; logged out
الرئيسية / 2005 وخطر التمزيق في المنطقة

2005 وخطر التمزيق في المنطقة

السبت، 01 كانون2/يناير 2005

إذا كانت السنوات الأربع الأولى من القرن الجديد، قد حفلت بالانهيارات والانكسارات والاحتلالات في منطقتنا، فالخوف أن تكون السنة الخامسة منه بداية الدخول في نفق ما هو أشدّ وأدهى: تمزيق الذات والاشتباك معها. وهو خوف مشروع تثيره، بل تفرضه، الوجهة التي تتسارع نحوها التطورات والتفاعلات، السياسية والأمنية، الجارية والمتفاقمة فوق أكثر من ساحة عربية. ذلك أن الأوضاع والأحداث على أرض هذه الساحات، في حالة غليان ووسط عملية فرز مندفع نحو الصدام المحتوم، ما لم تحصل صحوة محلية تكفل تعطيل صاعق تفجره قبل فوات الأوان. هذا إذا كان ما زالت هناك إمكانية للاستدراك. وما يزيد من سوداوية المشهد وترجيح التشاؤم بخصوصه، أن القوى والدوائر الخارجية العاملة على صبّ الزيت على نيران التقاتل الداخلي، تتحرك بسهولة ميسورة، وتلقى المزيد من التجاوب، بقصد أو بغير قصد، من هذا الفريق المحلي أو ذاك، وبما يخدم مشاريعها ومخططاتها الملغومة. فهؤلاء الفرقاء المتصارعون، هنا وهناك، على كعكة الحكم، يستجيرون بالخارج – الاحتلالي منه أو المجاور – لترجيح كفة نفوذهم، وبالتالي تحسين أوضاعهم وحصتهم من نعمة السلطة الموعودة! وهي استجارة ما كانت مرة مجانية. دوماً كان لها ثمن. أقلّه تمكين المستعان به من ممارسة لعبة "فرِّق تسد".

وبذلك تبدو الأرضية مرشحة لنزاعات أهلية في غير مكان عربي. وقد تكرَّرت مؤخراً الإشارات والتحذيرات في هذا الاتجاه، إما مباشرة وإما مداورة، على لسان مراقبين ومسؤولين عرب وأجانب. المفارقة الصارخة هنا هي أن الانتخابات المقررة قريباً في أكثر من ساحة، مرجّحة لتكون صاعق تفجير هذه النزاعات. في بلدان العالم الأخرى تكون الانتخابات دليل عافية وثمرة لاستتباب الأمن والسلم الأهلي. أو على الأقل تكون خطوة نحو هذا الاستتباب. لكن في منطقتنا، الانتخابات تختلف. بالأحرى هي على النقيض. فإما أنها معلَّبة لا طعم لها ولا رائحة، وإما عندما تُجرى تتكهرب معها الأجواء وتبلغ أقصى درجات التأزيم. خاصة في الظروف الراهنة المأزومة أصلاً. حيث تهدّد ليس النظام العام والأمن الوطني فقط، بل الوطن ذاته أيضاً. والحالة العراقية، وإلى حد بعيد، الحالتان الفلسطينية واللبنانية، تحوم فوقها مثل هذه المخاطر وتهددها جدياً.

الاستحقاق العراقي الانتخابي بات على الأبواب. فيوم 30 يناير 2005، من المقر أن "يتوجه" العراقيون إلى صناديق الاقتراع لـ "اختيار" مجلس نواب، تنبثق منه حكومة تتولى الإشراف على صياغة دستور جديد للبلاد. هذا على الورق. أما احتمال ترجمته على أرض الواقع فتلفّه التساؤلات، بل الشكوك. أبرزها: هل فعلاً سيتوجه العراقيون إلى الإدلاء بأصواتهم؟ وهل كلهم أو على الأقل غالبيتهم، أم إن شريحة واسعة ستقاطع العملية؟ وهل سيكون هناك اختيار حقيقي أم عملية "تلزيق" لا أكثر ولا أقل؟ وهل يمضي الأمر على خير، أم يُرمى العراق في أتون تمزُّق أهلي؟ أسئلة ملحّة في ضوء المعطيات الراهنة للمشهد العراقي. وعلى الأجوبة التي يوفرها يوم 30/1/2005 تتوقف أمور كثيرة، وربما خطيرة، أو لا نغالي إن قلنا مصيرية. فالأوضاع في بلاد الرافدين حبلى بالاحتمالات، وغالبيتها من النوع الخطير؛ وذلك باعتراف أصحاب الشأن، من كل التلاوين السياسية. وحتى باعتراف أوساط أمريكية كثيرة، وبالذات في الكونجرس. فالوضع الأمني غير طبيعي وملتهب، بل ومرشح للمزيد من الالتهاب مع اقتراب موعد الاستحقاق. حتى الرئيس بوش ووزير دفاعه رامسفيلد لا ينكران ذلك. بالإضافة إلى ذلك ولا يقل عنه، بل يزيده أهمية، أن الكتلة الانتخابية في ما يُعرف بـ "المثلث السنِّي" قررت مقاطعة الانتخابات، وتذرعت بعدم كفاية الاستعدادات والمدة، فضلاً عن تردي الوضع الأمني. وعليه طالبت بتأجيلها. في المقابل، يصرّ الطرف الشيعي، بشقه الوازن ومرجعيته النجفية، على وجوب إجراء الانتخابات في موعدها المقرر من دون تأخير أو تأجيل، بل إنه أنذر وحذّر من عواقب الإخلال بذلك.

دول الجوار، منها من يدعو علناً أو ضمناً إلى المضي بالانتخابات – لأن له مصالح وتطلعات – ومنها من يدعو إلى المشاركة فيها، لكن من طرف اللسان – لحسابات خاصة به – وطرف ثالث يحذِّر من شطب الفريق السنِّي وإجرائها من دونه. واشنطن صاحبة الكلمة الفصل، بحكم كونها قوة الاحتلال القابض فعلاً على عنق القرار، تمسكت بالموعد المقرر. لم تتزحزح بالرغم من تدهور الوضع الأمني ومن التحذيرات العديدة. رفضت البحث بالتأجيل تحت أي ظرف من الظروف، مع ان الأمور تزداد سوءاً والمقاطعة السنيّة باتت في حكم المؤكد. لا سيما أن الحزب الإسلامي، الذي كان شريكاً في الحكم الانتقالي، أعلن انسحابه من المعركة الانتخابية قبل أسابيع. وحتى شخصيات وقوى مستقلة باتت تلوِّح بالمقاطعة – مثل عدنان الباجه جي – أو تناشد المعنيين تأجيل العملية ستة أشهر على الأقل. بل إن قوى أساسية – مثل البرزاني – كانت من الأساس مع الانتخابات في موعدها، عادت وأعربت عن عدم ممانعتها التأجيل، إذ حصل توافق عليه. وكأن هناك استشعاراً بخطورة ما يكمن وراء التشبث بهذا الاستحقاق، وبأن تداعياته لن ينجو منها أحد. فالانتخابات باتت محكومة بأن تنتهي إلى غلبة شيعية كاسحة في المجلس الجديد، في ضوء المقاطعة السنيَّة، ينجم عن ذلك، حكماً، توليد المزيد من الشعور بالإقصاء والغبن لدى السنَّة. وبالتالي، ارتفاع منسوب النقمة والاحتقان المذهبي لديهم.

هنا يطرح السؤال نفسه: لماذا إذاً الإصرار الأمريكي على عدم التراجع عن موعد 30/1/2005، إذا كانت الصورة والمضاعفات بهذا الوضوح؟ خاصة ان إدارة الرئيس بوش تدرك تماماً، كغيرها، بأن الحديث عن فضائل الانتخابات وبزوغ فجر الديمقراطية معها في العراق، لغو، في ضوء المعطيات الراهنة. وإذا كان تحقيق مثل هذه المكاسب متعذراً في هذه اللحظة العراقية، فلماذا كل هذا التعنت والتشبث؟ باختصار: هل المقصود جلب النعمة أم النقمة للعراق؟

من الصعب الاعتقاد بأن إدارة بوش لا ترى المخاطر ولا تعي العواقب الوخيمة التي تترتب على المضي بعملية تركيب "سلطة"! سياسية مختلة في بلد مثل العراق، خاصة في ظروفه الراهنة الملتهبة وفي ضوء الحساسيات والاحتقانات التي تسود ساحته. والدليل أنها طرحت مؤخراً فكرة "كوتا سنية" في "البرلمان" العتيد – ولو من دون فوز بالأصوات – و"الحكومة" المرتقب انبثاقها منه، بزعم تأمين التوازن في التركيبة الجديدة. وكأن ذلك فيه اعتراف بأن غياب طرف أساسي عن المشاركة يفقد العملية مشروعيتها وينتقص من قدرة التركيبة على النهوض وعلى اكتساب المقبولية الواسعة. لكن العطب في هذه المبادرة أنها تنسف المبدأ الأساسي الذي تنهض عليه الانتخابات والذي تذرعت به إدارة بوش لتبرير إصرارها على الموعد المقرر لها وهو إعطاء العراقيين الفرصة لاختيار ممثليهم في السلطة بأنفسهم. وعلى كل حال طرحها لقي الرفض، لكن حتى لو حظي بالقبول فإن من شأنه أن يؤدي إلى نقيض الغاية – إذا كانت شريفة أصلاً! – إذ لا بد أن يزيد من تأجيج الحساسيات ويؤسس لنظام يكرِّس الطائفية والمذهبية، التي تقوم على المحاصصة المتناقضة مع الديمقراطية، التي تدّعي الإدارة الأمريكية بأنها تنشد نشرها في "عراق يكون نموذجاً" في المنطقة، على حد تعبير الرئيس بوش.

يعزِّز هذه التوجسات، أن الطروحات والسيناريوهات المختلفة المتداولة حول الانتخابات، يحتدم الجدل حولها في الوقت ذاته الذي تزدهر فيه الدعوات إلى تعميم "الفدرلة" في العراق، حسب النموذج الكردي المعتمد. قبل فترة ظهرت دعوة في منطقة الفرات الأوسط، وبالأمس دعوة أخرى مماثلة أعلن عنها في ثلاث مدن جنوبية تطالب بحكومة إقليمية والحبل على الجرار. وكأن في الأمر عدوى تنتشر. والخطر هنا أن انتشارها وتناميها عشية انتخابات أثارت انقساماً حاداً في الساحة العراقية، من شأنهما أن يصبّا في طاحونة التفتيت. لا سيما ان المطالبة المفرّخة بالفيدرالية تأتي وكأنها تعبير عن نزوع نحو الانكفاء على الذات، تحت مظلات فئوية أو مذهبية أو عشائرية، من باب الدفاع عن مصالح ضيقة والعمل على حمايتها، في ظل شعور متنام بأن الدولة الواحدة باتت عاجزة عن النهوض، وبالتالي على كل طرف أو كتلة أن يتدبر أمره بنفسه، تحت غطاء الفيدرالية. وفي ذلك وصفة للتفتيت أو على الأقل لتعزيز عناصر التفتيت، القائمة على الساحة العراقية والتي تدفع قوى، إقليمية وداخلية، باتجاه تأجيجها.

وتجدر الإشارة إلى أن هناك دوائر وجهات أمريكية، في الإعلام ومطابخ الرأي، كانت قد طرحت، بل دعت إلى العمل بخيار تقسيم العراق، بزعم أنه غير قابل بعد الآن للوحدة، وان ذلك هو المخرج الأقل كلفة للاحتلال من الورطة. وهو خيار ما زال على الطاولة. على الأقل لأن واشنطن لم تعلن التزامها الصريح القاطع بوحدة العراق وإسقاط مثل هذا الخيار بصورة لا تقبل التأويل والالتباس. يُضاف إلى ذلك أن السياسات التي اعتمدها الاحتلال منذ سقوط بغداد وحتى اللحظة لم تهدف إلى تعزيز اللحمة الداخلية. بل على العكس، أدّت إلى تراخيها وتعزيز عوامل النفور والتباعد فيها. وكثيراً ما تردَّد، من غير تبصّر كافٍ، بأن الاحتلال ارتكب "أخطاء" فادحة في تعامله مع مرحلة مع ما بعد الحرب وسقوط نظام صدام. لكن إذا كانت فعلاً "أخطاء" وليست سياسات مدروسة – مثل حل الجيش والإدارة المدنية وعدم توفير الحاجيات الأساسية وأقلها الكهرباء في بلد يملك كل عناصر الطاقة – لماذا لم يتم تداركها، بعد حوالي سنتين من الاحتلال؟ أو على الأقل تدارك أبسطها؟

لقد قال بعض المحللين، من البداية، إنه إذا بلغ الاحتلال نقطة بات معها من المتعذر عليه تطويع العراق بالكامل، فإنه لن يتردّد بالعمل على شرذمته، بحيث يتحوّل إلى أقاليم وعشائر متصارعة تكون هي بحاجة إلى دعمه ومساندته! هل تكون الانتخابات هذه النقطة؟
علامات الخطر تتزايد في الأفق القريب، وتلفت في هذا السياق ملاحظة للوزير رامسفيلد، خلال زيارته الأخيرة إلى بغداد، عندما قال: "من الخطأ التطلع إلى عراق مسالم بعد الانتخابات". إذاً، لماذا كان الإصرار على الانتخابات، في هذا الوقت؟ غير ان خطر الاشتباك مع الذات لا يحوم فوق العراق وحده، ولو انه الأقرب والأشد فتكاً لو وقع. فهناك الساحة الفلسطينية المهددة هي الأخرى، بدرجة أو بأخرى، بمثل هذا الخطر، ومن البوابة الانتخابية أيضاً. فبعد رحيل الرئيس عرفات تقرر أن ينتخب الفلسطينيون رئيساً لهم، يوم 9/1/2005. مثل العراق، قرر فريق منهم مقاطعة هذه الانتخابات، على اعتبار أنها تنهض على أرضية أوسلو، الذي فقد شرعيته. لكن الخلاف أعمق، ويدور بالأساس حول مشروعين: واحد يمثله المقاطعون للانتخابات – حماس والجهاد – ويرفع شعار المقاومة المسلّحة. والثاني، تمثله السلطة، ويرفع شعار وقف عسكرة الانتفاضة والمراهنة على حل سياسي من الخارج الأمريكي والأوروبي.

تحت هذا التباين تُجرى الانتخابات. وفي ظله، من المتوقع أن يفوز مرشح السلطة – فتح، وليس سراً أن الفائز مطالب أمريكياً وإسرائيلياً بوقف مواجهة الاحتلال بالسلاح بزعم أنه "إرهاب". الفريق الآخر يرفض الالتزام بهدنة مادام الاحتلال قائماً. ضمن هذه الدائرة يستمر الجدل تحت لافتة الحرص على الوحدة الوطنية، لكن تحت السطح يتحرك الطرفان لمواجهة الاستحقاقات المقبلة. وعلى رأسها استحقاق ما بعد الانسحاب الإسرائيلي الأحادي من غزة – والذي صار بحكم الحاصل بعد التوافق بين الليكود والعمل على تشكيل حكومة مشتركة لتنفيذ الانسحاب – ثم استحقاق "ضبط" الساحة، المطلوب من السلطة. يعني دفعها باتجاه وقف "العسكرة" وبقية المطالب المرفقة به، من جمع السلاح وتحريم العمليات ووقف حملات التعبئة ضد إسرائيل.. إلى آخر قائمة التعجيزات الإسرائيلية التي لا سقف لها. وليس سراً أن هناك قوى داخل خيمة السلطة تتأهب منذ زمن ولا تتردد في الدخول بمواجهة مع أصحاب خيار المواجهة المسلحة مع إسرائيل. وذلك تحت ستار أنه لا يجوز أن يكون في الساحة سلاحان، وبالتالي قراران! كما ليس سراً أن الفريق الفلسطيني المتمسك بالسلاح وبرفض الهدنة، يلقى الدعم من جهات إقليمية للاحتفاظ بسلاحه وبخيار استخدام هذا السلاح، وذلك لأن لهذه الجهات، بالإضافة إلى التزامها بالقضية الفلسطينية، حسابات إقليمية أوسع.

في ظل هذه المعطيات، هل تكون طريق السلطة، بعد الانتخابات، سالكة باتجاه المرسوم، أم ان الصدام بين أصحاب المشروعين محتوم؟
السؤال مشروع، بصرف النظر عمّا يُقال عن مناعة الساحة الفلسطينية – وهي حتى الآن منيعة وتستحق التنويه -. فالمرحلة جديدة والقيادة التي كانت قادرة على ضبط التناقضات غابت. وفي الوقت ذاته الضغوط تتزايد، والوضع الفلسطيني يقترب من منعطف نوعي. فهل يثبت أن حصانته عميقة على سياسة التمزيق الجارية في المنطقة؟ والسؤال نفسه ينطبق، إلى حد بعيد، على الساحة اللبنانية. فهي منذ التمديد الأخير للرئيس لحود، تعيش حالة من التأزيم السياسي المتفاقم، على قاعدة الفرز بين المؤيدين للدور السوري في لبنان والرافضين له. وقد أخذ الخلاف في الآونة الأخيرة شحنات إضافية من التوتير والتراشق والكيدية.

وخطورة هذا المناخ من التحدي والاستقطاب أنه يسود الساحة عشية الاستعداد لمشروع قانون انتخابات نيابية من المقرر أن تُجرى بعد أقل من ثلاثة أشهر. والأخطر أن كل ما في هذه الأجواء المحمومة يشير إلى وجود نيَّات وتوجهات لتحقيق تصفيات سياسية لقوى وازنة. الأمر الذي ترك حالة من التخوف والقلق بأن تؤدي الرحلة الانتخابية إلى هزّات غير محسوبة، إذا بقيت الأزمة تتفاعل وخرجت عن السيطرة، بحيث نثبت مرة أخرى بأن الانتخابات في هذه المنطقة من العالم نقمة وليست نعمة. حتى في بلد اعتاد عليها – ولو مع علاّتها – منذ أكثر من نصف قرن. والمصيبة هنا أن لبنان لا يحتمل مثل هذا الشرخ السياسي، ناهيك عن أي اهتزازات أمنية كبيرة، ولو ان العودة لحرب أهلية مستبعدة بالرغم من تلويح البعض بها، لأغراض معروفة. لكن البلد ليس بوسعه استيعاب خضّات سياسية عنيفة، تؤدي إلى تفتيت واقعه ولو من دون حروب. والأسوأ أن مثل هذا التصعيد مرشح ليؤدي إلى توسيع شقة النفور مع سوريا، مع كل ما ينطوي عليه ذلك من مخاطر وسلبيات.

في ظل هذه الهواجس والمخاوف، يدخل العام الجديد والمنطقة تتلوّى بين مطرقة الاحتلال الأمريكي والإسرائيلي، وبين سندان التردي الداخلي، على أكثر من صعيد. وهي أشبه ما تكون في حالة المغمى عليها. تتلقى الضربات والاستباحات وهجمات الاستفراد، وكأنها تفتح قابلية أعدائها للمزيد. والأنكى أن أحوالها من الداخل، على الأقل في المواقع الملتهبة، تزداد تمزقاً وبالتالي انكشافاً، بقدر ما يزداد عليها التكالب من الخارج. ولا شيء في الأفق يحمل على الاعتقاد بأن هذه المعادلة على وشك التغيير إلى الأحسن، ولو قليلاً. في وجه الأخطار المحدقة تتناسى الشعوب أو تحيِّد خلافاتها الداخلية، بحيث تكون الأولوية للأهم قبل المهم. لكن ليس في هذا الزمن العربي الأسود والمقلوب.

مجلة آراء حول الخليج