; logged out
الرئيسية / في مسألة غياب تأثير المؤتمرات والندوات في الخليج و الوطن العربي: لا بد من الحوار مع الذات أولاً!

في مسألة غياب تأثير المؤتمرات والندوات في الخليج و الوطن العربي: لا بد من الحوار مع الذات أولاً!

الأربعاء، 01 كانون1/ديسمبر 2004

كما يبدو، فإنه من أصعب الأمور أن تعقد مؤتمراً، أو ندوة، ويكلفك هذا النشاط المبالغ الطائلة، شيئاً ما، فقط من أجل التدريب على الخطابة، أو تقديم عرض تقريري عن موضوع ما، أمام حشد، أو بالأحرى عدد محدود من الناس، كما هي العادة عندنا في دول الخليج العربية.

صورة قاتمة للبحث العلمي، أليس كذلك؟ أتفق معك عزيزي القارئ! لكن أنظر إلي حقيقة الوضع كما هي عليه بالنسبة لحال المؤتمرات والندوات والبحوث العلمية في الوطن العربي، والعالم الإسلامي ككل، أليست هي كذلك؟ أليست هي مجرد ضياع مبالغ كان الأجدى بها أن تذهب لجوانب تنموية أكثر فائدة، وأسرع مردوداً؟

عفواً، أنتظر عزيزي القارئ! لا تتفق مع رأيي هذا بهذه السرعة. فنحن في عصر المعلومات، وبدأنا الآن ركوب الموجة الرابعة مع ثورة المنمنمات والنونو (الجزء من المليار التي تنتجها العقول الإلكترونية في تصغير الأشياء). ولا يمكنك أن تحصل على المعلومات من دون تبادل للأفكار مع الآخرين. فنحن بشر، لا نعيش في جزر متباعدة. بل نحن نقترب كل يوم في عملية تواصل إجبارية، يقودنا فيها مسار تطور التكنولوجيا، التقنية، والعضوية، والفضائية معاً لتشكل مصير الكائن البشري في القرن الحالي.

أمر مربك؟ نعم! تماماً كما هي حال العالم، أو بالأحرى، الكرة الأرضية اليوم! مع ذلك أنصت إليّ للحظات، من خلال هذه الكلمات، علنا نتوصل لقناعة مشتركة ما حول أهمية اللقاءات، وعمليات التواصل في المجتمعات البشرية اليوم، وعبر البحوث العلمية.

فبالرغم من إننا نعقد عشرات، بل مئات، المؤتمرات والندوات سنوياً في الوطن العربيِ، فإن الأرقام والحقائق العلمية تقول إننا لا نرصد لذلك ما يوازي ما ترصده أضعف الدول الأوروبية، منفردة، مثل فنلندا، أو أسبانيا. إن إجمالي الدخل القومي لأسبانيا لوحدها يزيد على دخل الوطن العربي كله مجتمعاً، بما فيه من دول الخليج العربية النفطية. لكن هذا لا يعني أن لا نقيم المؤتمرات.

إذاً أين المشكلة؟

المشكلة هي أن الجهات الرسمية، صاحبة القرار، في المجتمعات العربية لا تعترف إلا بدراساتها هي الخاصة، إذا كانت لديها دراسات، كما هو الحال عندنا في الإمارات. وإذا اعترفت بدراسات الآخرين، والجهات البحثية، فبشكل لا يحفظ لجهة إصدار البحث حقوقها الأدبية. بل يجرى التحايل من قبل مراكز الأبحاث التابعة للحكومات، بسرقة الأفكار، وإجراء بحوث مشابهة، أم مكملة؛ أو تتناول زاوية أخرى لما يقدم لها من بحوث ولا تقبلها، بدواعي وأسباب مختلفة، علمية، وأمنية، وغيرها.

هناك عدم احترام لحقوق ملكية الأفكار وتسجيلها. بل لم يصل وعينا بعد لتنظيم مثل هذا الأمر، كما هو حاصل في الغرب حين تسجل الفكرة وتحفظ باسم صاحبها، ليبدأ العمل عليها، فيما بعد بصبر وتؤدة.

وهناك أيضاً عدم رغبة من مؤسسات الحكم في مشاركة المجتمع المدني السلطة بأي شكل وإن كان بالرأي. فالرأي، والتنفيذ، والرئاسة، والإشراف، والسياسة هي كلها ملك للجهات الحاكمة. وبعد ذلك مطلوب من الشعب والجمهور أن يتفاعل ويبدع، ويعطي بتميز للوطن! كيف؟ لا يمكننا أن نحل هذا اللغز بالسهولة التي يتخيلها القائمون على الأمر عندنا. فهو أمر نحتاج فيه لحوار صريح وواضح ومتوازن، ومتساوي. دون فوارق طبقية أو عرقية أو مذهبية أو مصلحية، من أجل أن نرتقي بأوضاعنا العربية والإسلامية بشكل صحيح في السلم الحضاري.

ولهذا فإن الندوات والدراسات، حتى لو كانت مخالفة أو معارضة للخط العام للدولة، فإنها تطرح سيناريوهات وبرامج بديلة، لا بد من اللجوء إليها حين لا تنجح البرامج الحكومية التي كانت، ولا تزال، قد جعلت عالمنا العربي والإسلامي في المراتب الأخيرة في ترتيب التطور البشري. والمأساة هي إننا دائماً ما نتحدث عن الحوار مع الآخر وننسى، أو نتفادى، حوار الذات. فلا توجد عندنا مشاكل، وكل شيء على أحسن حال. والمواطن يعيش في رغد من العيش، والسعة التي تجعلنا لا نقبل أي تغيير على نمط تعاملنا مع الأمور وسيرها! وهكذا تسير الأمور!

هكذا إذاً! فلماذا نتخلف ونعيش حالة تبعية تامة وشاملة ومطلقة؟ لماذا يخيم على أجوائنا هذا الإحساس باللامبالاة والانسحاب من الحياة العامة؟ لماذا تسود فقط الرؤية الآخروية بشكل تصل إلي درجة التنسك، أحياناً، دون النظر لما في الإسلام من دعوة للعمل والإتقان، وعمارة الأرض، أو أن يسود مفهوم آخر بعكس التدين يقول عش لساعتك؟ هل استطاعت أجهزة الأمن أن تحلل هذه الحالة لمعرفة ما الذي وراء هذه النفسية التي تجتاح شعوبنا؟

الجواب بسيط جداً يا سادة! هو عدم وجود الاتصال مع الذات. فالشعب والحكم يفترض أن يكونا ذاتاًُ واحدةً مكملةً لبعضها! فما الذي حصل؟ ما الذي جعل كل هذا الجفاء والانعزال عن بعضهما، وإن كثرت فلول المهنئين والمعزين، الذين يتوافدون في المناسبات على قصور الحكام. فالأمر لا يعني شعبية الحكم بالكامل. الكل يعرف في قرارة الذات أن هناك بوناً شاسعاً بين أن يكون هذا الحكم منه وإليه بالكامل. وبين أن يكون الحكم مفروضاً عليه، كأمر واقع!

والسبب؟ هو وجود الانقطاع وعدم الحوار! في السابق، على الأقل كانت هناك المجالس الخاصة بالحكام، والتي يلتقي فيها الناس بشكل شبه يومي. هذه المجالس، وإن حاول بعض الحكام، أو الشيوخ خلق استمرارها، بفتحها يوماً في الأسبوع للناس هذه الأيام، فإنها لم تعد كما في السابق، مفتوحة، للنقاشات الحرة، والعلنية، والصريحة، والشجاعة. أدب المجالس، تحول إلي رهبة، وتخوف، وريبة! وإذا كان السبب يعود إلي اتساع حجم شعوبنا عن السابق، وتعدد الجاليات فيها، فإن الأمر لا يعني التوقف عن شعيرة كانت تشكل عصب حسن استمرار نظام الحكم واستقراره! ولا بد من اتخاذ كل السبل لإعادة العمل بمثل ذلك العرف الاتصالي المفقود حالياً، وعلى أسس حديثة، تكفل حسن سير النظم السياسية واستقرارها. لأنه بدون الاستقرار والتفاعل لا يمكننا خلق حضارة. والحضارة لا تقوم إلا بوجود مقومين أساسيين هما الاتصال والتنظيم.

نقول ذلك ونحن ندرك تماماً حساسية التوقيت، والوضع في الساحة الدولية، وفي منطقتنا بالذات. إن المتغيرات كبيرة وضخمة. والسيناريوهات المطروحة كثيرة ومتعددة، ومتفاوتة الخطورة. وإعمال العقل في كل ذلك ليس من باب الترف الفكري، أو لمجرد التدرب الأرستقراطي، كما هو الحال في الصالونات الأدبية، بل هو ضرورة تفرضها الأحداث التي يراد لها أن يتم تحليلها وتدارسها، والخروج بأحسن الحلول لها. وكلما كانت الآراء والحلول المطروحة متنوعة ومتعددة المصادر كلما كانت أقرب للواقع!

نعود لنذكر بالموضوعة الرئيسية للمقال. هناك من يقول بأن المؤتمرات والندوات يجب أن تكون حسب طلب السوق. وتفصل حسب رغبات من يريد الحصول على نتائج معينة منها. قد يكون هذا حل. لكن ذلك قد يفقد مثل هذا النشاط موضوعيته، وأمانته، بتحويله إلي تجارة. ونبقى رغم ذلك نحن بعيدون تماماً عن طرق المجال الأكثر حيوية لمثل هذا النشاط البحثي في المؤتمرات والندوات العلمية، وهو مجال صناعة التكنولوجيا، والذي لا يمكن أن يتطور إلا بمراكمة وتبادل المعلومات والقدرات في ميادين مختلفة، وهو موضوع يحتاج إلي مقال آخر. نترك ذلك للقائمين على أمور العباد، عل الله يهديهم لخير طرق الرشاد.

 

مجلة آراء حول الخليج