; logged out
الرئيسية / هل ربط العملات الخليجية بالدولار هو الخيار الأفضل لدول المجلس؟

هل ربط العملات الخليجية بالدولار هو الخيار الأفضل لدول المجلس؟

الأربعاء، 01 كانون1/ديسمبر 2004

أثار مجددا التراجع المضطرد الذي تشهده قيمة الدولار جملة من التساؤلات الملحة بخصوص المنفعة النسبية التي تجنيها دول مجلس التعاون الخليجي من وراء انتهاج سياسة نقدية تربط عملاتها المحلية بالورقة الخضراء. فانخفاض قيمة الدولار يرفع من تكلفة واردات دول المجلس وبالتالي يخلق ضغوطا تضخمية على اقتصادات المنطقة. وحتى في حال استعاد الدولار قوته المعهودة، وهو أمر مستبعد في ظل تصاعد عجز الحسابات الجارية للاقتصاد الأمريكي بحوالي572 مليار دولار، أي ما يعادل 5.2 بالمائة من قيمة الناتج الإجمالي المحلي، لا بد من إعادة النظر والبحث في قيمة ربط العملات الخليجية بالدولار الأمريكي.

اليوم، لم تعد الولايات المتحدة تمثل أكبر شريك تجاري تتعامل معه دول مجلس التعاون الخليجي، ولم يعد الدولار يمثل الاحتياطي الوحيد للعملات الأجنبية ، بل الأدهى من ذلك كله أن القرارات التي تتخذها السلطات النقدية الأمريكية بالاستناد إلى الظروف والمعطيات الداخلية على صعيد الاقتصاد الكلي لا تمثل دوما الخيار الأفضل ولا الأصلح بالنسبة لاقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي.

وعلى مدى عقود طويلة، ظلت العملات المحلية الخليجية، باشتثناء الدينار الكويتي، مرتبطة بالدولار. بل إن الكويت هي الأخرى أقدمت في الأول من يناير 2003 على ربط عملتها بالدولار. ويبدو أن قرار الكويت نبع من رغبتها في تحقيق مبدأ التنسيق على مستوى أسعار صرف العملات في سياق المعاملات الخليجية البينية استعدادا لتطبيق سياسة العملة الموحدة. ولم يكن دافع البنك المركزي الكويتي ينطلق من اعتبار ربط الدينار بالدولار الأمريكي أنسب من تثبيه ضمن سلة من العملات الأجنبية.

في الماضي، وخصوصا في الفترة التي كانت فيها دول مجلس التعاون تمر بمرحلة انتقالية، كانت سياسة ربط العملات المحلية بالعملة الخضراء توفر لاقتصادات هذه الدول عنصرا يساهم في دعم استقرار سعر الصرف، وهو أمر أثبت جدواه خلال المراحل الأولى للتنمية الاقتصادية والمؤسساتية التي شهدتها المنطقة قبل بضعة عقود. وكان السوق الأمريكي وقتها يمثل المستورد الرئيسي لنفط دول المجلس في حين كانت الولايات المتحدة تزود السوق الإقليمي بالجزء الأكبر من وارداتها من المنتجات المصنعة، وبالتالي ساهمت سياسة ربط العملات المحلية بالدولار في تأمين استقرار عوائد االمعاملات التجارية. كما أن هذه السياسة النقدية عززت من عامل استقرار قيمة العملات المحلية مما ساعد على اجتذاب الاستثمارات الخارجية ووفر الحماية للاقتصادات المحلية ضد مضاربات السوق. كما أن ربط العملات الخليجية بالدولار أعفى الحكومات الخليجية من الحاجة إلى صياغة سياسات نقدية خاصة بها.

لكن اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي اليوم تشهد تطورات هائلة ونجحت في تحقيق قدر كبير من النضج، وبالتالي فإن سياسة ربط العملات المحلية بالدولار فقدت بعض أوجه محاسنها، خصوصا وأن الجزء الأعظم من أنشطة التبادل التجاري لدول المجلس تتم في الوقت الراهن مع مجموعة من الدول الآسيوية ودول منطقة اليورو. ويبدو أن هذا التوجه سوف يستمر في المستقبل.

ولعل أبرز الطروحات التي تدعم اتباع نهج اقتصادي يتمسك بسياسة ربط العملات المحلية بالدولار تشير إلى أن أهم مصدر لإيرادات التصدير هو النفط الذي يتم تقويم سعره بالدولار. وبالتالي فإن العمل على ضمان استقرار العملات المحلية بالتوازي مع استقرار عملة سلعة التصدير يقلص من إمكانية حدوث تقلبات حادة في قيمة عوائد الصادرات. لكن الواقع أن الصادرات لا تمثل سوى أحد وجهي عملة الميزان التجاري، إذ أن ربط العملات المحلية بالدولار الأمريكي لا يضمن استقرار قيمة النفقات المترتبة عن تغطية تكلفة الواردات المتزايدة، خصوصا وأن واردات دول مجلس التعاون الخليجي تأتي بشكل خاص من الدول الآسيوية ودول منطقة اليورو.

ومنذ عام 2002، تراجعت قيمة الدولار الأمريكي نسبة لقيمة حجم التجارة بمعدل خمسة عشر بالمائة، في حين هبطت قيمته مقابل اليورو خلال الفترة ذاتها بنسبة أكبر، حيث بلغت نسبة التراجع إلى حدود ثلاثين بالمائة. وكانت النتيجة أن انخفضت وبشكل ملموس القوة الشرائية لدول مجلس التعاون الخليجي. كما أن واردات هذه الدول من دول منطقة اليورو، والتي تمثل حوالي خمس وعشرين بالمائة من إجمالي الواردات الخليجية، باتت مكلفة أكثر من ذي قبل. وهكذا تقلص حجم واردات دول المجلس مقابل حجم معين من الصادرات وانكمش حجم الثروة الفعلية كما تتمثل في السلع والخدمات. وبهذا المعنى، فإن ارتفاع سعر الواردات، حتى ولو تم إيجاد بدائل محلية للاستيعاض عن السلع المستوردة، من شأنه أن يفاقم ضغوط التضخم على اقتصادات دول مجلس التعاون.

وعلاوة على تراجع قيمة الدولار هناك تكلفة أخرى تتصل بالترتيبات القائمة حاليا والتي توجه سعر الصرف. فسياسة ربط العملات المحلية بشكل ثابت بالدولار الأمريكي يستدعي أن يواكب سعر الفائدة المعمول به في دول مجلس التعاون الخليجي أسعار الفائدة المعتمدة في الولايات المتحدة. وبالتالي يمكن القول أن السياسات النقدية لدول المجلس يحددها فعليا الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. ومن البديهي أن السلطات النقدية الأمريكية عندما تتخذ قرارات تخص تحديد سعر الفائدة لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تدرج ضمن اعتباراتها الظروف الاقتصادية في مناطق أخرى من العالم، بما في ذلك دول مجلس التعاون الخليجي، والتي تتأثر اقتصاداتها بأسعار الفائدة المطبقة في الولايات المتحدة. الحقيقة أنه ليس هناك من سبب منطقي يدفع السلطات النقدية في واشنطن لأن تحدد أسعار فائدة تناسب إدارة الاقتصاد الكلي في دول مجلس التعاون. ويبدو بالفعل أن السياسات النقدية التي تتبعها الولايات المتحدة قد تساهم في تعزيز توجهات الدورة المهيمنة على اقتصادات دول الخليج و تعمق من حالة التأرجح بين فترات ركود وفترات انتعاش اقصادي.

ما يحدث عادة أنه كلما ارتفعت أسعار النفط يتخذ الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي قرارا بتخفيض سعر الفائدة أو على الأقل تعليق حركته بهدف تفادي حدوث ركود اقتصادي ينجم عن ارتفاع تكلفة الاستثمار للمؤسسات التجارية، في حين تساهم أسعار النفط المرتفعة في زيادة حجم السيولة، وبالتالي فإن تخفيض سعر الفائدة لن يساهم سوى في توسيع دائرة السيولة. وفي مثل هذه الحالات يرجح أن يؤدي الفائض في الموارد المالية مصحوبا بمعدلات إقراض منخفضة إلى خلق فقاعة سعرية على صعيد قيمة الموجودات مع احتمال حدوث تداعيات قد تساهم في اهتزاز استقرار السوق.إن اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي تواجه اليوم هذه الحالة بالضبط، خصوصا إذا ما اعتبرنا أن أسعار الأسهم والعقارات آخذة في الصعود بمعدلات ربما تخرج عن نطاق السيطرة. فمؤشر شعاع المركب لأسواق الخليج، على سبيل المثال، اكتسب ستة وثلاثون نقطة إضافية من قيمته منذ بداية هذا العام.

ما من شك أن انتهاج دول مجلس التعاون لسياسة نقدية تتمتع بالاستقلالية من شأنها أن تساعد السلطات على التحكم في التقلبات التي قد تطرأ على العملة والسوق بشكل عام وتسهم في تعزيز شروط الاستقرار الاقتصادي. ولعل الخيارات الثلاث الأكثر بداهة والمتاحة اليوم أمام دول المجلس تتمثل في أن تحافظ هذه الدول بداية على ارتباط عملاتها المحلية بالورقة الخضراء، وتتحرك ثانيا في اتجاه تثبيت عملاتها داخل إطار تجاري موسع أو تبني سياسة التعويم الحر لعملاتها. ويبدو أن الوضع النقدي القائم حاليا في المنطقة لن يتغير، على الأقل على مستوى المدى القصير، خصوصا عقب القرار الأخير الذي اتخذه البنك المركزي الكويتي بتبني سياسة ربط الدينار بالدولار الأمريكي.

ومن المرجح أن تتمسك البنوك المركزية الخليجية بالنظام النقدي المتبع حاليا إلى حلول موعد تفعيل العملة الخليجية الموحدة، على أمل أن يعكف صانعو السياسات النقدية في المنطقة مباشرة بعد إقامة بنك مركزي يمثل دول المجلس مجتمعة على إعطاء الأولوية لضرورة القيام بتحليل شامل ومعمق لمعادلة التكلفة مقابل الربح في سياق دراسة جميع الخيارات النقدية الممكنة. قد لا يتم تبني سياسة تعويم العملة لأسباب تعود أساسا إلى كون أسعار النفط تمثل عنصرا جوهريا في تحديد قيمة العملة. كما أن تذبذب سعر السلعة النفطية قد يحدث تقلبات حادة في قيمة العملة مما يجعل تقييمها " الفعلي" في نظر المستثمرين، سواء كانوا محليين أو أجانب، مهمة مستعصية. ولعل تبني سياسة ربط العملة بسلة من العملات الأجنبية، بما في ذلك عملات أهم الشركاء التجاريين لدول مجلس التعاون، أي اليورو والين، قد يساهم في تدعيم عامل الاستقرار الاقتصادي. وباعتبار أن الكويت خاضت في السابق تجربة طويلة في مجال ربط عملتها المحلية بسلة عملات أجنبية يبدو أن إمكانية توجه الدول نحو اعتماد هذا الخيار ينطوي على قدر كبير من المصداقية.

مجلة آراء حول الخليج