعلام العربي بشكل عام من كونه إعلاما تابعا إلى الحديث عن هوامش الحرية الممنوحة له، وقد كان الحديث الأول جليا أثناء حرب عاصفة الصحراء، عندما كانت تنقل وسائل الإعلام العربية ومنها الخليجية من وكالات الأنباء والقنوات الأخبارية العالمية ، حيث لم نكن نرى أو نسمع أو نقرأ تغطيات عربية مباشرة من موقع الحديث وتحمل رؤيتها وموقفها الخاص والمختلف عما تنقله الوسائل الغربية تحديدا.

أما الحديث الثاني فقد أثاره وجود قناة الجزيرة في الساحة العربية على أرض خليجية، التي بدأت ببث كل ما هو غير مألوف وجريء ومختلف ـ من الدوحة ـ عما تنقله وسائل الإعلام العربية المتنوعة، وقدا بدأ الجدل حول قناة الجزيرة على أشده في أحداث كثيرة منها وأهمهما الحرب ضد العراق ومن ثم احتلاله.

وبقدر مساحات الحوار الحر الذي منحته الجزيرة للمشاهدين من خلال برامج الحوار المختلفة، بقدر ما هوجمت وكيلت لها أشد التهم، من الطرفين، من طرف الحكومات ومن طرف بعض المثقفين فقد وصفها الفريق الأول بأنها تسئ إلى الحكومات وتحرض الشعوب عليها وهكذا قاطعتها عدة حكومات، ووصل الأمر إلى اتخاذ قرار في إحدى قمم دول مجلس التعاون إلى الإعلان عن ضروروة وأهمية مقاطعة قناة الجزيرة.

أما المثقفون ـ بعضهم على الأقل ـ فإنهم لم يتخيلوا وجود قناة عربية بهذه الجرأة وهذا القدر من الحرية، ما لم تكون مدعومة من الخارج الغربي القوي، وتكبر علامات الاستفهام حول المكان الذي تطلق الجزيرة منه بثها، ما زاد الشك في أنها مفروضة من الغرب، وهي إحدىالضغوط الخارجية على حكومات الخليج التي طالما عدت من أصدقاء الغرب والموالين له. وقد اعتبر الغرب مؤسسها، ولهذا فإن قوتها هذه تأتي من الخارج وليس من الداخل العربي أو الخليجي الظامىء إلى التعبير عن رأيه بحرية دون خوف من حبس أوقتل أو عقاب آخر.

ولكن لمزيد من الجدل والتناقض؛ كان هذا الغرب أكثر المهاجمين للجزيرة، وخاصة الولايات المتحدة، وذلك بسبب تغطية الجزيرة لأحداث معينة أهمها لأحداث 11 سبتمبر ومن ثم الحرب على العراق مما أدى إلى قصف مكتب الجزيرة وقتل الصحفيين العاملين به.

وعند ظهور قنوات إخبارية أخرى عربية وخليجية، مثل أبوظبي والعربية، وتغطيتها المتميزة للأخبار بدأ الحديث عن أمور مختلفة وملاحظات هامة مثل ان هذه القنوات تتسم بمهنية عالية، ولديها طاقم عمل متميز، ولكنها تركز كل عملها ومهنيتها على الخارج العربي، والقضايا التي لا تمس المجتمع الذي تنطلق منه، بغض النظر عن جنسيتها، ومن الواضح في بعض القنوات أنها لا تريد أن تورط نفسها مع بعض الحكومات، ولهذا فهي تركز على القضايا التقليدية في الإعلام العربي، ولكن تقدمها بشكل مختلف برؤية لم تعد تابعة لقنوات أخرى إلى حد ما.

وأعتقد أن هذه هي النقطة الفارقة تحديدا بين توجهات ومستقبلي الإعلام في الغرب، وتوجهات ومستقبلي الإعلام في الخليج بصفة خاصة ـ وقد ينطبق ذلك على الإعلام العربي بشكل عام ـ في وسائل الإعلام الغربية من صحف وتلفزيون وإذاعة نلاحظ أنها تركز على القضايا المحلية لمجتمع مستقبلي الوسيلة الإعلامية، الأمر الذي يؤدي في كثيرمن الأحيان وبشكل دائم في كثيرمن الوسائل إلى غياب القضايا والأخبار العالمية، أوالأخبار ذات الطابع القومي أو الإقليمي، ولذلك فإن الفرد العادي قد يعرف تفاصيل التفاصيل عن مجتمعه وقوانينه ومشاكله، وهو يندرج وفقا لما لديه من معلومات في منظمات ومؤسسات اجتماعية مستقلة وغير حكومية لممارسة مواطنته بشكل أو بآخر. أي أن الفرد لأسباب كثيرة منها إمكانية الحصول على المعلومات والتعبير عن الرأي بحرية، وحرية التنظيم النقابي والمهني، ولكنه قد لا يعرف شيئا عن المجتمعات الأخرى وعن العالم حوله.

هنا في الخليج فإن المواطن قد يلم بأدق التفاصيل عن تطورات القضية الفلسطينية، أو الأحداث في العراق، أو عن تعقب القاعدة، ولكنه قد لا يعرف عن القوانين المختلفة لبلده،لا يعرف المشكلا ت التي تتعرض لها جماعة من السكان أو أحداث أخرى ـ وذلك مع استثناءات معينة ومحدودة مثل الصحافة الكويتية على سبيل المثال التي تحظى بهامش حرية كبير نسبيا مقارنة بدول الخليج الأخرى.

إن عدم توفر أو عدم القدرة على الحصول على المعلومات حول القضايا والأحداث والأخبار المحلية، سببه غياب حرية الصحافة في ممارسة المهنة، وفي المؤسسات الصحفية، وغياب حرية التعبير عن الرأي، بالإضافة إلى غياب حرية الحصول على المعلومات أساسا.
والواقع أن غياب هذه الأمور يعد واحدا من انتهاكات حقوق الإنسان، وهو امر مخالف للمواثيق الدولية، مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي ينص في المادة 19على أن: لكل إنسان الحق في اعتناق آراء دون مضايقة، وأن له الحق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة يختارها، كما تنص المادة 19 علىأن هذه الحقوق تستتبع واجبات ومسؤوليات خاصة، ولذلك فإنه يجوز إخضاعها لبعض القيود، ولكن شريطة أن تكون محددة بالقانون، وأن تكون ضروريةلاحترام الآخرين أو سمعتهم، أو لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة، أو الآداب العامة.

و يبدو أن الحكومات العربية ومنها الحكومات في الخليج قد ركزت على العبارتين الأخيرتين اللتين تتعلقان بالقيود، وأصبحت ممارسة الصحافة خاضعة للقيود، لاعتبارات الأمن القومي أو المصالح العليا أو الحفاظ على الآداب العامة وغيرها من الأعذار،وكأن الحكومات وحدها هي المسؤولة عن الأمن القومي والمصالح العليا للمجتمع، ولكن ليس للصحفي الحق نفسه أو الواجب نفسه تجاه مجتمعه ووطنه، الأمر الذي أدى إلى دفن مفهوم حرية الصحافة، وتجاهل أبسط أركانها التي تتمثل في: حق إصدار الصحف، وإتاحة الفرصة للمواطنين بنشر آرائهم، وحق الصحفيين في الحصول على المعلومات من مصادرها المختلفة، كذلك حق الصحفي في الحفاظ على سرية مصادر أخباره، وحقه في تحليل المعلومات، والتعبير عن رأيه بحرية ودون قيود إلا في الظروف التي أشرت إليها سلفا.

إن الصحافة في الخليج بشكل عام تواجه عدة مشكلات، وهي مشكلات رئيسية من وجهة نظري، وسعيا لحرية الصحافة، فإنه لابد من تجاوزها وحلها، أهمها:

إن الحكومات تحتكر في معظم هذه الدول إن لم يكن كلها امتلاك وسائل الإعلام والمؤسسات الصحفية، بحيث نجد محطات الإذاعة والتلفزيون مملوكة للدولة، وكذلك تقديم خدمات الإنترنت يخضع لها أيضا، بالإضافة إلى الرقابة الحكومية التي تفرض شروطها بأشكال كثيرة على المؤسسات الصحفية غير التابعة للدولة، حتى يكاد لا يلمس الفرق بين الصحف التابعة للدولة والصحف ذات الملكية الخاصة، وهذه الرقابة تشمل المطبوعات والمنشورات كافة سواء كانت محلية أو غير ذلك، وهناك قوانين المطبوعات والنشر التي تفرض الكثير من القيود والشروط على ممارسة المهنة، وعلى الصحفيين أنفسهم.

كذلك لا يحظى الصحفيون في دول الخليج بحرية التنظيم المهني أو النقابي، وفي بعض هذه الدول نشأت بعض التنظيمات التي لا تمارس في الواقع ما تمارسه النقابات، وذلك مثل الجمعيات والاتحادات، وغيرها من المسميات. إن أهمية قيام نقابات أو تنظيمات مهنية يكمن في أن هذه التنظيمات تعمل أو تخلق توازنا بين طرفين هما الشعوب من جهة أو الأفراد، والحكومات ومؤسساتها المختلفة، وذلك بهدف إيجاد قنوات للحوار والنقاش السلمي من أجل مصالح المجتمع. كما أن وجود تنظيمات نقابية يساعد على تكوين رأي عام واضح ومحدد إزاء القضايا وهو يساعد أيضا الصحفيين، وغيرهم من ممارسي مهنة الإعلام على تشكيل قوى ضاغطة في المجتمع، وبالتالي يشعرهم ذلك بالقوة، والثقة لانتمائهم إلى نقابة أو تنظيم قادر على حمايتهم والمطالبة بحقوقهم، ويكشف عن انتهاكات المهنة من قبل الجهات المختلفة،الجانب الذي بدون شك سينعكس على أدائهم المهني إيجابا.

يعترف البحرينيون على سبيل المثال بتراجع حرية الصحافة في البحرين، خاصة بعد تفعيل قانون الصحافة الجديد في المحاكم ضد رؤساء التحرير والكتاب، وقد قامت السلطات في البحرين باستخدام حملات للتخويف والضغط ضد الجمعيات والأفراد الذين يتطرقون لموضوعات حساسة، كما جاء في ورقة عمل في ندوة الصحافة بين الواق والطموح التي نشرها مركز البحرين لحقوق الإنسان. وعموما فإن مثل هذه الأمور لا تحدث في البحرين وحدها وإنما تحدث في أماكن أخرى أيضا، الفرق أنها في معظم الأحيان لا يعلن عنها.

إن الرقابة التي تفرض على الصحافة من قبل الدول، هي أمور كما لا يخفى على أحد تتعلق بمسائل أساسية وجوهرية، وهي مسائل تتعلق بالتحول الديمقراطي، وقد كانت حرية الصحافة أهم مؤشر على قيام ديمقراطيات العالم، ولهذا فإنها مؤشر خطير ومخيف بالنسبة للأنظمة الحاكمة التي لا تستمد شرعيتها من الناس، أن تطلق حرية صحافة وأن تجعل المسئولية مشتركة بين المجتمع وبينها، ويكون قرار المصالح العليا قرارا جماعيا وليس أحاديا من جانب الحكومة وحدها، لأنها ـ أي الحكومات ـ إن فعلت ذلك ستكون أول من يجلد بسياط حرية الصحافة.

ومع كل ما تعانيه الصحافة في الخليج وفي بعض الدول العربية، هناك أحاديث حول الضغوط الخارجية بمنح الصحافة حريتها المقيدة، ولكن تجربة قناة الجزيرة مثلا لا تدل على أنه هناك ضغطا، لأن الجزيزة وحدها تتلقى الضغوط من الجهتين الداخلية والخارجية، وإذا كانت ثمة ضغوط باتجاه حرية الصحافة فلماذا نرفضها، إن حرية الصحافة هي مطلب داخلي محلي وطني، وحاجة ضرورية لأفراد هذه المجتمعات في التعبير عن آرائهم بحرية دون خوف، سواء كان عن طريق الصحافة أو بأي وسيلة أخرى.لكن الحقيقة المرة أن الصحافة في الخليج تعاني من ضغوط داخلية على مستويات عدة، إذا ما حررت منها فإنها بمنأى عن أية ضغوط أخرى.

إن تقييد حرية الصحافة انعكس سلبا على أوضاع الصحفيين الأخلاقية والمهنية، ويؤثر ذلك حتما علىأخلاقيات المهنة نفسها وعلى قيمها، وعلى دورها الذي همش وقلص لأقصى درجاته، بحيث أصبح لا الصحفي ولا المهنة في ذاتها تحظى بالاحترام،والتقدير، سواء من قبل الأفراد أو المؤسسات المستقلة أوالتابعة للحكومات. لقد آن الأوان لتحرير المؤسسات الصحفية، ولإلغاء قوانين المطبوعات والنشر، والاحتكام إلى مواثيق الشرف المهنية،لأن التحديات التي تواجهها و ستواجهها الحكومات في المستقبل بشكل أكثر وضوحا تتمثل في التقدم التكنولوجي في مجال المعلومات والإنترنت. ترى هل تعتقد الحكومات أنها تستطيع إحكام قبضتها عليها، وتتحكم في سيل المعلومات التي يمكن أن يحصل عليها أي فرد؟

مقالات لنفس الكاتب