; logged out
الرئيسية / القمة الخليجية القادمة: تحديات وتطلعات

القمة الخليجية القادمة: تحديات وتطلعات

السبت، 01 كانون1/ديسمبر 2007

خلال الأسبوع الأول من شهر ديسمبر الحالي سيلتئم شمل قادة دول مجلس التعاون الخليجي في العاصمة القطرية الدوحة في اجتماع قمة دوري للتباحث حول القضايا والتحديات القائمة والمستقبلية التي تواجه دول المجلس بشكل خاص والمنطقة بصفة عامة. وتُعقد هذه القمة في ظل ظروف خليجية وإقليمية غاية في الحساسية والتعقيد، فالوضع المتفجر في العراق لا يخفى على أحد، وأزمة الملف النووي الإيراني تزداد تعقيداً في ظل تصاعد لهجة التهديدات والتهديدات المضادة، كما أن التطورات الحادة والمتسارعة على الساحة الفلسطينية وفي كل من لبنان والسودان إنما تؤكد على حقيقة المخاطر والتهديدات التي تواجه هذه الكيانات.

وإذا كان البيان الختامي الذي سيصدر عن القمة سوف يشير كالعادة إلى قائمة من القضايا الخليجية والإقليمية التي تم التباحث حولها، فالمؤكد أن أزمة الملف النووي الإيراني سوف تكون في مقدمة هذه القضايا، حيث إن هذه الأزمة لا يمكن تجاوزها أو إغفالها في أي اجتماع إقليمي. وفي هذا السياق يمكن التساؤل حول الموقف الجماعي الذي يمكن أن تتبناه دول المجلس في التعامل مع هذه الأزمة، خاصة أن هذه الدول معنية بهذا الملف لاعتبارات أمنية وبيئية.                                                 

إن العلاقات الآنية والمستقبلية بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي لا يمكن اختزالها بمشكلة الملف النووي، مع عدم التقليل من أهمية هذا الملف بالطبع، حيث إن جانباً من القلق والاهتمام الخليجي مصدره بعض التصريحات والممارسات الصادرة عن الحكومة الإيرانية الحالية بشكل عام، ولا يقتصر على طريقة تعامل هذه الحكومة مع القضية النووية. وهنا نؤكد على أهمية وضع أزمة الملف النووي الإيراني ضمن الإطار العام لسياسات وتوجهات النظام الإيراني تجاه منطقة الخليج بشكل خاص والوطن العربي بصفة عامة.

ونظراً لأن إيران دولة إسلامية، وهي جار أصيل للعرب، فإننا على قناعة تامة بضرورة أن تتأسس العلاقات الخليجية – الإيرانية على أسس من مراعاة المصالح المشتركة والالتزام بمبادئ حسن الجوار واحترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، إلا أن المشكلة تكمن في سياسة التحدي والتصعيد التي يمارسها النظام الإيراني والتي تخلق حالة من عدم الاستقرار في المنطقة، وذلك لاعتبارات تتعلق بالتوازنات والصراعات الداخلية في إيران. وبالطبع لا نغفل هنا المصادر الأخرى للقلق وعدم الاستقرار في المنطقة وفي مقدمتها السياسة الأمريكية الفاشلة وخاصة في العراق، والتي تصب في نهاية المطاف في مصلحة إيران. وفي هذا السياق يمكن القول إن السياسة التدخلية الإيرانية في الشؤون العربية لا تقل خطراً عن سياسة إيران النووية إن لم تتجاوزها في آثارها ونتائجها، حيث تحمل في طياتها أضراراً آنية وبعيدة المدى على الأمن العربي. فإيران تتحكم اليوم في مفاصل الدولة العراقية، وتسيطر على العملية السياسية وآلية اتخاذ القرار في العراق، وهي موجودة سياسياً وأمنياً في قلب المسألة اللبنانية، كما أنها حاضرة على الساحة السياسية الفلسطينية، ناهيك عن رفضها القاطع لأية تسوية سلمية لمسألة الجزر الإماراتية المحتلة، بل إن أصواتاً خرجت من طهران مؤخراً تدعي أن البحرين محافظة إيرانية. كما أن إيران فشلت في عملية بناء الثقة مع جيرانها في الخليج وطمأنتهم بشأن طبيعة ملفها النووي.

وإذا عدنا إلى قضية الملف النووي الإيراني، فالواضح أن القمة الخليجية القادمة تُعقد في ظل ظروف تشير إلى أن المواجهة العسكرية بشأن هذا الملف تبدو اليوم أقرب من أي وقت مضى. فإيران نجاد تقف اليوم بنفس الموقع المأساوي الذي وقف فيه عراق صدام سابقاً. فالقراران الصادران عن مجلس الأمن الدولي 1737 و1747 طالبا إيران، من دون لبس وبلغة واضحة، بوجوب التوقف الفوري عن كل الأنشطة المتعلقة بعمليات تخصيب اليورانيوم على أراضيها. ومنذ شهر مارس 2006 وحتى اليوم يكرر مجلس الأمن مطالبته هذه، في الوقت الذي تصر فيه إيران على الاستمرار في عمليات التخصيب بل والتوسع فيها، مع تصعيد لهجة التحدي في التصريحات السياسية المتكررة والتي تصدر عن مختلف مستويات القيادات السياسية والعسكرية الإيرانية.

وتجدر الإشارة إلى أنمطلب تخلي إيران عن أنشطة تخصيب اليورانيوم لم يعد اليوم مطلباً أمريكياً أو أوروبياً بل هو مطلب دولي، ولم يعد أيضاً شرطاً سياسياً بل أمسى مطلباً قانونياً واجب التنفيذ، حيث يستند إلى قرارات مجلس الأمن الدولي الصادرة طبقاً لنصوص الفصل السابع من ميثاق المنظمة الدولية. والأدهى من ذلك أن هذه القرارات مُنحت الشرعية المطلقة عبر صدورها بالإجماع، أي بموافقة كل الدول الأعضاء في مجلس الأمن، بما في ذلك الدول التي تُوصف بـ (أصدقاء طهران) مثل روسيا والصين.

ومن المعروف أن مجلس الأمن الدولي سيجتمع قريباً لصياغة قرار جديد ضد إيران، ومن المتوقع أن يتضمن القرار الجديد عقوبات اقتصادية ودبلوماسية مشددة بهذا الشأن. وبحكم قربها الجغرافي وعلاقاتها التجارية مع إيران فإن دول مجلس التعاون، شاءت أم أبت، ستكون معنية بهذا الأمر ربما أكثر من غيرها. ونظراً لأنها جزء من الأسرة الدولية وملزمة بتنفيذ القرارات الأممية، فإنه لا يوجد أدنى شك في أن هذه الدول ستلتزم جانب الشرعية الدولية، وتطبق قرارات العقوبات الاقتصادية والمالية والدبلوماسية التي يمكن أن يقرها مجلس الأمن الدولي ضد إيران، من دون اعتبار للتكلفة المادية أو السياسية لهذا الأمر.

وبغض النظر عن الموقف العربي التقليدي من قرارات مجلس الأمن الدولي، حيث إن هناك حالة من انعدام الثقة بالمجلس وقراراته عموماً،فإن مطالب مجلس الأمن الدولي من إيران تبقى ضمن المعقول والمقبول. فالمجلس لم يطالب إيران بالتخلي عن برنامجها النووي ذي الأغراض السلمية، ولم يطالبها أيضاً بالتخلي عن مفاعلها النووي في (بوشهر)، وكل ما هدفت إليه قراراته هو وقف عمليات تخصيب اليورانيوم داخل إيران، باعتبارها تمثل عمليات إنتاج الوقود النووي متعدد الاستخدامات العسكرية والمدنية، وهنا تكمن خطورة هذه النشاطات. فإيران ستكون قادرة على شراء الوقود النووي الجاهز من مصادره الدولية للاستخدامات السلمية، وستكون قادرة أيضاً على تشغيل مفاعلها النووي في بوشهر من دون عائق. ومن هنا فإن ظلم مجلس الأمن الدولي للعرب وموقفه السلبي من القضايا العربية لا يمكن أن يُعمما على موقف المجلس من إيران.

وأخيراً، أتمنى كمواطن خليجي لقادة دول مجلس التعاون كل التوفيق في اجتماعهم المقبل، حتى يتمكنوا من صياغة استراتيجيات عملية وفعّالة للتعامل البناء مع التطورات الخطيرة التي تعصف بالمنطقة. فالتخبط الأمريكي الخطير والمكلف، والطموحات الإيرانية التوسعية، والتصاعد الخطير في النزعات الطائفية، كلها أخطار تحاصرنا من كل الاتجاهات. ولا يمكن لدول المجلس أن تتعامل بفاعلية مع هذه التحديات إلا من خلال استراتيجية موحدة تضمن المصالح العليا المشتركة لهذه الدول، وتقوم على أسس تفعيل العمل الخليجي المشترك الذي يجسده مجلس التعاون الخليجي. فالحاجة الآن إلى تقوية المجلس وتفعيل دوره وخاصة في المجالات الأمنية والدفاعية والاقتصادية هي أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، فهناك مؤشرات عديدة تشير إلى احتمال نشوب حرب جديدة في منطقة الخليج بسبب الملف النووي الإيراني، ومثل هذه الحرب سوف تكون لها - في حال حدوثها - تداعياتها المباشرة وغير المباشرة على دول المجلس بشكل خاص والمنطقة بصفة عامة. وهذا يضع أمام القمة الخليجية سؤالاً كبيراً حول كيفية المساهمة في منع نشوب الحرب، وأيضاً كيفية التعامل مع تداعياتها في حال حدوثها. فدول المجلس مطالبة بالتحسب لكل الاحتمالات والاحتياط لكافة المخاطر والتهديدات، وإن لم تخطط هذه الدول لمستقبلها، فسوف يخطط له الآخرون حسب مصالحهم وأجنداتهم.

مقالات لنفس الكاتب