; logged out
الرئيسية / الإعلام الخليجي .. والتحديات الراهنة

الإعلام الخليجي .. والتحديات الراهنة

الأربعاء، 01 أيلول/سبتمبر 2004

لا يخفى على أحد مطلقاً على سطح هذا الكوكب ، الذي يجمع فقراء البشر وأغنياءهم، المتعلمين منهم والأميين ، العقلاء والجهلة ، من أن وسائل اليوم ، ليست هي ذاتها التي تعاملنا معها وبها ومن خلالها بالأمس ، أو قبل ذلك . فالأمس ليس إلا حلقة من حلقات الماضي القريب أو البعيد ، بظروفه ومعطياته وبالتالي مستلزماته . أما اليوم، فهو قطعاً له ظروفه ومعطياته وحاجاته ، التي لا نستطيع توظيف مستلزمات الأمس لتحقيقها، أو على الأقل قد لا يكون من المناسب أن نقوم بذلك ، ذلك لأنه لا يلبي أغراضنا وحاجاتنا المتطورة .

إن التطور الذي شهدته وسائل الاتصال خلال العقود القليلة الماضية ، أكد لنا أولاً ، المقولة التي تعلمناها منذ عشرات السنين والتي لا تساوي شيئاً في الزمن بمعناه المطلق ، وهي أن العالم بفضل وفعل وسائل الاتصال ، ليس إلا قرية صغيرة ، بمعنى أن سكانها أو أهلها ، يعلمون عن بعضهم ويعلمون بعضهم ، أي أنهم يؤثرون ويتأثرون . لقد طرحت النبوءة تلك ، منذ خمسين عاماً ونيف تقريباً ، أي قبل أن ندخل في المرحلة التي نعيش فيها اليوم ، من مراحل ثورة الاتصال . فكيف كان سيعبر (مارشال ماكلوهان ) صاحب هذه المقولة ، لو أنه ما زال على قيد الحياة ؟ فيشاهد ، ويستمع إلى ، ويستخدم وسائل الاتصال والمواصلات التي نتعامل بها نحن ؟ فهل كان سيعبر بنفس المفردات ، أو بنفس المضمون ، عن مقولته تلك ؟ أم أنه سيصعق من شدة الصدمة – كما هو الحال بجيل الأمس ، الذي يتنفس هواء اليوم ؟ ويتعامل مع وسائله ومعطياته مكرها أو مضطراً ؟

الإعـــــلام أداة التغيير

إن المتتبع لعمل الإعلام اليوم – ومن قبل بالطبع – وما تقدمه وسائله المختلفة ، من مواد وبرامج ، على اختلافها ، فإنه حتماً سيلاحظ عدداً من الأمور ، من بينها على سبيل المثال وليس الحصر ، أن وسائل الاعلام ، لم تعد ، تحت عباءة السلطة أو الحكم ، محكومة لها ، أو موجهة من قبلها ، بنفس درجة الحدة التي كانت سائدة بالأمس . إن وسائل الإعلام ، في العالم أجمع ، وفي بلدان العالم الثالث ، بصفة خاصة ، قد تنفست الصعداء منذ أن هبت رياح التغيير ، فأسقطت بلد الستار الحديدي – الاتحاد السوفييتي - ، وقسمت إمبراطوريات المعسكر الاشتراكي ، لتضعها على الطريق المعاكس تماماً ، فرياح التغيير هذه كانت نتائجها كاسحة في عدد من الأماكن التي كانت مستهدفة بمثل هذا النوع أو المستوى من التغيير الجذري ، بينما كانت أهداف التغيير الذي يجب أن يتحقق ، متواضعة في مواقع أخرى . وعلى أي حال فإن ذلك من نتاج الصراع الأيديولوجي بين الشرق والغرب ، فالشيوعية لم تلاق هزيمة في تاريخها كتلك التي بدأت ملامحها تظهر منذ أن تسلم ( ميخائيل غورباتشوف ) رئاسة مجلس السوفييت الأعلى في الاتحاد السوفييتي عام 1985 ، والذي أظهر أن هناك خلل كامن في الأداء الشيوعي لم تجرؤ القيادات المتعاقبة على مواجهته ، هذا الخلل الذي اعتقد غورباتشوف أنه لا يمكن تغييره أو تجاوزه سوى من خلال إعادة البناء وتحقيق حرية التعبير ، التي لم تكن مصانة أبداً إلا في أضيق الحدود .

إن الصراع الأيديولوجي ، حالة كانت وما زالت ولابد من أنها ستستمر بين الدول وأنظمة الحكم في العالم ، إلا أن الذين يحسمون الصراع دائماً هم الأقوى في المقاييس المادية ، الذين لا حدود لتطلعاتهم في السيطرة وبسط النفوذ على الشعوب ومقدراتها ، وبالتالي فإن ذلك يدعوها بل يحتم عليها تطوير وسائلها كي تبقى على تفردها في السيطرة على العالم وتوجيهه بالصورة التي تحقق أهدافها .

إننا نلاحظ أن الولايات المتحدة الأمريكية التي تقبع على رأس النظام الإمبريالي ، ومنذ سقوط الاتحاد السوفييتي ، بل الشيوعية في العالم ، قد بدأت تعيد النظر في تصنيف حلفائها ، لتبين أن هناك من الأنظمة من انتهت صلاحيتها ، ذلك لأنها أنظمة حكم ديكتاتورية وإن التجاوزات فيها على مبادىء الديمقراطية وحقوق الإنسان قد ما وصلت إلى ما وصلت الى مستويات خطيرة ! بينما تبين لنا التجارب والواقع ، أن هذه الأنظمة لم تعد قادرة على خدمة المصالح الأمريكية بالصورة المطلوبة .

إن نظرة الولايات المتحدة الأمريكية اليوم إلى المنطقة العربية على وجه الخصوص ، تبين لنا أن النظام العربي بمجمله مستهدف في عملية التغيير ، وأن تلمس ذلك أو الإحساس به ، يتضح من خلال ما تقدمه وسائل الإعلام الأمريكية عن أصدقاء الأمس الذين يصورون بأنهم أعداؤها اليوم . إن الإعلام لا شك يلعب دوراً إستراتيجياً ، في تأجيج نار الصراع ، أو أنه يمكن أن يكون أداة للتقريب وبناء العلاقات سواء كانت متوازنة أو حتى غير متوازنة بين الدول والشعوب .

إننا نرى أن الذي كان يعد حليفاً استراتيجياً ، حتى عهد قريب ، موضوع اليوم تحت مجهر الدولة صاحبة النفوذ ، التي تصول وتجول في بقاع الأرض وسمائها ، بحجة أن الإرهاب قد نشأ فيها وينطلق من خلالها .

لقد عبر الرئيس الأمريكي ، جورج بوش في بدايات الحرب على العراق ، التي أسماها الحرب على الإرهاب ، مخاطباً كل قائد من قادة العالم بل كل فرد في هذا العالم ، قائلاً ( إن لم تكن معي فأنت ضدي ) ، وحتى يكونوا أو نكون معه ، فيجب أن يكون ذلك على طريقته وبأسلوبه ووفق برنامجه بالطبع . وعلى هذا الصعيد وفي هذا السياق ، فإن الإعلام الأمريكي والحليف له ، يؤدي دوراً خطيراً في تأجيج وإذكاء روح الصراع بين الأمم ، فيصنفون الأنظمة والدول والشعوب ، وفق أهوائهم ، وعلى أساس مصالحهم ، على أنها أنظمة قد استهلكت ، ودول متخلفة وشعوب بائسة ، ومن ثم فإنهم يقدمون أنفسهم على أنهم ، المنقذين للأمم من بؤسها ، الحريصين على إرساء قواعد الديمقراطية لها ، ويدعون بأن الغد المشرق لن يبزغ فجره على هذه الأمم ، من دون أن يتبع الإنسان أينما كان ، الوصفة الأمريكية السحرية ، في طعامه وشرابه ولباسه من أجل أن يصنف بشكل لائق ، وحتى يستحق الحياة .

إن الإعلام الذي يفترض أن يكون مدافعاً عن قضايا الأمم والشعوب ، أصبح غائباً ، أو في أحسن الأحوال ، فإن صوته مبحوح ، يحتاج إلى معالجة ، بل يحتاج إلى جراحة ، لأن حنجرته أصابها ورم خبيث ، يطل علينا في كل لحظة بما هو ساقط وردىء . فهناك بعض من الذين يعملون فيه وظفهم الشيطان لينوبوا عنه في إفشاء الفساد والرذيلة .

إن الكثير الكثير من وسائل الإعلام العربية ، المرئية منها بصفة خاصة ، وصلت إلى حد التطرف في أدائها ، حتى أنها أصبحت العدو الأول للأخلاق وللفضيلة ، ولا أدل على ذلك مما نشاهد من برامج على هذه القناة أو تلك . إننا لا نشخص الواقع الإعلامي – كما أشرنا له – من خلال المتمرس في خندق الماضي البعيد ، بل إننا ننظر نظرة معاصرة الى ما يجب أن يقوم به الإعلام من إعداد للإنسان ، وتهيئة له للنهوض بمسؤولياته ، والقيام بدوره في خدمة مجتمعه ، والإنسانية بشكل أعم وأشمل .

الإعلام الخليجي والتحديات :

إن منطقة الخليج العربي بمكوناتها السكانية والإجتماعية والاقتصادية والسياسية ، تختلف إلى درجة كبيرة عن باقي أقطار الوطن العربي ، فبينما يتصف الوضع السكاني والاجتماعي في مختلف بلدان الوطن العربي ، بالرتابة أو الثبات ، والوضع الاقتصادي بالنمو البطيء أو بالتراجع أحياناً ، والوضع السياسي بشيء من عدم الاستقرار ، فإن الوضع السكاني والاجتماعي في منطقة الخليج يمتاز بالتجدد والتطور ، ذلك لأنها منطقة جاذبة – على خلاف غيرها من العربيات التي تعد للأسف طاردة - ، والوضع الاقتصادي بالنمو المتوازن ، والوضع السياسي فيها يمتاز بالاستقرار .

إن هذه الأوضاع ، السكانية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية السائدة في منطقة الخليج العربي ، والتي تعد بدورها المحرك للعمل الإعلامي من جهة ، والمستهدفة برسائله من جهة أخرى ، تستلزم من القائمين على المؤسسات الإعلامية ، سواء كان ذلك على صعيد رسم سياساتها ، أو تحديد أطرها ، أو إنتاج وتنفيذ موادها وبرامجها ، تستلزم منهم الوقوف أمام هذه الأوضاع التي أشرنا إليها ، للتعامل معها والتوجه إليها بحاجاتها الإعلامية ، بصورة تحقق الهدف الذي له رأسان ، رأس المزود ( المرسل ) الذي يسعى إلى تحقيق غاياته – على اعتبار أنه من السذاجة أن يتصور البعض ، بأن هناك إعلام بريء أو مجرد من الغايات - ، ورأس المتزود ( المستقبل ) ، الذي هو بدوره أيضاً ، يسعى إلى إشباع حاجاته على إختلافها . إن هذه الأوضاع تعد تحديات أساسية أمام العمل الإعلامي الخليجي ، في ظل نظام الإعلام الدولي الراهن ، الذي ألغى الحدود ، إلغاء تاماً ، واقتحم حياتنا بكل تفاصيلها ، ولم يعد هناك ما يمكن أن يقي العقول أو يحصنها من فعل الإعلام الذي نتعرض له في كل لحظة ، وإلى جانب ما سبق ، فإن مجتمع الخليج العربي بتكوينه ، متنوع أو متعدد الثقافات ، بالمستوى الذي يصل إلى حد التناقض ، ولا نقول التصادم ، وهذا بدوره يلقي عبئاً على وسائل الإعلام في هذه المنطقة ، حتى تصل إلى كل شريحة من شرائح المجتمع المتباينة ، في هذه المنطقة أو تلك .

ولكن من الإجحاف أيضاً ، ونحن نتحفظ على بعض ما تقدمه وسائل الإعلام ، ألا نعترف لها بأننا أصبحنا مرتهنين لها شئنا أم أبينا ، طائعين أم كارهين . إن الإعلام لم يعد بحاجة ثانوية لأي إنسان على وجه الأرض ، إنه على رأس الحاجات والأولويات التي نسعى كلنا إلى تحقيقها ، وعلى أساس ذلك ، فقد أصبح تعاملنا معه أو تعاطينا مع وسائله إذا جاز القول ، وبصفة خاصة شريحة الشباب في مجتمعاتنا ، تعاملاً غير عقلاني ، الأمر الذي نلاحظ آثاره من خلال الكثير من السلوكيات التي لا تتماشى لا مع ثقافة الأمة ولا مع عقيدتها ولا مع إمكاناتها .

إذا كنت من الأحياء الذين ينتمون إلى الماضي ، ويشكون من الحاضر ، ويشكون بالمستقبل ويتألمون منه قبل قدومه ، فأنت في وضع مأساوي ، لا تحسد عليه . وسواء شئت أم أبيت ، فإن عجلة التاريخ دوماً تتحرك إلى الأمام ، وحركته لا يمكن أن تتوقف أبداً . فإما أن تتحرك معها ، أو أن تقف على الجانب ، لتراقبها أو تنظر إليها . أما إذا قررت مواجهتها فاحذر أن تصطدم بها ، لأنك لن تحرز نصراً .

مقالات لنفس الكاتب