; logged out
الرئيسية / خواطر سلبية حول الإعلام الخليجي

خواطر سلبية حول الإعلام الخليجي

الأربعاء، 01 أيلول/سبتمبر 2004

الإعلام الخليجي محكوم بالإعلام العربي العام ، يتماهى معه وينشغل بقضاياه أكثر من انشغاله بهموم البيت الخليجي وقضاياه وتحدياته .
لست متخصصاً أو محللاً إعلامياً وما أقوله هنا مجرد خواطر وانطباعات حول رؤية مثقف خليجي للإعلام الخليجي .

في تصوري أن إعلامنا الخليجي وإلى الآن وبالرغم من الجهود المبذولة - ومع إخلاص النيات – لم ينجح في التعبير عن ثقافة خليجية متميزة ولا بلورة ثقافة خاصة بالمنطقة. كما هو حاصل بالنسبة للإعلام المصري عن الثقافة المصرية مثلاً .
ومن ناحية أخرى فإن الإعلام الخليجي غير قادرعلى مجاراة ومواكبة التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية بل الإعلامية المتسارعة التي تشهدها منطقة الخليج ، وحركة المجتمع الخليجي في مختلف ميادينه دائماً متقدمة على إعلامه ، بمعنى أن الإعلام لا يقوم بدور المبشر والمستكشف للأفق كما يفعل الإعلام الآخر .

ومن ناحية ثالثة فإن معالجة الإعلام الخليجي للقضايا الخليجية سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو دينية هي دون المأمول وسأحاول التركيز في هذه المقالة على النقطة الأخيرة وهي كيفية معالجة الإعلام الخليجي لقضايا المجتمع الخليجي مبيناً إخفاق إعلامنا في تناولها بالمستوى المهني المنشود والمأمول .

1) الملف العراقي

لقد كان إخفاق الإعلام الخليجي في معالجة الملف العراقي واضحاً منذ البداية ، لقد كانت معالجة قائمة على الأماني والآمال والعواطف أكثر من التحليل القائم على المنطق والبيانات الاحصائية والعقلانية فقد روج إعلامنا لقدرات العراق العسكرية وضخم من المقاومة وبالغ في ترديد تخاريف النظام السابق وأكثر من استضافة من سماهم كبار المحللين والخبراء الذين نفخوا في القدرة العسكرية العراقية وراهنوا على أم الحواسم ودفن الغزاة تحت أسوار بغداد ، وصدق الناس تلك الأوهام ثم صدموا صدمة مروعة بسقوط بغداد المدوي والسريع .

لقد تخلى الإعلام العربي في حرب العراق عن الموضوعية سواء في نقل الخبر أو في التحليل وفرض حصاراً إعلامياً على وجهة النظر الأخرى . هناك عشرات الأمثلة على انتقائية الإعلام الخليجي ليس في مجال التحليل فحسب بل حتى في تغطية الخبر ونكتفي بذكر مثال واحد هنا .

عرضت ( CNN ) صورة اقتحام جنود أمريكيين لمنزل عراقي ، ونفس الصورة عرضتها فضائية خليجية ، في الرواية الأمريكية نجد أن الجنود يجبرون ثلاثة عراقيين على الجلوس وبدأ الجندي الأمريكي يدفعهم بطريقة فظة غليظة وكان الصوت المصاحب يقول : " صورة غير إنسانية ، أليس كذلك ؟ " ثم يقول الصوت " انتظروا وشاهدوا " .. لتأتي لقطة أخرى لكمية السلاح والذخيرة التي وجدها الجنود في ذلك المنزل ، وينتهي المشهد ليقول المذيع " هكذا يتصرف جنود صدام " قاصداً تخفيهم بين المدنيين العزل بلباس مدني .

أما في الرواية العربية فإن المذيعة العربية تقول : " انظروا هكذا يعاملون العزل" ويقطع المشهد على ذلك من دون أن تقدم مشاهد السلاح والذخائر في البيت . وكان الهدف الإيحاء بوحشية تعامل الأمريكيين مع المدنيين لتقبيح صورة الأمريكيين وزيادة كراهيتهم . ( انظر طارق الحميد : الشرق الأوسط 4/4/2003 ) .

ومازلت أذكر أن عبدالرحمن الراشد كتب في عموده يقول : " سألت مدير إحدى الفضائيات الخليجية : لماذا محطتك بوجهة نظر واحدة ، فقال : إنها المنافسة يا أخي وفي هذه الظروف إما أن تكسب المشاهدين أو يكسبهم غيرنا " .

هذه الإجابة تلخص مجمل أداء الإعلام الخليجي وتحكمه حتى الآن ، إذاً الهدف الأول كسب المشاهد العاطفي ولو عبر تضليله وتزييف وعيه ، طبعاً هناك من يبرر ويدافع وما أكثرهم !! يقول أحدهم متفلسفاً مبرراً هذا الانحياز المعيب بقوله : " إنه انحياز لكرامة الأمة وشرفها " ويضيف آخر : " لا بأس بالانحياز لرفع المعنويات العامة وكأن لا طريقة أخرى لرفع المعنويات إلا بتعمد الكذب والتضليل ، إنها نفس قصة أحمد سعيد وشعار : " لا صوت يعلو فوق صوت المعركة " الخائب .

ولم يستفد الإعلام الخليجي من دروس الخيبة في حرب العراق فلا يزال على ضلاله القديم في تمجيد طروحات الخاطفين الملثمين الذين يظهرون في فضائياتنا في مشاهد عبث وجنون يهددون العالم بأسلحتهم البائسة ، وفضائيات الملثمين تصف هؤلاء بأنهم مجاهدون وأصحاب مقاومة وطنية .

2) الظاهـرة الإرهابية

معظم الذين ينتمون إلى شبكة القاعدة خليجيون ، عاشوا في المنطقة وتعلموا في مدارسها وتربوا بين أهلها وتثقفوا عبر منابرها الدينية والثقافية والإعلامية . لقد هبت رياح التكفير والتطرف على الخليج وخلفت وراءها ثقافة معادية للحضارة وللحداثة وللتنوير ولمجتمعها – أيضاً – سرعان ما تشربها قطاع من الشباب الخليجي المحبط .

لقد كان التعليم الخليجي هو الينبوع الأول الذي شرب منه هؤلاء الشباب وكان ولا يزال ملوثاً كما يشهد بذلك آخر تقرير وضعته لجنة رفيعة في دولة الامارات : إذ جاء فيه التربية الإسلامية تسودها درجة عالية من العشوائية أن مناهج وواضعوها نقلوها من مناهج دول أخرى ، وتشتمل على قيم تدعو إلى التواكل والسلبية والعداء للآخر وتفتقر إلى العقلية النقدية المبدعة وتميل الى تهميش المرأة والخطاب العاطفي . راجع الشرق الأوسط 1/9/2004 ) والجدير بالذكر أن كل النتائج التي انتهت إليها اللجنة المذكورة تتطابق تماماً مع النتائج التي انتهيت إليها في دراستي المنشورة بعنوان [ النظام التعليمي الخليجي هل يعزز ثقافة الديمقراطية ؟ " في مجلة آراء حول الخليج العدد الأول – مايو/ يونيو 2004 .

كان إعلامنا الخليجي هو الينبوع المسموم الثاني الذي روى عطش هؤلاء الشباب الغر إلى الثقافة والمعرفة ، لقد روج الإعلام الخليجي لفتاوى ( حي على الجهاد ) كما لم يروج لأي شيء آخر ، وحرص على إبراز دعاة التفكير نجوماً ، لقد طبل إعلامنا الخليجي لثقافة الموت والانتحار ، باعتبارها جهاداً واستشهاداً مطلوباً وساهم في دفع عشرات من شبابنا إلى ساحات الموت عبر تمجيد ثقافة الاستشهاد والترويج لخطب ابن لادن والظواهري ولقد نال ابن لادن إعجاب أغلبية وصلت إلى 75% من المجتمع الخليجي لما قام به ولما سماه بغزوة مانهاتن فضائياتنا تحولت إلى أبواق للخاطفين والملثمين وقطاع الطرق ورموز الإرهاب .

ومع ذلك ومع كل هذا الزخم الإعلامي الإرهابي فإن الإعلام الخليجي فشل حتى الآن في تحليل الظاهرة الإرهابية في المجتمع الخليجي من الناحية الاجتماعية والتربوية ، لم نجد إعلامياً يذهب إلى الأسرة التي تربى فيها الإرهابي لنتعرف إلى ظروف نشأته والعوامل التي أثرت في شخصيته كما يفعلون في الغرب ، لا نكاد نتعرف على الإرهابي إلا مذبوحاً أو في صورة قديمة في الصحف ، لم لا يظهر والد هذا الإرهابي أو إخوانه أو أحد من زملائه ليعطونا فكرة عن تكوينه ونفسيته وميوله وأهوائه وكيف انحرف وانضم إلى تلك الجماعات المنحرفة ؟ ، نريد أن نعرف الجانب الإنساني لهؤلاء الإرهابيين وكيف كانوا يتعاملون مع أساتذتهم وزملائهم وأصدقائهم والحي الذي نشأوا فيه .. لا شيء من هذا في الإعلام الخليجي ، لماذا لا يذهب الإعلامي إلى بيوت الضحايا لإجراء مقابلات معهم ؟ لماذا لا نسمع رأي من دخل في مواجهة أمنية مع الإرهاب ؟ كما يقول مأمون فندي .

3) قضايا المرأة الخليجية

المجتمع الخليجي ذكوري ومع ذلك نجد أن مساهمة المرأة في التنمية العامة في ازدياد ، وتوليها للمناصب القيادية أصبح ملحوظاً في المجتمع الخليجي وهناك حركة مطالبة واسعة بإعادة النظر في قوانين الأحوال الشخصية بما يحقق النظرة الشرعية العادلة للمرأة وللأسرة وهناك قضايا حيوية لها علاقة بالمرأة وهي تحد من اندماجها في حركة التنمية العامة مثل قيادتها للسيارة ، ومسألة النقاب والاختلاط وتوليها المناصب القيادية ومشاركتها في الانتخاب وتمثيلها في المجالس النيابية ، وكذلك فإن التشريعات الخليجية قاطبة منحازة ضد المرأة سواء في التشريعات العقابية أو في الحقوق والواجبات أو في مجالات تكافؤ الفرص والعدالة ، ولا توجد حتى الآن قاضية خليجية رغم كثرة القانونيات .

ومع ذلك لا نجد من إعلامنا الخليجي الاهتمام المطلوب بنصف المجتمع الأفضل ، ذلك الاهتمام الذي يصحح نظرة الرجل الخليجي إلى المرأة الخليجية ، وحتى عندما تصبح المرأة وزيرة فإن نظرة الرجل إليها تكون أنها دونه في الكفاءة ، لماذا أتصور أن الإعلام لم يقم برسالته الواجبة حتى الآن تجاه المرأة الخليجية .

لماذا لا يبرز الإعلام الخليجي نشاطات المرأة الخليجية سواء في مجالات العمل أو الأسرة ، لماذا لا نجد الأسرة الخليجية على شاشاتنا إلا عبر المسلسلات التمثيلية ؟ لماذا لا يقوم الإعلامي بزيارة المسؤولة في بيتها مع أولادها وزوجها لنتعرف إليها عن قرب ونتعرف إلى زوجها ومدى توافقه مع وضعية زوجته في المجتمع الخليجي . كل ذلك محجوب عنا . أكثرية الصحفيين الخليجيين يكتفون بكتابة تقارير من وراء مكاتبهم لا يذهبون إلى أماكن الحدث ولا يذهبون إلى بيوت الأطراف التي لها علاقة بالحدث لإجراء مقابلات معهم ، هؤلاء كتاب وليسوا صحفيين كما يقول فندي في مقالة( صحافة رفع السماعة ) ويضيف قائلا : " إن الصحافة هي جمع معلومات ، أي يذهب الصحفي الى مصادرعدة لتجميع معلوماته كما يفعل الصحفي الغربي أما الصحفي العربي فهو يستقبل المعلومات فقط ، إذ يجلس أمام مكتبه ينتظر رجلاً بيده شريط أو ينتظر الفاكس ليتلقى المعلومة ثم يقوم بنشرها من دون التأكد من صحتها الشرق الأوسط 5/7/2004".

4) العلاقـة بالغرب

الخليج أكبر منطقة منفتحة على الآخر ، تعج بثقافات الشعوب وجنسيات مختلفة ولا يحمل الخليجي بصفة عامة أية مشاعر عدائية تجاه الغرب أو الحضارة الغربية بل هو منغمس فيها في كل ظروفه وأوقاته ، والخليجي يحب السفر إلى بلاد العالم صيفاً وشتاء والخليج بشواطئه المفتوحة وعدم وجود حواجز طبيعية بين بلدانه وسكانه ، مكان حاضن للثقافات والأديان والعادات والتقاليد والجنسيات بل أكاد أقول إن الخليج أكبر منطقة معولمة وهو حالياً يقود التغيير في المنطقة العربية ، هذه طبيعة الخليج وتلك طبيعة الخليجي ومع ذلك انظر إلى إعلامه تجده على النقيض في دار آخر ، إذ تجد عبر فضائيات الخليج وجوهاً عابسة مكفهرة تحرض أبناءنا على كراهية الغرب ليلاً ونهاراً بتزويد مفردات ( الغرب الإباحي ) ( الغرب الاستعماري ) ، ( الغرب الصليبي ) ، (الغرب المادي ) ( الغرب غير الإنساني ) ( الغرب العنصري ) ، ( الغرب الإمبريالي ) تجد أحدهم وهو يتظاهر بالوقار يخرج علينا عبر الشاشة ليعطي الغرب دروساً في الإنسانية وفي حقوق الإنسان !! إلى متى هذا الانتفاخ الكاذب ونحن عالة عليهم في كل مقومات حياتنا ؟ ولولاهم لما نعمنا بشرب كأس ماء بارد !! يكثر الإعلام الخليجي من استضافة رموز إسلامية وقومية يقولون لنا : كل ما يأتي من الغرب فهو شر مستطير ، يريد أن يغزونا ويقضي على هويتنا وخصوصيتنا ، يخوفوننا من العولمة والانفتاح ، يريدون اقامة حاجز بين الثقافات بحجة مقاومة التغريب والتحديث لماذا لا يكلموننا عن الجوانب الإيجابية للغرب والتي نحن ندين للغرب بها ؟ لماذا لا يحدثوننا عن تأثير الغرب في تطورنا تعليمياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً وإعلامياً وثقافياً وعسكرياً ؟ هل لنا نحقق كل ذلك من غير استيراد ثقافة وقيم ونظم الغرب ؟ حتى التقنيات التي جعلت إعلامنا يغطي أرض المعمورة ، هي في النهاية تقنيات غربية، فكفانا تعالماً وادعاء واستعلاء ولنعرف قدر أنفسنا ورحم الله من عرف قدر نفسه .

مقالات لنفس الكاتب