; logged out
الرئيسية / ندوات ومؤتمرات كثيرة وحصاد قليل نتيجة فقدان آلية صناعة القرار

ندوات ومؤتمرات كثيرة وحصاد قليل نتيجة فقدان آلية صناعة القرار

الأربعاء، 01 كانون1/ديسمبر 2004

لا يختلف اثنان على أن مبدأ عقد الندوات والمؤتمرات بهدف مناقشة القضايا والملفات المختلفة والمتنوعة التي تزدحم على طاولة صاحب القرار في أي بلد مهما كان حجمه أو موقعه الجيوسياسي في عالم اليوم، بات أمرا لا مناص منه،ليس فقط من باب " وشاورهم في الأمر" فقط وهي المقولة التي أصبحت جزءا عضويا لا يقبل الانفكاك من الية صناعة القرار في أي نظام سياسي، لا بل بات من الصعب بمكان إذا لم يكن من المستحيل على أي حاكم أو مؤسسة حكم مهما كان الحاكم نابغة أو ثاقب النظر فيها أو مهما كانت المؤسسة الحاكمة قوية و صاحبة إرادة موحدة أن يحيط أو تحيط بكل جوانب القضية أو أبعاد الملف وحدهما دون تدخل و مساهمة الآخرين من مستشارون أو مفكرون أو خبراء يضعون كل ما لد يهم في "ورشةعمل" حيوية متحركة في الزمان والمكان اسمها الندوات و المؤتمرات .

ولكن ورغم كل ما تقدم فهل يعني أن مجرد عقد المؤتمرات والندوات كفيل بأن تنبثق عنها استشارات ناجحة و مفيدة ومن ثم قرارات وحكام ناجعة تعالج الملفات معالجة صحيحة ؟! الجواب الأولي هو كلا،لاسيما فيما يتعلق بمنطقتنا العربية و الاسلامية و بتحديد أكثر في منطقة الخليج و الاسباب حسب تصوري هي التالية:

أولا: إن الانطباع السائد لدى المراقبين و المحللين هو أن ظاهرة المؤتمرات والندوات العربية والاسلامية لا سيما في منطقة الخليج غالبا ما تهتم بالكم وليس بالكيف أو النوع و فضلا عن ابتلائها بظاهرة الدعاية والمظاهرة الاعلامية أكثر من البحث عن العطاء الفعلي والاستشارة الحقيقية والنابعة من الاحتياجات المحلية أو القضايا التي تبتلى بها شعوب المنطقة.

ثانيا : و حتى لا نضع كل اللوم على الحكام أو منظمي المؤتمرات و الندوات ذوي الصلة الوثيقة بالحاكم أو صاحب القرار فإن نظرة تأملية عميقة تؤكد لنا ان اجمالي المفكرين و المثقفين العرب و الخليجيين غالبا ما يسعون إلى محاكاة رغبات الحاكم و التقرب إليه من خلال قراءة أفكاره أو أحلامه أو طروحاته فيعدون بحوثهم أو استشاراتهم أو مداخلاتهم  و بالتالي توصياتهم بما يتناسب والاجندة التي وضعها الحاكم أوصاحب القرار أصلا فتصبح توصيات الندوات والمؤتمرات أشبه بذلك المفكر أو المثقف صاحب الرأي الجازم والنهائي في موضوع ما ولا يذهب أو يعود الى القرآن أو السنة إلا من أجل أن يجد ما يلائمه من أحكام جاهزة لديه أصلا.

ثالثا: إن الندوات والمؤتمرات المشار إليها غالبا ما تأتي كرد فعل على حدث أو ظاهرة أو ملف ظهر أو برز إلى الوجود بسبب فعل وانفعالات غير منظورة فتأتي الاجتماعات لمناقشتها كحدث طارئ. و بالتالي تصبح كافة التوصيات أو المعالجات آنية و مؤقتة وربما غير نافعة بسبب انقضاء مدة الحدث أو المشكلة فتصبح التوصيات أو المعالجات لا تصلح إلا للأرشيف.

رابعا : غالبية المؤتمرات و الندوات التي مرت علينا في السنين التي حصل فيها تغوّل هذه الظاهرة انما وردت في سياق مناكفات أومما حكات أوصراعات أو مطالبات دولية لحكوماتنا أو لنخبنا "توصيها" أو تأمرها بـ "اصلاح" أمرها. أو لم تكن- أي تلك الندوات و المؤتمرات- بسبب حاجات تنموية محلية حقيقية برزت و تبلورت بشكل "قاعدي" أي من قاع المجتمع إلى فوق، ما يدفع بنتائج مثل تلك الاجتماعات غير مجدية ومثمرة على الأرض بقدر ما تخدم " أجندات"دولية مفروضة و مفتعلة أحيانا.

خامسا: افتقاد المؤتمرات والندوات في غالبيتها بالطبع الى التخصص و صفة ورشات العمل الحقيقية ونزوع منظميها إلى نوع من السباق أو المسابقة فيما بينهم على العناوين التقليدية اللافتة للإعلام والاعلان أو في أحسن الأحوال العناوين التي ترضي ذائقة أصحاب الإعلام و الإعلان و دائما أرباب الحكم من المتمرسين خلف بعض تلك الندوات من أجل الظهور بمظهر "المتحرر"من السياقات التقليدية لمجتمعاتهم المحلية و الإيهام بوجود نيات عصرية و تقدمية صادقة و مخلصة لأهداف تسويقية ليس إلا.

سادسا: انعدام التنسيق أو النظرة التكاملية بين أصحاب الرؤى و الأفكار الاستشرافية، مما يجعل عمل المؤتمرين إما مكررا أو متناثرا أو متفرقا و بالتالي فقدان الحصاد النوعي و المتميز لتلك الندوات رغم كثرتها وتعددها.

استنادا إلى ما تقدم فإن المطلوب على مستوى مراكز البحث و الدراسات المعنية للخروج من الحالة الآلفة التوصيف ما يلي:

أولا: تفعيل دور المنظمات الاهلية و هيئات المجتمع المدني في صناعة و بلورة ندوات و مؤتمرات من نوع جديد لا يقتصر فيها التنظيم و الادارة على النخب "الفوقية" الوثيقة الصلة بالحكومة و صاحب القرار الأعلى .

ثانيا: إشراك كل أطراف المعارضة والقوى الحية في المجتمع ممن ليست بالضرورة ممثلة في أحزاب أو منظمات أو قنوات تقليدية معروفة حتى تضفي على الندوات و المؤتمرات طابع البحث عن حلول وطنية اجتماعية وليس عن حلول "ترفيهية" أو سهلة وميسرة و جاهزة تشبه تربية النباتات في المختبرات أو "الخيم" الجاهزة بدلا من المزارع المكشوفة المعرضة لكل الأنواء و الظروف الجوية الطبيعية.

ثالثا: اعتماد أسلوب ورشات العمل المتخصصة البعيدة عن مظاهر الدعاية و الإعلام و الإعلان التي غالبا ما تجعل من المؤتمرات و الندوات جزءا من مظاهرة حكومية آنية معروفة أهدافها سلفا أو تظاهرة نخبوية المقصود منها استعراض القدرات الفردية أو الفئوية أو الحزبية أو" الولائية" التابعة لهذه القبيلة أو تلك من " القبائل" الفكرية أو السياسية .

باختصار شديد و مكثف أعتقد بقوة بأننا بحاجة ماسة الى إعادة النظر كليا في أسلوب وكيفية عقد الندوات والمؤتمرات، وكذلك في الأهداف والغايات المطروحة لهذه الاجتماعات حتى لاتصاب حكوماتنا ومطابخ صناعة القرار في بلداننا "بالحصاد" القليل من جهة ولا نخبنا بالإحباط و الاكتئاب المزمن من جهة ثانية بسبب حالة المراوحة العامة التي تعيشها ظاهرة الندوات و المؤتمرات العربية لاسيما الخليجية منها.

كما أعتقد جازما بأن أي ندوة و مؤتمر لن يكتب لهما النجاح ما لم يكن السبب وراء عقدهما نابع من حاجة مجتمعية حقيقية تبلورت عبر مسار طبيعي لتطور المجتمع المعني أو الأهداف تنموية حقيقية يضعها الواقفون على رعاية ذلك المجتمع باتجاه الحركة نحو الأمام و ليس حاجة خارجية مفروضة أو حاجة "ترفيهية" أو"ترفية" الغرض منها تجميل الوجه الخارجي لهذا النظام أو ذاك أو في إطار ممارسة الترف الفكري المحض. ثم أخيرا فإن أي نجاح يراد له للمؤتمرات و الندوات التي ترتبها مراكز البحث والدراسات لابد أن يكون لها موقعها الملائم في نظام الشورى المعتمد أو نظام المشاركة السياسية المعتمدة لدى أنظمة الحكم في بلادنا . وفي غير ذلك فإنه طحن غير مجد في الطاحون.

مجلة آراء حول الخليج