; logged out
الرئيسية / تقييم علاقات الولايات المتحدة الأمريكية بدول مجلس التعاون الخليجي خلال عام 2004

تقييم علاقات الولايات المتحدة الأمريكية بدول مجلس التعاون الخليجي خلال عام 2004

الأربعاء، 01 كانون1/ديسمبر 2004

لم تكن علاقات الولايات المتحدة الأمريكية بدول مجلس التعاون الخليجي خلال عام 2004، تتسم بالقدر نفسه من الحساسية الذي اتسمت به تلك العلاقات خلال عام 2003. حينها كانت مواقف دول مجلس التعاون الخليجي من الحرب على العراق تشكل عناصر هامة وحيوية بالنسبة لاستراتيجية الحرب التي كانت تزمع الإدارة الأمريكية شنها على العراق.

وفي عام 2004 تميزت تلك العلاقات بكثير من الطبعية. وليس المقصود بـ "الطبعية" في هذا السياق عودة العلاقات الأمريكية ـ الخليجية إلى سابق عهدها من الهدوء والاستقرار، إذ اتسمت العلاقات الثنائية الأمريكية ـ السعودية إثر هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، والتي استهدفت مدينتي نيويورك وواشنطن، بالتعاون الوثيق المقترن بخلافات علنية. ومما لا شك فيه أن العلاقات الأمريكية ـ السعودية بعد وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر لم تعد تتسم بالتعاون الوثيق على جميع الأصعدة كما كان عليه الحال قبل وقوع تلك الهجمات.

بعبارة أخرى، يمكن القول إن عام 2004 شهد نوعاً جديداً من التوازن في العلاقات الأمريكية ـ السعودية، إذ اقتصر التعاون الوثيق بين هاتين الدولتين على بعض الميادين فقط، ومنها مجال "الحرب على الإرهاب" مثلاً، فيما تواصل الخلاف العلني حول عدد من القضايا مثل عملية الإصلاحات في السياسة الداخلية السعودية، والسياسة النفطية السعودية أيضاً. أما علاقة الولايات المتحدة الأمريكية ببقية دول مجلس التعاون الخليجي فلم تكن مثيرة للقلق أو مشوبة بالخلافات التي اعترت علاقاتها مع المملكة العربية السعودية، بل لقد ربطت دول مجلس التعاون الخليجي الصغيرة مستقبلها وسياساتها بشكل أوثق من ذي قبل مع واشنطن وأبدت مزيداً من الاستعداد لتعزيز تعاونها مع الولايات المتحدة. ولكنها شأنها شأن المملكة العربية السعودية، كان تدخل الولايات المتحدة في قضايا سياساتها الداخلية ينطوي عموماً على احتمال بروز توترات في العلاقات القائمة بين تلك الدول والولايات المتحدة، بالإضافة الى احتمال انقلاب الرأي العام في تلك البلدان ضد الولايات المتحدة الأمريكية.

قضايا الأمن و"الحرب على الإرهاب"

خلال عام 2004، تميزت علاقات الولايات المتحدة الأمريكية بدول مجلس التعاون الخليجي في المجال الأمني والحرب على الإرهاب بقدر كبير من التعاون. ولكن في عام 2003 لم يبلغ التعاون بين هذه الدول المستوى المطلوب. في ذلك الوقت، كان يشكل دعم دول مجلس التعاون الخليجي للولايات المتحدة في حربها على العراق مسألة حيوية؛ ونظراً لغياب ذلك الدعم، سحبت الولايات المتحدة الأمريكية جميع قواتها العسكرية من المملكة العربية السعودية. ولكن بعد انهماك الولايات المتحدة الأمريكية بشكل أساسي بأمن العراق ومحاربة قوى التمرد فيه، أصبح من السهل افتراض أن علاقات أمريكا بدول مجلس التعاون الخليجي باتت لا تشكل إحدى أهم أولويات الولايات المتحدة الأمريكية على الصعيد الأمني. وجدير بالذكر أنه لا تزال هناك قوات أمريكية متمركزة في كل من الكويت والبحرين وقطر مع غياب أي مؤشرات لسحبها من تلك البلدان. هذا ولا تزال القوات الأمريكية قادرة على استخدام عدد من المرافق العسكرية الهامة في سلطنة عُمان والإمارات العربية المتحدة. وفي يناير 2004، صُنفت الكويت كحليف رئيسي للولايات المتحدة الأمريكية خارج حلف شمالي الأطلسي "الناتو" NATO، مما يخولها التمتع بمستوى أرقى من التعاون العسكري مع واشنطن.

من الواضح أنه يصعب تصور أي وجود عسكري أمريكي مكثف في العراق من دون احتفاظ الولايات المتحدة بنظام لوجستي في دول الخليج الصغيرة لدعم ذلك الوجود. ومهما يكن من أمر، فإنه على الرغم من انتهاء الوجود العسكري الأمريكي في المملكة العربية السعودية، فقد تلقت واشنطن ضمانات سعودية بالتعاون في المجال الأمني عبر حماية الحدود السعودية ـ العراقية، بالإضافة إلى إنجاز مهمات تدريبية أمريكية في عدد من المرافق العسكرية السعودية وبالتعاون مع قوات سلاح الجو والحرس الوطني السعوديين.

وإذا كانت طبيعة التعاون الأمريكي ـ السعودي في القضايا الأمنية خلال عام 2004 أقل أهمية وتعقيداً منها في عام 2003، فإن الحرب على الإرهاب ما زالت تشكل أحد محاور علاقات الولايات المتحدة مع دول مجلس التعاون الخليجي عموماً ومع السعودية على وجه الخصوص. لقد شهد عام 2003 تحولاً كبيراً في مستوى التعاون القائم بين واشنطن والرياض في مجال الحرب على الإرهاب، وقد استمر ذلك التعاون خلال عام 2004. في غضون ذلك، واصلت قوى الأمن السعودية مكافحة عناصر تنظيم القاعدة والمتعاطفين معهم في المملكة العربية السعودية، فيما نفـَّـذت المنظمات الإسلامية المعارضة خلال عام 2004 عدداً من الهجمات التي استهدفت الغربيين المقيمين في المملكة العربية السعودية. وقد تخلل تلك الأحداث تأكيد البلدين على مصلحتهما المشتركة في مكافحة الإرهاب. وخلال عام 2004، اتخذت المملكة العربية السعودية عدداً من الإجراءات استجابة للمطالب الأمريكية بقيام المملكة العربية السعودية بمراقبة العمليات المصرفية، بهدف منع وصول أي أموال من المملكة العربية السعودية إلى المنظمات الإرهابية.

ومن المؤكد أن أبرز الإجراءات التي اتخذتها المملكة العربية السعودية في هذا الصدد هو قرارها الذي أعلنت اتخاذه في يونيو 2004، ونفذته في شهر أكتوبر من العام نفسه، والذي قضى بإغلاق مؤسسة الحرمين الشريفين التي كانت تعد إحدى أهم الجمعيات الخيرية في المملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى تشكيل لجنة حكومية جديدة للإشراف على عمليات جمع التبرعات التي تقوم بها الجمعيات الخيرية في السعودية. وقبل إغلاق مكاتب مؤسسة الحرمين الشريفين، كانت الولايات المتحدة قد اتهمت تلك المؤسسة بتغطية عمليات تحويل الأموال إلى منظمات إسلامية أصولية. وقد قامت المملكة العربية السعودية بتبادل المعلومات الاستخبارية بشكل فاعل في الرياض عبر التعاون مع مسؤولين أمريكيين في مجال العمل الاستخباري ينتمون إلى كل من وكالة الاستخبارات المركزية CIA ووزارة الدفاع الأمريكية ووزارة الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية.

لقد أثنى مسؤولو وزارة الخزانة الأمريكية واللجنة المالية لقمة الدول الصناعية الثماني على جهود المملكة العربية السعودية المبذولة خلال عام 2004 في مجال مكافحة تمويل الإرهاب. وفي حين ظل التعاون القائم بين السعودية والولايات المتحدة في مجال الحرب على الإرهاب مسألة مثيرة للجدل، قام منسق مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأمريكية بتقييم التعاون السعودي ـ الأمريكي في هذا المجال خلال عام 2004، فأدلى في إحدى جلسات الاستماع التي عقدها الكونغرس الأمريكي في شهر مارس 2004 بما يلي: "لم يكن أداؤهم خالياً من العيوب، وأمامهم مهمة صعبة، لكننا نرى أن هنالك أدلة تثبت جدية عزم والتزام المسؤولين السعوديين بمكافحة الإرهاب". وقد برَّأ تقرير اللجنة الأمريكية التي عُينت للتحقيق في هجمات الحادي عشر من سبتمبر، الصادر في شهر يونيو 2004 الحكومة السعودية من أي علاقة مباشرة بتمويل هجمات الحادي عشر من سبتمبر.

لقد واصلت دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى تعاونها مع الولايات المتحدة الأمريكية في مجال مكافحة الإرهاب، ولكن بقدر من الانتقادات العلنية يقل عن ذلك الذي اتسمت به العلاقات الأمريكية ـ السعودية. وفي شهر أغسطس 2004، اعتقلت سلطات الإمارات العربية المتحدة في إمارة دبي أحد نشطاء تنظيم القاعدة البارزين، ثم قامت بتسليمه إلى السلطات الباكستانية. جاء ذلك وسط مؤشرات على أن تنظيم القاعدة كان يستخدم دبي كمحطـة عبور ومركز عالمي لعمليات تحويل الأموال. وعلى الرغم من سحب الولايات المتحدة لقواتها من السعودية في إبريل 2004، ومن البحرين في يوليو من العام نفسه، استمر التعاون بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول مجلس التعاون الخليجي في مجال مكافحة الإرهاب. وتجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة لم تسحب قواتها من السعودية والبحرين بسبب غياب تعاون جهاتها الحكومية معها.

النفط والقضايا الاقتصادية الأخرى

في عام 2004، كانت العلاقات الأمريكية ـ السعودية على الصعيدين الاقتصادي والنفطي متباينة. لقد تبنت المملكة العربية السعودية دائماً سياسة نفطية تتلاءم مع المصالح الأمريكية عموماً، باستثناء الموقف الذي تبنته حيال أسعار النفط في الربع الأول من عام 2004. ففي اجتماع منظمة أوبك الذي انعقد في فبراير من عام 2004، كانت المملكة العربية السعودية على رأس الدول التي ضغطت باتجاه التخفيض الفوري لإنتاج النفط بواقع 1.5 مليون برميل يومياً، مع الالتزام بالعمل على تخفيض معدل إنتاج النفط بواقع مليون برميل يومياً أخرى مع نهاية شهر مارس من العام نفسه.

ويُعزى هذا الموقف السعودي إلى حقيقة أن الرياض كانت تخشى من تراجع الطلب على النفط خلال ذلك العام، مما دفعها إلى اتخاذ الموقف الذي ذكرناه رغبة منها بتجنب انهيار أسعار النفط. وبعد أن تجاوزت أسعار النفط الحدود التي وضعتها منظمة أوبك ـ وهي ما بين 22 دولاراً و28 دولاراً للبرميل الواحد ـ واصلت المملكة العربية السعودية في الحادي والثلاثين من مارس 2004، خلال أحد اجتماعات منظمة أوبك، واصلت الضغط باتجاه تطبيق الجولة التالية من تخفيض معدل إنتاج المنظمة للنفط. حينها أعلنت واشنطن استياءها من الموقف السعودي، ثم استدعت سفير المملكة العربية السعودية لديها ـ الأمير بندر ـ إلى البيت الأبيض للتباحث معه في قضايا النفط.

ومع مرور الوقت، أدرك السعوديون أنهم كانو مخطئين في تقييمهم لسوق النفط، وبخاصة في ما تعلق بتوقعاتهم لحجم طلب دول شرق آسيا على تلك المادة؛ وبدلاً من تراجع أسعار النفط، قفزت أسعاره في الربع الثاني من عام 2004 لتصل إلى أربعين دولاراً أمريكياً للبرميل الواحد. ثم واصلت الأسعار ارتفاعها فبلغت في أكتوبر 2004 خمسين دولاراً أمريكياً للبرميل الواحد. وفي ظل تجاوز الأسعار الحدود التي وضعتها منظمة أوبك بشكل كبير، غيرت الرياض سـياســتها النفطية، فأعلنت في خطوة أحادية الجانب عن زيادة إنتاجها بواقع سبعمائة ألف برميل يومياً.

وجاء إعلان السعودية عن تلك الخطوة عشية انعقاد اجتماع منظمة أوبك في يونيو 2004. ومنذ ذلك الحين، التقى الهدف الأمريكي المتمثل بالحفاظ على مستويات متدنية لأسعار النفط مع هدف المساعي السعودية الرامية إلى تخفيض أسعار النفط التى كانت تميل نحو مزيد من الارتفاع. وفي أواخر سبتمبر 2004، أعلنت المملكة العربية السعودية عن زيادة إنتاجها بواقع 1.5 مليون برميل يومياً، فأصبح إجمالي معدل إنتاجها من النفط يقارب الحد الأقصى لطاقتها الانتاجية التي تبلغ قرابة أحد عشر مليون برميل يومياً. وفي ظل هذا التحول، لا يبقى علينا سوى الانتظار لمعرفة مدى تأثير الإجراءات السعودية في سوق النفط، وقدرتها على كبح أسعاره التي تميل نحو مزيد من الارتفاع. وقد تبين أن واشنطن والرياض عادتا إلى الاتفاق مجدداً حول قضايا النفط. يُذكر هنا أن الخلافات التي وقعت في أوائل عام 2004 جاءت نتيجة لتباين المصالح النفطية للسعودية والولايات المتحدة. فالمملكة العربية السعودية تحتاج أحياناً إلى زيادة عائداتها النفطية لتغطية نفقاتها، مما يصطدم برغبة الولايات المتحدة بالحفاظ على أسعار أدنى من تلك التي تطمح إليها السعودية. وعندما بلغ سعر برميل النفط خمسين دولاراً أمريكياً، اتفق الأمريكيون والسعوديون على أن ذلك السعر كان في غاية الارتفاع؛ ولكنه من غير المؤكد ما إذا كان الطرفان سيتـفقان حول السعر الأمثل لبرميل النفط.

لقد انعكست جملة التوترات الجديدة التي شهدتها العلاقات الأمريكية ـ السعودية إثر أحداث الحادي عشر من سبتمبر على علاقاتهما الاقتصادية. ففي الربع الأول من عام 2004، ألغت الرياض صفقات في مجال صناعة الغاز الطبيعي كانت قد عقدتها مع شركات روسية وصينية وغيرها من الشركات الناشطة في مجال الطاقة، ولكنها لم تقم بإلغاء أي صفقة مبرمة مع أي شركة أمريكية. وفي المقابل، أحجمت الشركات الأمريكية عن تقديم أي عروض للعمل في المملكة العربية السعودية خلال عام 2003. وفي مايو 2004، قامت مؤسسة سيتي بانك Citibank المصرفية ـ وهي إحدى المؤسسات الاستثمارية التي نشطت في المملكة العربية السعودية عبر خمسين عاماً تقريباً ـ قامت ببيع حصتها في البنك السعودي ـ الأمريكي.

وقد تبين أن الهجمات التي استهدفت الغربيين وشركات الطاقة الأجنبية العاملة في السعودية، والتي وقعت في عام 2004 على يد عناصر إسلامية متطرفة، كانت ترمي إلى إخراج هؤلاء رجال الأعمال والمستثمرين الغربيين وشركاتهم من المملكة العربية السعودية من ناحية، وإلى حرمان المملكة من الخبرات الأجنبية من ناحية أخرى. في غضون ذلك، تعثرت المفاوضات السعودية ـ الأمريكية بشأن انضمام المملكة العربية السعودية إلى منظمة التجارة العالمية عند الخطوة الأخيرة، وقد جاء ذلك على الرغم من أن السعودية كانت تأمل بالانضمام إلى منظمة التجارة العالمية قبل انتهاء عام 2004؛ غير أن مصدراً في وزارة التجارة الأمريكية أفاد في سبتمبر بأن التوصل إلى اتفاق في هذا الصدد لم يكن بالأمر الوشيك.

وخلال عام 2004، كانت علاقات الولايات المتحدة الأمريكية الاقتصادية مع بقية دول مجلس التعاون الخليجي أكثر إيجابية وأقل تعقيداً من علاقاتها مع المملكة العربية السعودية، ذلك لأن دول الخليج العربية الأخرى المصدّرة للنفط، وأهمها الكويت والإمارات العربية المتحدة، على النقيض من السعودية، عارضت فكرة تخفيض إنتاج النفط في الربع الأول من عام 2004. أضف إلى ذلك أنه في محاولة منها للإسهام في تخفيض أسعار النفط، سارعت الإمارات العربية المتحدة في يونيو 2004 إلى رفع إنتاجها النفطي أسوةً بالمملكة العربية السعودية. كما دعمت الكويت والإمارات العربية المتحدة قراراً برفع الحصص الإنتاجية تبنته منظمة الدول المصدِّرة للنفط في اجتماعها الذي انعقد في يونيو من العام نفسه. وفي مايو 2004، استكملت البحرين مفاوضاتها بشأن اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة الأمريكية. وفي شهر يناير 2004، منحت إمارة قطر شركة بيتشتيل Bechtel الأمريكية للإنشاءات عقداً بقيمة 2.5 مليار دولار لبناء مطار جديد فيها؛ كما أبرمت اتفاقاً مع شركة أناداركو Anadarko الأمريكية أيضاً، للتنقيب عن النفط في مياهها الإقليمية بموجب العقد الذي وقعته الحكومة القطرية مع هذه الشركة في مايو 2004. أما شركة طيران الإمارات فقد تحولت عن توجهها العام باقتناء طائرات من طراز ايرباص Airbus، وقامت بإبرام صفقة بلغت قيمتها نحو ثلاثة مليارات دولار مع شركة بوينغ BOEING الأمريكية لصناعة الطائرات، لشراء طائرات أمريكية الصنع لأسطولها الجوي. لقد انعكست العلاقات السياسية والعسكرية الوثيقة القائمة بين دول مجلس التعاون الخليجي الصغيرة والولايات المتحدة الأمريكية بشكل واضح، عبر التعاون الوثيق لتلك الدول على الصعيد الاقتصادي.

الإصلاحات السياسية الداخلية

إثر هجمات الحادي عشر من سبتمبر، شهدت سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تُجاه دول مجلس التعاون الخليجي تغيراً هاماً، تجسد عبر التركيز الدؤوب على قضايا السياسة الداخلية في تلك البلدان بشكل عام، وفي المملكة العربية السعودية بشكل خاص. ففي الفترة الأخيرة، قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتوجيه انتقادات شديدة اللهجة للرياض بشأن سياستها الداخلية، وسعت إلى تحقيق مزيد من الحرية السياسية والتمثيل السياسي في دول منطقة الخليج كافة. إن التوجه الأمريكي في هذا الإطار واضح جداً، بيد أنه ليس من الواضح مدى استعداد واشنطن للتضحية بأهداف أخرى تسعى إلى تحقيقها في منطقة الخليج من أجل إرساء القيم الديمقراطية فيها. ومن بين أهم الأهداف التي تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيقها في منطقة الخليج، ما يلي: الاستقرار السياسي لدول المنطقة؛ وأسعار النفط الملائمة؛ والحفاظ على الحضور الاستراتيجي الأمريكي في منطقة الخليج. وخلال عام 2004، أضافت مسألة الإصلاح السياسي توترات جديدة في علاقات الولايات المتحدة بدول مجلس التعاون الخليجي، كما أدت إلى بروز دلائل تشير إلى احتمال حدوث ردود فعل سلبية من دول الخليج تُجاه واشنطن إذا فرضت على تلك الدول ضغوطاً كبيرة. وحتى الآن، لم تستطع التوترات التي شابت العلاقات الأمريكية ـ الخليجية إخراج مسيرة التعاون الوثيق القائم بينها في بعض الميادين عن مسارها، ولكنها ستبقى عاملاً مثيراً للقلق والحساسية في العلاقات التي تقيمها الولايات المتحدة مع دول مجلس التعاون الخليجي لبعض الوقت. وسيبقى مدى تأثير هذا العامل المثير للتوتر في العلاقات الأمريكية ـ الخليجية مرهوناً بحجم الضغوط التي تفرضها واشنطن على تلك الدول لإجبارها على إحداث تحولات سياسية حقيقية فيها.

كانت الانتقادات الأمريكية الموجهة للمملكة العربية السعودية في عدد من المناسبات خلال عام 2004، من أوضح المؤشرات على التوجه الجديد لواشنطن حيال الإصلاح السياسي. فعلى سبيل المثال، انتقد وزير الخارجية الأمريكي كولن باول، خلال زيارته التي قام بها للمملكة العربية السعودية في مارس 2004، السلطات السعودية علناً لاعتقالها بعض دعاة الإصلاح السعوديين؛ وقد أعقب ذلك الانتقاد تعنيف من وزارة الخارجية الأمريكية للرياض بسبب القضية نفسها. وفي سبتمبر 2004، وصفت وزارة الخارجية الأمريكية المملكة العربية السعودية في تقريرها السنوي الخاص بأوضاع حرية الأديان في العالم، بأنها "دولة مثيرة لقلق خاص". ومهما يكن من أمر، فقد اقترنت الانتقادات الموجهة للمملكة العربية السعودية بثناء واشنطن على الرياض إثر إقرار الأخيرة إجراء انتخابات لمجالس البلديات في عام 2005، مع التأكيد مرة أخرى على العلاقات الوثيقة القائمة بين البلدين. ومما لا شك فيه أن العلاقات الأمريكية ـ السعودية تميزت بمستوى غير مسبوق من اهتمام واشنطن بقضايا السياسة الداخلية السعودية. وجدير بالذكر أن الانتقادات التي صدرت عن الكونغرس الأمريكي ووسائل الإعلام الأمريكية لغياب الحريات السياسية والدينية في المملكة العربية السعودية، تجاوزت إلى حد بعيد تلك الانتقادات التي وجهتها إدارة الرئيس بوش إلى السعوديين.

المسؤولون السعوديون وزعماء دول خليجية أخرى ألمحوا من جانبهم إلى أنهم لا يثمنون أي ضغوط خارجية ترمي إلى إحداث أي نوع من الإصلاحات في أنظمتهم السياسية. وقد قام ولي العهد السعودي الأمير عبد الله بإعلان رفضه على الملأ للدعوة التي تم توجيهها إليه للمشاركة في قمة الدول الصناعية الثماني الكبرى، التي انعقدت في يونيو 2004، والتي أقرت الشراكة مع الشرق الأوسط الموسع وشمال إفريقيا من أجل التقدم والمستقبل المشترك، كما دعت إلى الإصلاح السياسي في تلك المنطقة. ولم يشارك في القمة المذكورة أي من حكـام دول الخليج باستثناء الشيخ حمد ملك البحرين. وحتى الكويت التي تُعتبر إلى حد كبير أوثق دول الخليج علاقة بالولايات المتحدة الأمريكية في المجال الأمني، رفضت المشاركة في قمة الدول الصناعية الثماني الكبرى. وجاء الرفض الكويتي على الرغم من تكرار الولايات المتحدة لتعابير الدعم للإنجازات التي حققتها الكويت على صعيد المشاركة السياسية والإصلاح في نظامها السياسي. من هنا، قامت معظم دول مجلس التعاون الخليجي خلال عام 2004 بخطوات سعت من خلالها إلى الظهور أمام شعوبها والعالم الخارجي بأنها تسير قدماً في خططها الرامية إلى إحداث إصلاحات سياسية. وظلت تلك الدول تؤكد على ذلك التوجه حتى عندما اضطرت أحياناً إلى تقليص الحوار السياسي وبث الرعب في صفوف القوى المعارضة لها. ومن مظاهر الإصلاح السياسي في منطقة الخليج العربي، أن المملكة العربية السعودية أعلنت عن خطط لإجراء انتخابات لمجالس البلديات؛ وأن دستور إمارة قطر الجديد دخل حيز التنفيذ؛ وأن الكويت والبحرين وعُمان واصلت جميعها انتهاج سياسات برلمانية.

وفي الوقت الذي أشارت فيه النخب الخليجية إلى أنها ستقاوم أي ضغوط أمريكية علنية تتم ممارستها من أجل فرض إصلاحات سياسية، برزت مؤشرات في دول منطقة الخليج تدل على أن مزيداً من الانفتاح السياسي ربما لا يصب دائماً في مصلحة الولايات المتحدة. ففي مارس ومايو وأغسطس 2004، شهدت البحرين تظاهرات كبيرة مناهضة لسياسات الولايات المتحدة الأمريكية في العراق. أضف إلى ذلك أن استطلاعات الرأي التي أجريت في دول منطقة الخليج، عكست دائماً معارضة عامة في الأوساط الشعبية لسياسات الولايات المتحدة في تلك المنطقة. وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن إمارة قطر ـ وهي إحدى الدول الحليفة ووثيقة الارتباط بالولايات المتحدة، والتي تسير قدماً في تطبيق برامج للإصلاح السياسي ـ لم تتلقَ أي دعوة من واشنطن للمشاركة في قمة الدول الصناعية الثماني الكبرى التي قررت إقامة شراكة مع الشرق الأوسط الموسع ومنطقة شمال إفريقيا. وقد أعرب مسؤولون في إدارة الرئيس بوش في عدد من المناسبات عن استيائهم من أداء محطة الجزيرة الفضائية، وقد يكون السبب الذي دفع واشنطن إلى عدم إدراج إمارة قطر في قائمة الدول التي تمت دعوتها للمشاركة في قمة الدول الصناعية الثماني الكبرى، الأمر الذي طرح تساؤلات عديدة حول مدى التزام الولايات المتحدة بحرية الإعلام في منطقة الخليج. ومن الواضح أن واشنطن تواصل جهودها ومحاولاتها الرامية إلى إيجاد صيغة توفق عبرها بين دعواتها المتكررة لضمان مزيد من الحريات السياسية في دول مجلس التعاون الخليجي من جهة، وبين الأهداف التقليدية لسياستها الخارجية وعلاقاتها الوثيقة مع الأنظمة الحاكمة في تلك الدول من ناحية أخرى.

الانتخابات الأمريكية وعلاقات الولايات المتحدة الأمريكية بدول مجلس التـعاون الخليجي

لقد كشفت حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة بجلاء، عن حقيقة أن جزءاً كبيراً من الرأي العام الأمريكي ينظر إلى السعودية بعين الريبة وعدم الثقة، بالرغم من العديد من الإجراءات التي قامت بها المملكة العربية السعودية في إطار التعاون مع الولايات المتحدة في حربها على الإرهاب. وقد انتقد المرشح الديمقراطي لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، السيناتور جون كيري John Kerry إدارة الرئيس بوش في أكثر من مناسبة، لبنائها علاقات طيبة مع المملكة العربية السعودية. ففي الخطاب الذي ألقاه بمناسبة ترشيحه رسمياً من قبل حزبه في المؤتمر الذي انعقد في يوليو 2004، دعا جون كيري إلى انتهاج سياسة في مجال الطاقة تحرر الولايات المتحدة من اعتمادها على نفط منطقة الشرق الأوسط، إذ قال: "أريد وطناً يعتمد على أصالته وإبداعه بدلاً من الاعتماد على العائلة الملكية السعودية". وفي خطاب ألقاه في أواخر سبتمبر 2004، صرح المرشح الديمقراطي بأنه سيفعل ما لم يفعله الرئيس بوش، فقال: "سأحاسب السعوديين لتورطهم في تمويل منظمات إرهابية". ومما لا شك فيه، أن منظمي حملة جون كيري الانتخابية، كانوا يعتقدون بأنهم سيحصلون على مزيد من أصوات الناخبين عبر اتخاذهم موقفاً مناهضاً للسعودية وربط الرئيس بوش بالسعوديين.

من الواضح طبعاً أنه يجب عدم المبالغة في أهمية مسألة المملكة العربية السعودية كأحد جوانب حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ويُستنتج ذلك من حقيقة أن اسم المملكة العربية السعودية لم يُذكر قط في المناظرة الأولى التي دارت بين مرشـحَـي الرئاسة الأمريكـيَـيْـن في أواخر سبتمبر 2004. وقد جاء ذلك بالرغم من أن تلك المناظرة كانت مخصصة لمناقشة قضايا السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية. يُذكر هـــنا أن المرشح الديمقراطي جون كيري، لم يكن السياسي الأمريكي الوحيد الذي استشعر استياء الجزء الأكبر من الرأي العام الأمريكي من السعودية. ففي يوليو 2004، صوت مجلس النواب الأمريكي بتأييد أغلبية 217 صوتاً مقابل معارضة 191 صوتاً لصالح إلغاء مساعدة رمزية من الولايات المتحدة الأمريكية للمملكة العربية السعودية (بقيمة 25 ألف دولار) من قائمة المساعدات الأجنبية لعام 2005. تجدر الإشارة إلى أنه في حال الموافقة على تقديم تلك المساعدة كان سيعني ذلك تقديم حسومات تُقدر بملايين الدولارات للمملكة العربية السعودية في إطار التبادل التجاري أو عند شرائها معدات عسكرية أمريكية أو عند تلقي قواتها تدريبات عسكرية على يد الأمريكيين. وقد صرح أحد المشرِّعيين الأمريكيين في هذا الصدد بما يلي: "لا أرغب بأن تذهب دولارات دافعي الضرائب إلى السعوديين أو إلى أي جهة أخرى". من المؤكد أن السياسيين الأمريكيين لم يكونوا ليتخذوا مواقف مناهضة للمملكة العربية السعودية لو أنهم لم يستشعروا استمرار وجود استياء لدى أغلبية الرأي العام الأمريكي تُجاه السعوديين.

ولا بد من الإشارة إلى عدم وجود أي استياء لدى الرأي العام الأمريكي تُجاه دول مجلس التعاون الخليجي الصغيرة، وأن هذا الشعور السلبي كان موجهاً فقط ضد المملكة العربية السعودية. إن ضغط الرأي العام، أو بالأحرى ضغوط الآراء العامة المناهضة للولايات المتحدة الأمريكية، التي تولدت في دول مجلس التعاون الخليجي، تشكل عنصراً هاماً في علاقات الولايات المتحدة الراهنة بتلك الدول. غير أن التقاء المصالح المشتركة ما زال يشكل العامل الرئيسي الذي ُيقرِّب بين تلك الدول ويدفعها إلى التعاون في جملة من القضايا والميادين؛ وقد بدا هذا الأمر بجلاء في عام 2004، إثر التعاون المكثـَّـف بين واشنطن وجميع عواصم دول مجلس التعاون الخليجي. ليس هناك ما يشير إلى احتمال تراجع مستوى التعاون بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي في المستقبل المنظور، ولكن سيصبح من الصعب الحفاظ على علاقات عامة طيبة بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول مجلس التعاون الخليجي، إذا طال أمد الاستياء المتبادل الذي تشهده أوساط الرأي العام لدى الجانبين. لذلك، ستبقى دائماً مسألة تحديد اتجاهي الرأي العام الأمريكي والخليجي على حد سواء، مثاراً للتساؤلات والتمحيص عند التطرق إلى علاقات الولايات المتحدة الأمريكية بدول مجلس التعاون الخليجي.

ملاحظة: لا تزال هناك فقرة تتعلق بنتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية وما قد تحمله من انعكاسات على علاقات الولايات المتحدة بدول مجلس التعاون الخليجي، وستستكمل هذه الدراسة بإضافة الفقرة المتبقـية بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية الأمريكـية.

مجلة آراء حول الخليج