; logged out
الرئيسية / "شهاب" إيران ونحن

"شهاب" إيران ونحن

السبت، 01 كانون2/يناير 2005

هناك قاعدة غير مصرح بها تتبع في عالم أجهزة المخابرات الغربية تقول " شجع عدوك ليتحول إلى بالون منتفخ حتى تستطيع فرقعته بإبرة ".
في الحادي والعشرين من سبتمبر 2004 وفي استعراض عسكري كبير جرى في شوارع العاصمة الإيرانية طهران تم عرض عدد من صواريخ شهاب -3، ربما لأول مرة منذ قيام الجهات العسكرية الإيرانية بتطوير هذا النوع من سلاح الصواريخ بعيدة المدى. والقصة لا تنتهي هنا، بل تبدأ فيها عناصر الإثارة من هنا. فقد عرضت صواريخ شهاب المحمولة على العربات العسكرية مغطاة بلافتات قماش، حيث كتبت على الصاروخ الأول عبارة " سنسحق أمريكا تحت أقدامنا " وكتبت على الصاروخ الثاني عبارة " سنمسح إسرائيل من الخارطة ".

وفي جميع المفاهيم العسكرية فإن المشكلة لا تكمن عادة بامتلاك سلاح معين، بل في طريقة ونوايا استخدامه. ولا ضير إن قامت إيران بتطوير قدراتها العسكرية وبالذات الصاروخية منها فهو قرار سيادي وحق مصان لكل دولة. ولكن المبالغة المميتة بالقدرات الوهمية، والثقة العالية بالنفس إلى حد غش الذات هما مصدر القلق. فأمريكا التي ستسحق تحت الأقدام، افتراضا باستعمال قوة صواريخ شهاب، واسرائيل التي ستُمسح من خارطة الوجود، كذلك افتراضا بصواريخ شهاب، نامت قياداتهما السياسية والعسكرية تلك الليلة دون عناء أو قلق من نتائج أو أخطار السحق أو المسح الوشيك أو الحتمي.

هناك حقائق تقنية وعسكرية يجب أخذها في الاعتبار في تقييم صدقية الادعاءات السياسية: إن هذه الصواريخ وضمن برنامج التطوير الذي تخضع له ونوعية التقنية أو التكنولوجيا التي يتم توظيفها لا تمثل، حتى الآن، خطراً حقيقياً على العدو المعلن. فهذا الجيل من الصواريخ يعود لتكنولوجيا عسكرية عفا عليها الزمن. مصدرها الأساسي، كان ولايزال، أكثر دول العالم تخلفا، تلك هي دولة كوريا الشمالية. فقد قامت إيران بتطوير سلسلة صواريخ شهاب اعتمادا على تكنولوجيا الصواريخ الكورية، وتم بالذات بناء صواريخ شهاب – 3 على أساس تصاميم وتكنولوجيا الصاروخ الكوري نو دنك أ / ب وهي بالأساس تكنولوجيا مكتسبة من تصاميم قامت بتطويرها جمهورية الصين الشعبية. ورغم أن المدى الأقصى المفترض لهذه الصواريخ هو 1300 كيلومتر، (أو افتراضا حتى أبعد من هذا قليلا كما يدعي الجانب الإيراني)، مما يجعلها قادرة على الوصول إلى أغلب ان لم يكن جميع الأهداف داخل منطقة الشرق الأوسط. ولكن كل مطلع على الأمور التقنية التي تخص تكنولوجيا التسلح سيدرك حقيقة أساسية مفادها أن مدى السلاح أو القدرة التقنية على الوصول إلى هدف ما هو إلا عامل واحد بين مئات العوامل والمتطلبات التي تجعل السلاح المعين ذا قيمة استراتيجية – ردعية وتمكن الدولة من تطوير قدرة الردع الاستراتيجي وقدرة الرد أو التدمير المتبادل، التي ادعى وزير الدفاع الإيراني خلال شهر نوفمبر ان إيران قد استطاعت امتلاكها عبر تطوير برنامج انتاج صواريخ شهاب. القدرة الردعية هذه هي أمر نسبي محض ولا يمكن أن تقاس على أساس الفراغ أو بمعزل عن المقارنة مع القوة الردعية للدول الأخرى وبالذات قدرات العدو المستهدف أو المعلن.

والحقيقة الأخرى أن المملكة العربية السعودية في صفقة عقدت عام 1985 مع جمهورية الصين الشعبية كانت قد امتلكت منظومة صواريخ ستراتيجية تتفوق بشكل كبير على قدرات صواريخ شهاب – 3. فصواريخ Css-2 الاستراتيجية التي يصل مداها إلى 2500 كيلومتر وتملك قدرة حمولة تتفوق بأكثر من الضعف على قدرات سلسلة صواريخ شهاب مع نظام إسناد متقدم تم تحديثه بشكل مستمر منذ عام 1995 تتفوق بالكثير على القدرات الإيرانية في هذا المجال. بجانب هذه الحقيقة فإن قيادة المملكة لم تحاول مجرد الإعلان عن حقيقة امتلاك الدولة لهذه القدرات، ولم تحاول إثارة العواطف المحلية أو العربية حول هذا الموضوع، ولم تقم بعرض هذه الصواريخ في الاستعراضات العسكرية. والأهم من كل هذا لم تقم بتهديد أي طرف سيكون هدفاً لهذه القدرات. فقد قامت حكومة المملكة بإعطاء تطمينات دولية بأن قدرات الدولة الصاروخية لن تستعمل إلا في حالة الدفاع عن النفس، ولن تكون حكومة المملكة البادئة باستعمال هذا السلاح إلا إذا تعرضت أراضيها أولا للهجوم بسلاح مماثل. وأن هذه الصواريخ لن تحمل أي نوع من أنواع أسلحة الدمار الشامل. ورغم إطلاق صدام حسين خلال حرب عام 1991 عدداً كبيراً من الصواريخ التي استهدفت العاصمة السعودية الرياض والمدن السعودية الأخرى فإن القيادة السعودية اتخذت قراراً بعدم توظيف قدراتها في هذا المجال والرد على الصواريخ العراقية.

فصواريخ صدام وصواريخ الخميني حققت حلم السحق والمسح خلال الحرب العراقية - الإيرانية فيما سمي بـ "حرب المدن" ولكن من سحق أو مسح هي مساكن مواطنين أبرياء في بغداد وطهران. والحقيقة أن صواريخ صدام حسين كانت أكثر تطوراً وقدرة ولم تستطع لا سحق أمريكا ولا مسح إسرائيل رغم أن صدام حأول خلال حرب عام 1991 تحقيق حلم إيران في السحق والمسح والقصة لا تحتاج لإعادة الرواية.
إذاً ما قيمة ما قالته لافتة القماش التي زفّت بها صواريخ شهاب – 3 في ذلك اليوم؟ هل ان القيادة الإيرانية اليوم تعيد عملية الحلم بأحلام غير مشروعة؟ هل هي عملية غش الذات الصادر عن التعمد بإغفال الحقائق أو صادر عن الجهل بالحقائق؟ أم هي عملية تطمين، لا صدقية لها، لدول الجوار بأنهم لن يكون الهدف لصواريخ شهاب، وأن العدو المشترك أو الأعداء المشتركين هم من سيدفع الثمن؟
وهناك بديهية أخيرة لا بد من إدراكها في العلوم العسكرية وتتركز حول الارتباط الوثيق والعضوي بين برنامجين أساسيين في عملية تطوير الأسلحة وبالذات فيما يسمى باستراتيجية تطوير القدرات الردعية وهما: برنامج تطوير الصواريخ بعيدة المدى (الاستراتيجية ) من جانب، وبرنامج تطوير أسلحة الدمار الشامل بشكل عام أو تطوير الأسلحة النووية بشكل خاص من الجانب الآخر. وفي كل دول العالم التي دخلت النادي النووي كان هذان البرنامجان يعدان من التوائم اللذين لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر.

فالقدرات النووية أو بالتحديد القنابل النووية تستلزم وجود وسائط نقلها من دولة المصدر إلى دولة الهدف، وفي هذا المجال يعد امتلاك القدرات الصاروخية إحدى أنجع الوسائل وأفضلها وأرخصها لنقل القنابل النووية إلى أهدافها النهائية. وهنا يمكن الاستدلال على اللغز الإيراني، وهو بالمناسبة لا يبتعد قليلا عن اللغز العراقي خلال حكم الرئيس المخلوع صدام حسين، ومفاده وجوب تبني تطوير البرنامجين الصاروخي والنووي بالتوازي والتلازم لتأسيس القدرة الردعية المطلوبة. ورغم أن برنامج إيران لتطوير صواريخ شهاب لم يربط بشكل مباشر، إلى حد الآن على الأقل، ببرنامج تطوير القدرات النووية الإيرانية، فإن الربط بين برنامجي التطوير هو ربط عملي لا مفر منه. لذا هنا تكمن الخطورة الأبعد والأكثر جدية لبرنامج الصواريخ الإيرانية.

مجلة آراء حول الخليج