; logged out
الرئيسية / الأحزاب السياسية العراقية والمشاركة في الانتخابات :الظروف. . المواقف. . الدوافع

الأحزاب السياسية العراقية والمشاركة في الانتخابات :الظروف. . المواقف. . الدوافع

السبت، 01 كانون2/يناير 2005

بداية، تجدر الإشارة إلى أنه بعد انهيار ما كان يعرف بـ "الحزب القائد" في العراق في نيسان 2003، شهدت الخارطة الحزبية في العراق تشعباً واسعاً وكثيفاً من حيث عدد الأحزاب والتنظيمات السياسية الموجودة على ساحة المشهد السياسي العراقي، والتي قارب عدد المسجل منها رسمياً حوالي الـ 250 تنظيماً سياسياً. وهذا العدد يعد كبيراً مقارنة بالفترة الزمنية التي تواجدت فيها تلك التنظيمات على الساحة العراقية، وهو ما أدى بدوره إلى أن يكون من الصعب بمكان إخضاع تلك التنظيمات والأحزاب إلى التصنيفات التي وضعها فقهاء النظم السياسية والدستورية.

وقد حاول البعض الخوض عرضاً في هذا الميدان، فصنف البعض هذه الأحزاب على أساس النشأة: مرحلة ما قبل حرب تحرير الكويت (1991)، مرحلة ما بعد تحرير الكويت (1991-2003)، مرحلة ما بعد سقوط البعث (2003). في حين أن بعضاً آخر حصرها ضمن صنفين: أحزاب الخارج، وهي التي دخلت البلاد من الخارج بعد سقوط نظام البعث، وأحزاب الداخل، وهي التي تأسست في داخل العراق، وبكوادر وقيادات لم تبرح البلاد، وطبيعي أن ذلك بعد سقوط نظام البعث أيضاً. والبعض وضع لها تصنيفاً أيديولوجياً: إسلامية، علمانية، قومية، ليبرالية، شيوعية. بيد أن هذا التصنيف ظل متداخلاً مع المكونات القومية والمذهبية في العراق. فالأحزاب الإسلامية الشيعية، مثلاً، هي ليست الأحزاب الإسلامية السنية، والأحزاب الإسلامية السنية العربية تختلف عن الأحزاب الإسلامية السنية الكردية، والحزب الشيوعي الكردستاني هو جزء من المنظومة الكردية، لكنه خارج إطار الحزب الشيوعي العراقي، وهكذا.

وعليه، فإننا سنأخذ بالتقسيم المذهبي، الديني، القومي أولاً من دون أن نهمل – قدر الإمكان - الجوانب الأخرى من فكرية أو أيديولوجية. كما أننا سنمر على أبرز الأحزاب السياسية الموجودة على الساحة العراقية. ولنبدأ من الانتخابات. بعد احتلال العراق مباشرة، طالبت القوى السياسية الشيعية بإجراء انتخابات عامة في البلاد تنبثق عنها أولاً لجنة عراقية لكتابة دستور دائم للبلاد يعرض على الشعب في استفتاء عام ويكون أساساً للنظام السياسي العراقي الجديد. مرددين ومشددين على أن الشيعة هم الأغلبية التي لا تخشى الانتخابات ونتائجها. بيد أن هذا المطلب لم يكن مقبولاً من الأمريكان الذين يتملكهم هاجس الخوف من الشيعة وإمكانية أن يشكلوا جسراً تعبر من خلاله إيران إلى سدة الحكم في العراق. أما القوى الكردية، فهي وإن كانت لها أقدامها الراسخة في كردستان العراق، إلا أنها على ما يبدو لم تشأ أن تتخذ موقفاً متعارضاً مع الموقف الأمريكي. في حين أن القوى السنية العربية – التي كانت تفتقر إلى تنظيمات سياسية قوية كالتي وفرتها ظروف المنفى للشيعة والكرد رفضت الانتخابات أيضاً.

وكانت المبررات الأساسية التي قدمها الجانب الأمريكي تتلخص في عدم استقرار الوضع الأمني وعدم وجود إحصاء سكاني. أما المبررات الأساسية التي قدمها السنة العرب فكانت تتلخص أولاً في رفض إجراء الانتخابات في ظل الاحتلال، فضلاً عن التبريرين السالفي الذكر، مع اتهام إيران بأنها أدخلت حوالي مليون نسمة من مواطنيها بغية التأثير في كفة الانتخابات لمصلحة الشيعة.

الشيعة من جانبهم أصروا على موقفهم، ولجأوا إلى مرجعهم الأعلى آية الله العظمى السيد السيستاني الذي شدد على ضرورة إجراء الانتخابات، وعدها المصدر الأساسي للشرعية السياسية، داعياً إلى اعتماد البطاقة التموينية كبديل للإحصاء السكاني.

وفي خضم ذلك السجال، أعلن الإمام السيستاني قبوله برأي الأمم المتحدة في هذا المجال. وهكذا أرسلت الأمم المتحدة مبعوثها الأخضر الإبراهيمي الذي رفع تقريراً أوصى فيه بإجراء الانتخابات في نهاية كانون الأول 2004، وفي موعد أقصاه نهاية كانون الثاني 2005. وهكذا جاء الموعد المذكور ضمن قرار للمنظمة الدولية، ودخل ضمن نص قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية الذي وقعه أعضاء مجلس الحكم الـ 25، في وقت أبدى فيه اثنا عشر عضواً شيعياً من أصل ثلاثة عشر تحفظهم على بعض من فقراته.

وقبل نقل السيادة إلى العراقيين جرى تأسيس المفوضية المستقلة العليا للانتخابات، كهيئة مستقلة عن السلطات القائمة في الدولة العراقية. وقبل أن ينهي بول بريمر مهامه، أصدر قانون الانتخابات الذي جاء فيه إن العراق دائرة انتخابية واحدة، وإن التصويت سيكون بالقائمة المغلقة التي يتراوح عدد أعضائها بين 12 – 275 عضواً، ويحق للمستقلين ترشيح أنفسهم بقوائم مفردة، مع اعتماد نظام التمثيل النسبي.
وفي أواخر حزيران 2004 تم نقل السيادة إلى العراقيين، فزال الاحتلال رسمياً. وفي آب من العام نفسه جرى اختيار برلمان محدود الصلاحيات مكون من 100 عضو. ولم يجر الإحصاء السكاني الذي كان من المقرر أن يجري في تشرين الأول 2004، واستعيض عنه بالبطاقة التموينية. وحدد منتصف شهر تشرين الثاني 2004 موعداً لبدأ تسجيل الكيانات السياسية – أفراد، أحزاب أو إئتلافات حزبية -، واختير يوم 30 كانون الثاني 2005 موعداً لإجراء انتخابات تنبثق عنها بالدرجة الأساسية لجنة صياغة الدستور.

ومع ذلك، فإن الوضع الأمني لم يتحسن، بل ازداد سوءاً – ما عدا إقليم كردستان -، ومع انتهاء (أزمة الصدر) غدا الجنوب أفضل حالاً من الناحية الأمنية، بينما غدا الحل السلمي لـ (أزمة الفلوجة) أمراً بعيد المنال. ومع الإعلان عن انعقاد مؤتمر في شرم الشيخ أواخر تشرين الثاني لمناقشة الحالة العراقية، توجهت بعض الأنظار السنية العربية إلى هناك، رابطة موقفها من المشاركة في الانتخابات بما يتمخض عن المؤتمر من قرارات. ولكن في تشرين الثاني نفسه من عام 2004 بدأت العمليات العسكرية في الفلوجة، ومؤتمر شرم الشيخ جاء مؤيداً لإجراء الانتخابات في موعدها. في حين ظل الوضع الأمني في مناطق ذات أغلبية عربية سنية في حالة تدهور.

وعلى صعيد آخر، لم يحسم الكرد الموقف في كركوك لمصلحتهم، فطالبوا بتأجيل الانتخابات البلدية فيها، وعقد مؤتمر للقوى السياسية الرئيسية في أربيل أعلنت القوى الكردية الرئيسية بعده إن اتفاقاً جرى على تأجيل الانتخابات في المدينة المتنازع عليها إلى حين عودة كافة الكرد المرحلين عنها.

وفي غضون ذلك، اجتمعت عدة قوى سياسية سنية كردية وعربية معلنة مطالبتها بتأجيل الانتخابات لمدة ستة أشهر ريثما تتم معالجة الملف الأمني، وإقناع القوى الرافضة للمشاركة في الانتخابات بالعدول عن رأيها، وشاركت في الاجتماع حركة الوفاق الوطني العراقي التي يتزعمها رئيس الوزراء المؤقت الدكتور إياد علاوي .

ولم يتأخر الرد الأمريكي طويلاً، ففي صباح اليوم التالي وقف السفير الأمريكي في بغداد جون نيجروبونتي في الفلوجة ليعلن من هناك أن الانتخابات ستجرى في موعدها المحدد. وتلاه تصريح للرئيس بوش يحمل المعنى نفسه. وعند ذاك أعلنت حركة الوفاق الوطني العراقي أنها حضرت الاجتماع لكنها لم توقع على طلب التأجيل، وتراجع الكرد إلى المطالبة بتأجيل الانتخابات البلدية في كركوك فقط، والمفوضية العليا أعلنت أنها لم تستلم أي طلب رسمي للتأجيل. واضطرت القوى العربية السنية تباعاً إلى تسجيل تنظيماتها السياسية وقوائمها الانتخابية لدى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات.

أما القوى الشيعية فقد رفضت التأجيل رفضاً قاطعاً مبررة موقفها بمسوغات أساسية، سياسية وقانونية وأخلاقية: سياسية، تتمثل في أن التأجيل لم يحسن الوضع السياسي والأمني، والانتخابات ستضفي الشرعية السياسية الكاملة على السلطة السياسية. وقانونية، مؤداها أن قانون إدارة الدولة نص على أن سلطة تعديله مناطة حصراً بأعضاء الجمعية الوطنية المفترض انتخابها في الموعد المنصوص عليه، وأنه يجب إرساء مبدأ سيادة واحترام القانون في العراق الجديد، كما أن تأجيل الانتخابات خلاف نص القانون سيفتح المجال لقوى أخرى تطالب بإجراء تعديلات لمصلحتها، لا سيما في ما يتعلق بالفقرات التي تحفظ عليها الأعضاء الشيعة. وأخيراً أخلاقية، تتمثل في ضرورة الوفاء بالالتزامات المنصوص عليها والمتعهد بها أمام الشعب.

أما تسجيل الكيانات السياسية وقوائمها الانتخابية فهو ما سنعرج عليه وعلى النحو الآتي:

- القوى الشيعية:

حاولت القوى الشيعية بداية الدخول في قائمة ائتلافية وطنية موحدة تضم القوى السياسية الرئيسية في العراق، بيد أنها لم تفلح في ذلك، ولكنها لم تنفك عن مسعاها هذا حتى جاءت قائمة (الائتلاف العراقي الموحد) التي ضمت إلى جانب القوى الشيعية قوى وشخصيات سياسية من قوميات ومذاهب أخرى لعل أبرزها عدد من شيوخ عشيرة (شمر – جربة) التي ينتمي إليها الشيخ غازي عجيل الياور رئيس الجمهورية المؤقت، فضلاً عن احتوائها على قوى وشخصيات ليبرالية وعلمانية. وحملت القائمة المكونة من (228) عضواً، الرقم (169). ونصف أعضاء القائمة هم من المستقلين، والنصف الآخر خصص لـ (16) تنظيماً سياسياً بنسب شبه متساوية. ولعل أبرز هذه التنظيمات: (المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق) برئاسة عبدالعزيز الحكيم، (حزب الدعوة الإسلامية) برئاسة الدكتور إبراهيم الجعفري نائب رئيس الجمهورية، (حزب المؤتمر الوطني العراقي) برئاسة الدكتور أحمد الجلبي، و(حزب الدعوة الإسلامية/ تنظيم العراق).

ورغم أن القائمة جاءت محتوية لمكونات من الطيف العراقي، إلا أن سمتها العامة ظلت إسلامية تجمع الشيعة بقومياتهم المختلفة (عرب وكرد وتركمان) ويبدو أن منظمي القائمة أحاطوا مكتب الإمام السيستاني علماً بتفاصيل تنظيمها وأعضائها، وهكذا عدت قريبة من المرجعية، الأمر الذي أضفى عليها جانباً من الشرعية الدينية لدى الجماهير الشيعية. وقد أثير جدل حول هذه القائمة، ووجهت لها اتهامات من داخل العراق وخارجه على أساس أنها قائمة إيرانية، وقد تمكنت قوى القائمة من تحويل تلك الاتهامات إلى وقود أجج مشاعر الجماهير الشيعية نحو المزيد من التأييد للقائمة التي غدت من أقوى القوائم الانتخابية المتنافسة في الانتخابات.

وتجدر الإشارة إلى أنه لم تنضوِ جميع القوى الإسلامية الشيعية تحت لواء هذه القائمة، فهناك قوى دخلت الانتخابات بقوائم منفردة كـ (حركة الدعوة الإسلامية) التي كان يترأسها عزالدين سليم الذي اغتيل في أيار 2004، وكذلك التيار الإسلامي الديمقراطي.
على صعيد آخر، شكل الدكتور إياد علاوي قائمة ائتلافية عرفت باسم (القائمة العراقية)، ضمت إلى جانب تنظيمه - حركة الوفاق الوطني العراقي – ستة كيانات سياسية أخرى، وضمت القائمة (232) مرشحاً. ورغم وجود رجل الدين الشيعي حسين الصدر (عميد أسرة آل الصدر) في القائمة، إلا أنها يغلب عليها الطابع العلماني الليبرالي. وتضم ألوان الطيف العراقي أيضاً. إلا أن مصدر قوتها يكمن في كونها تضم رجالات السلطة السياسية من وزراء وأعضاء في البرلمان.

- القوى الكردية:

لم تشأ القوى الكردية – والحزبان الكبيران تحديداً - الدخول في ائتلافات وطنية لأسباب عديدة أهمها: أنها تسعى للحفاظ على هويتها القومية، كما أن صيغة الائتلافات الوطنية أصبحت غير محبذة بعد تجربتي مجلس الحكم والحكومة المؤقتة، فضلاً عن كون الانتخابات التشريعية مهمتها الأساسية هي وضع دستور دائم للبلاد، وأن الرؤية الكردية لهذه المهمة قد تختلف أو تتقاطع مع رؤى التنظيمات السياسية العربية والتركمانية، بشطريها الإسلامي والعلماني. ناهيك عن المشكلات الفنية التي قد تحدث أثناء تنظيم القائمة المغلقة.

ويتمتع الحزبان الكبيران – الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني – بقاعدة جماهيرية وقوة تنظيمية، ويتشاطران، دون سواهما من الأحزاب الكردية، الهيمنة والنفوذ على إقليم كردستان العراق. ومن هنا فإن احتمالية تحقيقهما فوزاً واضحاً في الانتخابات هي احتمالية راجحة، ولكن من غير المرجح أن يظلا يتشاطران النفوذ والهيمنة وحدهما. من جانب آخر: يسعى الحزبان لضم كركوك إلى إقليم كردستان، بيد أن هذا المسعى يواجه بعقبات أهمها رفض القوميات غير الكردية في المدينة، العرب والتركمان والكلدو – آشور، مثل هذا الإجراء. لذا فإن الحزبين طالبا بتأجيل الانتخابات البلدية في كركوك، وخلاف ذلك فإن القوى الكردية قد لا تشترك في الانتخابات التشريعية، كما جاء على لسان بعض المسؤولين الكرد. بيد أن هذا التهديد قد تلاشى بعد زيارة ريتشارد ارميتاج إلى المنطقة، والتقائه بمسؤولين كرد هناك.

عموماً، فقد دخلت الأحزاب الكردية السنية العلمانية والإسلامية والاشتراكية والمسيحية: الكلدانية والآشورية في قائمة واحدة احتوت (11) تنظيماً سياسياً أبرزها: الحزبان الكبيران، الاتحاد الإسلامي الكردستاني، الحزب الشيوعي الكردستاني، حزب الاتحاد الديمقراطي الكلداني، والحزب الوطني الآشوري. . وضمت (165) مرشحاً أبرزهم: جلال الطالباني، روز نوري شاويس نائب رئيس الجمهورية، والدكتور برهم أحمد صالح نائب رئيس الوزراء. وقد حملت القائمة اسم (التحالف الكردستاني). أما الكرد الشيعة فلم ينضووا تحت لواء التحالف الكردستاني، فمنهم من دخل في (الائتلاف العراقي الموحد) كـ (التجمع الفيلي الإسلامي في العراق)، ومنهم من دخل في تحالفات أخرى، أو بقوائم منفردة. الجدير بالذكر أن قوى كردية عديدة قررت خوض الانتخابات بقوائم منفردة.

- القوى العربية السنية:

لم تستطع القوى العربية السنية أن تدخل الانتخابات في قائمة ائتلافية موحدة، ويبدو أن مرد ذلك يعود إلى الاختلافات الفكرية والسياسية فيما بينها، إلا أن السمة العامة التي جمعتها هي رغبتها ومطالبتها بتأجيل الانتخابات، لاسيما أن الوضع الأمني فيما أطلق عليه بـ (المثلث السني) هو الأسوأ من بين جميع نواحي البلاد، ومن ثم فإن احتمالية عدم مشاركة قواعدها الانتخابية هي احتمالية أخذتها في الاعتبار، ذلك أنها قد تؤدي إلى ضعف رصيدها في البرلمان المقرر انتخابه.

ومع ذلك، فقد قدمت جميع الأحزاب السنية العربية قوائم منفردة. فـ (الحزب الوطني الديمقراطي) بزعامة نصير الجادرجي قدم قائمة ضمت (48) مرشحاً. في حين ضمت (قائمة تجمع الديمقراطيين المستقلين) التي يتزعمها الدكتور عدنان الباجه جي (63) مرشحاً. وكلتا القائمتين ضمتا أطيافاً متنوعة من مكونات الشعب العراقي، والسمة العامة للتنظيمين هي أنهما تنظيمان علمانيان ليبراليان يبتعدان حتى عن سمة المحافظة. أما الشيخ غازي عجيل الياور رئيس الجمهورية، فقد قدم قائمة منفردة ضمت (80) مرشحاً، وحملت اسم (عراقيون) وهي قائمة علمانية محافظة تضم عدداً من الإسلاميين، مصدر قوتها أنها ضمت عدداً من رجالات السلطة ووقعت تحالفاً مع (القائمة العراقية) التي يترأسها الدكتور علاوي لمرحلة ما بعد الانتخابات.

يذكر أن كلاً من: الجادرجي، الباجة جي، الياور، والحزب الإسلامي العراقي وقعوا على قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية دون تحفظات.
أما (الحزب الإسلامي العراقي) وهو الذي شارك في العملية السياسية في العراق منذ بدايتها، فإنه قد دخل في منعطف محرج بين رغبته في المشاركة السياسية، وبين رفض القوى الإسلامية العربية السنية لذلك. وعندما قرر الحزب الانسحاب من الحكومة على إثر الهجوم العسكري على الفلوجة، رفض ممثله في الحكومة الوزير حاجم الحسني ذلك وفضل الانسحاب من الحزب على الانسحاب من الحكومة والتحق بقائمة (عراقيون)، الأمر الذي ساهم في إرباك وضع الحزب.

وقد قدم الحزب قائمة ضمت (275) مرشحاً إسلامياً سنياً يتزعمهم الدكتور محسن عبدالحميد. وقد اتهم الحزب من بعض الإسلاميين السنة العرب الرافضين للانتخابات بأنه يتخذ مواقف متأرجحة متذبذبة لا تعرف الثبات. وأعلن الحزب انسحابه من المشاركة في الانتخابات في وقت لاحق. ويبدو أن المصادفة شاءت أن يأتي الإعلان عن انسحاب الحزب في يوم شهد مساؤه إعلان ابن لادن رفضه للانتخابات وحثه على عدم المشاركة فيها وتعيينه للزرقاوي "أميراً واجب الطاعة على بلاد الرافدين". الأمر الذي زاد من إرباك وضع الحزب الذي اتهم بأن قراره جاء استجابة وانسجاماً مع موقف ابن لادن. ورغم أن الحزب نفى نفياً قاطعاً وجود أية صلة بين الموضوعين، وأكد أنه لا يرفض العملية الانتخابية من الناحية المبدئية بل يرفض توقيتها، إلا أنه لم يندد صراحة أو يشجب موقف وتصريحات الأخير. وأخيراً أعلن الحزب عدم اعترافه بدستور البلاد الدائم، ليس قبل إن يصدر، بل قبل أن تنتخب الجمعية التي ستتولى كتابته، وفق ما جاء على لسان أمينه العام طارق الهاشمي .

- القوى التركمانية:

لم تتمكن القوى التركمانية أيضاً من خوض الانتخابات ضمن إطار موحد، رغم أن خمساً منها – علمانية وإسلامية - دخلت ضمن قائمة ائتلافية واحدة حملت اسم (جبهة تركمان العراق)، وضمت (63) مرشحاً يتصدرها (حزب تركمان أيلي). أما القوى التركمانية الإسلامية الشيعية: (الاتحاد الإسلامي لتركمان العراق) و(حركة الوفاء للتركمان) فقد دخلت ضمن قائمة (الائتلاف العراقي الموحد). بينما قررت بعض القوى التركمانية خوض الانتخابات بقوائم منفردة.

- القوى المسيحية:

بداية، يجب القول إن القوى المسيحية وإن كان يجمعها رابط الدين المشترك، إلا أنها علمانية ليبرالية بمجملها، كما أنها أخضعت نفسها لتقسيمات قومية ومذهبية أيضاً – آشور، كلدان، سريان، - لا مجال لتفاصيلها الآن.
لقد مثل المسيحيون (الكلدان والآشوريون) بمقعد واحد في مجلس الحكم شغله (يونادم كنا) الشخصية السياسية المسيحية الأبرز في العراق. وهو وإن كان قريباً من الإسلاميين الشيعة، إلا أنه في الوقت ذاته كان وظل قريباً من الكرد أيضاً. ولعل ذلك أحد الأسباب التي تفسر عدم دخول الكلدو – آشور في أي من الائتلافين القويين. ومع ذلك لم تتمكن القوى المسيحية من الدخول في قائمة ائتلافية واحدة.
فالحزبان المسيحيان الرئيسيان (الحركة الديمقراطية الآشورية) و(المجلس القومي الكلداني) دخلا في قائمة ائتلافية حملت اسم (قائمة الرافدين الوطنية) التي ضمت (28) مرشحاً. بينما دخل (اتحاد بيت نهرين الوطني) و(حركة تجمع السريان المستقل) في ائتلاف آخر حمل اسم (ائتلاف الرافدين الديمقراطي) الذي ضم (12) مرشحاً. في حين قررت قوى مسيحية أخرى أيضاً خوض الانتخابات بقوائم منفردة.
وبقي أن نذكر أن (الحزب الشيوعي العراقي) و(الملكية الدستورية) هما أبرز التنظيمات التي لا يمكن أن توضع ضمناً في زاوية دينية أو مذهبية أو قومية. فـ (الحزب الشيوعي العراقي) قرر خوض الانتخابات بقائمة ضمت (275) مرشحاً حملت اسم (اتحاد الشعب)، واتخذت من شعار (الجمهورية العراقية) الأول – أي في العهد القاسمي – شعاراً لها.

أما (الملكية الدستورية) – التي تتخذ من شعار (المملكة العراقية) شعاراً لها – فقد قررت خوض الانتخابات منفردة، وبقائمة ضمت (275) مرشحاً أيضاً. وهي واثقة من نفسها، وتطرح نفسها (حكماً) فوق الجميع، مؤكدة أن غايتها من المشاركة في الانتخابات تكمن في وضع رؤيتها لشكل نظام الحكم موضع التنفيذ عبر كتابة الدستور، ولأن رؤيتها هي الأوضح لدى جميع العراقيين، الذين يميزون، بكل وضوح، بين (الملكية) و(الجمهورية)، وإذا قامت الملكية، ليس مهماً بعد ذلك أن يصعد الإسلاميون أو الشيوعيون أو سواهم إلى دفة الحكم، فالخيار خيار الشعب، والملكية راعية الشعب.

أما البرامج الانتخابية لبقية الأحزاب السياسية، على اختلافها، فهي لا تكاد تختلف كثيراً، بل إن ثوابتها مشتركة في الأعم الأغلب: بناء عراق جديد ديمقراطي فيدرالي تعددي مستقل يسوده الأمن والاستقرار وتكفل فيه حقوق الإنسان كافة.

وقديماً، وصف الإغريق بلاد الرافدين بأنها (متحف الأجناس البشرية)، ويمكن القول إن عراق اليوم هو (متحف الأحزاب السياسية). ولكن مفردة (السياسية) تبدو كأنها مجازية، فالأحزاب العراقية، بشكل عام لا مطلق، هي أحزاب جهوية أكثر منها سياسية، ولكن قد يأتي اليوم الذي تتحول فيه إلى أحزاب (سياسية) بكل ما للكلمة من معنى. فليس سراً أن الديمقراطية لا تفرض بالقوة، ولا تأتي فجأة، ولا تنقل بالاستعارة، فهي عملية بناء تراكمي متفاعل لا يحتوي الجانب السياسي فحسب، بل مختلف الجوانب الأخرى من فكرية وثقافية واجتماعية واقتصادية، وليست الانتخابات سوى أداة سياسية للديمقراطية.  وبعد عقود من الديكتاتورية، وجد العراقيون أنفسهم صبيحة العاشر من نيسان 2003 في خضم تعددية ما لها من قرار، عسى الانتخابات أن توصلهم لشاطئ الديمقراطية والأمان.

مجلة آراء حول الخليج