; logged out
الرئيسية / المصالحة بين الدين والحرية في عالم السياسة والإعلام

المصالحة بين الدين والحرية في عالم السياسة والإعلام

الأربعاء، 01 أيلول/سبتمبر 2004

"..... إن الإسلام سبق كل آسيا وأفريقيا في الكفاح ضد الاستعمار والغرب، لماذا؟ لأن الإسلام تعرض قبل أي شيء آخر، في هاتين القارتين إلى حملات الاستعمار والغرب. فقد كان أعداؤه الألداء أثخنوا جسمه بالجراح وشوهوه، لذلك نرى الحق الحقد الأصيل للأسلام على الاستعمار.

أنني لا أحمل للإسلام نفس المشاعر التي تحملها أنت، ولكنني أتفق معك وأؤكد كلامك بقوة وربما أكثر منك أيضا. بأن الإسلام في العالم الثالث هو أكثر العناصر والقوى " الاجتماعية والأيديولوجية" التي تستيطع مواجهة الغرب، والتي لها بالأساس طبيعة مناهضة للغرب.
أنني آمل من كل قلبي، بأن يستطع المثقفون الأصيلون في بلدانكم التمسك بذلك السلاح الجبار، بذلك الاحتياطي الضخم من الثروة المعنوية والثقافية، الكامن في أعماق المجتمعات الإسلامية. أن ذلك ضرورة حيوية، من أجل توعية واستنهاض الجماهير للكفاح ولمقاومة حملات أوروبا، ولمقاومة الأفكار والحلول والوساوس التي تتسلل إلى بلداننا من أوروبا" إنها متقطفات من رسالة بعث بها المجاهد الكبير في الثورة الجزائرية ومؤلف كتاب( معذبو الأرض) البروفيسور( فرانتش فانون) إلى المفكر الإيراني الشهير المرحوم الدكتور (( علي شريعتي)) في نهاية ستينات القرن الماضي.

"... إنه معبد المسيح وأكاديمية أفلاطون ومجلس أعيان روما، والمسلمون كانوا يتجهون إليه تلقائياً وبشكل غريزي كلما حدث لهم طارئ يستحق أن يجتمعوا من أجله... وهكذا استمر مركزاً لكل الحركات الاجتماعية المهمة طوال التاريخ الاسلامي. وهذا هو بعينه السبب في أن الحكومات المتعاقبة كانت تخشاه وتأخذ منه دائماً جانب الحيطة والحذر والتوجس. ولأنها لم تكن قادرة على غلق أبوابه سعت إلى الالتفاف عليه من خلال تفريغه من محتواه الحقيقي وتجريده من واجباته ومسؤولياته شيئاً فشيئاً والعمل على تقليل أهميته في عيون الناس . إنه المسجد، ومن هنا فقد عمدت الحكومات السنية قبل مجيء الصفوية إلى تشييد " الخانقات" والإكثار منها وتوجيه الأنظار نحوها على حساب المساجد. فيما اختار الصفويون الشيعة نفس المنهج وساروا على خطى أسلافهم ولكنهم أبدلوا الخانقاهات بالتكايا.
نعم، فقد كان الصفويون ذوي نزعة صوفيه وكان التصوف أحد الأبعاد الثلاثة للتشيع الصفوي، ولهذا ظلوا يولون أهمية خاصة للخانقاهات وحافظوا على حرارتها. غاية الأمر أن الخانقاه أصبح مكاناً للخواص بينما التكايا صارت مكاناً للعوام من الناس، فيما ظل المسجد قصراً فخماً ولكنه خال ومهجور!".

والكلام الآنف الذكر هو للدكتور علي شريعتي وقد ورد في مجال وصفه وتعريفه بدور المسجد في كتابه " معرفة الإسلام" لدى محاججاته الشهيرة مع من وصفهم بأتباع التشيع الصفوي والذي والذي كان يعتقد بأنه البديل المسخ كما يسميه للتشيع العلوي أي إسلام على والحسن والحسين ومدرسة الإمام جعفر الصادق عليه السلام وأتباع المذهب الجعفري الإثني عشري والذي يسميه بالمذهب الحركي المتحد مع سائر مذاهب المسلمين قبل أن يتم تحريفها جميعاً من قبل " وعاظ السلاطين" كما وصف رجال الدين المقربين من السلطات على حساب التصاقهم بالناس.

عندما كتب قانون لشريعتي، وبعدها عندما تكلم شريعتي للناس ومن على منبر الجامعة والحسينية التي كان يعشقها – حسينية ارشاد – لم يكن يخطر ببال احدهما بأن يوماً سيأتي على المسلمين يخوضون فيه معاركهم مع " الآخر" القادم من بعيد راكباً فرس " الخير" ليدافعوا فيه عن أنفسهم في معركة وجود حقيقية لمجرد أنهم ينتمون إلى " فئة" المسلمين أياً كانت قومياتهم وأياً كانت مذاهبهم وأياً كانت مدارسهم الفكرية، سلفيين وهابيين أو شيعة خمينيين أم سنة معتدلين.

وكما يقول المثل العربي" الانطباع أقوى من الحقيقة " فإنه ليس مهماً أن تتأكد من حقيقة نوايا الأطراف المتعددة التي تخوض الحرب اليوم ضدنا في أكثر من موقع جغرافي – فلسطين والعراق وأفغانستان و.... – وعلى أكثر من صعيد، فإن الإنطباع السائد – وبقوة – الذي تتركه مجمل المعارك الدائرة على أرض العرب والمسلمين هو أ، المعركة إنما تدور حول كيفية السيرطة على منابع ومصادر الإسلام ، وتحديداً حول المسجد. المسجد الذي كان يلعب في زمن النبي الأكرم أدواراً ثلاثة أساسية هي البعد الديني أي العبادي، والبعد التربوي أي المدرسة والبعد السياسي أي البرلمان، وكيفية اخراج وطرد هذا المفهوم الثلاثي منه وتحويله إلى مجرد زينة في قصر الحاكم أو كما يقول شريعتي تحويله من المسجد الجامع إلى مسجد شاه أي مسجد الحاكم! إنها بنظر البعض المعركة الجوهرية الأهم التي تدور رحاها اليوم في أكثر من موقع وعلى أكثر من صعيد وفي عدة أكشال متفاوته.

أعرف أن القاعدة ليست بالضرورة هي عين المدرسة السلفية، وأنها مختلفة تماماً عن مدرسة الأمام الخميني الفكرية والسياسية وأن للصدر والتيار الصدري شأن آخر في عالم التصنيفات الآنفة الذكر، لكن ما قد يجمع بين كل أولئك وحزب الله اللبناني مثلاً وكل من " يهوي" أو يفكر في العودة إلى روح المسجد وفلسفته " التحريضية " جهاداً فكرياً وسياسياً ودينياً إنما سيتم تصنيفه من قبل محور" الخير" الذي اصطفته جماعة المحافظين الأمريكيين الجدد المتحالفة مع الليكوديين لنفسها ، بمثابة " الإرهاب" الإسلامي الموسوم بمحور" الشر"
أما أسلحة الدمار الشامل أو الملف النووي أو حقوق الإنسان أو الديمقراطية أو الإصلاح وبقية أسماء ومواصفات القائمة " الشرق أوسطية" الطويلة، فلا تعني في قاموس المحافظين الجدد شيئاً سوى كونها الإسلام الحركي المتنقل والمتغير للإسلام والمسجد! في الإعلام كما في السياسة يلعب الدين اليوم دوراً بارزاً سواء في تحريض الجماهير ضد الاستبداد أو الاستعمار أو التبعية والانقياد للأجنبي أو في تحريض الحكام والنخب الموالية لها ضد جمهور العامة من الناس ورموزها المتدينة سواء برزت على شكل قادة سياسيين ثوريين أو علماء دين مناضلين.

وهنا ثمة من يعتقد بأن على الحكام والنخب المواليه لهم الانتباه والحذر واليقظة مما يخطط للمنطقة من فتن وحروب داخلية ومعارك وهمية وتحت بيارق متعددة الغرض منها الفصل النهائي والتام بين الحكام وجماهير العامة من الناس حتى تسهل السيطرة النهائية والأبدية على كل مقدرات المنقطة من ثروات وأقدار وأوطان. ويقترح بأن بداية الحل للخروج من الفتنه الكبرى ربما يكون في وقف إطلاق نار شامل داخل البيت الإسلامي الكبير و الامتناع عن القتال الداخلي كلياً بحيث يصبح " دم المسلم على المسلم حرام" في الحرب كما في السياسة كما في الإعلام، وبخاصة في الإعلام حيث تخوض الأمة حرباً فكرية وإعلامية لا مثيل لها في تاريخها. وإن الدواء الناجح هو في العودة إلى المسجد الجامع حيث العبادة والتربية والبرلمان. أي التحرر من التبعية لغيرالله، ومن الانبهار بالقادم من بعيد وإن امتلك سلاح العلوم والتكنولوجيا الجبار ومن مظاهر الديمقراطية الغريبة الليبرالية البراقة لكنها الكاذبة والمخادعة والاستعاضة عنها بشوروية إسلامية أصيلة يكون فيها الكلام الفصل لمشاركة الناس والعقل الجمعي لأهل الحل والعقد.

وحدها الجرأة في إطلاق مبادرة المصالحة التاريخية بين " التدين" و" الحرية" أن لنسم الأمور ولو بالمجاز بين الدين والديمقراطية الشعبية الحقيقية وليس ديمقراطية الغرب الليبرالية الخادعة والمتحايلة على إرادة شعوب الغرب والناهبة لثروات وأقدار شعوب الشرق. ربما تكون الملجأ الأخير لبقاء المسلمين على خارطة المعادلة الدولية ومنع تحويلهم إلى أمة منقرضة لا سمح الله من أمم الهنود الحمر الذين تشكلت على أنقاضهم أو أنقاضهم إمبراطورية الولايات المتحدة الأمريكية الحالية.

إن خياراً من هذا النوع يتطلب فيما يتطلب منا نحن الإعلاميين وكذلك نحن الحكام وكذلك نحن النخب الموالية أو المعارضة الاتفاق على ميثاق لشرف إعلامي أصيل هو من عمق تراثنا وعقيدتنا وديننا.
يقول الرسول الكريم محمد ( صلى الله عليه وسلم):" اللهم أرني الأشياء كما هي ثم أرني الحق حقاً وارزقني أتباعه وأرني الباطل باطلاً وارزقني اجتنابه" أي أن رؤية الأشياء كما هي شفافة وعارية متقدمة حتى على الحق نفسه الذي إنما جاءت الرسالة ونزل الوحي للدفاع عنه بالأساس.

والمهمة الملقاة على عاتق الإعلامي هنا تصبح مضاعفة . أي القتال والكفاح من أجل الاطلاع على الأشياء كما هي أولاً وليس كما يريدها أو يتمناها الحاكم ، ومن ثم إيصالها وكما هي أيضاً إلى مسامع الحاكم مهما كان الثمن.
بالمقابل فإن على الحاكم واجب النزول، نعم النزول إلى وسط الناس يمشي في الأسواق ويأكل مع الناس يتمكن من التواصل مع الأشياء والحقائق على الأرض، ومن ثم الاستفادة مما يحصل عليه الإعلامي وصاحب الرسالة الإعلامية وصاحب القلم الرسالي مباشرة وليس عبر الواسطة أو انتظار قدوم الإعلامي إلى ساحة قصره. لأنه وكما قيل قديماً.

" اذا رأيت العلماء على أبواب الحكام فقل بئس العلماء وبئس الحكام ، وإذا رأيت الحكام على أبواب العلماء فقل نعم الحكام ونعم العلماء" ولا داعي هنا للتأكيد على أن الإعلامي اليوم وبما يملك من قوة علم استاع معرفة وشأن " سلطة " إنما يمكن تصنيفه في دائرة العلماء بامتياز.

بانتظار أن تتحرر سلطات بلادنا من احتكار العلوم والثروات العامة وأن يتحرر علماء ديننا من " فقة الحكام" وإعلاميونا من اعلام تمجيد السلطات نتطلع لمستقبل إعلامي واعد يميز الخبيث من الطيب والطيب من الخبيث.

مجلة آراء حول الخليج