; logged out
الرئيسية / الدبلوماسية الخليجية ومواجهة التحديات الراهنة

الدبلوماسية الخليجية ومواجهة التحديات الراهنة

الأحد، 01 حزيران/يونيو 2008

شهدنا خلال الشهر الماضي (مايو 2008) جملة من التطورات الملحوظة على الساحتين العربية والخليجية. فخلال هذا الشهر جاء الرئيس الأمريكي جورج بوش في جولة جديدة إلى المنطقة، والتي شملت إسرائيل ومصر والسعودية، وراح يكرر الحديث عن رؤيته لشرق أوسط مستقر يعمّه السلام والاستقرار والازدهار الاقتصادي، كما راح يبشّر سكان المنطقة بمستقبل زاهر. والمراقب للتطورات على الأرض يدرك أن كلام الرئيس الأمريكي هو مجرد أحلام لا تمت للواقع بصلة، وخاصة في ظل الموقف المتفجر على جبهات عدة في المنطقة العربية. فالوعود التي قطعها الرئيس الأمريكي بتأسيس دولة فلسطينية قبل مغادرته سدة الرئاسة تبدو سراباً بعيد المنال، وأيضاً وعوده بتعزيز الاستقرار تصطدم بحالة عدم الاستقرار والفوضى التي أفرزتها القرارات الكارثية لإدارة الرئيس بوش وسياسة الولايات المتحدة الخارجية بشكل عام.

جاءت زيارة الرئيس الأمريكي الرسمية إلى إسرائيل متزامنة مع احتفالات الدولة العبرية بمرور ستين عاماً على تأسيس الكيان. وكان مضمون تصريحات الرئيس الأمريكي في هذه المناسبة يصب في خانة واحدة تتلخص باستمرار وتعاظم الدعم الأمريكي غير المحدود لإسرائيل والتعبير عن إعجابه بقوة وحصافة (الديمقراطية الإسرائيلية)، ضارباً عرض الحائط بممارسات قوات الاحتلال الإسرائيلية غير الإنسانية وانتهاكها الصارخ لكل معايير حقوق الإنسان والقوانين والأعراف الدولية. ومن خلال قراءة ما ذكره الرئيس الأمريكي عن إسرائيل بمناسبة (عيدها الستين) تبرز بوضوح أسس ازدواجية معايير ما يسمى (الدول الديمقراطية)، وخاصة المتمثلة في الممارسات الأمريكية والإسرائيلية بكونهما دولتين عدوانيتين توسعيتين تقومان باحتلال أراضي الغير وانتهاك حقوق الإنسان العربي في فلسطين والعراق، وتجاهل قرارات الشرعية الدولية. ولا شك في أن احتفال إسرائيل بعيد (الاستقلال الستين) له دلالة مؤلمة في الضمير العربي، حيث يشير إلى خيبة الأمل العميقة لدى الشارع العربي من جرّاء فشل النظام العربي الرسمي، بعد ستين عاماً من المحاولات العربية، لضمان حقوق الشعب الفلسطيني وكرامته.

جاء الرئيس الأمريكي إلى المنطقة في زيارة تبدو وداعية قبل رحيله من البيت الأبيض خلال الأشهر القليلة المقبلة. ويدرك المواطنون العرب أن تراث إدارة الرئيس بوش مثقل بكل ما هو غير إيجابي، وأن المنطقة العربية عانت، ولا تزال تعاني، وسوف تظل تعاني لفترة مقبلة من القرارات والسياسات غير الحكيمة لهذه الإدارة. فتراث الرئيس بوش من منظار خليجي يمكن تلخيصه في سلسلة من المواقف التي ستكون لها تأثيرات سلبية طويلة الأمد في أمن المنطقة واستقرارها، ابتداء من عدم قدرة الولايات المتحدة على السيطرة على الوضع في أفغانستان بعد الغزو والاحتلال الأمريكي لها عام 2001؛ مما أتاح لتنظيم القاعدة، وبدعم من الطالبان، العودة إلى ساحة العمليات، وبشكل فعال؛ مما يشكل خطراً على أمن واستقرار الدول الخليجية التي تعَد هدفاً معلناً لتنظيم القاعدة.

 

وجاء قرار الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق ليعمق المأزق الأمني والسياسي لدول المنطقة متمثلاً في فشل الولايات المتحدة السياسي والأمني في التعامل مع الوضع العراقي بشكل فعال وحكيم. فعراق ما بعد الاحتلال يشكل اليوم أكبر تحدٍّ استراتيجي تواجهه دول الخليج العربية، باعتبار أن ما يجري في العراق ستكون له انعكاساته المباشرة وغير المباشرة على هذه الدول؛ وتكمن جذور هذا القلق والتحسب من الوضع العراقي في طبيعة النظام السياسي والإداري الذي أنتجته حالة الاحتلال والتركيبة السياسية التي تحكم البلاد اليوم، إلى جانب عامل التدخلات الخارجية والنفوذ الخارجي الذي تأسس في العراق كثمرة للفشل الأمريكي في إدارة الأزمة.

وإضافة إلى الفشل الأمريكي في إدارة الأزمة في كل من أفغانستان والعراق يأتي الفشل في القدرة على الوقوف بوجه الطموحات الإيرانية والتعامل البنّاء مع سياسة إيران التدخلية والتوسعية في المنطقة ليضاف إلى رصيد فشل إدارة بوش في التعامل مع قضايا المنطقة؛ فقد نشأت معادلة مؤلمة لمقياس التطورات السياسية في المنطقة تقول: إن الفشل الأمريكي يوازي ويعادل النجاح الإيراني، فكل حالة فشل أمريكي قابلتها حالة نجاح إيراني على امتداد جغرافيا المنطقة لتشمل ساحات الصراع والمواجهة في أفغانستان والعراق وفلسطين ولبنان. وعدم القدرة الأمريكية على احتواء السياسة التدخلية للقيادة الإيرانية امتد ليشمل أسلوب التعامل مع قضية الملف النووي الإيراني. فبعد تمكّن الولايات المتحدة وحلفائها في مجلس الأمن الدولي من استصدار ثلاثة قرارات استندت إلى الباب السابع من ميثاق منظمة الأمم المتحدة (باب وجوب التطبيق)، وطلبت من إيران التوقف التام والفوري عن كل نشاطات تخصيب اليورانيوم، لكن إيران سلكت مسلكاً علنياً يقوم على تكثيف جهود تخصيب اليورانيوم وتسريع القدرة والطاقة الإنتاجية لمؤسسات الدولة النووية، وأصبحت السياسة الإيرانية اليوم تقوم التحدي العلني لقرارات مجلس الأمن الدولي والإعلان عن نية إيران في عدم احترام القرارات الدولية مستقبلاً.

وعلى ضوء الفشل الدبلوماسي والعسكري الأمريكي نجد أن الدبلوماسية الخليجية بدأت في الظهور كطرف مؤثر خلال الأشهر الماضية؛ ففي مؤتمر دول الجوار العراقي الذي عقد في دولة الكويت يومي 22 -23 من شهر إبريل الماضي تمكنت الدبلوماسية الخليجية، وبشكل جماعي، من الوقوف أمام ضغوط واشنطن، حين قامت برفض المطالب الأمريكية المعلنة، والتي تركزت على وجوب قيام دول مجلس التعاون الخليجي بإعادة افتتاح سفاراتها في بغداد، كما رفضت طلب الإعلان عن إلغاء الديون المترتبة على العراق منذ غزوه للكويت. وكان الموقف الخليجي ينطلق من اعتبارات المصالح العليا لهذه الدول، التي عبّرت عن عدم الرضا تجاه سلوك حكومة بغداد، وانعدام الرغبة في تقديم الدعم لنظام يتعايش مع النزعات الطائفية ويحتضن النفوذ الخارجي. ومن خلال الاجتماع قامت الدول الخليجية بالتأكيد مجدداً على وجوب احترام سيادة العراق واستقلاله، ودعت إلى الالتزام بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدولة العراقية.

كما عادت الدبلوماسية الخليجية في الظهور كعنصر فاعل في التعامل مع الأزمة اللبنانية، وذلك خلال الاجتماع الطارئ لمجلس جامعة الدول العربية الذي عقد في منتصف شهر مايو الماضي حين قادت قطر ودولة الإمارات العربية المتحدة مشروع إرسال لجنة عربية خاصة إلى لبنان لمحاولة التعامل مع التعقيدات التي أفرزتها المواجهة المسلحة الأخيرة بين قوى المعارضة والموالاة، ونجحت اللجنة في ترتيب (مؤتمر الحوار اللبناني) الذي عقد جلسته الأولى في العاصمة القطرية يوم 17 مايو من أجل إيجاد مخرج فعّال لإنهاء الأزمة اللبنانية، والذي أثمر في النهاية عن نجاح باهر للدبلوماسية الخليجية بعد التوصل لتوافق بين الفرقاء اللبنانيين بما يكفل وحدة وسيادة وأمن لبنان.

وهناك مهمة أخرى لا تقل أهمية تنتظر الدبلوماسية الخليجية خلال المستقبل القريب وهي مبادرة إعادة سوريا إلى الصف العربي. فالنظام في سوريا، ولمصالح ذاتية تخصّ القيادة السورية، يقف اليوم في صف القوى التي تعمل بجد على زعزعة الاستقرار العربي ووحدة الموقف العربي؛ فالتحالف السوري – الإيراني يخدم المصالح القومية العليا للدولة الإيرانية، ويدعم الأهداف الاستراتيجية الإيرانية في المنطقة، والتي تنطوي على ضمان دور إقليمي فاعل لإيران في كل القضايا الأساسية في منطقة الشرق الأوسط، وذلك على حساب الدور العربي وأيضاً على حساب المصالح العربية، بل على حساب الأمن والاستقرار في العالم العربي. لذا فإن الدبلوماسية الخليجية تتحمل مهمة العمل وبذل الجهود لضمان عودة سوريا إلى الصف العرب

 

وتبقى الحقيقة البارزة في أحداث شهر مايو الماضي متمثلة في زيارة الرئيس الأمريكي إلى المملكة العربية السعودية والاجتماع الذي عقده مع القيادة السعودية، حيث إن ما حدث في الرياض لم يكن أكثر من حوار في الوقت الضائع، كشف عن عمق الفجوة بين إدارة الرئيس الأمريكي من جهة والمملكة العربية السعودية من جهة أخرى؛ فطلبات الرئيس الأمريكي ووعوده لم تؤخذ بشكل جدّي في الرياض، خاصة وأن الحقائق على الأرض تؤكد للجميع أنه رئيس فاقد للمصداقية، تبنى سياسات وقرارات خلقت الكثير من المشكلات في المنطقة.

وأخيراً بكون الرئيس جورج بوش في طريق الرحيل عن سدة السلطة، فإن جل العواصم الخليجية تبنتْ على ما يبدو موقف غسل اليد من الإدارة الحالية، والانتظار للتعامل مع الإدارة القادمة، التي نأمل بأن تكون أكثر حكمةً وعقلانيةً وخبرةً مما يمكّن الدبلوماسية الخليجية من لعب دور بنّاء في معالجة نتائج الأزمات التي ولّدتها السياسة الأمريكية في المنطقة خلال السنوات الثماني الماضية.

مقالات لنفس الكاتب