; logged out
الرئيسية / الفضائيات الإخبارية الخليجية: المضمون والهوية والشكل الإعلامي

الفضائيات الإخبارية الخليجية: المضمون والهوية والشكل الإعلامي

الأربعاء، 01 أيلول/سبتمبر 2004

من الملاحظ أن القنوات الفضائية الإخبارية العربية التي ظهرت في منطقة الخليج وانطلق بثها إلي كل أنحاء العالم أصبحت في حد ذاتها قضية تدور حولها العديد من التساؤلات والحوارات والجدل المثير، وباتت تثير العديد من المشاكل علي كافة المستويات الرسمية والشعبية والمحلية والدولية والإقليمية وغيرها، وأصبحت هذه القنوات محل اتهامات من رؤساء وحكومات العديد من الدول العربية والأجنبية ، وعلي ما يبدو أن قضية الفضائيات الخليجية الإخبارية ليست فقط قضية سياسية بل هي أيضا قضية إعلامية لطرحها شكلا إعلاميا غريبا وغير متعارف عليه من قبل علي الساحتين العربية والدولية، والذي يختلف كثيرا عن الشكل الإعلامي المتعارف عليه لسنوات طويلة في التليفزيونات العربية.

هناك العديد من التساؤلات حول القضايا المطروحة علي هذه الفضائيات الإخبارية ، وكيفية تناولها، والشكل الإعلامي الذي تتناول به، وتساؤلات أخري حول كيفية تناول هذه الفضائيات الإخبارية لقضايا عربية مثل العراق وفلسطين، وقضايا الإرهاب والحرية والديمقراطية والتنمية والإصلاح والاقتصاد، وقضايا المرأة، ومسألة الأنظمة العربية الحاكمة التي شغلت حيزا كبيرا علي هذه الفضائيات، و هناك أيضا جدلا واسعا حول قضايا التأسيس والتمويل والانتماء القومي والسياسي لهذه القنوات، ويصل هذا الجدل إلي حد التشكيك في انتماء ومصادر تمويل بعض هذه القنوات، ووصل حد الجدل والتساؤلات إلي الأداء والشكل الإعلامي الذي تظهر به هذه القنوات والعاملين فيها من مذيعين ومحررين وفنيين وإداريين، الأمر الذي جعل من هذه الفضائيات الإخبارية الخليجية في حد ذاتها قضية تستحق الدراسة والبحث والتحليل .

الوعي السياسي

بداية هناك سؤال هام يطرح نفسه حول الجرعة السياسية الكبيرة التي تقدمها الفضائيات الإخبارية والتي تغطي تقريبا أكثر من تسعين في المائة من بثها اليومي، ومدي تقبل المشاهد العربي لهذه الجرعة المكثفة من المادة السياسية، و مدي اهتمام المشاهد العربي بالقضايا السياسية ومدي تفاعله معها، و من المؤكد أن هناك فرق بين الوعي السياسي بالقضايا من ناحية والتفاعل معها والاهتمام بها من ناحية أخري، فربما يكون الوعي السياسي متوافرا لدي الكثيرين، أما الاهتمام بالقضايا السياسية والتفاعل معها فلا يتوافر إلا لقلة قليلة لا تُذكر في مجتمعاتنا العربية، هذا الأمر يتطلب بالضرورة من وسائل الإعلام بشكل عام، ومن الفضائيات الإخبارية بشكل خاص قبل الشروع في انطلاق بثها للجماهير أن تُجري دراسات وافية للمجتمعات التي ستوجه إليها مادتها الإعلامية، ذلك لأنه من أهم المبادئ الأساسية في الإعلام ليس فقط ماذا تُقدم من مادة إعلامية بل قبل كل شئ لمن تُقدم هذه المادة، ولكن علي ما يبدو أن الفضائيات العربية الإخبارية لم تُعطي هذا الجانب اهتماماً كبيراً، وربما أهمله بعضها بشكل كبير لأسباب عدة منها السرعة في التأسيس والخروج للناس، وربما تكلفة هذه الدراسات، وربما عدم الوعي بأهميتها ، وربما أسباب أخري.

طبائع العرب

و من الواضح أن هناك شبه إجماع بين هذه الفضائيات علي التعامل مع شعوبنا العربية علي أنها شعوب مقهورة ومغلوبة علي أمرها، ومحرومة من الحرية والديمقراطية وغيرها من الأشياء المتوافرة في المجتمعات المتحضرة، وبعض هذه الفضائيات تصور الشعوب العربية علي أنها أكثر شعوب العالم تخلفا ورجعية، وأنها بحاجة لمن ينتشلها من هذا المستنقع بأي شكل وبأي وسيلة حتى لو كان المنقذ أجنبيا ،هذا الطرح السائد علي الفضائيات الإخبارية العربية هو في حد ذاته نتيجة الخطأ الذي وقعت فيه هذه الفضائيات منذ بداية انطلاقها حتى الآن، وهو عدم اهتمام هذه الفضائيات بدراسة طبائع وعادات ومعتقدات شعوبنا العربية وتراثها الثقافي والديني والفكري، وهذا الخطأ في حد ذاته هو الذي أوقع هذه الفضائيات في العديد من المشاكل ، وجعلها في كثير من الأحيان محل جدل وشكوك كثيرة، كما جعلها أيضا في كثير من الأحيان غريبة علي المشاهد العربي كما قال عنها البعض بأنها قد تلمس المشاعر لكنها بعيدة عن العقول.

حرب العراق

لقد كانت الحرب علي العراق في عام 3002 الساحة التي التقت عليها كافة الفضائيات العربية منها والأجنبية، وخاصة الفضائيات الإخبارية التي زاد عددها علي هذه الساحة بظهور قناة «العربية» ودخولها في منافسة قوية مع باقي الفضائيات مثل الجزيرة وقناة أبو ظبي، وحتى مع شقيقتها CBM ، وكذلك قنوات عربية أخري غلب عليها الطابع الإخباري أثناء الحرب، وكان لمعظم الفضائيات العربية وعلي رأسها الإخبارية منها مراسلون في مختلف مدن العراق أثناء الحرب، وكان يبدو للكثيرين أن هناك منافسة قوية بين الفضائيات العربية في تغطية أحداث هذه الحرب منذ لحظة دخول القوات الأمريكية والبريطانية الأراضي العراقية وحتى سقوط بغداد و ما تلاها من أحداث، والسؤال الذي نطرحه هنا «هل نجحت الفضائيات العربية والإخبارية منها خاصة في التغطية الإعلامية للحرب في العراق ؟»، وفي الإجابة علي هذا السؤال نعود قليلا للوراء للمشروع الأمريكي الذي طرح عام 7991 علي الكونجرس من قبل جهات بحثية وإستراتيجية أمريكية، وأطلق عليه آنذاك «مشروع القرن» ، هذا المشروع الذي أقره الكونجرس، والذي نص علي إعطاء دور أساسي للإعلام وخاصة القنوات الفضائية، ونلاحظ أن بنود هذا المشروع طبقت بحذافيرها في الحرب علي العراق، حيث تحولت هذه الحرب إلي حرب إعلامية أكثر منها ميدانية، فلم يشاهد المواطن العربي ولا الأجنبي من خلال شاشات التليفزيون أية معارك حربية، ولا أية أشكال للمقاومة التي كانت تتحدث عنها الفضائيات في المدن العراقية من أم القصر جنوبا حتى وصول القوات الأجنبية لبغداد، وما بعد ذلك أيضا، والتزم مراسلو الفضائيات العربية أماكنهم في الفندق في بغداد يقدمون للمشاهد بيانات يتلقونها من الجانبين الأمريكي والعراقي، واكتفوا بتقديم بانوراما بعيدة لانفجارات غير محددة المعالم في بغداد، مع عرض لمشاهد شوارع بغداد المضيئة طيلة أيام المعارك، ولم توضح الفضائيات للمشاهد أسباب هذا الغياب عن أرض المعارك، ولا أسباب إضاءة شوارع بغداد ليلا أثناء الحرب ، ولم يُشاهد من أثار القصف والانفجارات سوي بعض الإصابات لأربع أو خمس مباني في بغداد.

تمثيلية الحرب

النقد الذي نوجهه للفضائيات العربية والإخبارية منها خاصة ليس لأنها قصرت في التغطية الميدانية للمعارك بل لأنها لم توضح السبب وراء هذا القصور، فقد يكون التقصير لأسباب خارجة عن إرادتها، وقد استمعنا إلي شهادات لبعض المراسلين العرب بعد انتهاء الحرب يقولون فيها أنهم مُنعوا من قبل الجهتين الأمريكية والعراقية من الاقتراب من مناطق القصف والمعارك، وأن المنع وصل في بعض الأحيان إلي حد التهديد، إذا هل كان هناك شئ ما يجب إخفاؤه، أم لم يكن هناك شئ ما يستحق المشاهدة، أم هي كما قال البعض «تمثيلية حرب» وليس هناك حرب، هذه التساؤلات كان لابد من طرحها بدلا من أن نترك المشاهد العربي في حيرة يتساءل «أين الحرب ؟» ، هذا الأمر بالتحديد أعطي الحق للكثيرين في الحكم علي الفضائيات العربية والإخبارية منها خاصة بأنها فشلت في تغطية هذه الحرب منذ بدايتها وحتى سقوط بغداد، مقارنة بما فعلته قناة مثل NNC في حرب تحرير الكويت عندما كان مراسلوها ومصوروها يركبون الدبابات والمدرعات ليصوروا المعارك.

سقوط بغداد
هناك ظاهرة ملفتة للنظر بشكل كبير في تغطية الفضائيات الإخبارية العربية للحرب علي العراق وهي التركيز المكثف علي صدام حسين وشخصه وتكرار مناظر تماثيله وهي تسقط وصوره وهم يضربونها بالنعال، وكذلك صور العراقيين وهم يسرقون المحلات والمنازل ويضربون بعضهم البعض في الشوارع صراعا علي قطع الأثاث والسلع المسروقة ، بينما الحرب مستمرة وقوات الاحتلال تتقدم في المدن العراقية، والأهم والأخطر من ذلك تناول هذه الفضائيات لسقوط العاصمة العربية والإسلامية بغداد، هذا التناول الذي اتسم بوضوح بالتجاهل المتعمد لهذا الحدث التاريخي الكبير، في الوقت الذي نقل فيه الإعلام الأجنبي الخبر علي أنه «سقوط بغداد» في يد الأمريكيين وقوات الاحتلال الأجنبي، بينما الفضائيات العربية والإخبارية منها خاصة تعاملت مع الأمر وكأنه عاديا لا يشكل أهمية تُذكر متناسية أهمية بغداد كعاصمة عربية وإسلامية ذات مكانة خاصة في التاريخ القديم والمعاصر.

الرأي الأخر
وبينما ترفع هذه الفضائيات الإخبارية شعار الرأي والرأي الأخر نجدها تهمل أراء هامة علي الساحة الدولية، في الوقت الذي أبرز الإعلام الأجنبي هذه الآراء وركز عليها، ومنها علي سبيل المثال موقف الكنائس الأوروبية الأمريكية من الحرب علي العراق، وموقف رئيس الإنجليكان البروتستانت روان ويليامز الذي قدم عريضة للحكومة البريطانية موقعة من ثلاثة آلاف راهب مسيحي يصفون الحرب علي العراق بأنها غير أخلاقية ومخالفة لقيم وتعاليم الدين المسيحي، وموقف مجلس الكنائس العالمي في جنيف الذي رفض الحرب وشكك في أهدافها ، وموقف الكنائس الكاثوليكية في أمريكا، وتصريحات السناتور الكاثوليكي إدوارد كنيدي التي اتهم فيها الإدارة الأمريكية بالخضوع للكنيسة الصهيونية، كل هذه المواقف وغيرها يجمعها طابع واحد ديني مسيحي تعمدت الفضائيات العربية الإخبارية إهمالها في الوقت الذي تناقلتها فيه العديد من وسائل الإعلام الأجنبية، الأمر الذي يُثير الشكوك ويعيد الحديث حول «مشروع القرن الأمريكي» الذي يركز علي الإعلام العربي ويعطي الفضائيات العربية أهمية أكبر حتى من المعارك الحربية.

تكريس الهزيمة

من تناول الفضائيات العربية الإخبارية للحرب علي العراق يمكن القول صراحة بأن هذه الفضائيات كرست الهزيمة العربية في العراق، وروجت للانتصار الأمريكي معتبرة أن الهزيمة كانت لصدام ونظامه المستبد، وقد يكون هذا صحيحا إلي حد كبير ، ولكن الفضائيات العربية ذهبت إلي جانب هذا تروج للهزائم العربية علي مر التاريخ، وتصف العرب بالفشل وعدم الوعي والمهزومون دائما ، وكأن التاريخ العربي لا يوجد فيه إلا الهزائم، وهذا يجعلنا نقول أن الفضائيات العربية أخفقت بشكل كبير ( عمدا أو عن غير عمد) في القيام بدورها الإعلامي الذي يُمليه عليها واجبها والتزامها الإعلامي وانتمائها الوطني والقومي، وكان عليها أن تفعل علي الأقل مثلما فعل الإعلام العربي بعد هزيمة يونيو عام 7691 حيث ذهبت كل وسائل الإعلام العربية من المحيط للخليج تحشد القوي العربية وتبث الحماس في الشعوب العربية لخوض معركة النصر الذي تحقق في 6أكتوبر عام 3791، وحتى وسائل الإعلام في الدول العربية التي كانت علي خلاف مع الرئيس جمال عبد الناصر أكثر من خلافاتها مع صدام حسين، حيث تناست هذه الوسائل الإعلامية الخلافات وتنبهت لدورها القومي والوطني في حشد الأمة العربية لمعركة النصر، فالإعلام ليس دوره تكريس الهزائم بل حشد الأمم وتحميسها لتجاوز الهزائم والنهوض وحشد الجهود لمعركة النصر والبناء.

انتفاضة الأقصى

وإذا انتقلنا من الساحة العراقية إلي الساحة الفلسطينية لنستعرض كيفية تناول الفضائيات العربية الإخبارية للقضية الفلسطينية وللأحداث الدائرة والمشتعلة في الأراضي الفلسطينية المحتلة ، نلاحظ أن الأحداث في العراق أزاحت القضية الفلسطينية جانبا لتضعها علي المرتبة الثانية أو أدني من ذلك، وأن المتابع لتغطية الفضائيات للأحداث يشعر أن انتفاضة الأقصى الفلسطينية انتهت منذ لحظة إعلان أمريكا وبريطانيا الحرب علي العراق، هذا علي الرغم من أن الأحداث في الأراضي المحتلة تصاعدت بشكل أكبر مما كانت عليه قبل بداية الحرب في العراق ، وعدد الشهداء الفلسطينيين زاد أضعاف ما كان عليه من قبل، وأعمال البطش والتدمير التي تمارسها قوات الاحتلال الإســرائيلي زادت حدتها بشكل كبير، كما زادت عمليات الاغتيال السياسي لقادة المقـــاومة الفلسطينية، بينما اقتصرت تغطية الفضائيات العربية الإخبارية لهذه الأحداث علي نشرات الأخبار فقط.

تغير المفردات
كما حدث شئ أخر لفت انتباه الكثيرين وهو تغير المصطلحات والمفردات التي تستخدمها الفضائيات في تناولها لما يحدث في الأراضي
الفلسطينية المحتلة، ومثال علي ذلك حلت كلمة «الأحداث» محل كلمة «الانتفاضة»، و«السلطة الفلسطينية» محل «الشعب الفلسطيني»، و استخدمت بعض الفضائيات كلمة « مقتل« أو « سقوط» بدلا من كلمة «استشهاد» فلسطيني، كما استخدمت بعضها كلمة «ناشط فلسطيني» محل كلمة «مواطن فلسطيني» والـــفارق بين الاثنــين كبـــير حيث أن مقتل أو استشهاد مواطن فلسطيني يعني إنسان صاحب حق في الأرض ويدافع عنها، أما مقتل ناشط فلســــطيني فيـــعني مقتل شخص يحمل سلاح ويعتدي به علي الإسرائيليين مما يســتوجب قتله، كما لوحظ بوضوح تركيز الفضائيات الإخبارية العربية علي مشـــاكل وخلافات الفصائل الفلسطينية، والصراعات داخل السلطة الفلسطينية، وذهبت تُروج للشائعات حول فضائح قادة ورموز النضال الفلسطيني، الأمر الذي جعل الكثيرين يتــهمون الفضـــائيات الــعربية بتشويه القضية الفلسطينية.

ضيوف إسرائيليين
ومن الظواهر الملفتة للنظر أيضا ظاهرة استضافة الإسرائيليين علي الفضائيات تحت شعار الرأي والرأي الأخر، وانتشار هذه الظاهرة في العديد من الفضائيات العربية والإخبارية منها خاصة، هذا علي الرغم من الهجوم والانتقاد الشديد لهذه الظاهرة من جهات ومنظمات عربية كثيرة، هذه الظاهرة غير مسبوقة في أجهزة الإعلام وتليفزيونات العالم كله ، ولم يحدث أن استضاف التليفزيون الإسرائيلي محلل سياسي أو ضيف عربي يعرض وجهة النظر العربية في الأحداث في الأراضي الفلسطينية، ولم تُقدم لنا الفضائيات العربية ضيوف إسرائيليين يؤيدون حقوق الشعب الفلسطيني أو يستنكرون أعمال القمع والقتل والدمار التي تمارسها الآلة العسكرية الإسرائيلية كل يوم في الأراضي المحتلة، و هناك العديد من رجال السياسة والفكر والإعلام العربي اللذين ينتقدون بشدة ظاهرة الضيوف الإسرائيليين علي شاشات الفضائيات العربية، ويطالبون هذه الفضائيات بالتراجع والعدول عن الاستمرار في هذه الظاهرة التي تُثير غضب واشمئزاز المشاهد العربي.

قضية الإرهاب
قضية أخري تستحق النظر وهي قضية الإرهاب التي استغرقت ومازالت تستغرق أكثر من نصف مساحة الإرسال التليفزيوني علي الفضائيات العربية الإخبارية بالتحديد، وخاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 1002 ، حيث نشاهد العديد من أشكال تناول هذه الفضائيات لهذه القضية، و مثال علي ذلك العديد من البرامج التي تُروج للهجوم علي المناهج التعليمية العربية، والترويج لمشاريع الإصلاح المستوردة من الخارج، والاتهامات التي توجه لدول عربية معينة بالتحديد حول نظام التعليم أو النظم الاجتماعية أو التشريعات في هذه الدول بحجة أن هذه الأشياء هي التي فرخت وغرست بؤر الإرهاب في هذه الدول، ومن الملاحظ غياب الرأي الديني العلمي المستنير علي شاشات الفضائيات الإخبارية، واقتصار المادة الدينية علي هذه الفضائيات علي وجوه معينة ومحددة ومحدودة دون غيرها .

أشرطة الإرهاب

و في إطار قضية الإرهاب أيضا هناك ظاهرة شرائط الفيديو والكاسيت المنتشرة بشكل كبير علي الفضائيات الإخبارية العربية ، والتي تتسابق هذه الفضائيات وتتنافس فيما بينها بشدة للحصول عليها وعرضها علي المشاهد العربي، وتأخذها عنها تليفزيونات العالم كله، هذه الشرائط التي تعرض أشخاصا من التنظيمات والمنظمات المتهمة بالإرهاب والتطرف وهم يطرحون تهديداتهم ووعيدهم بالقتل والدمار والانتقام تحت شعار الدين، وأيضا شرائط خطف الرهائن في العراق والتمثيل بهم، وشرائط الانتحاريين أو الاستشهاديين التي يسجلونها قبل تنفيذهم للعمليات، هذه الشرائط التي لا نعرف كيف تصل للفضائيات العربية ولماذا تتسابق للحصول عليه وعرضها ساهمت بشكل كبير في تشويه صورة العربي والمسلم أمام العالم كله، وجعلت نموذج العربي هو الشخص الملثم الذي يسكن الجبال والمناطق الوعرة ولا يفارق السلاح يده، ويهب حياته فقط من أجل القتل والدمار والإرهاب، وتطرح هذه الظاهرة تساؤلات هامة حول هذه القضية ومن أهم هذه الأسئلة لمصلحة من تُعرض هذه الشرائط، وما الهدف من عرضها، وكيف تحصل الفضائيات عليها، ولماذا تختص بها فضائيات دون الأخرى، وماذا لو كانت امتنعت الفضائيات العربية منذ البداية عن عرض هذه الشرائط ، ألم يكن هذا أفضل بكثير للعرب والمسلمين وللعالم كله ؟

الحكام العرب

وهناك ظاهرة أخري ملفتة للنظر وتجذب الاهتمام بشكل كبير وهي ظاهرة الهجوم المكثف علي أنظمة الحكم العربية علي بعض الفضائيات العربية الإخبارية ، والتي تصور الحكام العرب علي أنهم أسوأ الحكام في العالم كله ، وأنهم المسؤولون عن كل مشاكل ومصائب المجتمعات العربية ، وقد أصبحت هذه الظاهرة سمة مميزة لبعض هذه الفضائيات تملأ كافة برامجها حتى وصلت لبرامج المرأة والرياضة أيضا ، و من البديهي أنه لحكامنا العرب أخطاء وسلبيات قد تكون كثيرة أو قليلة ، ولكن ليس من المعقول أن يكون حكامنا هم أسوأ الحكام في العالم وأكثرهم استبدادا ورجعية ، وليس حكامنا فقط هم اللذين وصلوا للحكم بطرق غير ديمقراطية، وليس حكامنا فقط هم المسؤولون عن مشاكلنا، و لكن السؤال هنا الذي يطرح نفسه هو مالهدف من الترويج الإعلامي المكثف لهذه القضية في هذا التوقيت وفي هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها أمتنا العربية والإسلامية ؟

المرأة العربية

الفضائيات العربية الإخبارية صورت المرأة العربية في صورة سلبية مبالغ فيها بشكل كبير، ولصقت بالمرأة العربية عامة صفات الجهل والتخلف والأمية، وصورت المجتمعات العربية علي أنها مجتمعات رجال فقط، وأنه لا حقوق للمرأة في هذه المجتمعات، وذهبت هذه الفضائيات تستضيف في برامجها المختلفة عدد محدود لا يزيد عن خمسة أو ستة من النساء العربيات أطلقت عليهن «ناشطات في مجال حقوق الإنسان» ، ويتنقلن بين هذه الفضائيات يبكين حال المرأة العربية وتخلفها وحقوقها المهضومة، ولكن هل هذا فعلا حال المرأة العربية ، وهل هؤلاء الناشطات اللاتي تستضيفهن الفضائيات العربية حسني النية في دفاعهن عن حقوق المرأة العربية، ولماذا لا تستضيف الفضائيات نساء أخريات من مجتمعاتنا العربية التي أصبحت فيها المرأة تحتل مكانة عالية ، وتعمل في كافة المجالات، وتمارس حقوقها السياسية، ولماذا لا تستضيف الفضائيات سيدات من أساتذة الجامعات العربية والوزيرات وعضوات البرلمانات والسفيرات والطبيبات والمحاميات والمهندسات وغيرهن ممن يعملن جنبا إلي جنب مع الرجل في كافة المجالات حتى في الأمن والجيش، أم أن الفضائيات العربية تريد أن تجعل من كل النساء العرب ناشطات في حقوق الإنسان .

يمكن القول أنه من أهم إيجابيات الفضائيات العربية أنها قدمت نخبة رائعة ومتميزة من المذيعين ومقدمي البرامج المتميزين من الجنسين من مختلف الدول العربية، وقدمت أيضا تقنية عالية وحرفية متميزة أثبتت قدرة العرب علي تقديم إعلام تليفزيوني ناجح ومتميز، ولكن هذا لا يمنع من وجود العديد من المشاكل والعيوب في حرفية وأداء بعض المذيعين ومقدمي البرامج والمراسلين، مثل ظاهرة الثقة الزائدة عند البعض منهم، والتي تدفعهم إلي شغل مساحة أكبر من اللازم لهم في المادة الإعلامية، وظاهرة كثرة الأخطاء النحوية واللغوية لدي العديد منهم، وظاهرة تجاوز بعضهم حدود عمله وقواعد مهنته في التعامل مع الضيوف وتقديم المادة ، وظاهرة استضافة العديد من الضيوف في تقرير واحد لا يستغرق أكثر من خمس دقائق مما يؤثر بشكل سلبي علي المادة الإعلامية، وظاهرة انتقال المذيعين بين القنوات الفضائية باختلاف توجهاتها وانتماءاتها،الأمر الذي ربما يُسئ لسمعة العاملين في هذه القنوات، وخاصة كما نعلم أنه في الماضي كان انتقال الإعلامي أو الصحفي من وسيلة إعلامية لآخري يعد في حد ذاته حدثا كبيرا تتناوله الصحف.

التمويل والانتماء

أما قضايا تأسيس وتمويل وهوية وانتماء الفضائيات العربية الإخبارية ، فهي أكثر القضايا التي أثارت وتثير جدلا واسعا وصل إلي حد التشكيك في هوية بعض هذه الفضائيات ومصادر تمويلها ، وربما نوافق مع الرأي الذي يقول أنه من حق أي قناة فضائية أن تخفي مصادر تمويلها وأسماء مموليها ومالكيها والجهات التي تعمل لحسابها طالما أن هذه الفضائيات اتبعت عند تأسيسها التشريعات والقواعد القانونية التي تفرضها عليها الدولة محل تأسيسها أو عملها، ولكن علي هذه القنوات ألا تخضع في المادة الإعلامية التي تُقدمها لحساب جهات محددة، وتخدم مصالح وتوجهات هذه الجهات دون غيرها في الوقت الذي ترفع فيه شعارات الحياد وحرية الرأي والرأي الأخر.

إيجابيات
ورغم كل ما أثرناه من أسئلة وقضايا حول أداء الفضائيات الخليجية الإخبارية، ورغم ما نراه من سلبيات إلا أن لهذه الفضائيات أيضا إيجابياتها ودورها في تنمية الوعي السياسي العربي، وكذلك دورها في إبراز وإيصال صوت المعارضة العربية إلي أنظمة الحكم وإلي العديد من فئات الشعب، وأيضا دورها الفعال في تسليط الضوء علي العديد من القضايا والمواضيع التي كانت مختفية ومستبعدة من دوائر النقاش العلنية في المجتمعات العربية، وإن كنا لم نشير إلي أسماء قنوات محددة عند تناول السلبيات فإن الإيجابيات تسمح بذكر الأسماء، ومثال علي ذلك قناة الجزيرة كطليعة لهذه الفضائيات الإخبارية، وما قدمته هذه القناة من قضايا وبرامج أضافت الكثير للإعلام التليفزيوني العربي، وقدمت كفاءات وخبرات متميزة وعالية من الإعلاميين العرب ، كما تجدر الإشادة بقناة العربية وانطلاقتها القوية قبل الحرب علي العراق والتي أثبتت وجودها بجدارة جعلتها تنافس القنوات التي سبقتها بسنوات، و أيضا قناة أبو ظبي التي انطلقت في شكلها الإخباري بقوة لم يكن يتوقعها لها أحد، وخاصة أنها قناة حكومية تتبع حكومة أبو ظبي، لكنها رغم ذلك تمتعت بجو من حرية الرأي والرأي الأخر تفوقت فيها علي القنوات الفضائية الأخرى، ولا يجب أن نغفل أسبقية قناة CBM علي باقي الفضائيات العربية في تقديم شكل متميز للبرامج الإخبارية بحكم أسبقيتها الزمنية لباقي القنوات.

العمل العربي
وفي الختام نود أن نشير إلي بعض فعاليات العمل العربي المشترك في مجال الإعلام، وخاصة في مجال الفضائيات العربية التي أصبحت تشغل اهتماما كبيرا لدي الحكومات العربية، ولدي جامعة الدول العربية التي طرحت قضية هذه الفضائيات في الكثير من أعمالها، وناقشها أكثر من مرة وزراء الإعلام العرب، خلصوا في اجتماعاتهم وتوصياتهم إلي مشاريع عديدة في هذا المجال، ومنها مشروع القناة الفضائية العربية الموحدة الذي طرح في اجتماع وزراء الإعلام العرب في يونيو عام 2002، وتقرر رصد ميزانية قدرها 22 مليون دولار لتنفيذه، و نتساءل هنا أين هذا المشروع وغيره من المشاريع التي تقررت في أروقة اجتماعات الوزراء العرب، وهل ستري النور، أم ستظل حبرا علي الورق .

مقالات لنفس الكاتب