; logged out
الرئيسية / مرحلة التحديات الجديدة في مسيرة التنمية العمانية

مرحلة التحديات الجديدة في مسيرة التنمية العمانية

الأربعاء، 01 كانون1/ديسمبر 2004

احتفلت سلطنة عمان في الثامن عشر من نوفمبر بمرور أربعة وثلاثين عاما على تولي السلطان قابوس مقاليد الحكم في السلطنة، حيث بدأ حكمه لعمان في 23 يوليو من العام 1970، ويحتفل العمانيون بالعيد الوطني في الثامن عشر من نوفمبر وهو يوم ميلاد السلطان قابوس.

وتتم مسيرة سلطنة عمان هذا العام عيدها الرابع والثلاثين، وهي مسيرة تحمل الكثير من الدلالات والأهمية على الصعيد الوطني العماني، وهي مسيرة تزخر بالإنجازات التنموية التي تتحدث عن نفسها في كل أرجاء عمان، وهي تعبر عن مرحلة بالغة الأثر في تاريخ العمانيين باعتبارها مرحلة تحققت فيها الكثير من خصائص المجتمعات الحديثة، وذلك بسبب طفرة اكتشاف النفط كما حدث في دول مجلس التعاون كلها.

إن المجتمع العماني اليوم وهو يستمتع بمعطيات مرحلة التعمير والبناء والتأسيس، يواجه بعض التحديات على مستويات أخرى، بدأ العمل فيها منذ بدايات مسيرة التنمية في السلطنة ولكنها لم تتقدم بنفس المستوى التي تظهر به مجالات مختلفة مثل إكمال متطلبات البنية الأساسية لمجتمع عصري، وهي أمور تستوجب أن يقف عندها العمانيون بمختلف اتجاهاتهم الفكرية.

في ظل الانشغال ببناء المؤسسات، وتوفير متطلبات البنى الأساسية، من تعليم وصحة وغيرها من الخدمات، لم يتم إعداد بناء المواطن العماني على الوجه الذي يحضره لمتغيرات وتطورات العصر، فمنذ بداية السبعينات كان الاهتمام واضحا بتعليم العمانيين في مختلف أرجاء الأرض وذلك من أجل أن يعودوا ويساهموا في بناء مجتمعهم الناشيء، وأن يفيدوه من خبراتهم المتنوعة والمتعددة.

ولكن لايزال إعداد و بناء المجتمع في ذاته، في جوهره، وليس في شكله الخارجي، لم يصل إلى المرحلة التي تشعر المواطن بالرضا والاقتناع. لا شك لدي أن توفير خدمات أساسية مثل الصحة والتعليم وتوفير أسباب العيش الكريم والآمن للمواطن من أهم الأمورالتي تسهم في صنع المواطنة(بفتح الطاء) الصالحة والفاعلة لأي مجتمع، لكنها في نفس الوقت لا تصنع مواطنا خلاقا ومبدعا، خاصة إذا لم تتوفر معها عوامل أخرى تعمل على تعزيز مفهوم المواطنة، وخاصة أيضا إذا ما أصاب معادلة الخدمات الأساسية خلل لأي سبب، لأن أي دولة تحتاج إلىالمحافظة على إخلاص مواطنيها لها، وأن تعتبرهم الذخر الحقيقي للوطن، وليس ما تم بناءه بالحديد والأسمنت.

ما يشكل تحديا واضحا أمام المجتمع العماني الآن ـ من وجهة نظري ـ هو غياب مؤسسات المجتمع المدني، بكل ما يحمله هذا المفهوم من معنى، فعمان لا تملك أي مؤسسة أو منظمة أو اتحاد أو نقابة أو أي نوع من أنواع أو أشكال التجمع الفكري أو السياسي، ما عدا مؤسسات الدولة، وجمعيات المرأة العمانية، وجمعيات الأطفال المعاقين وذوي الصعوبات في التعلم، إضافة إلى ثلاث جمعيات هي جمعية الأطباء وجمعية المهندسين وجمعية حماية المستهلك، وأخيرا جمعية الصحفيين، وهي جمعيات مهنية يترأسها موظفون في مواقع عليا في الحكومة.

ولا توجد في عمان أي جمعيات أو منظمات تعنى بقضايا حقوق الإنسان أو حقوق المرأة أو حقوق الطفل، أو دعم الانتخابات، او حرية الصحافة، أو الديمقراطية وغيرها من الجمعيات الموجودة في أغلب المجتمعات والغائبة عن مجتمعنا.

وبغض النظر عن السبب الذي من أجله قامت هذه الجمعيات غير أنها لاتقوم بدور في تحفيز وحشد المجتمع لقضية أو المطالبة بحقوق معينة أو مطالب محددة، إن هذه الجمعيات تعمل بإشراف كامل ومتابعة من جهات حكومية ذات علاقة وهي تعمل كما لو
كانت مؤسسات تابعة لوزارة أو هيئة حكومية، هذا بالإضافة إلى أنها في معظمها أو كلها لا تتعاطى مع القضايا الحساسة والأساسية للمواطن، وبعضها يعاني ـ خاصة تلك التي تعمل مع مشكلات خاصة مثل جمعيات الأطفال المعاقين ـ من متاعب مالية، بسبب شح التبرعات والدعم الذي يفترض أن تتلقاه من المجتمع، وهذا الوضع في حقيقة الأمر إفراز طبيعي لسنوات طويلة من الاعتماد على الدولة والحكومة في تقديم كافة أشكال الخدمات والمعونات والمساعدات، لقد تعود المجتمع أن يكون متلقيا ومستقبلا، فمثلما يستقبل الأوامر والقرارات يستقبل الخدمات والهبات.

إن المأزق الذي تواجهه عمان على المستوى الحكومي هو أنها في المرحلة السابقة تكفلت بالقيام بكل شيء نيابة عن المواطن، كانت تعطي ما تراه مناسبا وضروريا، وكان المواطن بالطبع في تلك المرحلة لا يطالب بشيء أكثر من الخدمات الأساسية التي أشرنا إليها، لكن الوضع يتغير الآن، وهناك مرحلة قادمة لا بد ستخضع لأنواع من التغيير في الأدوار.

والآن تطالب الحكومة بدور أكبر للقطاع الخاص تحديدا، بوصفه المالك لرأسمال المال، والذي يمكنه الاستثمار في مجالات كثيرة كانت الحكومة تحتكر القيام بها أو تقدمها كخدمات مجانية للمواطنين. لكن القطاع الخاص والذي يقصد به الشركات والمؤسسات الاقتصادية التي لا تملكها الدولة، لا بد أن يوازن بين أهدافه الاستثمارية و واجباته الوطنية، ولهذا فإنه من الضروري أن يقدم خدمات بقدر ما يريد أن يستثمر ويكسب، وأن يجعل مصالح المواطن البسيط ضمن مشاريعه وأهدافه، تجدر الإشارة إلى أن هناك بعض رجال الأعمال الذي قدموا الكثير لمجتمعهم دون مقابل ودون استثمار وذلك إيمانا منهم بأن دورهم يتعدى المبدأ التجاري البحت في الربح والخسارة، وهناك عدد من امؤسسات الخيرية التي تعمل بتبرع من رجل أعمال معروف أو على نفقته الخاصة، ولكن يظل السواد الأكبرللقطاع الخاص لايريد أن يتبرع، وهولا يريد باختصار أن يقوم بدور اجتماعي، دون أن يستفيد منه.

والمفارقة أن الحكومة لا تطالب المواطن خارج القطاع الخاص بدور أكبر في مجتمعه، وهولا يعطى الحقوق الكافية ليقوم بدور فاعل، هو مطالب بتنفيذ مجموعة من التعليمات والأوامر ضمن خطط طويلة أو قصيرة المدى ترسم من قبل الحكومة نفسها، وهذا حديث سيقودني للإشارة إلى دور مجلس الشورى في عمان لاحقا.

والواقع أن الحكومة بين أمرين أحلاهما مر، الأول أن تتخلى عن دورالوصي وتعطي مزيدا من الحقوق للمواطنين وأن تترك لهم الحرية في تقرير حاجاتهم وأن يتحملوا بالتالي نتائج قراراتهم، أي أن تبدأ الحكومة في النظر إلى مواطنيها بوصفهم أبناء راشدين يمكنهم اتخاذ قرارات بغض النظر عن وجهة نظر الحكومة فيها من حيث الصحة والخطأ، لأنه بهذه الطريقة فقط يمكن أن يبنى مواطن قادر على تحمل مسئولية قرارته، وأن يتعلم المواطن كيف يصنع قراراته.

والثاني أن تواصل الحكومة القيام بجميع الأدوار بكل تبعاتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، رغم اعتقادي الجازم أن هذا لن يجدي نفعا ولن يستمر لفترة طويلة من الزمن. وفي كلا الأمرين تخشى الحكومة أن تفقد سيطرتها علىالأمور، وأن تعطي منفذا لما لا تحمد عقباه. ورغم ذلك فإنه في ظل التحول الديمقراطي أو في ظل ما تقوم به الدولة من خطوات بطيئة بهذا الصدد هناك حاجة ملحة لإقامة وتأسيس مؤسسات المجتمع المدني، وحتما ستتخلى الحكومة عن سيطرتها الكاملة على كل شيء سواء بإرادتها أم فرض ذلك عليها التحول أو الضغط العالمي أو السياق التاريخي أو المطالب والحاجة الداخلية، وأتصور أن هناك وعيا ناميا في عمان بأهمية إرساء دولة المؤسسات كما صرح أكثر من مسئول في دولة أكثر من مرة، ولكن هذا لابد أن يصاحب بخطوات أكثر تسارعا لتناسب حركة العصر ومتغيراته.
من التحديات التي يواجهها المجتمع العماني هي تجربة الانتخابات ومجلس الشورى، لقد بدأت عمان تجربة الشورى والانتخابات في وقت مبكر مقارنة ببعض دول مجلس التعاون، خاصة فيما يتعلق بمشاركة المرأة في التصويت والترشح، ورغم أن لدى السلطنة تجربة جيدة يزيد عمرها عن 12 سنة غير أن التجربة من حيث الأثر لم تأت أكلها بعد، ولم تثمر عن ما يرتجيه المواطن العماني منها.

وسواء على مستوى تجربة الانتخابات بشكل عام أو على مستوى تجربة المرأة يؤمن العمانيون بأن السلطان قابوس قد آمن بشعبه بدون تمييز بين الرجل والمرأة، وآمن أن لكل فرد منه دوره االذي لايمكن الاستغناء عنه، كما كان ذلك واضحا منذ بداية قيادته وحكمه للبلاد في عام 1970 ، وحت اليوم فأغلب خطاباته تشير إلى أهمية تعليم ورعاية كل من الرجل والمرأة وتشير وتؤكد على أهمية دور المرأة في كل حقول التنمية.

وهذا ما انعكس إيجابا على تقبل المجتمع لانخراط المرأة في ميادين مختلفة، واستطاع أن يتجاوز الكثير من العقبات الثقافية والاجتماعية لا تزال الكثير من المجتمعات العربية ترزح تحتها وتعاني منها المرأة على وجه الخصوص.

وعندما لم تفز غير امرأتان في مجلس الشورى في الدورة الثانية، أعرب جلالته لكثير من المقربين بأنه كان يأمل أن تحصل المرأة على مقاعد أكثر في المجلس، وتجربة الانتخابات ككل كانت محط عنايته الشخصية ولهذا اهتم بها المسؤلون في الدولة، غيرأن هذه التجربة تواجه تحديين أو مشكلتين، الأولى تتعلق بنظام الانتخابات نفسه، والثانية بصلاحيات مجلس الشورى الذي لا يزال ضمن مؤسسات الدولة، بمعنى أنه ليس مؤسسة مستقلة بعد، ويترأس المجلس رئيس يعين بمرسوم سلطاني. ولهذا ينظر كثير من الناس إلى أعضاء المجلس ـ منهم الأعضاء أنفسهم ـ بأنهم موظفون في الدولة، وليس بغريب أن نسمع ونرى عضوا في مجلس الشورى يدافع عن الحكومة أكثر من الوزير الذي يستضيفه المجلس للمناقشة والمساءلة.

أما بالنسبة لنظام الانتخابات واستنادا إلى التجربة الأخيرة لانتخابات عام 2003 ، فإن النظام يحتاج إلى كثير من العناية وإعادة الصياغة، والاستفادة من التجارب السابقة في الانتخابات سواء في السلطنة او خارجها، ورغم أن اللجنة الرئيسة للانتخابات قد بعثت بوفد إلى بعض دول الحليج لهذه الاستفادة، غير أن ذلك لم يتم على النحو الذي يعفي من الأخطاء الإجرائية التي شهدها يوم الانتخابات، والسبب في عدم تلافي مشكلات الانتخابات هو عدم وجود لجنة أو هيئة دائمة للانتخابات، وهي من اختصاص وزارة الداخلية التي تبدأ في الاستعداد لهذا الحدث قبل حدوثه بعدة أشهر حيث تبدأ الاستعدادات بتكوين أو تشكيل لجنة الانتخابات الرئيسة التي يختلف أعضاؤها في كل دورة من دورات الانتخابات كل ثلاث سنوات أو أربع كما سيبدأ تطبيق ذلك منذ هذه الدورة.

وهذا يعني أن أعضاء اللجنة نفسها لا يبقون فيها، وبالتالي فإن اللجان التالية تحرم من الاستفادة من تجاربهم السابقة، وفي كل مرة يت اختيار أعضاء جدد يواجهون نفس المشكلات ونفس الأخطاء. من الأهمية بمكان أن تقام أو تؤسس لجنة أو هيئة عليا مستقلة تعني بالانتخابات وكل ما يتعلق بها، من إجراءات وترتيبات وتنظيم وتنسيق، بها موظفون دائمون ومستشارون بالإضافة إلى بعض الخبرات السابقة في الانتخابات سواء من اعضاء سابقون بالمجلس أو ممن لديه الاهتمام بمسألة تجربة الانتخابات.

أما بالنسبة لصلاحيات مجلس الشورى فإنها لا تكاد تذكر ويمكن أن يشار إلى إحدى المواد أو الفقرات التي تحدد مهام مجلس الشورى التي تتمثل في أن له مهمة استشارية فقط والحكومة غير ملزمة بها، كذلك أعضاء مجلس الشورى لا يعون من جهة أخرى ما هي حقيقة أدوارهم في المجلس إذ أن أقصى ما يستطيع أن يقوم به عضو هو المطالبة بخدمة ما كبناء مدرسة أو مستشفى أو طريق لمنطقة أو ولاية معينة، بغض النظر عن استجابة الجهات المعنية لذلك.

وبشكل عام ارى أن تطور تجربة الانتخابات مرتبطة بالدرجة الأولى بتوعية وتثقيف المجتمع، لأنه بالفعل الدور القادم هو دور من الشعب نفسه، ولكن على الدولة أن تمنحه صلاحيات لتوسيع حركته، وامكانات للقيام بدوره ، ومثل تفعيل دور الجمعيات القائمة بهذا الاتجاه أو السماح بتأسيس مؤسسات او منظمات تعمل على تثقيف المجتمع وتساعد االدولة على إتمام دورها ومهمتها، حتى يستطيع العماني أن يكمل المسيرة دون أن يشكل عبأ اقتصاديا أو ضغطا سياسيا عليها.

إن إدراك المواطنين بقلة أو بعدم جدوى الصلاحيات الممنوحة لأعضاء المجلس، يجعلهم يعزفون عن المشاركة في الانتخابات تصويتا وترشحا، خاصة المثقفون منهم والذين يعون المأزق الحقيقي الذي يواجهونه إذا ما شاركوا في الانتخابات، وكذلك إذا قاطعوها الأمر الذي يؤدي وأدى إلى سيطرة غير المتعلمين وغير المثقفين والمتقاعدين والباحثين عن أوضاع اجتماعية ووظيفية أفضل على مقاعد المجلس، ولهذا فإن المجلس على مستوى الممارسة لا يتطور من الداخل، كما أن استجابة رجل الشارع العادي هي رهن بأمور أخرى كثيرة ليس منها المشاركة في صنع القرار أو التحول الديمقراطي والتأسيس لدور أكثر تحفيزا ورغبة في التغيير الاجتماعي والسياسي.

إن حرية الإعلام العماني مسألة شائكة ومعقدة بقدر ما هو الحال بالنسبة للتحديات السابقة، إذ أن لكل تحد هنا طرفان، وكل طرف هو مسئول عن جزء من المشكلة، وإذا ما أراد طرف أن يغير يصبح من الصعب على الطرف الآخر التنازل أو التعاون، وأحيانا يكون من الصعب عليه الاستجابة لأنه ببساطة لم يعتد على وضع مختلف عما عهده وتعود عليه منذ سنوات.

تهيمن الدولة على كل وسائل الإعلام المرئي والمسموع، بالإضافة إلى مؤسسة صحفية كبرى وهي مؤسسة عمان للصحافة والأنباء والنشر والإعلان، وهناك أربع صحف يومية وغيرها من الصحف مختلفة الدورية تصدرها مؤسسات خاصة، ولكن ما ما يلاحظ على كل هذه الوسائل بمختلف جهات صدورها ونوعيتها أنها تتبنى نفس الخطاب وهي تتوجه بنفس المفردات والأفكار إلى القراء، هناك مساحات مختلفة تتباين قليلا أو كثيرا لكنها كلها في نفس الإطار، لا يكاد يلمح فرق بين الصحف االتي تصدرها الدولة وبين الصحف الخاصة على سبيل المثال، لأن نفس قوانين المطبوعات والنشر تسري على جميع المطبوعات التي تصدر في السلطنة.

لكن المشكلة لا تكمن في قانون المطبوعات والنشر أو في القوانين العرفية، أوالمصطلح عليها أوالمتفق عليه أو تلك المختلف في أمرها، المشكلة أكبر من ذلك حيث أن مفهوم الشفافية التي يتحدث عنه الجميع مفقود وغير موجود ولا يعترف به أحد، ولهذا فإن الجميع يحترمون بعضهم البعض ولا يمكن أن يتورط أحدهم مع الآخر سواء داخل المؤسسة الصحفية أو خارجها.

هذه الأعراف لا يمكن تجاوزها حتى بالنسبة للصحفيين أنفسهم، وفي تقديري أنه لوحدث ومنح الصحفيون حرية أكبر لمعالجة القضايا التي كانت ممنوعة لما استطاعوا أن يعملوا باطمئنان أو بحرفية أو مهنية كما هو متوقع أو مأمول منهم. فعلى سبيل المثال هناك عدد من المواقف التي فشلت فيها الصحافة العمانية في تناولها أو هي لم تقترب منها على الرغم بأنه على المستوى الرسمي قد تم الإعلان عنها، على سبيل المثال تقرير التنمية البشرية للسلطنة الصادرعن عام 2003 ،وهو تقرير شامل يضع الكثير من التحديات في مواضعها وهو يتحدث عنها بشفافية كبيرة، غير أن الصحافة المحلية لم تكن تمتلك الجرأة الكافية للتصدي لكل محاوره أو لمناقشة ما جاء فيه.

إن السبب في ذلك واضح وهو أن الصحافة لم تعد تعرف كيف تعالج مسائل كهذه، ولا تتجرأ على التطرق إليها، بعد سنوات من الخبرة مع الممنوع والمحظور والإنذرات والتهديد المباشر وغير المباشر عما نشر من موضوعات لا تعجب جهة معينة أو لا ترضي شخصا ما.
التحدي الجديد الذي وضع مؤخرا في ملعب الصحفيين العمانيين هو إشهار جمعيتهم والموافقة لها ببدء العمل، التساؤلات التي تطرح نفسها هنا: ما الذي سيفعله الصحفيون؟ ما هي خطوتهم التالية؟ هل ستختلف هذه الجمعية عن غيرها من الجمعيات؟ هل ستقوم هذه الجمعية بعمل شيء آخر غير التركيز على الوجه المشرق فقط؟ هل ستطالب بحرية الصحافة، هل ستكون سندا للصحفيين أم عليهم؟ هل ستكون هيئة مستقلة في قراراتها ومطالبها وأنشطتها؟ أتمنى أن تكون أعمال الجمعية تتناسب مع حجم وزمن انتظار الموافقة على تسجيلها منذ ثلاث سنوات.

إن حرية الإعلام والشفافية بين الحاكم والمحكوم ونزاهة وصدق الانتخابات في كل المجتمعات، هي من أهم الركائز التي تستند عليها أي أمة لضمان استقراراها وولاء مواطنيها لدولهم وحكوماتهم، فإذا ما افتقد المواطنون كل هذه الركائز فإن هذا الاستقرار وذلك الإخلاص سيكونان على المحك، لأن المواطن لم يعد ينتظر أن تمن عليه الحكومات بالمأكل والمشرب وأسباب الحياة المباشرة، لم تعد هذه وحدها هي مقومات العيش الكريم، أصبحت مسائل أخرى تحظى بنفس الأهمية والأولوية مثل احترام حقوق الإنسان وتمتع أي مواطن بهذه الحقوق مثل حقه في حرية التعبير، والفرص المتكافئة في التعليم والعمل، بالإضافة إلى تحسين وتطوير نظم التعليم، وتجويد نوعية الخدمات الصحية، وتسهيل وسائل وأدوات الحصول على المعلومات و هذه أمور كلها مجتمعة من شأنها أن تصنع وتقوي مفهوم المواطنة.

إن سلطنة عمان وهي تخطو نحو مرحلة تحول من دولة تعتمد على النفط كمصدر أول ورئيس للدخل القومي إلى دولة تنوع في مصادر الدخل لابد أن يكون ضمن أولوياتها الموارد البشرية، ويجب أن تستثمر في مواطنيها للمستقبل، وأن تعدهم للمرحلة ولمراحل أخرى ستزخر بالتحولات والتغييرات، يجب أن يكون الإنسان هو وسيلة التغيير وغايته، ولاسيما أن عمان تمتلك الكثير من المقومات على المستوى الجغرافي والتنوع الطبوغرافي، مما يجعلها قبلة سياحية رائجة من مختلف جهات العالم، كما أنها تسعى بشكل جاد وصادق للاعتماد على مصادر دخل مختلفة غير النفط مما يجعلها منطقة جذب استثماري أيضا للشركات العالمية الكبرى، خاصة بعد التطويرات والتوسعات والإنشاءات الجديدة للموانيء، والطرق، والمصانع ، والمناطق الحرة، وغيرها من الخدمات التي من شأنها أن تشجع على جذب ولفت الأنظار إليها بوصفها منطقة قابلة للاستثمار فيها.

تتميز سلطنة عمان عن أغلب دول مجلس التعاون بأن مواطنيها يشكلون أغلبية كبيرة فيها وهم حوالي 87% من التعداد العام للسلطنة بينما يشكل الوافدون حوالي 23% ، كما أن نصف المجتمع العماني تقريبا يشكله صغار السن والشباب بمعنى أنها الفئة التي يمكن إعدادها بشكل ممتاز للمستقبل ويمكن الاعتماد عليها، خاصة وأنه لدى المواطن العماني الاستعداد الكبير للتعلم ولمواكبة التقنيات الحديثة، بالإضافة إلى أن العماني لم يتوان ولم يعزف عن العمل في كل المواقع بدون استثناء، وهو يقدم على تجريب المهن كافة، ومن المألوف في عمان أن تشاهد مواطنا يعمل في أي موقع وفي أي مكان، مما يعني أن العماني قادر ومستعد لبذل الكثير منأجل البناء والمشاركة في تنمية وطنه من أي زاوية يكون فيها.

حري بالذكر هنا أنه في السنوات الأخيرة يلاحظ قيام العديد من مؤسسات التعليم العالي الخاص، وهي مؤسسات تخصصية، تعتمد في اختيار تخصصات الدراسة على معرفة حاجة سوق العمل المحلي أو العالمي، وذلك بالاعتماد على تقنيات المعلومات الحديثة واستخدام وسائلها وأساليبها، وهذا مما لاشك فيه يدفع إلى الأمام في طريق بناء وإعداد الأجيال القادمة، بما يؤهلها لدخول المنافسة حسب المواصفات العالمية.

لقد أثبت المواطن العماني في كثير من المراحل ولاءه وصدقه في التعاطي والتفاعل مع كل ما تطرحه الحكومة من خطط ومشاريع لإيمانه بأن ذلك في خاتمة الأمر يصب في مصلحته، وقد آن الأوان لأن يولى هذا المواطن اهتماما خالصا وخاصا، ولا يترك دون إعداد وتأهيل كاف في مهب التغييرات العاصفة في صحراء خالية من أوتاد تعزز ثقته بنفسه وتثبت مشاعر الولاء والانتماء.

مجلة آراء حول الخليج