; logged out
الرئيسية / وضع العرب الدولي سياسات اندماج ايجابي ام سياسات دمج قسري في النظام الدولي؟

وضع العرب الدولي سياسات اندماج ايجابي ام سياسات دمج قسري في النظام الدولي؟

الأربعاء، 01 أيلول/سبتمبر 2004

انكب ساسة العالم، ويضمنهم العرب بعد احداث 11/ ايلول 2001 في الولايات المتحدة على إطفاء نار الغضب الأمريكية بإظهار مواساة تبطن تذرع بعدم الضلوع بتلك الأحداث، وتتعهد بالتعاون التام في سبيل النجاة وعدم الاندراج في لائحة الاتهام الأمريكية ( الإرهاب)، ووصل هذا المسعى إلى درجة الوسل في أحيان رغبة في إبقاء الرضى الأمريكي قائماً.... بعد أن كانت هناك محاولات أولية عربية سابقة على هذا الحدث للتقليل من الارتباط بالولايات المتحدة.

وقد يسأل البعض لماذا استجاب العرب بهذه الشاكلة؟ والمتبصر لا يرضي شغفه ذلك السؤال ، إنما يبحث ويستقرئ في مضامين حال أعم من ذلك وأعمق، هو لماذا يولي العرب الولايات المتحدة والبيئة الدولية أهمية أكبر من إعطائهم لتلك الأهمية لبدانهم ، أو لعلاقاتهم البينية. بمعنى آخر ، لقد جسم موقف العرب صورة أو مظهر الانكشاف الاستراتيجي بشكل سياسية هامة مفادها أن سياسات الدول ترسمها جغرافيتها السياسية، وحاجاتها الداخلية بشكل أساس. وأن تلمس حلول خارجية لمشاكل داخلية ينتهي إلى التذيل في السياسة الدولية.

هل كان تأثير الولايات املتحدة فاعلاً إلى درجة لا يستطيع معها العرب إلا توخي السلامة ، وعدم إبداء مقاومة للسياسة الأمريكية؟ أم أن إيثار السكوت عن حق العرب وطلب رضا الولايات المتحدة جاء ليعبر عن حال سلبي قد وصلوه، ولا يستطيعوا معه إلا إظهار ردود أفعال تجاه سياسات تلك القوة؟ لا نتصور وجود سياسة دوليةتراعي مصالح العرب ذاتياً. بل أن تلك السياسات تضع نصب أعينها اختراق النظام العربي والهيمنة عليه باعتبار ذلك أحد مسالك تعزيز القدرات لبلوغ مرتبة هامة في سلم الهرمية الدولية. وما يشجع على ذلك ، أنه لا وجود لكيان أو أنموذج سياسي عربي مستقل في البيئة الدولية. فواقعيا العرب 22 كيان سياسي، كما أنهم يعانون من اختلال البينية ، رغم أن أسس تدعيمه ممكنة ( سوق عربية موحدة، وحدة اقتصادية....).

والفشل العربي في صياغة أنموذج لوجود سياسي مستقل في البيئة الدولية عمق من ارتباطهم بالبيئة الدولية. بمعنى أن ما يرصد لتصورات ، وتنفيذ سياسات الارتباط بالقوى الكبرى يحظى بأولويه في سلم الاهتمام الرسمي، على حساب ضمور، وفي أحيان تغييب الارتباط العربي – العربي. ولنأخذ مثلاً أنموذج الشراكة الاورومتوسطية ، في مقابل مشروعات التكامل العربية ؟ ونتساءل هنا ، لماذا هذا التوجه لدى العرب في الأساس؟

لقد شهدت علاقات العرب الدولية فترات تباينت توجهات وارتباطات الأطراف الرئيسية فيها. ففي المرحلة القومية الأولى ( الاستقلال) كان التعويل على الارتباطات الدولية في السياسات العربية في أدني درجاته. وزاد في المقابل متسويات ودرجات ذلك الارتباط ، والميل إلى إظهار بعد خفوت المد القومي . واليوم، زال الحرج لدى البعض في تقديم العلاقات مع القوى الدولية، على حساب علاقاتهم العربية.
ويظهر المتغير الدولي قدرة عالية على اختراق النظام العربي، الذي لا يجد أطرافه من هامش للحركة إلا في ضوء الإذعان لمصالح وسياسات القوى الكبرى ( الولايات المتحدة). والعلاقة هنا أنه كلما زاد تردي حال العرب زاد تأثير المتغير الدولي في نظامهم ويتعمق الارتباط بالنظام الدولي. مثلا تجاوب العرب، عن دراية أو دونها ، مع مطالب السياسة الأمريكية في مرحلة تندفع فيها الولايات المتحدة إلى ممارسة سياسات التدخل الاستباقي. وفي سياسقةتلجأ نحو اعتماد مذهب وقائي ضد معارضيها ، أي اللجوء إلى إزالة حالات المقاومة للسياست الأمريكية في مراحل مبكرة.

ومن مظاهر التجاوب العربية:

- حجم العرب الرسميون ، وقضوا علىجماعات داخلية – إقليمية معارضة لمصالح الولايات المتحدة ، واليمن أنموذج شاخص على ذلك.

- كما قدموا تسهيلات لوجستيه في تنفيذ السياسات الأمريكية في أفغانستان وفي اخضاع العراق للسيطرة السياسية الامريكية.
فهل مبعث هذا التجاوب أسباب داخلية أم أسباب خارجية؟ إن إشكالات العرب الداخلية لا تنال من الاهتمام الذي تستحقه عند مقابلتها مع الأسباب الخارجية، ومرجع ذلك أن خطر الغير أجذب للنظر ، وتباينه أرضى للنفس مع تفحص النقائص الداخلية. والانكباب على المطامح والمؤامرات الخارجية والتغاضي عن المساوئ الداخلية هما من أعمق علل العرب الحاضرة وأوسعها انتشاراً.

في هذه الورقة نرى أن الوضع الدولي نفسه غير المؤاتي لتجاوز حالة الإذعان للقطب الواحد دون أكلاف سياسية صعبة القبول، نقول أن هذا الوضع ما كان ليطغى على التوجهات السياسية العربية من غير وجود وضع عربي داخلي ملائم لذلك . أي بما يفيد أن إشكالات العرب الداخلية سهلت إذعانهم للقوى الدولية.

وفي ضوء ذلك نتساءل ، ما تأثير التطورات السياسية الدولية( واهمها أحداث 11 أيلول) على علاقات العرب الدولية، وكيف تعمق دمج العرب بسياسات القوى الكبرى، ولماذا؟ إن المناهج التحليلية والتاريخية قد تسعفنا في تقديم إجابة مقبولة للرؤية والتساؤلات أعلاه.

1. العرب والقوى الكبرى : دوافع الارتباط

تشهد البيئة السياسية الدولية تحولات سريعة، فالتطورات التكنولوجية تؤدي إلى نتائج مؤثرة ، تلقي بإسقاطها على مختلف جوانب تلك البيئة، حيث قد قربت بين المناطق والبشر، وسهلت تدفق المعلومات، وقلصت من كلف إنتاج المادة ، وزادت في تركيب الحياة وتعقيدها. وتعيش العلاقات الاقتصادية الدولية مرحلة توجهات واضحة صوب تشكيل مجالات اقتصادية كبرى ( الإتحاد الاوروبي ، النافتا،...) يقابله نزعات سياسية متزايدة نحو إعادة تفكيك الدول متعددة القوميات. في هذه البيئة ، صارت أفعال السياسة الدولية تصيب بنتائجها كافة الدول دون استثناء. وعلى هذه الدول إبداء استجابات / ردود أفعال نحوها تعبيراً عن رغبات التواصل، وغير قادرة على التنكر لها.

ولعل أهم التحولات الدولية هو ما يصيب انتشار مكونات القوة الذاتية ، التي يعاد توزيعها دولياً. ونتيجة ذلك، بات الحراك الدولي حقيقة واضحة الصالح من يملك القدرة في مجاراة التحولات السابقة. وهذا ما جعل النظام الدولي يعيش مرحلة تتسارع فيها وتائر التباعد بين إمكانات القوى المختلفة وبين مواقعها والتزامها في الهرم الدولي. فألمانيا واليابان تؤهلهما إمكاناتهما لأداء التزامات أكبر من تلك المنجزة ، والحال ذاته ينطبق على الهند والصين بدرجات متفاوته. بمعنى أن القوى الكبرى قد عطلت ، ولفترة ، التحول في القطبية. وهذا التباعد لا تحل نتائجه إلا عبر إعادة توزيع عوائد المكانة الدولية. أو عبر الصراع بين القوى الكبرى ، والاحتمال الأول سيعيد توزيع مناطق النفوذ الإقليمية بين الدول الكبرى. أما الاحتمال الثاني فإن توازنات المصالح ، وكلف الحروب الحديثة تجعله خياراً مرفوضاً مبدئياً.

وتظهر تجليات إعادة توزيع مناطق النفوذ في المنطقة العربي من خلال تحاشي القوى الكبرى والإقليمية الاصطدام بمصالح الولايات المتحدة، حيث اعتبرت هذه المنطقة مجالاً لمصالح الاخيرة . في هذه البيئة تماس العرب مع مختلف جوانب النظام السياسي الدولي، العسكرية أحادية القطب( فقدرة روسيا على الاستخدام السياسي لقدراتها العسكرية في حدودها الدنيا) والاقتصادية المتعددة التى يعاني فيها العرب التبعية ، والجوانب الثقافية المعولمة غربياً، التي يتعرض فيها الوجود العرب لطمس معالم الخصوصية والاصطباغ برداء غريب عنهم . وجاءت الإشكالات تلك كون عوامل الشد الخارجية عالية التأثير ، وعوامل الضبط والجذب نحو الداخل العربي منحلة مفككة .

فالعرب يواجهون قوى خارجية تشدهم نحوها، وهي :

أ‌. الموقف الدولي، الغربي من الإسلام ، أن الارهاب في المفهوم الغربي فضفاض (3) ، يمكن أن يلبس كل من يعادي مصالح الغرب وسياساته، ويتقاطع معها ، لذلك لا تقوم الإشكالات بين الطرفين على كون العرب راعين للإرهاب بقدر ما تقف عند تقاطع المرجعيات في الحركة الدولية. فالغرب ينطلق من مرجعيات مادية – استحواذية في حين أصول المرحعيات العربية قومية – إسلامية ذات دعوة إنسانية ، وعقيدة تدعو إلى تأكيد الذات في حالة التمسك بها سيؤدي الحال إلى نهضة جديدة تعيد صياغة الخارطة السياسية العالية ؛ بحكم ما يملكه العرب من إمكانات . وعملياً هذا لن يتحقق ( إعادة النهوض) إلا على حساب تراجع مكانة الغرب الدولية ، فوجود قوتين متجاورتين يؤدي نظرياً إلى احتكاك مصالحها وسياساتهما، ويعمل كل منهما إلى إزاحة الآخر عن موقعه ، أو السيطرة عليه.

وما يدعم التحليل السابق هو أحداث 11 أيلول في الولايات المتحدة. فهذه الأحداث جعلت القائمة الأمريكية للدول التي ترعي الارهاب عديمة الجدوى ، بل أصبح استخدامها محرجا سياسياً. فمعظم المتهمين بالتورط في هذه الأحداث أتوا من بلاد ( صديقة) للولايات المتحدة ، فلا معنى بعد الآن لاستهداف الدول الموجودة على قائمة الأرهاب إلا لأسباب سياسية ستكون فجة .

ب‌. حاجة الدول الكبرى للموارد، وأهمها الطاقة ، الموارد مصدر نمو وتطور العالم المتقدم مصادر الطاقة هي عصب ذلك النمو. ويتناقص مخزون الموارد بتزايد الطلب علهيا . ولا تزال بدائل معظم الموارد غير اقتصادية، مما جعل الغرب يرى ضرورة إخضاع مناطق التوريد الغنية للسيطرة، والمنطقة العربية من بين تلك المناطق .

ج. احتكار العرب للتكنولوجيا، التكنولوجيا شرط التقدم اليوم، وأحد دعائم تفوق الغرب هو امتلاك واحتكار التكنولوجيا ، ولا يعمد إلا إلى تصدير المتقادم منها وغير المجدي اقتصاديا لمنافسته. أما العرب فقد تأخرو ا عن الثورة التكنولوجية ، وفشلوا في تطويعها . وهذا ما جعل تطلعهم صوب التنمية قاصراً، ومتوقفاً عند حاجة دائمة إلى محتكري التكنولوجيا ، الغرب.

د. ويتوقف حال الغرب الدولي اليوم على السمعة التى اكتسبها ، والقدرة على ممارسة الترغيب والترهيب ، لذلك فإنه يعمد إلى قسر كل من يتحداه ، ليكون أنموذجاً على من يخرج عن بيت الطاعة ( الغربي). ووضع العراق الدولي بعد عام 1990 شاهد على ذلك . كما استطاع الغرب أن يجعل العرب ينظروا إلى عطفه ( الدائم) في سبيل تيسير حل مشاكلها ومداخله في ذلك عديدة منها مركزية الدور الغربي عالمياًن وأه ليس من مصلحة العرب تجاوز التفسير الغربي طالما أن ما يسدهم تجاة الغرب قضايا عديدة بعضها كامن في العلاقات العربية – العربية ذاتها . مثلاً، التطلع لتسوية الصراع معا إسرائيل. فارتباط العرب بالقوى الدولية ما كان ليجد له صدى لولا وجود عناصر تفكيكية في العلاقت العربية – العربية تدفع العرب للنفور من واقعهم ، والتوجه للقوى الدولية ، والارتباط بها. وأهم مظاهر الارتباط الدولية هي وصول تدويل قضاياههم القومية إلى أٌصى مداه , ومن الأمثلة على ذفك ـ، قضية الصارع العربي – " الإسرائيلي"، فهذا الصراع يصور عدم إمكانية حلة دون تدخل خارجي، والوحيد القادرة على ذلك ، وبفاعلية هو الولايات المتحدة. واستقراء الوضع العربي يبين أن تلك العناصر قائمة على ثلاثة  افتراضات هي قصور الوضع السياسي داخلياً. يقابله غياب الرؤى الواقعية من إمكانية إقامة تعاون عربي – عربي ، وثالثهما محدودية الخيارات السياسية الدولية المتاحة.

فيما يتعلق لافرضية الأولى ، قصور الوضع السياسي العربي داخلياً، يلاحظ الآتي:

لقد تعلق المواطن بمرجعيات جلها متباين. والبعض منه له أصوله العربية؛ سواء اعتمد بطريقة متطرفة وأظهر المغالاة فيها أمثال السلفيون .... ومعظمه ليس له أصول في البيئة العربية ، وأمثاله الغربون ، ونجد ذلك عند المتعلم والأمي على حد سواء. هذا الاختلاف المرجعي ( الديني ، الفكري، السلوكي) خرج من دائرة التباين ليدخل في دائرة الصراع والصدام ، كما يظهر جانب منه بين السلفيون والغربون في الجزائر.

قابل ذلك احتكار الأنظمة العربية للسلطات والاستئثار بها لفترات غير مقننة . وتوليد فئات متطفلة تحمي النظم وتحتك بالجماهير وتصطدم بها بشكل أو بآخر.

أما الوضع الاقتصادي العربي فإنه لا يشجع علىتحصيل رضا الجماهيرالعربية. وهو غير تنافسي دوليا. والقاعدة الاقتصادية العلمية ضعيفة ، وما ينفقه العرب لأجل المستقبل محدود. فالإنفاق العالمي على التوالي. والحال العسكري لا يختلف عن سابقة، فالإنفاق العربي (40.3 مليار دولار/ 2000) لم يوفر متطلبات حماية الأمن القومي أو القطري.

وثقافياً صارات الثقافات الاستهلاكية الغربية تجد لها أسواقاً في العالم العربي بين المتعليمن ، كما عند الشرائح غير المتعلمة. والأولى تتطبع بها بدعوى إشباع حاجات محرومة، أما الأخرى فهي تتذرع بالعصرنة . وكلاهما ينتهي إلى رفع ما هو عربي – إسلامي ، ووصمه بالتخلف وتقمص التغريب.

الأكثر مما تقدم ، أن متغيرات رسم مستقبل المنطقة ، يجري إنضاجها وفقاً لرؤى ليسبت عربية المقاصد. ديموغرافياً يتوقع نمو السكان العرب من 281.273 مليون نسمة عام 2000 إلى 348.975 مليون عام 2010 . استراتيجياً، هذا الكم إذا ما أنضج إلى نوع ( كم ثقافي – علمي مؤهل ) فإنه سيحول العالم العربي إلى مركز حضارة عالمي. لكن، الإنسان البسيط صار يعرف بأن هناك من هو راغب في اهمال تحقيق هذا التحول – ومعظم غير الراغبين فئات داخلية إما ذات مصالح خارجية ، أو هي ذات أفق ضيق يجاري السلطة.
كما يزداد الوعي السياسي بفعل الثروة التكنولوجية – المعلوماتية ، لكن اتجاه السياسيات العربية الرسمية هو نحو كبت سبل التعبير عن هذا الوعي عندالعرب.
والموارد العربية ليست بأفضل حالاً من سابقاتها . فالتبرول العربي ( 635.7 مليار برميل احتياطي مرصود) ، السوق العربية ( 395 مليار دولار حجم التجارة الدولية العربية عام 2000 )، رأس المال ( يتملك العرب نحو 800 مليار دولار مستثمرة في الأسواق الدولية)... نقول أن هذه الموارد لا تخضع إلى السيطرة السياسية العربية.

ولا تزال العلاقات العربية – العربية محط لتناقضات أيديولوجيه ودينية. فأي الأنظمة يتملك شرعية تمثيل العرب؟.... كما تحمل العلاقات العربية – العربية إمكانات عالية للارتداد والنكوس بفعل غياب الثقة بين البلدان العربية.

أما على صعيد فرضية غياب الرؤى الواقعية من إمكانية علاقات تعاون عربي - عربي ، فيلاحظ أن ذلك قد جاء بفعل متغيرين اثنين ، أولهما افتقار العلاقات الرسمية الجدية والصدقية والثقة. ولا يوجد إلزام للأنظمة العربية لتصحيح هذا الواقع. فالارتباط البيني على المستوى الشعبي لا يزال ضعيفاً، ورغم وجود رأي عام عربي بيد أن وسائل التعبير عنه غير موجودة أو مغيبة . وثانيهما، الارتباطات الخارجية تلغي جدوى العلاقات البينية لأن البعض منها قائم إلى ضد من نظم سياسية عربية أخرى.

ونتجية للمتغرين ، فاختلاف مرجعيات النظم السياسية، المؤكدة في عمومها على عدم تداول السلطة، يدفع إلى عرقلة دائمة لأية حالة تقارب. ولسنا هنا في صدد بيان صواب أو خطأ تلك المرجعيات في قضايا مثل من يمثل المرجع الديني في زعامة العالم الاسلامي المغرب أو الاردن .... ومن يحق له التحدث عن المرجع القومي مصر، سوريا، .... إنما نشير إلى أن العرب قد غلبوا الاختلاف على الاعتبارات الأخرى.

والأكثر من ذلك ، الأساس الشخصي – الكيفي في تصريف شؤون السياسة العربية يجعل أية علاقة عربية - عربية قابلة للتقلب بشكل جذري، بمعنى الانتقال من التعاون إلى الصراع، وذلك محكوم برضى أو عدم رضا الحكام عن بعض ، وليس لوجود اعتبارات موضوعية ، طالما أن الحاكم هو المصلحة الوطنية ، وهو الدولة.

بنية الارتباط السابقة جعلت الكثير من النظم العربية معزولة جماهيرياً. وتجد صعوبة في إثبات شرعيتها، لذلك صار الاحتكاك بلك القاعدة يتم عبر الاجهزة الامنية ، والتنظيمات السياسية التابعة لنظام الحكم . والعوائد التي يدرها الانتماء إلى هذه التنظميات والاجهزة يجعل المنظوين فيها يتطلعون إلى إبقاء نظم الحكم ، عملاً بالمثل القائل شيطاناً خيراً من ملاكاً لا تعرفه.

كما تعتمد الأنظمة العربية في معظمها مبدأ مقايضة ضمان التذيل والتواكل على السياسة الدولية والالتزام بحماية مصالح القوى الدولية في المنطقة وتسييرها .... مقابل الحصول على دعم أمني من تلك القوى ضد من يقاومون ، أو حتى يشككون في مبررات شرعية وجود تلك النظم ، وما يعطى واجهة لتسويق هذا المبدأ في السياسات العربية اتجاه سائد في تلك السياسات ترى أن للقوى الكبرى مصالح تشد المنطقة العربية نحو صلب اهتمامات الأمن الدولي يصعب التحلل منها.

وتمهد الفرضية السابقة لفرض مفاده محدودية خيارات العرب السياسية الدولية، والناجم عن تبعية للقوى الدولية ( الولايات المتحدة ). لقد قاد التباعد السياسي العربي العربي إلى جعل امكانية تدويل القضايا العربية ومن ثم الحضور الدولي في المنطقة قائماً. والتوجه العربي المركز نحو الدول الكبرى_ الغربية تصاعد إلى درجة الارتباط المؤثر سلباً على المصالح والسياسيات العربية. ونتساءل، هل روسيا خيار للعرب. وهل الصين أو الاتحاد الاوروبي خيار لهم كذلك؟ سياسياً، الخيار هو بديل يمكن أن يحل محل ما هو قائم في حالةتصاعد كلفه . أو كون البديل ذا عائد مجدي سياسياٍ.

عملياً، لا نستطيع جمع قدرات كل من روسيا والصين والاتحاد الاوروبي لنورد إحصاءات ثم نقول بتفوق هذه الاطراف على الولايات المتحدة . فهذه الاطراف لا تزال متنافرة فيما بينها ، وتتطلع كل منها إلى ديمومة عوائد من علاقاتها مع الولايات المتحدة . وأي تنافر مع مصالح وسياسات الأخيرة سيؤدي إلى صدام غير مرغوب. والمنطقة العربية مصلحة امريكية ، لذلك لا تستطيع تلك الأطراف أ، تقدم للعرب سوى خطاب سياسي يدعو إلى احترام حقوق العرب ومصالحهم . ولننظر الى كيفية وقوع العراق تحت السيطرة السياسية الامركيية ، ومواقف كل من روسيا والصين التى تضررت مصالحهما جراء ذلك.

اما مشهد تحول العرب عن الولايات المتحدة ، في ظرف بقاء تردي حال العرب الداخلي فإنه سيسهل اندفاع الولايات المتحدة إلى تتنفيذ سياسات وقائية – انتقامية ضدهم . وهذه السياسات عديدة ، أقلها التغاضي عن سياسات القوى الاقليمية المنتاقضة مع العرب، او قلب نظم الحكم العربية، وأكثرها بطشا تفعيل عناصر عدم استقرار البلدان العربية.... وهذه الخيارات يسيره ( نسيبا) للولايات المتحدة ، لما تتمتع به من وجود في البلدان العربية وفي شبكة العلاقات العربية – العربية.

2- السياسيات العربية الدولية: بنية الارتباط بالقوى الكبرى

عسكرياً، تتوقف قدرة الدول على حماية وتحقيق مصالحها على ما تملكه من سلاح، والاستقلالية في حيازته، والإدارة على استخدامه. وفي العموم، لم تنشأ صناعة سلاح عربية فاعلة، بل أن بعض البلدان يعتمد على القوى الكبرى في توفير كامل احتياجاتها. والأخرى تعتمد على تلك القوى في توفير معظم احتياجاتها من أسلحة، أعتدة ، قطع غيار ، تدريب ، استشارات......وإذا ما نظرنا إلى علاقات ارتباط البلدان العربية بالقوى الكبرى سنجد أن بعض هذه البلدان يهيئ لتلك القوى وجود مباشر على أراضيها ، بلدان الخليج مثلاً. أو المرور أو الدعم اللوجستي ، مصر وبلدان المغرب. أو عدم انتقاد صريح وفاعل للوجود الأجنبي في أو بالقر من الحدود العربية وهو حال معظم العرب.
إن ارتباط العرب العسكري بالقوى الكبرى، لم يحقق الأمن القومي. فالفعل العسكري العربي موجه بالضد إلى أنظمة عربية أخرى في الغالب. وهذا مايجعل المسعى العربي لبناء قوة عسكرية فاعلة بالتواكل على البيئة الدولية دون عائد حقيقي ، فهو لا يوازي نظيره الإقليمي. فضلاً عن استنزافه للقدرات العربية الذاتية.

واقتصادياً، سيطرت السوق الدولية على 92% من إجمالي تجارة العرب، طوال العقد الماضي. والوضع العربي الاقتصادي يجعل اتجاهات العرب منكبة على وسائل وطرائق إعطاء تقييم أفضل للتعاملات مع القوى الدولية، عنه من إعطاء تقييم مناسب للعلاقات العربية – العربية. فهذا الوضع مسيطر عليه بواسطة الظروف السياسية العربية، والأخيره بطبيعتها نضطربه تجعل الفشل الاقتصادي العربي أمر واقع لا مجال معها. والتكنولوجيا متغير آخر لم يستطيع العرب إيجاد توليفه له في الحياة العربية، أو إعادة إنتاج أجيال تلبي مطالب المحتوى الإنساني العربي وتتكيف معه. بل أن حالة التبعية العربية فيه قائمة.

وإذا ما أخذنا نموذج الشراكة الأورومتوسطية سنلاحظ أن ارتباط العرب بها لم يثبت أنه أكثر عائدية من التكامل العربي. فالعلاقة بين البلدان العربية والاتحاد الأوروبي غير متكافئة لا سياسياً ولا اقتصادياً. كما أن الأساس الثقافي للتبادلات الاقتصادية مختلف. فالعرب يتطلعون إلى التنمية، وهذا يتطلب إقرار العدالة دولياً في التعاملات. بينما تتطلع القوى الكبرى نحو النمو والرفاهية، وهذا يتطلب الاتحواذعلى موارد الغير (العرب).

وثقافياً، كان للتفاعل غير المتكافئ بين العرب والغرب أن أدى إلى إعادة رسم الخارطة الساسية العربية. فالغرب يتطلع إلى نفي شخصية الآخر، وإحلال المضمون الغربي (القيم والسلوكيات) محل قيم الآخر الأصلية. وفي العالم العربي، حيث ترتفع معدلات الأمية، ويبقى الكم المتعلم معطلاً سياسياً، يزداد رمي مخلفات ورواسب التخلف على عهود الاحتلال العربي – الأوروبي. قابله إيمان بفكرة القدرية، مما أدى إلى ظهور التطرف والمغالاة في مواجهة حالات الاغتراب لدى البعض. حيث يوجد في العالم العربي فئات ترفض الواقع العربي، وتتنكر مرجعيتها له، وتصل في رفضها إلى حدود التشبث بمرجعيات غربية. وبقي تيار السلطة السياسية العربي لا يمثل في مجمله لا التيار الديني، ولا التيار القومي، إنما همه السلطة ومغرياتها. وأن لا يكون هناك تماس معها من الغير. والميل نحو الفئات المغربة في التعليم والسلوكيات طالما أن مطالب هذه الفئة هو في إشباع رغبات مادية وليس الرجوع إلى الأصول في ممارسة السلطة، بمعنى عدم التشكيك في شرعية دعائم حكم الأنظمة الحالية. والاستعانة بالمرجعيات العربية في الوقت نفسه في تبرير فكرة طاعة الجماعات المتعلمة، وإخضاعها لسيطرة السلطة المركزية. وفيها صار العرب ينفذون سياساتهم بمضمون قسري جامد، مما جعل فرصة الغرب في كلا الحالين في تصريف خطابه السياسي القيمي في المنطقة العربية عالية، وغرضياً.

طوال العقد الماضي لم يتلمس العرب عوائد مجدية لارتباطهم بالقوى الدولية، أو من تدويل قضاياهم. وصارت الدعوات متعالية إزاء ضرورة تقييم تلك الارتباطات وعدم تركها سائبة النهايات، لذلك أظهر العرب خطاباً سياسياً يدعو إلى التمسك بحدود التنسيق الدنيا في مفاوضات التسوية مع إسرائيل.

كما صارت قوى دولية عدة تجد لها منفذاً في العالم العربي، لننظر إلى روسيا والصين.. حيث أخذت العلاقات بين تلك القوى والعرب بالتطور، مرجع ذلك هو أخذ البعض ممن يحملون شعار أمريكا تملك أوراق الحل العربي يفكرون ملياً في ضرورة البحث عن خيارات أخرى، في الداخل وفي الخارج لجعل أدائهم ناجعاً أقل سلبية.

زاد من هذا الميل ضعف دعم القاعدة التي تستشعر بازدواجية مواقف الولايات المتحدة من قضاياهم. ووصل الأمر بالأنظمة العربية إلى عدم القدرة على تحمل مواقف مواجهة مباشرة مع الجماهير العربية في ظرف البقاء مندمجين بالقوى الدولية، وتابعين لها لذلك كان عليهم إرضاء جانب من دعوات تلك القاعدة.

وكان لطروحات صدام الحضارات أن شكلت متغيراً آخر يقف متناظراً في تأثيره مع ازدواجية المواقف الدولية من قضاياً العرب. فالغرب (الولايات المتحدة) أعلن صراحة أن العرب – المسلمين هم العدو الذي يقتضي الحال تحشيد الإمكانات لمواجهته. إزاء ذلك لا يجد العرب في بيئة تكن العداء لهم سوى الخيار بين إعادة صياغة تفكير، وتغيير مسلمات تاريخية وواقعية لعالم (الغرب) يقف استمراره على استلابهم واحتقارهم، ولا نتحدث عن الفترة الزمنية لحدوث هكذا تحول. وأن يلجأوا، أي العرب، إلى فرض تأكيد الذات أولاً في المحيطين العربي والدولي، وفرض صورتهم على الآخر – الغرب وبيان أن التراجع الذي أصابهم مكنونه يعود لأسباب تاريخية مجتمعية – علمية راهنة. وأن إمكانات النهوض ليست شيئاً غير قابل للتحقيق. قبوادر النهضة العربية صارت تجد لها تعبيرات عديدة: ازدياد الإمكانات العلمية، ازدياد الوعي السياسي، وتوافر الموارد المالية...والغرب (الولايات المتحدة)، استوقفته هذه الانقطاعة في تفكير العرب، صناع الرأي منهم خاصة، نحو جدوى الإرتباط الدائم والتوجه نحو التدويل. وصار يبحث عن أحداث تعيد ربط العرب القسري أو الاختيار به. وكانت أحداث 11 أيلول أفضل التبريرات لذلك. كيف تحول العرب تجاه مزيد من إعادة الاندماج في الوضع الدولي بعد وقوع تلك الأحداث؟

لقد وفرت أحداث 11 أيلول غطاء للولايات المتحدة لإعادة دمج الآخر بنظام عالمي تسعى هي لإنشائه. فتلك الأحداث أصابت أمن زعيمة العالم. كما أن الخطاب السياسي ينتهي إلى أن (الإرهاب) أحداث قد تصيب جميع البلدان، ولا سبيل لتجاوزه إلا بعمل جماعي. صارت القوة المدافعة عن قيم النظام. كما تصبح هي الجبهة المنوط بها التعامل مع الدول المعرفة بكونها حليفة إسرائيل، والتعامل مع الأخرى المعرفة بأنها مارقة (كوريا الشمالية، وإيران، وبالطبع مع العراق الذي انتهى الأمر إلى اسقاط نظامه السياسي).

إن موقع العرب الاستراتيجي، وضعفهم. علاوة على عدم وجود قوة قطب توازن دور الولايات المتحدة، هي من أهم المتغيرات التي يسرت إعادة دمج العرب بالنظام الدولي بعد أن كانت قد ظهرت بوادر امتعاضهم من سلوكيات القوة العظمى ضد مصالحهم في المنطقة العربية ذاتها. وهذا الأمر لا يدفعنا إلى تجاهل هذا التطور قيد الرسميين العرب نسبياً تحت وطأة ضغط الأوضاع الداخلية حيث زاد معه الأدوار السياسية للقوى التقليدية، الإسلامية، كرد فعل طبيعي إزاء تبعية القرار العربي الرسمي للقوى الدولية.

ومثلت أحداث 11 أيلول مناسبة مهمة لإعادة تطويع العرب أو تكييفهم مع المستجدات الدولية، على الرغم من علامات الاستفهام حول نجاعة الدور العربي وإيجابياته في مكافحة (الإرهاب)، حيث لا يزال هناك لبس حول مفهومين هما الإرهاب والمقاومة يتقاطع فيهما الفهم العربي والأمريكي. لكن يمكن تجلي إبعاد الموقف العربي، وتفهمه في الانسياق شبه الكامل وراء السياسات الأمريكية في ضوء المتغيرات الآتية:

1- دعوة الولايات المتحدة الصريحة نحو إنشاء نظام عالمي جديد، وممارستها الفعلية لأفعال القوة والقسر في ضبط السياسات الإقليمية ضمن إطار لا يتعارض مع المناهج الأمريكية.
2- أن معظم الأسماء الواردة في قائمة الأتهام الأمريكية، والقيام بهجمات 11 أيلول هم من العرب، مما يجعل رفض تعاونهم مع الولايات المتحدة غير عملي.
3- القضايا العربيةالإقليمية لازالت عالقة، مثلا التسوية مع إسرائيل. وبالتالي رفضهم التعاون مع السياسات الأمريكية قد يدفع الإقليمية في علاقاتها مع العرب.
4- انسياق كل من روسيا والصين والاتحاد الأوروبي وراء السياسات الأمريكية، وبالتالي تجرد العرب من أية وسيلة دولية يمكن جعلها سابقة قوية في الرفض ربما تسند موقفهم.
5- الأزمة السياسية في العلاقة العربية – العربية لا تتيح للعرب إمكانية الاحتماء بظهراني هذه العلاقات لتجاوز الضغوطات الأمريكية أو لتقليلها.

لقد أظهر إذعان العرب الرسميين لمطالب الولايات المتحدة في تقديم العون للحملة الأمريكية ضد العدو الجديد (الإرهاب)، الضعف العربي. وعدم وجود مبادئ أساسية تحكم العمل العربي، أوتصون استقلاليته. بل أن البعض أظهر التذيل / التواكل على الولايات المتحدة بغية إخراج أدوارهم، راجع ذلك إلى عدم التأكيد الجدي لوجودهم الفاعل، وعدم القدرة على حماية مصالحهم.

3- العرب والوضع الدولي الراهن: نتائج الارتباط

يدرك معظم العرب الرسميين أن إعادة تقويم الارتباطات العربية الدولية أو التحول عنها يتطلب تنفيذه تضحيات، وأكلاف ربما منها الإطاحة بنظم حاكمة قائمة.فالارتباطات الدولية أوجدت ظروف سياسية عربية وقوى مستفيدة لا يتحقق استمرارها إلا بتوافر العنصر الأجنبي، وهذا العنصر غير محايد في تأثيراته.

والرؤية أعلاه لا تفيد بقبولنا / عدم قبولنا لإعادة التقويم تلك، إنما التحليل النقدي لنتائج الارتباط كفيل بتقديم إجابة عما سيكون عليه الموقف منه. ومن بين تلك النتائج:

1. الافتقار (الضعف) السياسي العربي الرسمي الداخلي

منذ فترة ليست بالقصيرة تشهد البيئة العربية تحولات سياسية داخلية في مناقشة الوضع العربي العام. التساؤل عن منجزات الاستقلال. وعن التدخل الدولي في القضايا العربية المصيرية. وقدرة السياسات العربية على أن تكون نداً دولياً مكافئاً قادراً على
تمثيل العرب في السياسات الدولية. والخشية الرسمية أن تلك المسائلة (الهادئة) قد تندفع أكثر صوب مطالبة جادة وقسرية لإحداث تحولات السياسية جذرية، في حالة وصول القنوط إلى مرحلة حرجة بحيث تكون كلف التغيير أكثر قبولاً من كلف بقاء الوضع القائم. ويمثل ذلك مبرراًَ عنصراً مضافاً للعرب الرسميين للتحلل من بحث عن دعم من بيئة داخلية بفتقرون فيها للشرعية، وتتطلع لتقليص (إمتيازاتهم)، بدلاً عنه يتم التوجه لتعميق الارتباط بالبيئة الدولية وقواها طلباً للبقاء.

إزاء ذلك، زادت الفجوة بين النظم الحاكمة والشعوب، بشكل عام. وإذا ما أدركنا مسلمة أن الفاعلية السياسية منبعها داخلي أولاً، لعلمنا أن الفقر السياسي العربي الرسمي يزداد ترسخاً كلما أمعن الارتباط بالقوى الدولية والتواكل عليها، والتبعية لها.

2. التدفق اليسير للموارد العربية إلى الأسواق الدولية

تدفق الموارد العربية للأسواق الدولية مسلمة تاريخية. فالعرب مفتقرون لإمكانيات استثمار مواردهم ذاتياً. قابل ذلك تأسيس القوى الكبرى لوجود قوى في المنطقة العربية اقتصادياً، وتواجد عسكري في أو بالقرب من المنطقة العربية لحماية تلك المصالح. وتدرك البلدان العربية ماذا يعني هذا الوجود (المصالح) لتلك القوى، مما جعلها تعمد إلى عدم استثمار مواردها سياسياً ضد تلك القوى، إزاء جدية تدخلها لحماية تدفق الموارد إليها، لضمان ديمومة نموها.

واليوم، فقد العرب المقدرة على التأثير في الأسواق الدولية للموارد، وصارت تلك الأسواق أسواق مستهلكين قادرين على تحديد كم المتدفق، وأسعاره. ومن مظاهر التدفق اليسير للموارد العربية هو ما تشهده الأسواق البترولية، فسرعان ما تعوض البلدان العربية النقص الحاصل في الأسواق الدولية، استجابه لمطالب القوى المسيطرة على تلك الأسواق. والحال ذاته ينطبق على الموارد المالية العربية والكفاءات البشرية، التي تعد البيئة العربي الأكثر طرداً لهما من الداخل تجاه الخارج.

3. طرح فرض البعث الحضاري العربي الإسلامي

لقد أدت النتيجتان السابقتان إلى انتكاسه العمل السياسي العربي المشترك. وهذا ما دفع بالجماهير المثقفة إلى استنهاض متغيرات الانبعاث كرد واستجابة حضارية تعبر عن ديمومة واستمرارية الحضارة العربية وعمقها التاريخي إلى الضد من محاولات إعاقتها.
وتشهد الساحة العربية مناقشات وتفاعلات بين التيارات القومية، والإسلامية لتأكيد مرجعية الانبعاث الواجب تبنيه في لغة الخطاب السياسي، وفي التعاملات العربية. وتؤكد في الوقت ذانه أن الارتباط بالقوى الدولية هو فعل إلى الضد من مصالح العرب.
وقاد تردي حال العرب الاقتصادي والثقافي إلى تشجع عمل هذه المناقشات والتفاعلات. محجم الموارد العربية، وأصالة وعمق الأمة التاريخي – الحضاري.. عناصر لا تدفع إلى الضمور أو تغييب منطقي للفعل العربي. لذلك صارت الاستجابات الواعية لهذه الحالة من خلال إعادة قراءة للأوضاع العربية والدولية وإعطاء تقييم إيجابي لاستنهاض الأسس الثقافية والقيمية كمقدمة ضرورية لأية حالة نهوض عربية قادمة.

4. إعادة قراءة في فرضية محدودية الخيارات السياسية الدولية

إن بقاء العرب متواكلين على الولايات المتحدة يؤدي إلى تحملهم لأكلاف سياسية غير مرغوبة. فالأخيرة قوة عظمى تقيس العلاقات من خلال عوائدها. وبالتالي فإن علاقات القوى تسمح لها أن تكون الحاصلة دوماً على أفضل تلك العوائد. في حين نجد أن رغبات العرب هي في تقليل الأكلاف وليس رفع العوائد في تلك العلاقات، ولننظر مثلاً إلى العلاقات العربية – الإسرائيلية – الأمريكية.

والقوى الدولية الأخرى كل بمفرده ليست خياراً ناجعاً للعرب رغم ذلك بإمكانهم (العرب) إعادة تقويم علاقاتهم الدولية ككل، وإعادة توزيع نسب الاهتمام والأولوية الأمريكية. وهكذا ينفتح أمام العرب أكثر من خيار، وبضمنه خيار الولايات المتحدة. مثل هذا الطرح صار موضع إحراج لبعض الأنظمة، طالما أن التواكل على الولايات المتحدة كلياً جعل الأخيرة تنظر إليهم نظرة دونية، وتمعن في دعم أعدائهم أو غبن حقوقهم. وكانت المبادرات العربية – العربية هي في حركة محدودة نحو آسيا، وتأكيداً للروابط مع أوروبا عبر اعتماد الشراكة الأورومتوسطية. ويتوقع زيادة فاعلية هذا الاتجاه مستقبلاً، طالما أن هناك مدرك مسبق لعدم جدوى بقاء التواكل على الولايات المتحدة فقط.

مجلة آراء حول الخليج