; logged out
الرئيسية / انعكاسات نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية على منطقتي الخليج والشرق الأوسط

انعكاسات نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية على منطقتي الخليج والشرق الأوسط

الأربعاء، 01 كانون1/ديسمبر 2004

كما أشار إلى ذلك العديد من المعلقين السياسيين حول العالم، فإن نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة تحمل آثاراً بالنسبة للعالم برمته على القدر نفسه الذي تؤثر به في حياة المواطن الأمريكي. ومن المحتمل أن تتأثر منطقتا الخليج العربي والشرق الأوسط على نحو ملموس ربما أكثر من غيرهما من مناطق العالم الأخرى.

ولعل القضيتين الأكثر إلحاحاً في منطقة الشرق الأوسط بالنسبة لإدارة الرئيس بوش المعاد انتخابها تتمثلان في الوضع في العراق والصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي. وليس من المؤكد أن إدارة أمريكية بقيادة جون كيري لو أنه وصل إلى البيت الأبيض كان بإمكانها تحقيق تقدم كبير في اتجاه حل أي من القضيتين. لكن ليس من المحتمل أن يحظى الرئيس جورج بوش خلال ولايته الرئاسية الثانية بفرصة تحقيق أهداف إدارته في المنطقة، خصوصاً أن واشنطن منشغلة بالتطورات التي تشهدها الساحة العراقية، ويبدو أنها عازمة على النأي بنفسها عن أي تدخل نشط وفاعل في ملف الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي.

كما أن المؤشرات الأولى لتوجهات وتركيز إدارة بوش الثانية سوف تهتم أساساً بالاستمرار، بل وربما تعزيز، سياساتها المحافظة في تعاطيها مع مشاكل المنطقة. وما من شك في أن استقالة وزير الخارجية كولن باول تزيح آخر مسؤول حكومي معتدل ـ وربما الوحيد الذي كان يضفي شيئاً من صفة الاعتدال ـ ضمن معادلة السياسة الخارجية الأمريكية. ولا ريب في أن خليفته، كوندوليزا رايس ، سوف تتبنى موقفاً أكثر صلابة وتطرفاً إزاء معظم قضايا السياسة الخارجية. ومن المرتقب كذلك أن تتغير بشكل جذري سياسات وزارة الخارجية في حال تمت، كما تروِّج لذلك الشائعات، ترقية جون بولتون John Bolton من منصبه الحالي كوكيل لوزارة الخارجية لشؤون الأمن الدولي والحد من التسلح وتنصيبه نائباً لوزير الخارجية.

وتتجسد التغييرات على مستوى وزارة الخارجية في التوجه الظاهر نحو تسييس نشاط وكالة الاستخبارات المركزية، والتي أصبح يترأسها عضو الكونغرس بورتر جوس Porter Goss بعد أن عينه الرئيس بوش في هذا المنصب، خصوصاً أن بورتر عكف على استجلاب الطواقم التي كانت تعمل معه بالكونغرس وعدد من الكوادر العاملة بلجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ. وقد دفعت هذه التغييرات بنائب مدير جهاز العمليات السرية وعدد من كبار المسؤولين إلى تقديم استقالتهم. وتُـثار حالياً مخاوف من مغبة أن تؤدي التعيينات الجديدة إلى تحويل وكالة الاستخبارات إلى جهاز تطغى عليه التوجهات الايديولوجية، ويحاول السعي إلى خدمة المصالح الضيقة للإدارة الأمريكية بدلاً من انتقاد تلك المصالح كما حدث قبيل إجراء الانتخابات الرئاسية.

وبتعيين رايس في منصب وزيرة الخارجية الأمريكية، وترؤس نائبها الحالي ستيفان هادلي Stephan Hadley لمجلس الأمن القومي، يبدو أن حضور المجلس سوف يتراجع، كما أن السياسات المتبعة حالياً على مستوى وزارة الدفاع ربما لن تتغير في حال تقررت إزاحة دونالد رامسفيلد ، وهو الأمر الذي يبدو مع مرور الوقت غير مرجح.

وفي أعقاب إعادة انتخاب الرئيس بوش بأسابيع قليلة، بدأت معالم السياسة التي تعتزم الإدارة انتهاجها خلال ولاية الرئيس الثانية تُجاه منطقة الشرق الأوسط تبرز بوضوح أكبر. فبعد مرور بضعة أيام فقط، شنت القوات الأمريكية في العراق حملة عسكرية واسعة على مدينة الفلوجة في الوقت الذي قامت فيه القوات الأمريكية بتبني سياسة العصا الغليظة ضد أهداف ومواقع سنية أخرى. ويبدو أن الاستراتيجية الأمريكية لا تقتصر فقط على توجيه ضربات ضد "المتمردين" الإسلاميين، بل تستهدف أيضاً المتشددين السنة الذين هددوا بمقاطعة الانتخابات العراقية المقرر عقدها خلال شهر يناير من عام 2005. ولعل تركيز واشنطن على ضرورة إجراء الانتخابات في الوقت المحدد لها أصبح يمثل بالفعل اختباراً لتقييم مدى نجاح سياسة الإدارة الأمريكية في العراق.

ومن جهة أخرى، برز إلى الواجهة الشق الثاني للسياسات الأمريكية تُجاه منطقة الشرق الأوسط خلال الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء البريطاني توني بلير لواشنطن. فرحيل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بفترة قصيرة بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات الأمريكية اعتبره العديدون في واشنطن ولندن فرصة لإحياء مسيرة عملية السلام في الشرق الأوسط. غير أن الرئيس بوش قاوم الضغوط البريطانية لتعيين مبعوث أمريكي خاص لدفع الفلسطينيين والإسرائيليين في اتجاه فتح باب المفاوضات السلمية. ويبدو أن البيت الأبيض لا يزال متمسكاً بالفكرة العبثية القائمة على مبدأ أن الطريق نحو تحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين يمر بالضرورة عبر البوابة العراقية. وهذا يعني أنه ما دام الوضع في العراق غارقاً في وحله، ويبدو أن الوضع في العراق سوف يستمر على حاله لبعض الوقت، فإن إدارة بوش وحلفاءها سوف يحتفظون بمسافة بعيداً عن الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي. ومن المحتمل أن تتضح معالم هذه السياسة بشكل أكثر جلاءً بعد أن تتولى رايس زمام السياسة الخارجية الأمريكية.

كل ما يمكن أن تقوم به إدارة بوش هو تشجيع طرفي الصراع على اتخاذ خطوات قد يكون من المحتم في كل الأحوال على كل من الفلسطينيين والإسرائيليين اتخاذها. فواشنطن سبق لها أن صفقت لقرار شارون بتفكيك عدد من المستوطنات اليهودية الواقعة داخل قطاع غزة وأعربت عن دعمها لعقد انتخابات فلسطينية رئاسية حرة ونزيهة لاختيار خليفة عرفات. ولا يرجع الفضل في كلا التطورين لأي جهد بذلته الإدارة الأمريكية، كما لا يبدو أن أياً من التطورين من شأنه أن يفضي إلى نتائج ملموسة تساعد على تحقيق السلام. لقد مرت بالفعل شهور طويلة منذ إطلاق شعارات طنانة رافقت مبادرتي "خارطة الطريق" و"خطة الرباعي" كجزء من ملحمة طال عهدها، ولا يبدو أن أي مبادرات سلام جديدة، سواء صاحبتها شعارات رنانة أم لا، سوف تظهر على الساحة الشرق أوسطية.

أما حجرة الشطرنج السياسي الثالثة، والتي قفزت إلى الواجهة في الوقت الراهن فتتمثل في الاهتمام المتزايد لإدارة بوش بالملف الإيراني وادعاءاتها المتكررة بأن طهران تسعى إلى إنتاج أسلحة نووية وتطوير قدرات استخدامها. فمن جهة أولى، يمكن إدراج هذا الموقف الأمريكي ضمن إطار ما يُعرف بعامل "الوقت المناسب". ففي حين أصبح الوقت متأخراً لمنع كوريا الشمالية من تطوير ترسانتها النووية، فإنه من المناسب اتخاذ موقف قوي بهدف منع إيران من المضي قدماً في تطوير برنامجها النووي. وفي الوقت نفسه، ينبغي استذكار أن موقف العداء الأمريكي ـ والإسرائيلي ـ تُجاه إيران تبلور منذ اندلاع الثورة الإسلامية في إيران، واستمر الخطاب الأمريكي المتسم بالصرامة مصحوباً بمواقف متشددة لسنين عدة قبل أن يتبلور الخلاف الراهن حول الملف النووي. ودارت قبل الانتخابات الأمريكية تكهنات بإمكانية توجيه إسرائيل ضربة استباقية ضد مفاعل بو شهر الإيراني. غير أن جملة من التكهنات برزت مؤخراً تفيد بأن واشنطن ربما تتولى مهمة شن ضربة عسكرية ضد منشآت إيرن النووية. وربما يبدو اتخاذ مثل هذه لخطوة غير محتمل، لكن الأمر كان كذلك بالنسبة لفكرة غزو العراق خلال عام 2000.

ليس مستغرباً أن تكون اهتمامات إدارة بوش في الوقت الراهن منصبة على الأوضاع في العراق، وباعتبار أن المعضلة الفلسطينية ـ الإسرائيلية تم تهميشها ضمن أجندة السياسة الخارجية الأمريكية، فليس هناك من مجال لطرح مبادرات جديدة تخص منطقة الشرق الأوسط أو منطقة الخليج. فالعلاقات المتعثرة بين الرياض وواشنطن سوف تستمر دون شك في مسارها المتعرج مع تمنيات كل طرف ألاّ تستقطب علاقاتهما الثنائية مجدداً اهتمام وسائل الإعلام سواء في المملكة العربية السعودية أو الولايات المتحدة. فقرار السلطات السعودية اعتقال ومحاكمة ثلاثة إصلاحيين، والتي كان متوقعاً أن تثير زوبعة انتقادات في الأوساط الأمريكية، لم تثر سوى بعض الضجيج الخافت في دوائر وزارة الخارجية.

وبالمثل، استمرت العلاقات غير المتوازنة والمبنية بشكل أساسي على الجوانب الأمنية بين واشنطن والدول الخليجية الأخرى في التطور دون اجتذاب اهتمام الدوائر الرسمية الرفيعة في الولايات المتحدة. فمسار العملية الإصلاحية في البحرين، وعلى الرغم من عدم تجسده بشكل واضح، تم تجاهله من قبل واشنطن، وكذلك الحال بالنسبة لملف حق تصويت المرأة في الكويت وغياب الانتخابات في دولة الإمارات العربية المتحدة. كما أن وفاة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رئيس ومؤسس دولة الإمارات، لم تستقطب اهتماماً ملحوظاً من قبل وسائل الإعلام الأمريكي.

وفي ما يرتبط بمنطقة الخليج، يبدو أن السنوات الأربع القادمة سوف تكون "شبيهة بالسنوات المنصرمة"، إذ ستظل قضايا النفط والأمن مهيمنة على علاقات دول مجلس التعاون الخليجي مع واشنطن، خصوصاً من المنظور الأمريكي. وما دامت حالة الفوضى في العراق مستمرة ولم يتم إيجاد حل مرضٍ للقضية الفلسطينية، فإن إدارة بوش لن تُـقْـدِم على تحريك المياه الراكدة في المنطقة ولن تطالب حلفاءها الخليجيين بإنجاز إصلاحات داخلية أو إعادة صياغة علاقات حكوماتها مع النخب في دول المنطقة.

مجلة آراء حول الخليج