; logged out
الرئيسية / حرب التفجيرات الداخلية والإجراءات المعاكسة

حرب التفجيرات الداخلية والإجراءات المعاكسة

الأربعاء، 01 أيلول/سبتمبر 2004

ما أن وضعت حرب الخليج الثالثة على العراق عام 2003 أوزارها، حتى ظهرت بوادر حرب داخلية يمكن تسميتها بـ«حرب التفجيرات ضد الأمن والاستقرار الداخلي» حيث أشعلت هذه الحرب أول أعمالها التفجيرية المروعة في مناطق عدة داخل المملكة العربية السعودية. فكان لا بد من وضع استراتيجية خليجية شاملة، تمثل قمة الإجراءات المعاكسة ضد خطر الإرهاب الداخلي المتنامي في المنطقة والعالم.
انبثقت الاستراتيجية الوقائية عملياً عن قمة مجلس التعاون الخليجي التي انعقدت في الكويت في شهر ديسمبر 2003 وذلك لمواجهة الأخطار الأمنية المحتملة في ضوء الواقع الحالي والمستقبلي للعمليات الإرهابية ضد الأمن الداخلي، من خلال اتفاقية أمنية محكمة التنسيق. كما مثلت القمة التشاورية لقادة دول مجلس التعاون التي انعقدت في جدة يوم 16 مايو 2004، البعدين السياسي والمعنوي بقصد دفع عملية تنفيذ بنود الخــطة الأمـــنية بأقصى طاقة ممكنة من قبل جميع المعنــيين والمســـؤولين عن شـــؤون الأمن في دول المجلس. ومهد لجدول أعمالها اجتماع تنــسيقي على مستوى وزراء خارجية دول المجلس في يوم 15مايو 2004.

عبرت الاتفاقية الأمنية التي وقعها وزراء الداخلية لدول المجلس خلال اجتماعهم في الكويت يوم 4 مايو 2004 ، عن الجانبين الفني والقانوني لتنفيذ تلك الاتفاقية الأمنية التي شكلت المحور الرئيسي للاستراتيجية الأمنية الجديدة. وفي الجانب القانوني أصدرت دولة الإمارات العربية مرسوم القانون الاتحادي رقم 1 لعام 2004 ، في الثامن والعشرين من يوليو 2004 ، وبدىء بتطبيقه مع نهاية شهر أغسطس 2004 ، وهو يوضح عملية تصنيف الأعمال الإرهابية وتعريفها وتحديد عقوباتها وتشكيل لجنة عليا سميت «باللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب». كما صدر في المملكة العربية السعودية أمر ملكي في السادس والعشرين من أبريل 2004 وذلك لإحداث ما سمي «علاوة مكافحة الإرهاب» بنسبة 25 بالمائة من الراتب لمن يكلفون بمباشرة العمليات ضد الإرهاب، ويشمل ذلك رجال الأمن والمباحث العامة وقوات الأمن الخاصة والوحدات المساندة من القطاعات الأخرى لتشجيعهم على ما يقومون به من تضحيات أثناء عمليات مكافحة الإرهاب. هنالك جوانب سياسية واقتصادية واجتماعية وإعلامية شكلت بمجموعها برامج دعم موضوعية من أجل إنجاح الخطة الأمنية وتحقيق أهدافها الأساسية ضمن وقت قياسي وقصير، وعلى رأس تلك الأهداف بطبيعة الحال مكافحة العمليات التفجيرية الإرهابية، وكما صرح الأمين العام لمجلس التعاون، عبدالرحمن بن حمد العطية ، لوكالة الأنباء الكويتية بعد توقيع الاتفاقية بقوله : «إن توقيع الاتفاقية الأمنية يأتي كآلية من آليات تفعيل استراتيجية دول مجلس التعاون لمكافحة التطرف المصحوب بالإرهاب».

أهداف الخطة

أولاً تبادل المعلومات الاستخبارية: مما لا شك فيه أن جميع دول المجلس لديها أجهزة أمنية فعالة ووصلت إلى مستوى عال من الاحتراف والتدريب والتجهيز لا سيما في المجال المعلوماتي الإلكتروني ، وتتناسب قدراتها الوطنية في الظروف العادية مع التهديدات الأمنية العادية مثل الجريمة والسرقة وتزييف العملات وترويج المخدرات وغيرها، ولكن عندما تتفاقم الأمور الأمنية وترتفع وتيرتها إلى مستوى العمليات التفجيرية الإرهابية المدبرة، يصبح هذا التهديد أكبر خطراً وأعلى مستوى، مما يتطلب تطوير عملية تبادل المعلومات الاستخبارية بين كافة الأجهزة المعنية في الدولة.

ثانياً وضع قاعدة بيانات موحدة للمشتبه في أنهم ينتمون لحركات وخلايا إرهابية: وهذا الإجراء يوفر الجهود الموحدة المبذولة عند دراسة التجمعات السكانية التي تخرج منها تلك العناصر الإرهابية، كما يحد من ازدواجية الجهود المبذولة من قبل كل دولة
وأجهزتها الأمنية في عملية مسح وتصنيف وتحديد ومتابعة تلك العناصر والبيئات الداعمة لها.

ثالثاً تصعيد المعركة ضد التهديدات المتنامية: لهذا الهدف أوجه عديدة أهمها أن يكون الرد على التهديدات المتنامية من قبل كافة دول المجلس بنفس المستوى من القوة والشدة لتحقيق الردع الشمولي، لأن حدوث أي تهاون في الإجراءات المضادة من قبل أي دولة من شأنه إيجاد ثغرات في الأطواق الأمنية الميدانية، ربما تتسرب من خلالها خلايا وعناصر ساكنة بقصد ضرب مواقع بعيدة وغير متوقعة ولكنها حساسة، أو للإفلات من المواجهة المباشرة مع الأجهزة الأمنية التي تطاردها.

رابعاً دعم شبكات الأمن الداخلي: يتم دعم شبكات الأمن الداخلي عادة في دول المجلس بهدف تقوية ورفع مستوى بعض الحلقات الأمنية الوطنية، وإيصالها إلى المستوى المطلوب الذي يتناسب مع الحد الأعلى المحتمل للتفجيرات، بحيث يكون هنالك تناسق وتكافؤ بين مختلف حلقات الأمن الداخلية، والاستمرار في عمليات تطويرها وتسليحها وتجهيزها وتدريبها ورفع معنويات كوادرها البشرية وحالتهم النفسية لأقصى درجة ممكنة .

خامساً تجفيف منابع الإرهاب: يتم تجفيف منابع الإرهاب عادة باتخاذ عدة إجراءات أساسية أهمها تجريد الجماعات الإرهابية من عوامل قوتها الفكرية والعقائدية والمادية ومن قواعد ارتكازاتها الشعبية وتكذيب خطاباتها أمام الرأي العام المحلي والإقليمي والعالمي، ثم منع عمليات تمويل ودعم الإرهاب بكافة أنواعها وأساليبها.

سادساً تسيير مزيد من الدوريات الجوية والبرية والبحرية: من العوامل المساعدة على إحكام الطوق الأمني وتضييق الخناق على منفذي العمليات الإرهابية وإحباط خططهم وإفشال نواياهم، استخدام أنظمة المراقبة والمتابعة جواً وبراً وبحراً، والمبنية على التكنولوجيا المتقدمة.
سابعاً تسهيل إجراءات التنقل بالبطاقة الشخصية لمواطني دول المجلس وهذا من شأنه تبسيط الإجرءات وتسهيل المعاملات للأفراد العاديين من دول المجلس بحيث لا تتعطل أو تتأخر شؤون حياتهم اليومية أثناء تنقلهم من دولة لأخرى.

تأثيرات الخطة الأمنية وأبعادها

أولاً على البعد المحلي: تشكل الخطة الأمنية على الصعيد المحلي والبيئة الداخلية لدول المجلس ، بوتقة ضغط مباشرة وقوية ضد الجماعات الإرهابية ومخططاتها التخريبية، مما سيدفع بتلك الجماعات الى تغيير مواقعها والاختفاء بسرعة تفادياً للإجراءات الأمنية المشددة، وكذلك تطوير أساليب عملها مما يدفعها إلى تحديث وسائل التنفيذ لديها أيضاً ثم تعديل نوعية أهدافها المرسومة. و قد تلجأ للتحرك من منطقة لأخرى داخل إطار دول مجلس التعاون تحت غطاءات متعددة منها الغطاءات التجارية والسياحية والاجتماعية، وهذا التحول قد يتطلب مزيداً من الوقت. فالحركة المستمرة لا بد وأن تكون بمثابة التكتيك الجديد الذي ستنتهجه الجماعات الإرهابية.

ثانياً على البعد الإقليمي: يمكن تقسيم الإقليم كبيئة خارجية محيطة بدول مجلس التعاون إلى قسمين هما:

أ - دول الجوار المباشر أو دول الطوق الأول . وتتكون هذه الدول من العراق وإيران واليمن والأردن. يلاحظ أن جميع هذه الدول عربية باستثناء إيران التي تعتبر ذات شأن كبير في مفهوم أمن الخليج. وعلى الرغم من حسن علاقات الجوار على المستويات الرسمية، وإن كانت بدرجات متفاوتة بين دول المجلس ودول الطوق الأول، إلا أن في بعض تلك الدول من الشرائح السكانية ما قد يستجيب دينياً وسياسياً للاستغاثات الصادرة عن الجماعات الإرهابية في دول المجلس، وربما يتعاطف معها على ضوء المستجدات الأمنية.

ب - دول الجوار غير المباشر، وهي الدول المحيطة بدول الطوق الأول ويمكن تسميتها بدول الطوق الثاني. وتتكون هذه الدول من سوريا، لبنان، فلسطين، إسرائيل، مصر، السودان، أريتريا، جيبوتي، الصومال، باكستان، أفغانستان وتركيا. ومع ارتفاع وتيرة الحرب على الإرهاب في العالم، فإن الجماعات الإرهابية في دول الطوق الثاني قد لا تتمكن من الاستجابة الفورية المباشرة لمثيلاتها في منطقة الخليج، ولكنها قد تتعاون معها من خلال مثيلاتها في دول الطوق الأول عن طريق تقوية شبكة العمليات اللوجستية لتزويدها بالمواد الأساسية اللازمة كالمواد التفجيرية والمتفجرات والاتصالات وغيرها، مقابل تمرير الأموال بواسطة أفراد تحت غطاءات تجارية وسياحية.

ثالثاً على البعد العالمي: يمكن تقسيم هذا المسرح الاستراتيجي العالمـــي إلى أربـــع وحـــدات هي: أ - المسـرح العـــــربي: ويتـــكون من بقيـــــــة الدول العربـــية لا سيـــما ذات التنظيمات التي قـامت بتنفيذ عمليات تفجيرية مشـابهة لما حدث في المملكة العربية السعـــوديـــة، كالمــغرب والجزائــر.

ب - المسرح الإسلامي: ويتكون من بقية الدول الإسلامية أو تلك التي يتواجد بها أغلبية سكانية مسلمة وظهرت بها تنظيمات قامت بعمليات مشابهة ضد أجانب أو منشآت حكومية مثل إندونيسيا، الفلبين، ماليزيا وبعض الدول الإفريقية.

ج - المسرح الغربي: ويتكون من دول أوروبا وأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية.

د - المسرح الشرقي: ويتكون من بقية الدول في قارة آسيا واستراليا.

وفي نهاية المطاف يمكن القول إن المسرح العالمي للإرهاب سيمثل العمق والمستودع الاستراتيجــــــي للإرهاب مستقبلاً على الصعيد الإقليمي بشقيه، دول الطوق الأول ودول الطوق الثاني وصولاً إلى الساحة الداخلية في دول مجلس التعاون. ومن المتوقع أن تنظم الجماعات الإرهابية نفسها على المســتوى العالمي والإقليـمي والمحلي على شكل شركات ومؤسسات متعددة الجنسيات وذلك من أجل التكيف مع استراتيجيات وخطط الدول بما يتعلق في مسألة عملياتها ضمن إطار مكافحة الإرهاب بكافة أشكاله ودوافعه وأهدافه ، وبما يتناسب والمراحل اللاحقة ضمن مفهوم شن الحرب على الإرهاب عالمـــياً، أينما كان وحيثما وجد.

مجلة آراء حول الخليج