; logged out
الرئيسية / الاقتصاد السياسي للمملكة العربية السعودية

الاقتصاد السياسي للمملكة العربية السعودية

الخميس، 01 أيار 2008

تأليف: تيم نيبلوك ومونيكا مالك

الناشر: روتلِدج - 2007

إعداد: د.سمير رَنجان برادان

باحث أول بمركز الخليج للأبحاث

 

خلال السنوات القليلة الماضية، أثار انتشار الازدهار الاقتصادي القائم على النفط في كل أنحاء منطقة الخليج بالغ الاهتمام بالبحث الأكاديمي حول تفاعلات النمو الاقتصادي. غير أن نطاق الأعمال الأكاديمية الأخيرة اقتصر على تقييم أثر الازدهار النفطي الذي حدث بعد عام 2002، في الاقتصادات السياسية العربية. وتتمثل إحدى هذه المساهمات الرائدة بالكتاب الذي نحن بصدد قراءته وعنوانه (الاقتصاد السياسي للمملكة العربية السعودية)، وهو من تأليف عالم الاقتصاد السياسي المرموق الذي يُعد مرجعاً في مجال دراسات الشرق الأوسط، الدكتور تيم نيبلوك ومونيكا مالك. فالكتاب يُمثل مسحاً شاملاً للتقدم الجوهري الذي أحرزه الاقتصاد السياسي السعودي خلال مسيرة تحوله من الريعية إلى التنموية. وبوجه أخص، يحلل الكتاب كيف شكلت العوامل السياسية والاجتماعية السياسة السعودية، وكيف تتعاطى الدولة السعودية مع ديناميات حالة الوتيرة المتسارعة للتغيير الاقتصادي والسياسي.

وتنطوي دراسة الاقتصاد السياسي على تعقيدات تكمن في حتمية إيجاد موازنة حصيفة بين موضوعية الباحث والأولويات الاقتصادية ـ السياسية التي يريد تحليلها. لذا، قدم المؤلفان في بداية هذا الكتاب عرضاً واضحاً للخلفية النظرية لتحليل أبرز معالم الاقتصاد السياسي السعودي. وتغطي فصول الكتاب السبعة موضوعات مثل: جوهر المقاربة النظرية للاقتصاد السياسي السعودي، ونوعية وخصائص دور الدولة السعودية ومجمل أثر عائدات النفط، وتجارب الخطة التنموية خلال أربع فترات (1962-1970 و1970- 1985 و1985-2000 وحتى اليوم)، والقطاع الخاص السعودي ومسح لمفهوم الأعمال الحرة خلال التسعينات، وتقييم وإنجاز الإصلاحات التي بدأت في عام 2000، وقدرة الاقتصاد السياسي السعودي على التحول إلى اقتصاد صناعي مزدهر في العقد المقبل. وتشكل الأفق التحليلي للكتاب من خلال دراسة أربع قضايا أساسية، هي: ما إذا كانت الدولة السعودية قد تمكنت من إيجاد البنية التحتية الاجتماعية والمادية التي تحتاجها الاقتصادات التي يُراد لها أن تعمل بفاعلية في السوق العالمي التنافسي؛ وما إذا كانت القطاعات التي تتمتع المملكة فيها بأكبر أفضلية نسبية قد طُورت بفاعلية؛ وما إذا كان الاقتصاد يوفر للشعب فرص عمل تنافسية تلبي المعايير الدولية للعمل، وتتناسب مع مستويات التأهيل والتدريب المتاحة في المملكة؛ وما إذا كان القطاع الخاص قوياً وفعالاً بما فيه الكفاية لكي ينافس في السوق العالمي من دون الاعتماد بشكل كبير على مساندة الدولة عبر الحماية الجمركية والتسهيلات الخاصة والدعم المالي. وأخيراً، ما إذا كان يتم ادخار نسبة معقولة من عائدات النفط كرصيد لأجيال المستقبل. أما المعيار الأساسي الذي يحاول هذا الكتاب تقييمه فهو مدى قدرة الاقتصاد السعودي على البقاء والازدهار من دون الاعتماد الهائل على إيرادات النفط، والديناميات الناشئة التي يرتكز عليها النموذج التنموي السعودي.

وكما أشار المؤلفان، تحول الاقتصاد السياسي السعودي من نموذج الدولة الفقيرة التي تكتفي بتحقيق الحد الأدنى من مقومات البقاء في حقبة ما قبل النفط، إلى النموذج التنموي الذي تقوده الدولة بعد عام 1948، أي بعد انطلاقة صادرات النفط السعودية. وسهل تركيز السلطة بيد الملك فيصل في الفترة الممتدة بين عامي (1962 - 1970)، تطوير الهيكليات الإدارية والتخطيطية والقانونية اللازمة للتنمية وجمع عائدات الدولة من صادراتها النفطية، واستخدام الموارد بفاعلية أكبر لتطوير البنية التحتية والتصنيع الناشئ القائم على النفط. وغلب الطابع الانتقالي على هذه الفترة لأن توجيه الاقتصاد باتجاه جديد وظهور رؤية تقضي بإجراء تغييرات جوهرية، لم يترافقا مع توفر الموظفين الماهرين والبنية التحتية اللازمة لتحقيق أي تحول اجتماعي أو اقتصادي جوهري. إضافة إلى ذلك، ضمنت قاعدة الاقتصاد الريعي للدولة، آنذاك، اعتماد القطاع على الدولة وليس العكس. وتمثلت المفارقة في حقيقة أنه في الوقت الذي أضعفت فيه التفاعلات الريعية للنفط موقع القطاع الخاص ونفوذه، أرسى الأخير أسس بقائه وازدهاره. ولم يكن لدى الدولة السعودية أي نية للتخلي عن دورها وأصولها كما كان يحدث في دول عربية أخرى. وكانت الفترة التالية التي امتدت من عام 1970 إلى عام 1985 رائعة حقاً من حيث التوسع السريع للاقتصاد السعودي، ويصف المؤلفان هذه الفترة بأنها فترة (الازدهار السعودي الأول) الذي غذته أسعار النفط المرتفعة خلال الفترة التي امتدت بين عامي (1973 - 1974). وشهدت هذه الفترة تطوراً هائلاً ترافق مع إنفاق حكومي ضخم تجاوز مجموع ميزانيات الخطط التنموية الثلاث. واشتملت المكونات الرئيسية للرؤية التنموية على التطوير السريع لصناعة النفط واكتساب السيطرة على كل منافع إنتاج النفط وبناء قاعدة صناعية عريضة للبتروكيماويات مع توسيع العمليات الصناعية القائمة، وتشجيع الزراعة وتحقيق درجة من الاكتفاء الذاتي الزراعي عبر نشر الري وإيجاد البنية التحتية الاجتماعية والمادية للدولة السعودية الحديثة. وفيما اضطلعت الدولة السعودية بدور حيوي في بلورة وتنفيذ هذه الرؤية، عمل القطاع الخاص على تلبية احتياجات الشعب الاستهلاكية، خاصة من خلال خدمات توفير المنتجات الزراعية وبعض الخدمات التصنيعية البسيطة. ومع تنامي عائدات النفط، أصبح من السهل الإقرار بتماسك وجدوى هذه الرؤية، لكن مع نهاية هذه الفترة، ضعفت الثقة بقدرة الدولة على حل مشكلات البلاد. وجاء ذلك بالدرجة الأولى نتيجةً لتراجع عائدات النفط والسياسات التي اتبعتها الحكومة، والتي قيدت مشاركة الدولة، مما أدى إلى ضرورة تطوير مقاربة جديدة للتنمية الاقتصادية في الفترة التالية.

ومن وجهة نظر المؤلفين، مثلت الفترة التي امتدت بين عامي (1985 – 2000)، مرحلة التنمية المحسوبة. وكان مستوى أسعار النفط العامل الأكثر حسماً في تشكيل الاقتصاد السياسي السعودي خلال تلك المرحلة، وبالتالي، مستوى إيرادات النفط الذي لم يكن دون مستوى الفترة السابقة فحسب، وإنما كان يتراجع بصورة متواصلة. كما أن رد فعل الحكومة لجهة عدم تقليص إنفاقها بشكل كبير أدى إلى عجز هائل في ميزانياتها، لكن الحكومة غطت هذا العجز من خلال بيع أصول رسمية في الخارج والاقتراض من الأسواق المالية العالمية. علاوة على ذلك، أدارت الحكومة أيضاً بهذا العجز المالي عبر تأخير دفع المستحقات التي كانت تتوجب عليها لقاء الخدمات والعقود، التي كان يُنجزها القطاع الخاص، غير أن قدرة الحكومة على مواصلة هذه المقاربة تقلصت مع مرور الوقت. وظلت عائدات النفط والإنفاق الحكومي القضيتين المركزيتين بالنسبة لأداء الاقتصاد السعودي في هذه الفترة، رغم كل الجهود التي بذلتها الحكومة من أجل تنويع الاقتصاد الوطني، كما أن القاعدة الريعية لعائدات النفط ساهمت في منح الحكومة القدرة على مواصلة سياساتها وممارساتها الاقتصادية من دون الحاجة إلى إدخال أي تغييرات جوهرية عليها. ومع أن العلاقات بين الموظفين الحكوميين ورجال الأعمال مثلت إحدى أبرز سمات الاقتصاد السياسي في تلك المرحلة، إلا أن الحقيقة الأساسية تمثلت، آنذاك، بعدم ميل المؤسسة الحاكمة إلى إدخال أي إصلاح جذري. وحتى في ظل هبوط مستويات عائدات النفط، ظلت الحكومة السعودية تمتلك الموارد المالية الكافية لمواصلة سياساتها الاقتصادية. وفي الحقيقة، لم يكن رفع القيود البيروقراطية كافياً لحل جملة من المعضلات الاجتماعية التي كانت تلوح في الأفق، مثل تفاقم عدم المساواة الاجتماعية وانحسار فرص توظيف الأجيال الجديدة وتنامي حجم القوة العاملة غير السعودية.. إلخ. وهكذا، باتت الدولة بحاجة للاضطلاع بدور جديد ومختلف بدلاً من التخلي ببساطة عن القيام بأي محاولة لتوجيه العملية التنموية. علاوة على ذلك، واصل القطاع الخاص نموه وبدأ قسم من طبقة رجال الأعمال السعي لضمان حماية المصالح الجماعية لأصحاب المشاريع الخاصة، لكن سلوك نخبة قطاع الأعمال بدا متشائماً حيال قدرة القطاع الخاص على التحول إلى المساهم الرئيسي في النمو الاقتصادي. وما الاستنتاج بأن القطاع الخاص كان غير قادر على القيام بالدور الرئيسي في الاقتصاد إلا ضرب من التضليل، من وجهة نظر نيبلوك فجوهر هذه المسألة كان يكمن، برأيه، في المشكلات التي كان يواجهها القطاع الخاص وحلولها المحتملة.

وبدأ تطبيق الإصلاح الاقتصادي على أرض الواقع في المملكة منذ عام 2000، ففي المرحلة الراهنة أصبحت تُطبق الإصلاحات الاقتصادية التي تكرر الإعلان عنها أثناء إقرار الخطط السابقة. وتمثل الدافع الأول للإصلاح الاقتصادي في حقبة ما بعد عام 2000، في الأزمة المالية وما أفرزتها من مشكلات اقتصادية واجتماعية. وهكذا، وُضعت الخطوط العريضة لعملية الخصخصة وصيغت القواعد واللوائح التنظيمية لجذب الاستثمار الأجنبي والمحلي. وأهم ما في هذا التطور هو أن السياق السياسي لهذا الإصلاح كان أقدر على إنتاج  تغييرات إيجابية، وأن الأهمية المركزية في هذا السياق تعود إلى البراغماتية والدور المتزايد لولي العهد السعودي آنذاك الملك عبدالله بن عبدالعزيز. كما أن تنامي حجم القطاع الخاص وقوته كانا أيضاً عاملاً حاسماً في دفع هذه السياسات نحو الأمام.

وكما يؤكد المؤلفان، فإن الدولة السعودية نضجت بسرعة كبيرة منذ بداية القرن الحالي، بدليل أن المؤسسات الحكومية المركزية والمشاريع المملوكة للدولة وشركات القطاع العام أصبحت أكثر فاعلية، وباتت تتمتع بتنظيم جيد، كما أن المؤسسات الأخرى المسؤولة عن الإدارة المعولِمة للاقتصاد أصبحت بمثابة (رموز للتميز). بعبارة أخرى، نضجت الدولة السعودية من حيث قدراتها الذاتية وبلورة مفهومها الخاص لدورها إزاء القطاع الخاص، وأصبحت اليوم في وضع يمكنها تماماً من قيادة تحولها من دولة ريعية إلى دولة تنموية. ومن الواضح أيضاً أن المملكة العربية السعودية المعاصرة تمر بتحول مماثل لذلك الذي مرت به تايوان وكوريا الجنوبية، في خضم ارتقائهما السريع من دولتين منشغلتين بهمومهما الداخلية إلى دولتين تنمويتين معولمتين. ومن وجهة نظر المؤلفين، يعمل الاقتصاد السعودي القائم على الطاقة كالقوة المحركة لعولمة هذا الاقتصاد وكبديل عن قطاعات التصنيع الموجه نحو التصدير في الدول التنموية الآسيوية. كما تدرك الدولة السعودية حالياً مدى الحاجة للشراكات مع رجال الأعمال لإنجاز معدلات النمو التي يتم التخطيط لها؛ وهذه مقاربة مماثلة للإرشاد الاستراتيجي لقطاعي الصناعة في تايوان وكوريا الجنوبية. كما أن ازدهار القطاع الخاص السعودي الناتج عن هذه الشراكة يعزز حجم شريحة رجال الأعمال وأهميتها وكفاءتها الاقتصادية، الأمر الذي ينطوي على إمكانية تكثيف المطالبة بإصلاح الاقتصاد السياسي السعودي مع مرور الوقت.

والأهم من ذلك هو أن ما ورد في هذا الكتاب من تحليل للحقائق وشرح نير للاتجاهات ووجهات نظر مرتكزة على أسس متينة، يمكّن المرء من فهم تعقيدات عوامل التجاذب الأساسية في الاقتصاد السياسي السعودي المعاصر؛ إذ نجح المؤلفان في تسهيل فهم الاقتصاد السعودي في الماضي القريب والحاضر مع تقييم إمكاناته ومشكلاته واستشراف اتجاهه المستقبلي. لكن كان بإمكان المؤلفين أن يتناولا الاتجاه المستقبلي المحتمل للاقتصاد السياسي السعودي بمزيد من التفصيل. وبهذا الخصوص، كان بإمكانهما التعمق أكثر في ما إذا كان النمو السريع الذي يغذيه النفط سيستمر في حال انتهاء الازدهار؛ وما إذا كان نمو القطاع الخاص واستقلالية الدولة التنموية السعودية قد نتجا عن الازدهار أم أن القطاع الخاص يتكون في الواقع من رأسماليين يسعون إلى الحصول على الدعم الريعي عبر استغلال ولائهم للنخبة السياسية؛ وما إذا كانت الطبقة المتوسطة اليافعة التي تكافح من أجل تحسين وضعها ستضغط باتجاه إدخال المزيد من الإصلاحات لتشكل بذلك تحدياً للنخبة الحاكمة؛ وأخيراً، ما إذا كانت السياسات الحالية للإنفاق المتزايد على تحسين المهارات وتعزيز المستوى التعليمي ستؤدي إلى نشوء اقتصاد قائم على المعرفة، يزاوج بنجاح بين التعليم والتكنولوجيا؟ وهذه الجوانب من الاقتصاد السياسي السعودي تستحق الدراسة في أعمال مستقبلية مماثلة. وختاماً، مع أن هذا الكتاب يرسم صورة متفائلة نسبياً عن المملكة العربية السعودية، إلا أنه يُعتبر أيضاً كعمل يدعو إلى التفكير والتحليل نظراً للتغيرات السياسية ـ الاجتماعية متعددة الأبعاد التي شهدها الاقتصاد السياسي للمملكة.

مقالات لنفس الكاتب