; logged out
الرئيسية / التحدي الأخلاقي للإعلام الخليجي

التحدي الأخلاقي للإعلام الخليجي

الأربعاء، 01 أيلول/سبتمبر 2004

إن أول التحديات في رأيي هو أن المرحلة الراهنة تفرض على الإعلام تحدياً واحداً كبيراً هو التحدي الأخلاقي. ولا نقصد بذلك ما قد يسرع إليه متلقو هذا الكلام من تصورنا لدور وعظي للإعلام. ولكننا نقصد بدقة أن حجم الخطر الماثل أمامنا اليوم يفرض على الإعلاميين - على كل المستويات - مسؤولية أخلاقية ضخمة، لأنهم إذا فهموا دور إعلام هذه المرحلة أدركوا أن أي تقصير سيعمق كارثة قادمة، وأنه باتساع مسؤوليتهم يقوم سور وقائي ضد المخاطر التي يفرضها واقع عالمي عاصف، بسبب السرعة الخاطفة للأحداث والتغيرات التي لا تكاد تترك العقل إلا لاهث الأنفاس وهو يتابع ليستوعب ويفهم ويخطط أسلوب المواجهة التي نتمنى أن تكون وقائية، بمعنى أنها مستقبلية، تتحسب للمخاطر القادمة لتجنبها أو لتقليل ضررها، ثم تقوم أيضاً بحملات هجومية لتحقيق استراتيجيات تشترك في إدارة الواقع العالمي الراهن. مثل هذا السلوك المنتظر من الإعلام لا يتم إلا بإحساس عميق بالمسؤولية التي لا يمكن إلا أن تكون أخلاقية؛ إن الإعلاميين أمام ذلك التحدي الأخلاقي.

بنية تلك المسؤولية تكشف لنا الكثير من عناصر ذلك التحدي الأخلاقي. أول تلك العناصر هو المسؤولية تجاه الشعوب الخليجية، التي تعيش مأزقاً حرجاً الآن على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وكلنا يعرف تفاصيل ذلك المأزق، أما وصفنا له بأنه حرج وهو وصف مستخرج من علم الفيزياء، الذي يتحدث عن الزاوية الحرجة التي تتبدد الأشياء وراءها بمعنى أن المأزق قابل للاتساع حتى - كما يقولون - «يتسع الخرق على الراقع» بسبب انعدام الوعي بأن المستقبل ينبغي أن يكون من صنعهم، وإنهم إن لم يفعلوا يصير مستقبلهم ألعوبة في يد غيرهم الذي لا يريد بهم خيراً. وكذلك فإن الحرج ناجم عن عدم وعي الجماهير بطبيعة ما يحدث في واقعها والواقع العالمي. إنهم مثل المغيبين تحت تأثير مخدر إذا نظرنا إلى سلوكهم الذي يواجه كل شيء باستسلام وتواكل ولامبالاة. إنهم يحلمون بغدٍ يشبه الأمس ولا بأس أن يشبه الأمس البعيد وهذا مستحيل. أخيراً الحرج ناجم عن مفهوم المثل «كل شيء عند العرب صابون» فهم يخلطون الخاص بالعام والدين بمنظومة العادات والأعراف والتقاليد، والسياسة بمفاهيم عجيبة للحلال والحرام، أما الاقتصاد فهم بناة أموال وليس مؤسسات اقتصادية أو ربما كما يحدث كثيراً هم مستهلكون للثروات ولأي بنية اقتصادية.

إن مثل هذا الوضع ربما كان مقبولاً، وضرره كان محدوداً منذ عقود، أما اليوم فهو يحملنا إلى الغرق، والمسؤولية الأخلاقية للإعلام هي خلق يقظة ونهضة للوعي بين الجماهير التي أصبحت في عزلة عن الأحداث وصنعها، مثل زوار للخليج من الفضاء. وخلق هذه اليقظة عمل شاق لكنه مقدس يحتاج لكثير من البحث العلمي لامتلاك العلم الإعلامي غير المتاح.

أما العنصر الثاني في بنية هذا التحدي الأخلاقي الذي أسميناه المسؤولية الأخلاقية، هو الوصول إلى تكنولوجيا ومنهج في نفس الوقت لعرض القضايا الخليجية على الآخر بلغة العصر التي تستجلب الفهم والتعاطف معاً. لعل الخليج هو أعظم منطقة قدمت خدمات للغرب وأسهمت في تقدمه المطرد وفي صنع رفاهيته، ومع ذلك فوجود إسرائيل على الساحة الإعلامية العالمية وفي قلب خرائط صنع القرار السياسي الغربي، وفي المناطق الحساسة المؤثرة لأعظم شبكات الإعلام العالمية - بل مناطق الثقافة الخطيرة جداً مثل هوليوود - جعل الغرب ينسى فضل الخليج عليه ويركز على سلبيات حياتنا وهي كثيرة من وجهة نظر الغرب وغير الغرب «لكنها حياتنا يا سادة وينبغي أن يفهموا أننا أحرار في صنعها وعيشها مالم نلحق الضرر بغيرنا». والمسؤولية هنا واضحة، وهي تذكير الغرب بقيمة احترام حرية الآخر وخصوصيته من ناحية وفي تذكير الغرب أيضاً أن لنا إيجابيات بجانب السلبيات وأن له سلبيات بجانب إيجابياته، وعليه أن يقبلنا كما نحن، أيضا علينا أن نقبله كما هو. كيف يحقق الإعلام هذه المعادلة البالغة الصعوبة إذا رأينا ما يحدث الآن اعلاميا؟

إن امتلاك التكنولوجيا والمنهج واللغة المعاصرة أكبر التحديات التي تفرض نفسها على هذه المسؤولية الأخلاقية.
والعنصر الثالث هو إزالة الجو العام للاكتئاب داخل شعوبنا والمناخ الباعث على التشاؤم بإشاعة البهجة في الحياة ببرامج فنية وموسيقية ودرامية وحوارية مخطط لها بكامل المسؤولية لإشاعة البهجة وتجاوز هذا الجو الجنائزي الذي يفرضه الإعلام الخليجي الآن من دون وعي. وأهمية هذا العنصر هو أن الشعوب المكتئبة والمتشائمة تكون قد أنجزت أعظم هزيمة قبل دخول أيه معركة من المعارك القادمة التي يفرضها واقع العولمة العاصف وقطارها الداهم.

أما العنصر الرابع فهو دقيق وصعب لأننا نتحدث عن المسؤولية الديمقراطية ولا نتحدث هنا عن الإصلاح ولا عن الديمقراطية السياسية، ولكننا نتحدث عن ديمقراطية العمل الإعلامي فلابد من تشكيل فرق متناغمة للعمل من ناحية، ومن ناحية أخرى على الإعلام أن يفرض واقعاً ديمقراطياً في عمله على واقعنا غير الديمقراطي بأن يشرك المرأة في العمل الإعلامي، على نطاق واسع كتفاً بكتف مع الرجل، لأن غيبة المرأة في إعلامنا كمخططة ومسؤولة هو أحد عناصر الفشل الإعلامي الخليجي وعليه أيضاً أن يكثف برامجه - بشكل متحضر - التي يلتقي فيها الإعلاميون بالمتلقين على مستويين فأنا أتصور مثلاً أنه لا ينبغي معالجة قضية الطلاق دون حضور عشرات المطلقات والمطلقين لإدارة حوار ثلاثي الأبعاد إعلامي / مطلق / مطلقة أما المستوى الثاني للالتقاء بالجماهير فهو قد يدخل في العنصر السابق بجمع الناس في المسارح وفي الحدائق والقيام بأنشطة ومسابقات أو مناقشة قضية الإعلام والمستمع أو غير ذلك.

في ظل مفهوم الأخلاقية أو التحدي الأخلاقي الذي يواجهه إعلامنا الخليجي اليوم لا نملك أن نذكر عشرات العناصر التي تشكل بنية هذه المسؤولية مع تشابكها وتداخلها وعملها في تناغم، وكل هذا يبدو كأنني أدعو إلى يوتوبيا إعلامية ولكنني لا أفعل، بل أدعو إلى أن يقام معهد يستجلب له أفضل الاساتذة من العالم لتخريج الإعلاميين البارزيين كإعلاميين مسؤولين أخلاقياً وذلك بتدريس الإدارة الحديثة كعلم في حد ذاته ثم تركهم يصيغون ما يصلح منها للإعلام وهنا تنتقل الأخلاقية من يوتوبيا إلى سلوك إداري تنظيمي يخلو من البيروقراطية وهي من سموم الإعلام، ويخلو من التلقائية وهي مفتاح الفشل الإعلامي الذي أظن أننا نعاني منه الآن، ليس على مستوى الخليج وحسب، ولكن على مستوى العالم الثالث الذي هو في انفصام تام عن علم الإدارة الحديث نظراً وتطبيقاً وبصفة خاصة جداً في المجال الذي يقود حياة الناس اليوم وهو الإعلام. نحلم بإعلام خليجي يواجه هذا التحدي في ظل ما ذكرنا، وعلينا أن ندرك أن الخطوة الأولى في الإدارة الحديثة ينبغي أن تكون أولاً في الإعلام والتعليم وسوف ترون كيف تنتشر بعد ذلك انتشار النار في الهشيم ولا سيما في السياسة والاقتصاد.

مقالات لنفس الكاتب