; logged out
الرئيسية / خمس سنوات على غزو بلاد الرافدين واحتلالها

خمس سنوات على غزو بلاد الرافدين واحتلالها

الخميس، 01 أيار 2008

شنت الولايات المتحدة في عام 2003 حرباً على العراق انتهت بإطاحة نظام صدام حسين، ووقوع العراق في قبضة الاحتلال، وتفكيك أجهزة الدولة العراقية ومؤسساتها والدفع بالبلاد إلى حالة من الفوضى وانعدام الأمن لا تزال فصولها تتوالى حتى الآن. وبمناسبة مرور خمس سنوات على الغزو والاحتلال، فإنه من المهم قراءة هذه الخبرة ببصيرة نافذة ومنهجية علمية غايتها استخلاص العبر والدروس، وبلورة بعض المقترحات التي من شأنها وضع نهاية للمأزق العراقي الراهن، خاصة وأن ما يجري حالياً في العراق سوف تكون له انعكاساته على المنطقة سواء بالسلب أو الإيجاب، فعراق مستقر وموحد ويخطو بثبات على طريق التنمية والديمقراطية سيكون عنصر أمن واستقرار في المنطقة، أما عراق ممزق ويعاني من انعدام الأمن وغياب الدولة، مثلما هو حادث الآن، فسيتحول إلى بؤرة لتفريخ وتصدير العنف والإرهاب إلى خارج حدود العراق.

 وفي سياق قراءة وتحليل حصيلة وتداعيات خمس سنوات على عملية غزو العراق واحتلاله يمكن القول إن هذه العملية كشفت من ناحية أولى عن حقيقة مهمة مفادها أن الكذب شكل- ويشكل - سمة رئيسية لسياسة إدارة الرئيس جورج بوش تجاه العراق، التي ارتكزت على مقولات واعتقادات المحافظين الجدد؛ فالولايات المتحدة طرحت أهدافاً ومسوغات عدة لتبرير الغزو والاحتلال وتتمثل في: القضاء على أسلحة الدمار الشامل في العراق، ووجود علاقة وثيقة تربط بين النظام العراقي وتنظيم القاعدة، وإطاحة النظام العراقي، وتأسيس نظام ديمقراطي مستقر على أنقاضه بما يجعل العراق نموذجاً للديمقراطية في المنطقة.

وفي المحصلة لم تنجح الإدارة الأمريكية في إثبات وجود أسلحة دمار شامل في العراق، بل عكس ذلك هو الذي تم إثباته بأدلة قاطعة، كما ثبت بشكل قطعي عدم وجود أية علاقة بين النظام العراقي السابق وتنظيم القاعدة، أما هدف بناء نظام ديمقراطي في العراق فقد تحوّل في التحليل الأخير إلى دليل ناصع على فشل السياسة الأمريكية في المنطقة، حيث لم يتحول العراق إلى نموذج للديمقراطية والازدهار، بل أصبح نموذجاً للفوضى والعنف الطائفي وانعدام الأمن وغياب التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وكل ذلك كشف أن الأهداف الحقيقية للغزو والاحتلال كانت تتمثل في السيطرة بشكل أو آخر على نفط العراق، وإقامة قواعد عسكرية دائمة في هذا البلد، وفتح أبوابه أمام الشركات الأمريكية، وتعزيز أمن إسرائيل، وإكمال عملية تطويق طهران.

ومن المؤكد أن فشل السياسة الأمريكية في العراق إنما يعود إلى الأخطاء، بل والخطايا التي ارتكبتها الإدارة الأمريكية، فهي لم تعدّ جيداً لمرحلة ما بعد إطاحة النظام العراقي، وقامت بتفكيك أجهزة الدولة العراقية ومؤسساتها، وتعاملت بتخبط مع ملف إعادة الإعمار، كما قامت لفترة طويلة بتهميش السنة، فضلاً عن تهميش دور الدول الإقليمية (ماعدا إيران)، وكذلك تهميش دور الأمم المتحدة. وفي النهاية وجدت قوات الاحتلال نفسها في ورطة حقيقية في العراق لدرجة أن التعثر الأمريكي في العراق أصبح يؤثر سلباً في شعبية الرئيس بوش، كما أن السياسة الأمريكية تجاه العراق أصبحت قضية رئيسية في انتخابات الرئاسة الأمريكية رغم أن الناخب الأمريكي لا ينشغل عادة بقضايا السياسة الخارجية.

وكشفت خبرة الغزو والاحتلال، من ناحية ثانية، عن حدود دور القوة العسكرية للدولة العظمى، فعلى الرغم من وجود حوالي 160 جندياً أمريكياً في العراق، وعلى الرغم أيضاً من إنفاق أكثر من 500 مليار دولار على الحرب، ومقتل أكثر من 4000 جندي أمريكي، وكثرة الخطط والعمليات العسكرية التي قامت بها قوات الاحتلال، إلا أنها لم تنجح في فرض الأمن والنظام في البلاد، وأصبح غاية ما تسعى إليه هو تأمين (المنطقة الخضراء). ونتيجة لذلك انزلقت البلاد إلى حالة من العنف والفوضى هي أقرب ما تكون إلى الحرب الأهلية، وقد أسهم كل ذلك في جعل العراق ساحة ملائمة لنشاط تنظيم القاعدة، حيث عزز وجوده في ظل الاحتلال الأمريكي فيما لم يكن له وجود في هذا البلد من قبل، وأصبح يتخذ من العراق نقطة انطلاق لاستهداف دول أخرى في المنطقة. ورغم تراجع دور تنظيم القاعدة في العراق خلال الآونة الأخيرة، إلا أنه لا يستطيع أحد التكهن بأن ذلك سيكون وضعاً دائماً ونهائياً.

وكشفت عملية الغزو والاحتلال، من ناحية ثالثة، عن بؤس النخب السياسية العراقية وإخفاقها في الارتفاع إلى مستوى التحديات التي تواجه العراق، وتجعل مستقبله في الميزان، حيث أخفقت هذه النخب في الاتفاق على أسس صلبة ومقبولة لمصالحة وطنية حقيقية، تكرس مفهوم الانتماء للدولة العراقية، وتعزز من فرص التعايش السلمي بين مختلف طوائف الشعب العراقي، وتضمن وحدة العراق وسلامة أراضيه، وتعجّل بخروج القوات الأجنبية منه.

والذي حدث عملياً هو أن هذه النخب أعلت من شأن الطائفي على حساب الوطني، وجعلت لارتباطاتها الخارجية الأولوية على حساب الولاء للوطن والدولة العراقية، وانخرطت في مهاترات وصراعات صغيرة، مما أدى إلى زيادة سطوة الميليشيات المسلحة، وانتشار العنف الطائفي. ولاشك في أن فشل هذه النخب في التوافق على صيغة للمصالحة الوطنية إنما يعقّد من فرص الحل السياسي للمسألة العراقية، وهو حل لا يمكن من دونه استقرار العراق.

وأكدت خبرة الغزو والاحتلال، من ناحية رابعة، أن إيران كانت هي الرابح الأكبر من هذه العملية، حيث عززت من وجودها في العراق، وأصبحت تمسك بمفاصل كثير من أجهزة الدولة العراقية، واستفادت في ذلك من أخطاء السياسة الأمريكية في العراق، وغياب الدور العربي الفاعل والمؤثر هناك. وفي ضوء ذلك، فقد أصبح الدور الإيراني في العراق إحدى الأوراق التي توظفها الدبلوماسية الإيرانية في إدارة علاقاتها مع واشنطن، وهي علاقات معقدة بسبب الملف النووي الإيراني وقضايا أخرى. وكان من المفارقات أن تأتي الزيارة التي قام بها مؤخراً إلى العراق الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، محاطةً بكثير من الزخم مع الإعلان عنها و قبل حدوثها في الوقت الذي يزور فيه المسؤولون الأمريكيون العراق في السر ومن دون إعلان.

وفي هذا السياق، يمكن فهم لماذا تتفاوض واشنطن مع طهران تحديداً دون غيرها من الأطراف الإقليمية بما في ذلك الدول العربية بشأن المسألة العراقية، مما يعني ببساطة أن أي حل حقيقي للمسألة العراقية لابد أن يمر عبر طهران.

 وكشفت خبرة الغزو والاحتلال، من ناحية خامسة، عن ضعف وهشاشة الدور العربي تجاه العراق، فالطرفان الرئيسيان اللذان يتنافسان على الساحة العراقية هما واشنطن وطهران. أما الدول العربية فلا تمتلك سوى إصدار البيانات والتصريحات بشأن ضرورة الحفاظ على وحدة العراق وسيادته وسلامة أراضيه، والشيء نفسه تفعله الجامعة العربية، لكن من دون اتخاذ أية خطوات جدية للمساعدة على تحقيق هذه الأهداف. ويبدو أن الأزمة العميقة التي يعيشها النظام العربي الرسمي جعلته غير فعال في معالجة قضايا عربية بامتياز.

 وخلاصة القول أن خمس سنوات من الغزو والاحتلال كشفت وأكدت على تخبط السياسة الأمريكية وفشلها في العراق، وبؤس النخب السياسية العراقية، وهامشية الدور العربي تجاه المسألة العراقية، ونجاح إيران في ترسيخ دورها الإقليمي عبر البوابة العراقية وبوابات عربية أخرى. وإزاء كل ذلك يظل الشعب العراقي يدفع ثمن خطايا محتليه ، وأيضاً ثمن أخطاء حكامه ، وكذلك ثمن غياب أشقائه، وثمن طموح بعض جيرانه. وإذا استمرت الأوضاع الراهنة على ما هي عليه فقد يتفكك الكيان العراقي، ويتحول إلى دويلات صغيرة متصارعة، مما ستكون له آثاره وتداعياته الكارثية على المنطقة برمتها.

مقالات لنفس الكاتب