; logged out
الرئيسية / ثورة على ضفاف دجلة: (التمرُّد الصدري) وحكم العراق

ثورة على ضفاف دجلة: (التمرُّد الصدري) وحكم العراق

الأحد، 01 حزيران/يونيو 2008

المؤلف: مارك إيثرينغتون

إعداد: كليدا مولاج

الناشر: لندن – هورست وشركاه – 2005

 

يقدم هذا الكتاب تحليلاً أولياً مباشراً لفترة الأشهر التسعة الأولى التي تلت الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003، والتي قضاها المؤلف ـ وهو مظلي سابق في الجيش البريطاني وخريج جامعة كامبريدج ـ في مدينة الكوت رئيساً لسلطة التحالف المُؤقّتة. وقد كانت مسؤولية فريق سلطة التحالف المُؤقّتة هي مراقبة الإقليم الأوسط ذي الأغلبية الشيعية ـ 900 ألف شيعي ـ وكذلك الحدود مع إيران، مع بدء عملية إعادة البناء سياسياً ومادياً.

بدأ المؤلف مهمتَه مُنسقاً حكومياً في مدينة الكوت في الإقليم الأوسط بالعراق في الخامس من أكتوبر 2003، وكان مسؤولاً عن إدارة البلاد تحت قانون سلطة الاحتلال إلى حين التوصُّل إلى حكومة انتقالية مقبولة، وتم تكليف كل سلطة تحالف محلية مُؤقّتة إنشاءَ فريق حكومي مدني يترأسه المنسق الحكومي. وكان المؤلف يقدم تقاريره مباشرة إلى رئيس سلطة التحالف المُؤقّتة السفير بول بريمر.

وخلال هذه المهمة، واجه إيثرينغتون مشكلتين رئيسيتين، تتعلق الأولى بطاقة وقدرة الفريق الحكومي الذي كان أقل عدداً مما تستلزمه المهمات المنوطة به، وتتعلق الثانية بانعدام الأمن. علاوة على ذلك، فقد افتقد تكوين الفريق عنصراً يُعَد المكوِّن الرئيسي لعمله، وهو تطبيق القانون. وقد كان الانطباع الأول للمؤلف عن سلطة التحالف المُؤقّتة أنها منظمة ضخمة بموارد غير عادية، غير أنها مُقيدة بقيود لوجستية أكثر من كونها قيوداً أيديولوجية. ويذكر المؤلف أن مهمات عمله اليومي كانت تكريس وجود سلطة التحالف وإدارة أعمالها في مختلف الأرجاء ـ في المنطقة الوسطى ـ وليس إقناع الشارع أو السكان بأهمية وجود هذه السلطة بالنسبة إليهم. وقد ركزت تعليمات بريمر على تحقيق أكبر مشاركة ممكنة للعراقيين في العملية السياسية وعملية إعادة الإعمار في البلاد. وكان على هذه السلطات أن تنشئ المجتمعَ المدنيَّ من الصفر، وأن تؤسس المجالس المحلية في المدن والقرى، مع إعطاء العراقيين فرصة المشاركة في العملية الديمقراطية.

وعلى الرغم من المهمات الهائلة المنوطة بسلطات التحالف المُؤقّتة؛ فقد كانت الأخيرة ضعيفة من ناحية، ولا تتوقع معارضة من ناحية ثانية، إذ كان لا يُنظر إليها على أنها قوات احتلال. ففي حين كانت ترتيبات القيادة العسكرية المدنية المشتركة غير واضحة وبعيدة تماماً من سلطات التحالف المُؤقّتة، لم تتوافر لأفراد الأخيرة المركبات المدرعة ولا حتى السترات الواقية من الرصاص. وعلى المستوى المحلي، كان هناك كثير من المنظمات، وكانت لكل منها شرطة محلية وتسلسل قيادي غير خاضع تماماً لسلطات التحالف المحلية المُؤقّتة.

لم تكن ـ إذن ـ لسلطة التحالف المُؤقّتة قوة عسكرية خاصة بها؛ ولهذا، فقد اعتمدت على الحامية الأوكرانية التي لم تزد على 60 جندياً، مما لا يفيد في مواجهة أخطار الهجمات أو العصيان المسلَّح. ويعترف المؤلف بأن شركة (كيه بي آر) التي تتولى توفير الإمدادات لسلطة التحالف المُؤقّتة، لم تكن تريد العمل خارج نطاق محيط الحامية الأوكرانية، حيث يقع مقرها ويوجد مكتبها. ولم يكن من السهل على سلطة التحالف المُؤقّتة أن تطلب المساعدة من القواعد العسكرية الكبيرة المنكفئة على نفسها على بُعد أربعة كيلومترات من مركز المدينة، بينما المطلوب من هذه السلطات أن تتصل بالجماهير على نحو مباشر، وهو ما لن يحدُث إذا استقرت سلطات التحالف داخل القواعد العسكرية طلباً للحماية.

لقد واجهت المنطقة الوسطى مشكلات خطِرة، مثل: عدم توافر القوة الرئيسية على مدار اليوم، والفوضى في محطات البنـزين، وظهور السوق السوداء للوقود عند التقاطعات الرئيسية، وعدم توافر السلاح لمعظم رجال الشرطة، بل توافر أدلة على تورطهم في أنشطة إجرامية. فلم تكن هناك ـ إذن ـ قوة شرطة لفرض النظام والقانون في المدينة التي انهارت فيها الخدمات العامة.

ولم تقدم سلطة التحالف المُؤقّتة على علاج هذه الأعراض، لأنه لم يتوافر لها العنصر البشري ولا الموارد اللازمة للقيام بمهمة كهذه؛ ولذلك، فهي حاولت دفع العراقيين للأخذ بزمام المبادرة وإدارة الإقليم مبكراً عما كان مخططاً له.

وطوال شهر أكتوبر، ازداد الوضع الأمني سوءاً في المنطقة الوسطى الجنوبية نتيجة للتوترات التي شهدتها مدينة كربلاء المقدسة، فقد استولى أتباع الزعيم الشيعي مقتدى الصدر على مسجد ومناطق حكومية، معترضين على سلطة التحالف المُؤقّتة في مختلف أنحاء البلاد، وأسسوا محكمة شرعية وسجناً في مركز المدينة. علاوة على ذلك، فقد كانت الحدود في حالة مزرية، حيث اخترقها آلاف الإيرانيين بغرض زعزعة العراق ومهاجمة مؤسسات الدولة.

ويشرح إيثرينغتون أنه في أي إعادة انتشار بعد الحرب، كما هي الحال في العراق، فمن المتوقع وجود مجموعات من المدنيين في المدن الرئيسية لأغراض الإدارة والنقل، وهي مهمات فرعية ذات أهمية، إذ تُوفر معلومات وتقدم تقارير للقيادة على مستوى رئاسة الإقليم. وبالتوازي مع ذلك، كان لا بد من وجود وحدات عسكرية فرعية لدعم هذه المجموعات والعمل معها. ومع ذلك، فإنه بعد ستة أشهر من الحرب اعتمدت سلطة التحالف المُؤقّتة في المنطقة الوسطى على أربع فرق دولية وبعض السيارات، وذلك للتعامل مع نحو 17 مجلساً لعدد يقل قليلاً عن مليون مواطن. وقد كانت الاتصالات بين سلطة التحالف المُؤقّتة والوحدة الأوكرانية من الصعوبة بمكان، حيث لم يتوافر لدى الأخيرة إلا عدد قليل ـ برتب مختلفة ـ ممن يتحدثون الإنكليزية، كما أن هذه الفرقة لم يكن لها سابق خبرة مطلقاً في إعادة البناء السياسي، وهو ما كان له أثره السيئ في القوة السياسية لسلطة التحالف المُؤقّتة في تعاملها مع الأمور. ويشير المؤلف إلى أن ذلك ـ أي سوء التعامل مع الأمور ـ لم يكن نتيجة لعدم كفاية القوات عددياً فحسب، بل الحقيقة أن معظم هذه القوات كانت تفتقد الخبرةَ والأدوات اللازمة للوفاء بمهماتها.

وعلى نحو مفاجئ، قلبت اتفاقية الخامس عشر من نوفمبر خططَ الإصلاح التي أقرها المجلس الدستوري ـ الذي أسسته قوات مشاة البحرية الأمريكية (المارينـز) ـ رأساً على عقب. وإذ كانت الاتفاقية مفاجئة، فقد افترضت أن سلطة التحالف المُؤقّتة سوف تنحلّ في الثلاثين من يونيو 2004، وتُسلم الأمور لحكومة عراقية مُؤقّتة. وبهذا الاتفاق، فقد ذهبت مخططات بناء القدرات والتدريب وإنشاء المجالس وإصلاح فروع الوزارات أدراج الرياح. وبالنسبة إلى الكثيرين في سلطة التحالف المُؤقّتة في بغداد والمعارضين للبقاء في العراق، فقد كانت هذه الاتفاقية بمنـزلة استراتيجية خروج من العراق.

وعلى الرغم من أن سلطة التحالف المُؤقّتة سعت إلى فرض نفسها بصورة مباشرة أكثر من أي وقت آخر، فإنها افتقدت القوةَ اللازمة لذلك. وعلى الرغم أيضاً من الإنجازات التي تحققت حتى ربيع عام 2004، فإنه كان هناك الكثير من المشكلات التي تنتظر الحل والناتجة عن الفشل في توفير نظام سياسي عسكري فاعل في العراق. وبقي الأمن يمثل المشكلة الكبرى، فقد فشلت سلطات التحالف المُؤقّتة في حماية محيط عملها والسيطرة عليه. كما فشلت في القبض على أي من عتاة المجرمين فيها، مما أدى إلى تدمير سلطة التحالف المُؤقّتة وإعاقة العملية السياسية.

علاوة على ذلك، لم يفطن كثيرون إلى تنامي تأثير أتباع الزعيم الشيعي مقتدى الصدر في صفوف الشعب، الذي على الرغم من دعمه بعضهم على نحو مباشر، فإنه زرع الخوف في قلوب كثيرين، كما أن قلة قليلة فقط هي التي تجرأت على نقده علانية، ولم تأبه ميليشياته ـ جيش المهدي ـ لسلطة التحالف بأي صورة من الصور.

وفي الخامس من إبريل 2004، بدأت مؤسسات الإقليم بالانهيار، فلم يذهب ما يزيد على نصف طاقم العمل المدني إلى أعمالهم، كما ترك أفراد الشرطة ـ وكذلك قوات الدفاع المدني العراقية ـ مقارّهم من دون إذن، إلى جانب أن الحامية الأوكرانية غادرت المدينة. ونجح الانقلاب الصدري، حيث سيطر الصدريون على التلفزيون الذي سخَّروه لخدمة أهدافهم، وهاجمت الميليشيات مقارّ سلطة التحالف المُؤقّتة التي لم تستطع المواجهة واضطُرت إلى إخلاء مواقعها. وفي حملة أوسع، شنَّت قوات الصدر هجمات منظمة في مختلِف أنحاء المنطقة وفي بغداد بعنف وإصرار فاجآ سلطة التحالف المُؤقّتة.

وقد تمت إعادة تأسيس إدارة سلطة التحالف المُؤقّتة في الكوت في الشهر التالي (مايو 2004) فقط بعد أن أمنت القوات الأمريكية المنطقة، وتم انتخاب محافظ جديد ليتسلم السلطة من إيثرينغتون الذي غادر هو وفريقه المدينة في الثامن والعشرين من يونيو 2004.

وأخيراً يُقدم هذا الكتاب رؤية محدودة ـ بالضرورة ـ لمسعى أكبر وأوسع، وهو لا يمثل في ذاته تقييماً رسمياً للتطور السياسي الأخير في العراق، ولا لدور سلطات التحالف المُؤقّتة في العملية السياسية. فيقرُّ الكتاب بأن مهمات سلطات التحالف المُؤقّتة أو قوات التحالف في العراق لم تكن سهلة. كما يوضح أن سلطة التحالف المُؤقّتة في المنطقة الوسطى لم تفشل بسبب الإخفاق اللوجستي وعدم التنسيق فقط ، بل لأنها أيضاً أخفقت في حشد العراقيين العاديين خلف مشروعها.

 

مقالات لنفس الكاتب