; logged out
الرئيسية / دلالات رحيل عرفات بالنسبة للمشهد السياسي الفلسطيني وعملية السلام

دلالات رحيل عرفات بالنسبة للمشهد السياسي الفلسطيني وعملية السلام

السبت، 01 كانون2/يناير 2005

استهل الدكتور يزيد صايغ – الباحث الزائر بكل من كلية بيمبروك، جامعة كمبردج ومركز الدراسات والأبحاث الدولية، باريس - حديثه حول موضوع انعكاسات وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات على المشهد السياسي الفلسطيني وعملية السلام بتوجيه النقد الى ارث الرئيس الراحل ياسر عرفات السياسي والمؤسسي وممارساته طيلة السنوات الماضية. واكد المحاضر على ان غياب الرئيس سيخلق فرص جديدة للعودة للسلام والمفاوضات والتحسن على مستوى البنى المؤسسية الفلسطينية ولكن هذه الفرص محدودة، لان هناك عوامل اخرى تؤثر بالمسار السياسي الفلسطيني، تتمثل بالمواقف الامريكية والاسرائيلية. واضاف ان وفاة عرفات اراحت السياسة الفلسطينية والمؤسسات الفلسطينية من عبء ثقيل ومدمر للحياة السياسية الفلسطينية.

من جانبه قال عبد العزيز بن صقر رئيس مركز الخليج للأبحاث انه بعد وفاة الرئيس ياسر عرفات في 11 نوفمبر ساد جو من التفاؤل في العديد من اوساط المجتمع الدولي حول امكانية فتح صفحة جديدة في مسيرة احياء عملية السلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين، الا ان قراءة متانية لتصريحات بوش وبلير تؤكد الى حد كبير ان اللاعبين الاساسيين على الساحة الدولية لم يراجعوا بشكل جوهري الوسائل والاساليب لحل الصراع الاسرائيلي الفلسطيني. وبالتالي فان السياسات الدولية تجاه هذا الصراع لا تزال تفتقر الى الوضوح، فدول الاتحاد الاوربي وغيرها من الدول الاخرى تتجنب انتقاد الممارسات الاسرائيلية ضد الفلسطينيين لانها لا تريد الخروج من تحت عباءة الولايات المتحدة.

اشار المحاضر الى ان وفاة الرئيس ستؤدي الى نوع من التطور المؤسسي الفلسطيني، اذ ان نمط الادارة السياسية لدى عرفات كان يتسبب في حدوث الكثير من الخسائر. ففي الفترة الممتدة ما بين 1994-2000 نجد ان السلطة في هذه الفترة كانت مثقلة بالموظفين في القطاع العام بداعي التخفيف من البطالة، حيث نجد الان في القطاع العام 140 الف موظف جاءوا نتيجة العلاقات الشخصية والعشائرية. واضاف ان الرئيس كان يملك جميع السلطات ويتحكم بالقرار، ولم يكن هناك نظام سياسي قائم بذاته. نتيجة لذلك تطور النظام السياسي في الفترة المشار اليها انفا بشكل سلبي، فالاصل هو نشوء الاحزاب السياسية ذات البرامج السياسية والاقتصادية التي تتنافس مع غيرها عبر اطر واضحة شفافة، ولكن من الناحية العملية نجد ان هناك برلمان لا يملك اي قوة حقيقية في الشان الداخلي سواء فيما يتعلق بموضوع الميزانية او مبدا المحاسبة والمساءلة. وترتب على ذلك ان القوى الفاعلة في المجتمع الفلسطيني توصلت الى عدم جدوى المشاركة في العملية السياسية عن طريق التنافس في انتخابات للوصول الى البرلمان لانه لا يملك اي تاثير، وبالتالي ظل النمط الفصائلي سائدا وهذا النمط يصعب مساءلته لانه يستند الى السلاح والعلاقات السلطوية.

توجد معضلة امام القيادة الجديدة هي انه لو افترضنا انه في 9 كانون الثاني 2005 سينتخب رئيس جديد مختلف في النمط، الا ان هذا الرئيس سيواجه عدة تحديات منها:

1 الاصلاح الداخلي او تحسين الحكم، بمعنى ان يتم اعتماد مبدأ المحاسبة والمساءلة بحيث يكون الوزير مسؤولا امام الرئيس عن ادائه والمجلس التشريعي مسؤولا امام الناخبين والحكومة. فالمحاسبة هي اغلى شيء فقد في السنوات العشر الاخيرة خلال حكم الرئيس عرفات.

2 شكل المواجهة مع اسرائيل. فاذا تقرر وقف العنف فان ذلك لا يشكل ضمانة لعدم قيام اسرائيل باجراءات جديدة سواء بتوسيع المستوطنات غير الشرعية او مصادرة الاراضي او غيرها. واذا استمر العنف فمن الممكن ان لا تكون المجابهة مع اسرائيل فعالة ومجدية.
3 الهدف هو اقامة دولة فلسطينية مستقلة بحدود عام 1967 وعاصمتها القدس وحل موضوع اللاجئين. لكن هذا يتطلب وجود برنامج سياسي واضح يطرح على الشعب ويتم من خلاله توضيح الاهداف المختلفة. في معرض حديثه عن اهمية الانتخابات الفلسطينية بين المحاضر ان الفرصة سانحة لقيام انتخابات على مختلف المستويات الرئاسية والبرلمانية والبلدية، فتوقيتها مناسب لان كل من حركتي حماس وفتح انهكوا بسبب الضربات الاسرائيلية خصوصا في السنتين الماضيتين. اضافة الى ان جميع الاطراف لديها الرغبة -لو اتيحت لها الفرصة- في الخروج من المازق الحالي. والمفتاح الحقيقي للخروج من المازق هو الانتخابات العامة النيابية التي توصل اطراف مثل حركة حماس او فتح للمشاركة في العملية السياسية العلنية الشرعية والوصول للتاثير في التشريعات والقرارات. فالانتخابات عملية صحية تماما اذ تؤدي الى الانتقال من حالة السرية والعمل في الخفاء الى العمل في الساحة السياسية السلمية العلنية. وهذا يعطي الشرعية لمختلف الاطراف ويقوي في الوقت نفسه الساحة الداخلية.

وفي هذا الصدد يمكن القول ان الانتخابات هي المدخل لمبدا المحاسبة على التصرفات. فلا يحق لعدد من الاشخاص الذين يقومون بعمليات تفجير على مستوى فردي التحكم بمصير شعب باكمله. لذلك فان الخطوة الاولى بخصوص الشان الفلسطيني هي اعادة الشرعية للنظام الفلسطيني من خلال الانتخابات والعودة الى المساءلة وسيادة القانون. ولكن هذا غير كاف ايضا فلا توجد ضمانة بان تتم الانتخابات العامة البرلمانية في شهر مايو لان الحكومة الاسرائيلية غير راغبة في ذلك. فاتجاه شارون منذ اربع سنوات هو اضعاف وازالة كيان وطني فلسطيني. وهو لا يمانع وجود بلديات محلية وحكام محليين في كل جيب فلسطيني لكنه لا يقبل اجراء انتخابات لمجلس مركزي وطني (البرلمان) يجسد ارادة الشعب برمته. وهذا يعني ان شارون سيحاول الابتزاز واخذ ثمن مقابل التنازل والسماح باجراء انتخابات عامة. وفي هذا السياق من المحتمل ان يشترط شارون انه اذا تمت العودة الى خارطة الطريق فان الدولة الفلسطينية ستكون حدودها الخارجية غير متفق عليها وسيكون الاعلان عن الدولة في قطاع غزة وبحدود غير واضحة للضفة الغربية. واوضح ان الرئيس الامريكي جورج بوش الذي جعل تحقيق دولة فلسطينية هدف رسمي في السياسة الامريكية وجسد ذلك بمبادرة امريكية لاستصدار قرار من مجلس الامن رقم 1397 الذي يتكلم عن رؤية لدولتين تعيشان جنبا الى جنب، نجد ان هذا الموقف تراجع الان وبات قيام الدولة الفلسطينية مرهون بتلبية الفلسطينيين لعدة شروط مثل وقف العمليات ضد الاسرائيليين وغيرها وتبعا لذلك اصبح حق تقرير المصير مشروط وغير مطلق. فالرئيس جورج بوش الذي يؤكد على اقامة دولة فلسطينية في ولايته الثانية لم يتحدث عن انهاء الصراع، بل نجد ان هناك اتجاه لتاجيل الملفات الصعبة.

وعرض المحاضر رؤيته التي تقول بان الدولة الفلسطينية ستعلن اذا تم الاتفاق بين الاسرائيليين والفلسطينيين ولكن من دون حدود نهائية ومن دون الاتفاق علىالوضعية النهائية للقدس الشرقية وموضوع اللاجئين. وفي هذا الصدد اكد المحاضر على وجوب ان تحاول القيادة الفلسطينية ان تاخذ من دون ان تدفع ثمن جديد باهض وان تقنع حماس وغيرها بجدوى الدخول في العملية الانتخابية. فالمعضلة الحقيقية امام كل الفصائل الفلسطينية وابو مازن هي ان شارون يريد الاحتفاظ بنسبة 40% من الضفة الغربية، وهو غير مستعد للتخلي عن القدس الشرقية وقيام دولة فلسطينية لها سيادة على حدودها الخارجية او لها تماس مع العالم الخارجي. ولذلك فهو سيعطي دولة مشروطة (غزة واجزاء من الضفة الغربية) وسوف يؤجل مناقشة الامور الاخرى مثل القدس الشرقية وموضوع اللاجئين الى عشر سنوات قادمة.

ختم المحاضر بالتاكيد على ان المعضلة امام ابو مازن هي الوسيلة وليست الغاية. لان الغاية مصرح بها ولكن الاتفاق على الطريقة لكي نصل من نقطة الى اخرى هو الصعب. اضف الى ذلك ان الادارة الامريكية تغير مواقفها يوما بعد يوم ولا يوجد استعداد لدى الاسرة الدولية وبشكل خاص المجموعة الاوربية لجعل اسرائيل تدفع ثمن تصرفاتها وممارساتها ضد الشعب الفلسطيني. اضافة الى ان الاتحاد الاوربي غير مستعد لمجابهة السياسة الاسرائيلية والتميز عن الاجندة الامريكية. لذلك فكل هذه الاشكاليات تمثل تحديات حقيقية امام الرئيس المنتظر.

مجلة آراء حول الخليج