; logged out
الرئيسية / الدور الإيراني في منطقة الخليج

الدور الإيراني في منطقة الخليج

السبت، 01 كانون2/يناير 2005

إذا كانت المنطقة تحوي ثلاث قوى مستعدة للاضطلاع بدور مؤثر في تشكيل الحالة الراهنة الجديدة هي: إيران والسعودية والعراق، والأخيرة أبعدت من المعادلة بعد احتلالها من قِبل الولايات المتحدة فلذلك تستطيع السعودية بفضل مكانتها الدينية وبفضل شخصية قيادتها المتوازنة لعب دور القائد، لكن في الوقت ذاته تنقصها القوة الديمغرافية والعسكرية اللازمة في لعبة القوى، ولهذا برزت إيران بتعدادها السكاني الكبير وعضلاتها العسكرية ما جعلها منذ الستينات تطمح إلى الاضطلاع بدور القائد في منطقة الخليج وخصوصاً منذ عام 1969 من خلال ادعاءات تاريخية في المنطقة وبأحقيتها في البحرين واعتبارها المقاطعة الرابعة عشرة في إيران وخصّص لها مقعد في البرلمان.

ولكن من أجل إعلان قيادة الشاه على المنطقة، تخلَّت عن مطالبتها بالبحرين، واكتفت بالمطالبة بجزيرتين باسم (العرابي والفارسي) وهي ضمن الحد القاري للسعودية، وبالفعل احتلت البحرية الإيرانية منصة استخراج بترول تمتلكها شركة أمريكية تابعة للسعودية وانتهت الأزمة بحصول إيران على إحدى الجزر مقابل اعترافها بالأخرى للسعودية وكانت مشتبكة أيضاً مع عُمان من أجل السيطرة على جزيرة (أم الغنم) الواقعة في مدخل مضيق هرمز في مواجهة جزيرة (رأس مسندم) واستولت عليها إيران بشكل سريع جداً.

هذا إضافة إلى استيلائها على جزيرة (أبوموسى) من مشيخة الشارقة و(طنب الكبرى وطنب الصغرى) من مشيخة رأس الخيمة. وهذه الجزر ذات موقع استراتيجي فهي تقع جنوب غرب مضيق هرمز، ولا تزال قضية الجزر الثلاث نقطة ساخنة على الساحة تعوق التكتل والاندماج بين دول الخليج هذا إلى جانب القرار الذي اتخذه العرب في الستينات بالإشارة إلى تسمية الخليج باسم "الخليج العربي" فهذا كله أفسد العلاقات العربية – الإيرانية في ذلك الوقت.

والحقيقة أن إيران استفادت أكثر من أي دولة أخرى من عملية تغيير الأنظمة الحاكمة التي تزعمتها أمريكا في أفغانستان والعراق، إذ كان كل من نظام طالبان و صدام حسين ألدّ أعداء إيران، لكن أياً من الجانبين لم ينتهز الفرصة للبناء على هذه الأرضية المشتركة لتضارب المصالح. واستمرت الخصومة والعداوة التي بدأت منذ الثورة الإيرانية، بل إن إيران أو النخبة الحاكمة ترى أن سقوط الولايات المتحدة في مستنقع العراق وأزمة ارتفاع أسعار النفط مدعاة للارتياح والبهجة، وإن كان جانب الإصلاحيين يرى عكس ذلك بقيادة هاشمي رفسنجاني من أجل العودة إلى الاندماج في المجتمع الدولي، وهي رؤية الشعب الإيراني نفسها للتخلص من السمعة السيئة التي التصقت بهم دولياً، فإيران أو - أقصد النخبة الحاكمة المتشددة من الملالي – هي منقسمة بين المطالب الشعبية والمصالح الاستراتيجية.

وتُعتبر أمريكا في الوقت الحاضر مسؤولة عن ازدواجية المشاعر لدى الشارع الإيران إزاء أمريكا عندما قامت عام 1953 بالإطاحة بأول حكومة إيرانية في تاريخ إيران يتم انتخابها ديمقراطياً (حكومة مصدق) والإتيان بالشاه الذي وقَّع معاهدة مع الأمريكيين تكفل الحصانة الدبلوماسية للمواطنين الأمريكيين في طهران احتجّ عليها الخميني الذي تم نفيه إلى تركيا في اليوم التالي لاحتجاجه. وعندما عاد الخميني إلى طهران بعد 15 عاماً، والآن بعد 25 عاماً من ثورة الخميني، فإن إيران تريد دوراً سياسياً وعسكرياً في منطقة الخليج.

فبعد الحرب الإيرانية – العراقية (1980 - 1988) تعمل إيران على ضمان ضفتها الغربية عبر تقوية علاقاتها مع العراقيين الشيعة ودعم المجموعات المسلحة ومنها حزب الله العراقي وجيش المهدي التابع لمقتدى الصدر والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية، وتريد إيران أن تسيطر بنفوذها على منطقة الخليج، فلكل من الولايات المتحدة وإيران أهداف جيوسياسية في المنطقة. فإيران تريد حكومة يسيطر عليها الشيعة في العراق، وعبر نفوذ إيران وجدت أمريكا فيها شريكاً في تجنيب حدوث انتفاضة شيعية شاملة في العراق، إلا أن الإيرانيين فوجئوا بمعاودة ضغوط الجانبين الأوروبي والأمريكي بالنسبة للبرنامج النووي الإيراني. وعلى كل حال فإن الولايات المتحدة لا تقبل بوجود إيران نووية، لأن هذا يهدِّد مصالحها في المنطقة.

بل إن إيران بعد إشعال أزمة دبلوماسية عندما احتجزت يوم 21/6/2004 ثلاثة زوارق بريطانية في مياه شطّ العرب ومصادرة سفن صيد إماراتية وإحياء نزاع بحري مع قطر بهدف إثارة أزمة دبلوماسية وتذكيرها العالم بدورها السياسي والعسكري في منطقة الخليج الغنية بالنفط وإحياء هذا الدور، تريد أن تكون الأقوى في الخليج.

والحقيقة أن موقف إدارة بوش من إيران اتسم بالتقلب، حيث شهدت جولات من الحوار والتعاون التي أعقبتها فترات من المواجهة بسبب برنامج إيران النووي، وتدخلها في شؤون العراق في فترة ما بعد الحرب، فهذه الأعباء ليست بسيطة سواء بالنسبة لواشنطن أو لطهران، وأيضاً بالنسبة لمنطقة الخليج وآسيا الوسطى والشرق الأوسط.

وحول كيفية التعامل مع إيران صدر في الفترة الماضية تقرير أعدّه مجلس العلاقات الخارجية يقول: حيث إن الملالي الحاكمين في إيران متماسكون والدولة ليست على شفير ثورة، فإنه ينبغي على واشنطن أن تنتهج عملاً محدوداً يتم انتقاؤه بدقة بالغة.

واقترح مسؤولون حكوميون تجنّب أي عمل كبير ضد إيران مفضلين على ذلك إقامة حوار مجزأ يمكن أن يؤدي إلى تحقيق التعاون في أفغانستان والعراق. كما تضمن التقرير السماح بإعطاء إيران وقوداً للطاقة النووية للاستخدامات السلمية في حالة توقف النظام الإيراني عن مساعيه لامتلاك السلاح النووي من أجل أن يتيح لشركات الطاقة الأمريكية ومصنِّعي الطائرات استئناف مشاريعهم في إيران. إذ إن الولايات المتحدة لا تقيم علاقات مع إيران منذ الثورة الإيرانية عام 1979 وتعتبرها جزءاً من محور الشر. وتصرّ الولايات المتحدة على عدم السماح لإيران بامتلاك السلاح النووي حتى لا يكون ذلك مدعاة لبلدان أخرى في المنطقة في السعي لامتلاك السلاح النووي مثل السعودية ومصر وبلدان محتملة أخرى.

وقد نصح الجنرال هآرون زئيفي مسؤول الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية بأن على إسرائيل أن تقف بعيداً عن الأضواء في ما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني تاركة لواشنطن وللأوروبيين أن يتخذوا المبادرة وإدارة الملف، لأن البرنامج النووي الإيراني لا يهدِّد إسرائيل وحدها، بل دول الخليج وأوروبا أيضاً.

لكن وزير العدل الإسرائيلي يوسف لبيد يقول: "إن إيران وليس الاعتداءات الفلسطينية هي التي تشكِّل الخطر الحقيقي على إسرائيل ولذلك يجب بذل أقصى الجهود لمواجهتها". وهذا ما جعل إسرائيل تمارس التجسُّس على الولايات المتحدة حول الملف النووي الإيراني، فقد ذكرت مجلة "نيوزويك" الأمريكية في موقعها الالكتروني في 29/8/2004 أن بعض عناصر (إف.بي.آي) سجلوا محادثة بين مسؤول في السفارة الإسرائيلية وأحد أعضاء لجنة (إيباك)، وهم أعضاء اللجنة الأمريكية – الإسرائيلية للشؤون العامة، أثناء غداء جمعهما قبل 18 شهراً.

وتعتقد السلطات الأمريكية بأن المحلل السياسي في البنتاغون أمدّ الإسرائيليين بمسودة إرشادات سياسية رئاسية حول إيران وهو متخصِّص بالملف الإيراني. لكن الواقع يقول إن إيران محاطة الآن بالوجود الأمريكي العسكري من جهاتها الأربع، ويعرف الإيرانيون أنه من الجنون أن تدعهم أمريكا يقومون بصنع أسلحة نووية.

وبناء على تصريحات (صبوري) تنوي إيران حتى العام 2021 تزويد شبكة الكهرباء في البلاد بـ 11 مفاعلاً نووياً. ولا يخفي خبراء الذرة الروس رغبتهم في بناء جميع تلك المفاعلات على الرغم من الانتقادات التي تتلقاها روسيا بسبب تعاونها مع إيران. وهناك خشية، يتم تداولها، من ضربة ذرية وحشية من مصدر غير معروف ولا يمكن تحديده، وهي كارثة ستؤدي إلى تغيير العالم بين عشية وضحاها.

ولهذا تحسب الولايات المتحدة القيام بضربة عسكرية، لأن ذلك يدفع الناس إلى الالتفاف حول النظام وإلى زيادة عزل الولايات المتحدة، وقد يدفع بالإيرانيين إلى الانتقام ورعاية هجمات إرهابية على القوات الأمريكية الموجودة في أفغانستان والعراق والخليج، لأن المشاعر الوطنية الإيرانية قوية فهي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي أطاحت بنظام الشاه لأنه كان موالياً لأمريكا.

فالأيديولوجيون يأملون بتغيير النظام عن طريق رفع درجة حرارة المواجهة. ويبدو أن لدى أمريكا وأوروبا تصوراً مشتركاً ومتشابهاً لنوعية العالم الجديد الذي يريدانه. ولذلك فإن البديل الحالي في نظرهم للضربة الوقائية هو القوة الدبلوماسية فهي سياسة يمكن أن تحقق مكاسب إضافية إذا تضافرت القوة الأمريكية مع المواقف الاقتصادية الأوروبية.

مجلة آراء حول الخليج