; logged out
الرئيسية / مستقبل الدولة الخليجية بعد احتلال العراق

مستقبل الدولة الخليجية بعد احتلال العراق

الأربعاء، 01 كانون1/ديسمبر 2004

شكّل احتلال العراق من قبل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا مرحلة جديدة من مراحل التاريخ السياسي لتشكيل الدولة في منطقة الخليج العربي. حيث خضعت الدولة الخليجية منذ القرن التاسع عشر لعدة مراحل من التطور ساهمت فيها عوامل التاريخ والأطماع الدولية والإقليمية والصراعات الداخلية في تشكيل هوية الدولة الخليجية لتكون كما هي عليه الآن.

ويقصد بالدولة الخليجية هي تلك الكيانات الجغرافية التي تمثلها دول مجلس التعاون الخليجي المطلة على سواحل الخليج العربي والتي انتهى تشكيلها الأخير في العام 1971 عندما نالت معظم آخر هذه البلدان استقلالها من الاستعمار البريطاني.

ويمكن تتبع مراحل تطور الدولة الخليجية الحديثة منذ نهاية الستينات عندما طرحت فكرة الاتحاد التساعي الذي كان مقترحاً أن يشكل كياناً اتحادياً بين كل من (الإمارات السبع وإمارتي البحرين وقطر) إلا أنه لم يرى النور لاحقاً لأسباب متعددة. وخلال تلك الفترة اتسمت الدولة الخليجية بأنها دولة حديثة تعاني من صعوبات في إدارة نفسها، وفي ظل وجود ثروة نفطية فقد استطاعت إنشاء البنية التحتية لهذه البلدان، وتحديث مجتمعاتها مما أفرز لاحقاً حالة من النمو وليس التنمية مازالت تداعياتها قائمة إلى اليوم.

أيضاً اتسمت الدولة الخليجية منذ مرحلة التأسيس في السبعينات وحتى قبيل احتلال العراق بالاعتماد على الثروة النفطية في مصادر القوة، وهو ما جعلها تعتمد دائماً على القوى الأجنبية في دعمها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وظهر ذلك جلياً في الحرب العراقية الإيرانية، ثم عند تشكيل التحالف الدولي لإنهاء احتلال الكويت في العام 1991، وتعزيز التواجد العسكري الأجنبي في منطقة الخليج ليكون سمة جديدة من سمات الدولة الخليجية. ولابد من الإشارة إلى أن هذه السمة ارتبطت بها مسألة الدور الأجنبي في السياسة الخليجية.

كذلك من الضرورة بمكان توضيح طبيعة العلاقة بين السلطة والقاعدة في الدولة الخليجية. فقد اتسمت هذه العلاقة بالأحادية، إذ كانت السلطة هي دائماً المسيطرة على تفاعلات النظام السياسي داخل الدولة الخليجية، في الوقت الذي كان فيه دور القواعد محدوداً وأحياناً هامشياً، وكان من الصعوبة بمكان تغيير هذه المعادلة بسبب ارتبطاها بمصادر الشرعية التي كانت تعتمد عليها النخب في الدولة الخليجية.

ومع بدء الاحتلال الراهن للعراق فقد بدأت مرحلة جديدة من مراحل تطور الدولة الخليجية. ولكن هذه المرحلة اختلفت عن سابقتها بأنها كشفت قوة وطبيعة تشكيل الدولة الخليجية، حيث أصبحت الأخيرة في وقت هي أضعف فيه مقارنة بالماضي. حيث استطاعت القوى العظمى والكبرى الحليفة في النظام الدولي من تغيير نظام سياسي مجاور برمته بمبررات غير مقنعة، الأمر الذي قد يشير إلى إمكانية امتداد مثل هذا التغيير إليها مستقبلاً. وإذا كانت هناك تدخلات ومحاولات وأطماع إقليمية في السابق كانت تهدد الدولة الخليجية واستطاعت الأخيرة من التغلب عليها بالتحالف مع القوى الأجنبية، فإن هذه القوى هي التي أصبحت تهددها اليوم. الأمر الذي يتطلب إعادة النظر في طبيعة تركيبة الدولة الخليجية وطريقة تعاملها مع حلفائها الإقليميين والدوليين.

مثل هذا التحدي الكبير والجديد الذي تواجهه الدولة الخليجية يستدعي النظر في الإشكاليات الداخلية التي تواجهها اليوم. ففي البداية نجد استمرار التواجد العسكري الأجنبي في منطقة الخليج، وفي الدولة نفسها وهو ما يعني استمرار إخفاق الدولة الخليجية أمنياً سواءً على المستوى الإقليمي أو على المستوى الوطني. بالإضافة إلى ذلك فقد ظهرت لمواطني الدولة الخليجية الآن النتائج السلبية للسياسات الاقتصادية والاجتماعية التي انتهجتها حكوماتهم طوال العقود الثلاثة المنصرمة. ومثل هذه الإشكاليات وعوامل أخرى دفعت نحو بروز حركة من الاحتجاج السياسي والاقتصادي في المنطقة تطالب بالإصلاح بشتى أشكاله.

وإشكالية هذه الحركة الاحتجاجية أنها لم تصبح وطنية، بل أصبحت مرتبطة بفئات ونخب وأحياناً طوائف ومذاهب. مما يعني وجود تهديد آخر للتركيبة الموحدة لطبيعة الدولة الخليجية كما هو جاري في البحرين، ومرشح للامتداد في البلدان الخليجية الأخرى نظراً لتباين تركيبتها الداخلية.

في النهاية فإنه يمكن تلخيص أبرز ملامح مستقبل الدولة الخليجية في ثلاث نقاط نوجزها في الآتي:

1. إن التحولات الداخلية والمطالبات بالإصلاح داخل الدولة الخليجية باستجاباتها المتعددة من السلطة تشير إلى احتمال تغيّر شكل الدولة خلال المستقبل القريب.

2. إن التحديات الداخلية والإقليمية في منطقة الخليج تفرض تحدياً تاريخياً كبيراً وتقلل من إمكانية الدولة الخليجية في تحقيق التكامل الإقليمي أو تحقيق الاتحاد الإقليمي على الأقل من خلال تفعيل منظومة مجلس التعاون الخليجي.

3. تصاعد مطالب الإصلاح وارتباطها بالحقوق الفئوية أو المناطقية أو الإثنية يفتح الباب أمام احتمالات تفكك الدولة الخليجية، وتراجع دور السلطة المركزية، خاصة مع احتمال تغيّر شكل الدولة الخليجية من مركزية إلى فيدرالية أو دويلات صغيرة في ظل زيادة الدور الدولي لإعادة تشكيل منطقة الخليج (كما هو مطروح بالنسبة لكل من العراق وإيران).

مجلة آراء حول الخليج