; logged out
الرئيسية / الخليـج والإعـــلام !

الخليـج والإعـــلام !

الأربعاء، 01 أيلول/سبتمبر 2004

أصبح الإعلام من أهم الأسلحة الثقافية في عالم اليوم وهو لم يعد ملكاً للحكومات والأنظمة السياسية بل إن القطاع الخاص في الدول المتقدمة يقود حركة تطوير الإعلام ويوظف الأموال الهامة في القنوات التلفزيونية والإذاعات والصحف والدوريات المتخصصة .. وقد أدت ثورة التقنية إلى تعزيز دور الإعلام ولم يعد يقتصر جمهور أي أداة إعلامية على مواطني الدولة التي تنطلق منها بل تعدى ذلك الى مختلف الفئات في كافة دول العالم ، خصوصاً أولئك الذين يفهمون لغة تخاطب هذه الأداة .

إن من المظاهر الهامة ، الآن ، في الإعلام ظاهرة القنوات الفضائية التي لم يعد من السهل تعدادها حيث يعجز المشاهد العادي عن التركيز عند مشاهدة التلفزيون وهو يحاول أن يحدد قناة معينة لمتابعتها .. وقد وظف الخليجيون ، حكومات وخواص ، مئات الملايين من الدولارات الأمريكية في مشاريع البث الفضائي التلفزيوني ، وقد شارك بعضهم مع مؤسسات عالمية مرموقة لإعادة بث برامجها مباشرة للمتلقين في بلدان الشرق الأوسط ، سواء كان ذلك بشكل مباشر ، أي دون اشتراك ورسوم ، أو من خلال الاشتراك Subscription كما هو قائم في الولايات المتحدة أو كندا أو البلدان الأوروبية .. وكما هو معلوم فإن توفر البث الفضائي المباشر وإمكانية الاستقبال بواسطة الصحون (Dishes) والتي تركب وتجهز بأسعار زهيدة ، بعد أن كانت باهظة قبل عشر سنوات أو أكثر هذا العامل جعل من مسألة الاشتراك أمراً ترفياً للكثير من المشاهدين ، وجعل ذلك مقصوراً على أصحاب الدخول المتوسطة والعالية .. ويعتمد نظام الاشتراك على توفير قنوات ترفيهية وإخبارية وقنوات لبث الأفلام الجديدة نسبياً وقنوات بث المباريات الرياضية وغيرها .. ومن المؤكد أن توفير هذه القنوات لم يكن مجانياً وهو مكلف لأصحاب تلك القنوات مما يعني تحصيل ذلك من خلال رسوم الاشتراك .

وكما هو متعارف عليه فإن تمويل الإعلام في بلدان الخليج العربي إذا لم يكن من خلال قنوات الإنفاق العام وبأدوات المالية العامة فإن ذلك يعني تحصيل موارد من الإعلانات التجارية وليس ذلك بيسير .. إن الإعلان التجاري في البلدان العربية قاطبة لا يمثل شيئاً يذكر قياساً بما هو موجود في البلدان المتقدمة ، ولم تصل قيمة الإعلانات السنوية في كافة البلدان العربية بكافة أنواعها سوى إلى مئات الملايين من الدولارات الأمريكية ، وربما لا تزيد عن الخمسمائة مليون دولار .. ولذلك فقد واجهت المحطات التلفزيونية الخاصة معضلات التمويل وهناك العديد منها لا يمكن لها أن تستمر في بثها من دون الدعم الحكومي المباشر وغير المباشر .. كما أن القنوات التي أرادت أن تحصد بلايين الدولارات عن طريق الاشتراك المنزلي عادت وراجعت استراتيجياتها لتكون أكثر واقعية بعد أن افترضت أنها ستحصل على عشرة آلاف دولار كاشتراك سنوي من الزبائن في مختلف البلدان العربية ، وافترضت أن يتجاوز عدد المشتركين المليون .. كل ذلك لم يتحقق وأعيد النظر في قيمة الاشتراك ، خصوصاً بعد زيادة عدد القنوات العاملة بالاشتراك وتراجع رسم الاشتراك إلى مستويات معقولة مثل خمسمائة دولار سنوياً مما أفسح المجال لزيادة عدد المشتركين ..

وبعد مرور أكثر من عشر سنوات على هذه التجربة يتساءل المرء عن عدد المشتركين لدى الشركات العاملة في هذا المجال ، وهل تعدت نتائجها المالية خطوط التوازن ، أي هل تعادل الإيرادات إجمالي المصاريف أو تتعداها بما يحقق هامشاً من الربح ؟ يظل هذا السؤال مثاراً ، وقد لا أكون بعيداً عن الحقيقة إذا افترضت أن تحقيق الربحية سوف يتطلب زمناً معقولاً لكي يصبح هناك عدد من المشتركين يمكن أن يحققوا للمؤسسة ذات الصلة إيرادات مناسبة تؤدي إلى الوصول إلى ربح صاف معقول ويمثل عائداً بيناً للمساهمين .

ما هوأهم من التمويل ومعضلاته وتحقيق نتائج طيبة على الاستثمار هناك رسالة هذا الإعلام الخليجي الجديد .. ما هي هذه الرسالة ؟ فإذا كان الإعلام الرسمي منذ بداياته المتواضعة في أوائل الخمسينات من القرن العشرين كان الترويج للأنظمة الحاكمة وتوفير عناصر ترفيه لشعوب المنطقة ، حيث اعتمد على الإمكانات العربية المستوردة من مصر وسوريا ولبنان وفلسطين فهل تملك القنوات الخاصة ، أو شبه الخاصة ، أي رسالة سياسية أو ترفيهية محددة ؟ هناك الكثير من القنوات المملوكة، بشكل أو بآخر ، لخليجيين وهي تنتشر في كافة أقطار العرب وتوسع مدى تغطيتها العالم العربي وكافة أرجاء العالم بحيث أصبح بإمكان أي ناطق بالعربية تلقي هذه القنوات .. وتتنوع هذه القنوات بين الإخبارية والسياسية وتلك الترفيهية والمتنوعة أو المتخصصة بالأغاني والطرب ناهيك عن القنوات المتخصصة بالوعظ الديني الإسلامي .. هل أفلحت هذه القنوات في تعزيز الحقيقة أو توفير الترفيه المناسب للمجتمعات العربية ، والخليجية بوجه خاص ؟ لا يمكن القول بأن هذه القنوات تملك قدرات ذاتية لتطوير برامج متخصصة في مختلف المواضيع تعتمد على ثقافة نمطية،هناك الكثير من البرامج المعادة ، خصوصاً في القنوات التي تعتني بالترفيه مثل المسلسلات والأفلام حيث إن معظم تلك المواد يتم استيرادها ، أو تنتج لحساب هذه القنوات ، من قبل منتجين مصريين أو سوريين ، أو تستورد من بلدان المشرق العربي .. هناك برامج تنتج من قبل الخليجيين ، لكنها لا تضاهي من حيث العدد أو ساعات البث تلك القادمة من خارج الحدود .. ولذلك فإن القضايا التي تثار في مختلف المسلسلات والأفلام لا يمكن أن تكون من الأمور التي درست أو حددت من القيمين على تلك القنوات .

لكن ما يثار بشكل صاخب حول القنوات الفضائية العربية هو ما يتعلق بالأخبار والبرامج السياسية والحوارية ، فقد أسهمت تلك القنوات ، والتي ظهرت منذ منتصف التسعينات ، في جدل مستمر حول هوية هذه القنوات ورسالتها السياسية والثقافية .. ومما هو جدير بالذكر أن الأحداث التي واجهت العرب والمسلمين منذ الغزو العراقي للكويت في عام 1990 كانت من أهم القضايا التي أثيرت خلال برامج القنوات المذكورة .. ولا ريب في أن هذه القنوات لم تراع الموضوعية في تغطياتها للأخبار ولم تتوخ الحذر عند عقد البرامج الحوارية واعتمدت على محاورين شبه دائمين يتسمون بعنف اللغة ومعاداة الآخر وتمجيد الطغاة العرب ، كما كان يتعامل هؤلاء مع صدام حسين عندما كان حاكماً للعراق .. وقد تكون الرغبة في دغدغة المشاعر القومية الشوفينية لدى جماهير عربية واسعة من أهم ملامح هذا التوجه غير الحكيم لدى إدارات تلك القنوات الفضائية .. إذا كانت قناة الجزيرة سباقة في مثل هذه البرامج وتبني ذلك التوجه المعادي للغرب والموالي للطغاة فإن القنوات الأخرى التي لحقتها لم تتوانى عن تبني ذات النهج ولم يكن ممكناً إستثناء أي قناة عربية ، حتى تلك الرسمية منها ، من نفس السمات الثقافية .. وربما ليس من الموضوعية وصم القنوات بصفات الديماغوجية حيث إن رهطاً كبيراً من المثقفين العرب يدين بنفس التوجهات ويبرر لها كتابة وقولاً ، وهؤلاء هم الذين يتصدرون الحوارات واللقاءات ويصيغون الإعلام العربي ورسالته ..
إن أي مراقب يستطيع أن يقيس مستوى التغطية الموضوعية للأحداث من قبل كافة القنوات العربية ، الرسمية والخاصة ، منذ تحرير الكويت من الإحتلال العراقي مروراً بأحداث الحادي عشر من سبتمبر ( أيلول ) 2001 وحرب تحرير العراق وحتى يومنا هذا حيث لازلنا نشاهد أحداثاً عربية لا يمكن أن تكون مثيرة للتفاؤل .

لقد بات جلياً أن هذا الكم الإعلامي العربي المنطلق من الخليج ، وبأمواله العامة والخاصة ، يتطلب المراجعة .. ليس ذلك محصوراً فقط في القنوات التلفزيونية المتنوعة بل هناك الإعلام المقروء المتمثل بالصحف والدوريات والذي يجب الاستفادة منه لنشر الوعي بين الشعوب العربية .. إن من أهم عناصر النجاح هو معرفة الهدف من المهمة الإعلامية التي تضطلع بها مختلف القنوات والصحف في منطقة الخليج ، هل المطلوب هو مجاراة الجماهير العربية المفتقرة إلى الوعي والتي عانت من الاضطهاد السياسي والإعلامي على مدى يزيد على الخمسين عاماً من أنظمتها السياسية المتعاقبة ، أو أن المطلوب هو بث رسالة تعتمد على الحقيقة وتمكن من تعزيز ثقافة التسامح وقبول الآخر وفن التحاور العقلاني ؟ ليس من المعقول أن تصبح وسائل الإعلام الخليجية أداة لبث الأحقاد الدينية والمشاعر القومية الغاضبة والمناوئة للآخرين في الوقت الذي يستلزم الأمر المزيد من التحالف مع مختلف الأطراف العالمية لتعضيد العلاقات لحماية أمن الخليج وتعزيز التجارة والاستثمار لصالح شعوب منطقتنا .. من الصحيح القول إن شعوب الخليج ، أو غالبية منهم ، تتمتع بالطرح المشحون وهي معادية للغرب ، بشكل أو بآخر ، بالرغم من محاكاتها للاستهلاك في دول الغرب المتقدمة وتتبع التطورات لديهم .. وقد تكون هذه القيم الثقافية المتزمتة في منطقة الخليج من تراث العالم العربي وانتشار الفكر القومي المتطرف ثم الفكر الديني المتزمت ، خلال السنوات والعقود القليلة الماضية ، وقد يكون لهذه الأفكار بصمات على أنظمة التعليم ومن ثم التأثير على مخرجات المؤسسات التعليمية .. كل هذا المذكور آنفاً حقيقي ولكن المطلوب هو إحداث تحول في بنية الثقافة السائدة وتعزيز القيم العقلانية في مجتمعاتنا .. هذا هو التحدي أمام حكومات ومؤسسات المجتمع المدني والقوى السياسية في منطقة الخليج .. وإذا كان تغيير مناهج التعليم أصبح أمراً ملحاً في ضوء التطورات السياسية والأحداث الإرهابية التي ظهرت في أكثر من بلد خليجي ، مثل العمليات الإرهابية في السعودية، والتي أكدت أهمية معالجة أنظمة التعليم ، فإن تطوير الإعلام يمثل أهمية راهنة على المدى القصير ويمكن من تبصير شعوب المنطقة بالمخاطر المحدقة بها..

خلاصة الأمر هي أننا في هذه المنطقة من العالم إذا غمتلكنا الأموال اللازمة للإستثمار في قطاع الإعلام ، وقد وظفنا الأموال في المحطات التلفزيونية وفي الصحافة فإننا يجب أن نجعل هذه الوسائل أدوات لتعزيز الوعي لدى شعوبنا والشعوب العربية .. لا شك في أن العائد على هذه الأموال لن يكون مثيراً ، على الأقل في المدى المنظور ، ولذلك فإن العائد الثقافي والقيمي يظل أكثر أهمية .. يضاف إلى ما سبق ذكره يجب أن توكل مهمات إدارة هذه الوسائط الإعلامية لكفاءات من مواطني المنطقة وعدم الاتكال على الآخرين والذين لابد أن تكون لديهم أجندتهم العقائدية والسياسية والتي قد لا تتوافق مع مصالح بلدان المنطقة وشعوبها .. ويجب أن تحدد رسالة الإعلام الخليجي على أسس واضحة ومتوافقة مع استقرار المنطقة وبرامج التنمية الاقتصادية والسياسية فيها .. وهنا لابد أن نذكر أن دور الإعلام في هذه المرحلة التاريخية الهامة هو التأكيد على ضرورة انتهاج الديمقراطية كأسلوب للحكم في مختلف البلدان الخليجية وبقية بلدان العالم العربي ، ذلك بأن الديمقراطية هي التي سوف تحمينا في الأمد البعيد من نزعات التطرف والهيمنة الكامنة في العقول ذات التوجه الشمولي والمنتشرة ، الآن ، في مختلف أرجاء العالم العربي .

مقالات لنفس الكاتب