; logged out
الرئيسية / بعد ربع قرن من القمة الخليجية الأولى: زايد الإمارات.. قيمة تغيب بين قمتين

بعد ربع قرن من القمة الخليجية الأولى: زايد الإمارات.. قيمة تغيب بين قمتين

الأربعاء، 01 كانون1/ديسمبر 2004

بينما يطل علينا شهر ديسمبر من هذا العام نجد أنفسنا بالضرورة مطالبين بوقفة خاصة مع هذا الشهر، فهو الشهر الذي شهد تأسيس أول تجربة اتحادية خليجية عربية هي ميلاد دولة الإمارات العربية المتحدة في الثاني من ديسمبر عام 1971، وهو الشهر الذي تنعقد فيه القمة الخامسة والعشرون لمجلس التعاون الخليجي في مملكة البحرين في الفترة من 20 - 22 من ديسمبر 2004 ، وكان من المقرر أن تنعقد في دولة الإمارات العربية المتحدة والشهر نفسه الذي يشهد الاحتفال بالذكرى الثالثة والثلاثين لقيام الحدث الأول ، وانعقاد القمة الخليجية الخامسة والعشرين وهو الحدث الثاني، بينما يغيب عن هذا المشهد أحد أبرز أبطاله، مما يفرض علينا أن تكون وقفتنا مع هذا الشهر وقفة مع أهم حدثين للدول العربية في الخليج إن لم يكونا الحدثين التاريخيين الأهم على الإطلاق في تاريخ الخليج الحديث.
غير أن تناول الحدثين في هذا الشهر لا يمكن أن يبدأ أو يتم دون الحديث عن واحد من أبرز القادة العرب في تاريخ منطقة الخليج العربي إن لم يكن هو أبرز القادة الذين صنعوا هذين الحدثين.

لقد رحل هذا القائد التاريخي عن عالمنا إلى رحاب ربه بعد أن ترك للتاريخ صفحات وصفحات من الإنجازات التي شكلت تحولات هائلة سواء على المستوى الوطني أو المستوى الإقليمي في الخليج . إنه المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الذي يسجل له تاريخ المنطقة الحديث أنه صانع الحدث التاريخي الأول المتمثل في تأسيس اتحاد الإمارات العربية، ورائد الحدث التاريخي الثاني: تأسيس مجلس التعاون الخليجي .

( عندما اتحدت الإمارات )

وانطلاقاً من فكره الوحدوي النابع من القيم الإسلامية الداعية إلى التوحيد ، ومن الضرورات الوطنية الدافعة إلى الاتحاد ، والأهداف القومية الساعية إلى الوحدة ..كان مسار حركته لتحقيق تلك الأهداف وتجسيد تلك الطموحات ذات اتجاهات ثلاثة، وطنية وإقليمية وقومية ، وكان من الطبيعي أن يكون الاتجاه الأول على الصعيد الوطني الإماراتي .

فمنذ اللحظات الأولى لتولي الشيخ زايد مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي عام 1966، فلقد باشر توجيه دعوته للاتحاد إلى أبناء الإمارات، واتجه بحركته إلى إخوانه حكام الإمارات في دبي والشارقة وعجمان ورأس الخيمة وأم القيوين والفجيرة وتحقق الهدف الذي كان في الواقع حلماً لأبناء الشعب العربي الواحد في الإمارات السبع ، حين التقت إرادة الحكام مع إرادة شعبهم، واتفقوا على جمع الصفوف وحشد الطاقات في إطار دولة واحدة، وفي الثاني من هذا الشهر ديسمبر عام 7119 تم الإعلان عن قيام دولة الإمارات العربية المتحدة وهو الحدث التاريخي الأول في هذه المنطقة في مرحلة ما بعد الاستقلال، والإنجاز الكبير الذي تجاوز مرحلة التجربة إلى مرحلة النموذج في البناء الاتحادي العربي بدءًا بالبناء الاتحادي الخليجي.

ويؤكد الشيخ زايد هذا بقوله : " إن دولة الإمارات قبل كل شيء نموذج اتحادي خليجي عربي قائم ومتطور وهي تضع نفسها في خدمة أي تنسيق بين أشقائها في منطقة الخليج .. إن كل حركة توحيد في المنطقة هي دعم لاتحاد الإمارات ولتجربتنا الاتحادية وتأكيد بأن الخط الاتحادي الذي سرنا عليه هنا هو الخط الذي لا محيد عنه في النهاية لدول الخليج العربية كلها ، ووجودنا في حد ذاته هو دعوة مفتوحة ودائمة للوحدة الخليجية وتوسيعها " .

هكذا بدأت المسيرة الاتحادية في الإمارات على الصعيد الوطني في اتجاهها الأول انطلاقاً من هذا الإدراك الواضح بأن النجاح في هذا الاتجاه الوطني هو المقدمة الأولى الضرورية لتطوير الحركة نحو الاتجاه إلى الإطار الإقليمي ، وإلى الأفق العربي .

( .. وعندما تعاون الخليج )

ووجدت دولة الإمارات العربية المتحدة بقيادة زايد نفسها وجهاً لوجه أمام المعادلة الإقليمية في منطقة الخليج العربية .. ومع تباشير نجاح المسيرة الاتحادية الوطنية اتجه زايد الإمارات بدعوته وحركته نحو دول الجوار العربية في الخليج وهو المسار الثاني في المسيرة الاتحادية ... وسعى زايد للموازنة بين جهوده لترسيخ البنيان الاتحادي لدولة الإمارات وبين تمهيد الطريق لتحرك تلك المسيرة على الصعيد الإقليمي الخليجي .

فاتجه إلى إخوانه قادة دول الخليج العربية في المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان ودولة الكويت ودولة قطر ومملكة البحرين بالدعوة إلى التنسيق والتكامل في الطريق نحو اتحاد خليجي عربي . ونتيجة للروابط التاريخية بين أبناء الشعب العربي الواحد في منطقة الخليج، واستجابة لتطلعات المستقبل التي تجمع بينهم وحلاً للمعادلات الإقليمية التي فرضت نفسهاعليهم، التقت إرادة قادة دول الخليج العربية ليست مع إرادة شعبهم في ضرورة السعي نحو بناء الاتحاد الخليجي العربي.

وكان من الطبيعي أن يقرر القادة عقد أول قمة لهم في مدينة أبوظبي عاصمة الإمارات العربية المتحدة التي تمثل أول تجربة اتحادية خليجية عربية ، تكريماً للدور الرائد لقائدها الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في بناء التكامل الخليجي .

وفي هذه القمة التاريخية أعلن القادة في الخامس والعشرين من مايو عام 1981 عن ميلاد صرح اتحادي أكبر بتأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية لتحقيق المزيد من التعاون مروراً بالتكامل ووصولاً إلى الاتحاد الشامل بين دول وشعوب المجلس في إطار جامعة الدول العربية وانطلاقاً من ميثاقها.

ومثلما كانت هناك من الضرورات والطموحات الوطنية ما دفع إلى بناء اتحاد الإمارات العربية، كانت هناك من الأحداث والتطورات في منطقة الخليج ومن حولها ما فرض على القادة مواجهة هذه المعادلات الإقليمية والمتغيرات الدولية.

فعلى الصعيد الإقليمي وبدءًا من عقد السبعينات من القرن العشرين الذي شهد ميلاد الإمارات واجهت المنطقة أحداثاً بالغة الأهمية والتأثير على دولها .. بدءًا من استقلال دول الخليج العربية عن بريطانيا التي كانت ترتبط معها بمعاهدات حماية ، ومروراً بالانقلاب الاستراتيجي في المنطقة بقيام الثورة الإيرانية ، وبتفجر الحدث المأساوي الأكبر باندلاع الحرب العراقية – الإيرانية ، وتوتر المواجهة بين القوتين العظميين في العالم بعد الغزو السوفييتي لأفغانستان وما يلقيه ذلك من ظلال وتأثيرات مما يحدث لدولة جوار جغرافي وإخوة إسلامية، واحتمالات أن تمتد هذه المواجهة إلى الساحة الخليجية. كذلك شهد هذا العقد انقسام العالم العربي حول الموقف من اتفاقية السلام المصرية – الإسرائيلية واندلاع الحرب الأهلية في لبنان، بما يلقيه ذلك من تبعات وما يطرحه من تحديات وما يتطلبه من ضرورات التنسيق والتعاون والتكامل للتعامل مع هذه الأحداث.

ووجد مجلس التعاون لدول الخليج العربية نفسه وجهاً لوجه أمام التحديات والمسؤليات والتبعات ليس فقط تعاملاً مع آثار أحداث السبعينات التي فرضت وجوده. وإنما أيضا مع أحداث جسام فرضها عقد الثمانينات والتسعينات ومع بداية الألفية الثالثة.
حيث عصفت بالمنطقة أحداث الغزو العراقي للكويت ( إحدى دول المجلس ) عام 1990 والتي شكلت تحدياً بالغ التعقيد أثرت فيما بعد على ضرورات التكامل ليس في المجال السياسي فقط وإنما في المجال العسكري، والاقتصادي، والاجتماعي.

فلقد تنبهت دول المجلس إلى ضرورة تعزيز ذراعها العسكري المتمثل في قوات " درع الجزيرة " ، كما تنبهت إلى ضرورة علاج الخلل في تركيبتها السكانية على المستوى الاجتماعي ، وباشرت في الإسراع إلى تعزيز تكاملها الاقتصادي، ثم كان عليها مواجهة تبعات وآثار حرب الخليج الثانية التي شارك فيها ائتلاف عسكري دولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لضرب الجيش العراقي وإخراجه من الكويت في العام 1991.

وما ترتب على ذلك من معاهدات أمنية بين دول المجلس وكل من الولايات المتحدة وبريطانيا ، ليصبح الوجود العسكري الأنجلو – أمريكي أمراً واقعاً بما يفرضه من آثار استراتيجية وتبعات سياسية واقتصادية. وعلى مدى القمم الخليجية الأربع والعشرين الماضية كان جدول أعمال كل قمة محشوداً بالقضايا والأوضاع والأهداف الإقليمية والقومية والدولية التي تفرض على المجلس التعامل معها واتخاذ المواقف المناسبة والقرارات الضرورية لمعالجتها.

وفي الوقت الذي باشر فيه المجلس بالسعي لتعزيز بنيانه التكاملي سعياً لوضع الأساس لبنيان اتحادي على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية، فلم تخل أجندة قمة واحدة من هذه القمم من التفاعل مع القضايا القومية العربية وفي مقدمتها قضية الشعب الفلسطيني والمطالبة بتطبيق قرارات الشرعية الدولية القاضية بحق العودة وحقه في إقامة الدولة الفلسطينية على ترابه الوطني وعاصمتها القدس الشريف .

كما لم يغب عن دول المجلس المساندة الدائمة لدولة الإمارات العربية المتحدة في حقها في الجزر الثلاث التي تحتلها إيران والدعوة إلى التفاوض للوصول إلى حل سلمي أخوي بين الجارتين المسلمتين يضمن استعادة الجزر ويرضي جميع الأطراف.
وبينما نتطلع إلى " المنامة " عاصمة البحرين التي تستعد لاستضافة القمة الخامسة والعشرين ، فإنه لا يغيب عن الفكر قيمة دور زايد ولا " زايد القامة " الذي يغيب بين القمتين .. الأولى التي كانت تجسيداً لتأسيس المجلس عام 1981 والقادمة التي تمثل تأكيداً لاستمرار مسيرة المجلس حتى عام 2004 .

( الفارق بين القمتين )

وبينما واجه المجلس على مدى ثلاثة عقود قضية احتلال الكويت من جانب العراق وحرب الخليج الأولى بين العراق وإيران ، وحرب الخليج الثانية لتحرير الكويت فإن دول المجلس تواجه حالياً قضية احتلال العراق من جانب الولايات المتحدة وبريطانيا، بعد شهدت حرب الخليج الثالثة مع بدايات الألفية الثالثة .

وإذا كانت دول المجلس قد حددت أهدافها منذ إنشائه طبقاً لما نص عليه ميثاق المجلس في تحقيق التنسيق والتكامل بين الدول الأعضاء وتعميق الروابط والصلات بين شعوب دول المجلس ووضع الأنظمة المتماثلة في مختلف الميادين ، ودفع عجلة التقدم العلمي والتقني في مجالات الصناعة والتعدين والزراعة ، وتشجيع تعاون القطاع الخاص في دول المجلس، فإن القمة المقبلة سوف تركز على تعزيز التكامل الاقتصادي والاجتماعي حيث يزدحم جدول أعمالها بالكثير من المشروعات في المجال الاقتصادي .

وإذا كانت دول المجلس قد خطت خطوات كبيرة ومتسارعة فيما بينها نحو تحقيق التكامل في جميع المجالات التي تخدم مواطني دول المجلس السياسية والاقتصادية والإعلامية والاجتماعية والأمنية لا يتسع المجال لرصدها، فإننا ونحن نتذكر القادة الرواد للمسيرة الاتحادية الخليجية ونسجل بالتقدير أدوارهم الكبيرة في الوصول بها إلى ما وصلت إليه، لابد لنا من القول إن الآمال والطموحات بعد نحو ربع قرن من عمر المجلس مازالت أكبر مما تحقق من إنجازات،خصوصاً أن دول المجلس هي أكثر وحدة من كل الاتحادات ، وفي عصر الكيانات الكبرى والتكتلات الدولية ليس أمام دول المجلس سوى الإسراع بخطى أكبر نحو تحقيق آمال الشعب العربي الواحد في الخليج نحو تحقيق الاتحاد الخليجي العربي .

مقالات لنفس الكاتب